المحاكمة المدنية
(مت 2:27،11-31 + مر1:15-20 + لو1:23-25 + يو28:18-16:19)
(مت2:27،11-31)
الآيات (1،2):
"ولما كان الصباح تشاور جميع رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب على يسوع حتى يقتلوه. فأوثقوه
ومضوا به ودفعوه إلى بيلاطس البنطي الوالي."
لقد حوكم المسيح
دينياً أمام رؤساء اليهود، ومدنياً أمام بيلاطس حتى ينجوا الجميع يهود وأمم من
دينونة اليوم الأخير. فأوثقوه أية (2) فهو قبل أن يربط ليحل الجميع من رباطات
الخطية. أماّ هم فربطوه لأنهم خافوا أن يهرب كما كان يختفي من وسطهم من قبل.
ونلاحظ أن بيلاطس
كان يقيم في قيصرية شمال أورشليم. لكنه في الأعياد الكبرى كان يوجد في أورشليم
ليخمد أي ثورة أو فتنة وسط التجمعات في الأعياد.
واليهود لم يكن
لهم سلطان على تنفيذ حكم الموت فهذا من إختصاص الوالي الروماني ولأن الوالي لن
يحكم على المسيح بالموت بسبب تهمة دينية، فهم تشاوروا ليقدموه بتهمة أخرى وهي أنهم
إدعوا أن المسيح يطلب الملك ويقاوم قيصر. وكانت خطتهم أن يصلب فهذه هي العقوبة
الرومانية. وبارا باس كان محكوماً عليه بالصلب فأخذ السيد عقوبته، رمزاً لأنه حمل
عقوبة الموت المحكوم بها علينا.
وكان خطيراً أن
يطلب اليهود حكم الرومان على المسيح، إذ أن نفس الحكم الروماني قد نفذ فيهم هم على
يد تيطس سنة 70م حين صلب منهم عشرات الألوف وقتل مئات الألوف وهم الذين بدأوا
بالإلتجاء للحكم الروماني. (مز4:28)
الآيات (11-14):
"فوقف يسوع أمام الوالي فسأله الوالي قائلاً أأنت ملك اليهود فقال له يسوع
أنت تقول. وبينما كان رؤساء الكهنة والشيوخ يشتكون عليه لم يجب بشيء. فقال له
بيلاطس أما تسمع كم يشهدون عليك. فلم يجبه ولا عن كلمة واحدة حتى تعجب الوالي جداً."
كانت إجابة السيد
لبيلاطس مقتضبة للغاية. في الحدود التي يكشف فيها له عن الحق فلا يكون له عذر. وعندئذ
توقف عن الكلام سواء مع القادة الدينيين أو الوالي إذ لم يرد أن يدافع عن نفسه.وهو
لو أراد لأمكنه، بل يأمر السماء فتشهد لهُ. ولكنه لم يكن محتاجاً إلي هذه الشهادة
والدفاع عنه.
صمت السيد يعلمنا
أن لا نثور لكرامتنا ونضطرب، فهو إتهم ظلماً وأهين وصمت. بل حتى الآن يهاجمه
كثيرين وهو صامت، بل يضع دفاعه في حياة تلاميذه الحقيقيين. هو جاء ليحمل خطايا
البشرية فلماذا يدافع عن نفسه بأنه لم يخطئ.
الآيات (15-26):
"وكان الوالي معتاداً في العيد أن يطلق للجمع أسيراً واحداً من أرادوه. وكان
لهم حينئذ أسير مشهور يسمى باراباس. ففيما هم مجتمعون قال لهم بيلاطس من تريدون أن
أطلق لكم باراباس أم يسوع الذي يدعى المسيح. لأنه علم انهم أسلموه حسداً. وإذ كان
جالساً على كرسي الولاية أرسلت إليه امرأته قائلة إياك وذلك البار لأني تألمت
اليوم كثيراً في حلم من أجله. ولكن رؤساء الكهنة والشيوخ حرضوا الجموع على أن
يطلبوا باراباس ويهلكوا يسوع. فأجاب الوالي وقال لهم من من الاثنين تريدون أن أطلق
لكم فقالوا باراباس. قال لهم بيلاطس فماذا افعل بيسوع الذي يدعى المسيح قال له
الجميع ليصلب. فقال الوالي وأي شر عمل فكانوا يزدادون صراخا قائلين ليصلب. فلما
رأى بيلاطس انه لا ينفع شيئا بل بالحري يحدث شغب اخذ ماء وغسل يديه قدام الجمع
قائلاً أني بريء من دم هذا البار ابصروا انتم. فأجاب جميع الشعب وقالوا دمه علينا
وعلى أولادنا. حينئذ أطلق لهم باراباس وأما يسوع فجلده وأسلمه ليصلب."
بار أباس = بار =
إبن أباس = الأب. لقد أنقذ السيد بموته حياة بارا باس كما أنقذ حياة كل خاطئ محكوم
عليه بالموت. لأنه علم أنهم أسلموه حسداً = كان بيلاطس يعلم شرهم ونيتهم الخبيثة. أرسلت
إليه امرأته = الله لا يترك نفسه بلا شاهد. وأي شرٍ عمل = كان هذا درساً لرؤساء
اليهود أن هذا الوالي الوثني غريب الجنس يشهد ببراءة المسيح. ولمن بيلاطس خاف من
ثورة الجماهير وخاف أيضاً من قتل من يرى أنه بار فغسل يديه. ولكن هو بلا عذر فقد
أرشده الله عن طريق زوجته بل هو نفسه رأى أن المسيح بار وليس هناك ما يدينه بسببه.
بيلاطس كان قاسياً وسفك دماء كثيرين (لو1:13) ولكنه كان ضعيفاً أمام الحق لتمسكه
بكرسيه.
جلده = من عذاب
الجلد كان يموت البعض فكان الجلد بصورة بربرية بسوط به قطع عظم ورصاص وقد تصيب
الضربات الرأس والعين.
أبصروا أنتم = أنتم المسئولون عن قتله.
الآيات (27-31):
"اخذ عسكر الوالي يسوع إلى دار الولاية وجمعوا عليه كل الكتيبة. فعروه
وألبسوه رداء قرمزياً. وضفروا إكليلاً من شوك ووضعوه على رأسه وقصبة في يمينه
وكانوا يجثون قدامه ويستهزئون به قائلين السلام يا ملك اليهود. وبصقوا عليه واخذوا
القصبة وضربوه على رأسه. وبعدما استهزئوا به نزعوا عنه الرداء وألبسوه ثيابه ومضوا
به للصلب."
عروه لأجلنا (وتمثيلاً
لذلك تعرى المذابح في أسبوع الآلام) نحن الذين نزعت عنا الخطية ثوب القداسة ليعيد
لنا لباس البر. وضع على رأسه إكليل شوك ليزيل عنا لعنة الخطية التي بسببها حصدنا
الشوك (تك18:3). سجدوا له في هزء ولم يعلموا أن أمم العالم سوف تسجد له في فرح. البسوه
ثوب أرجوان وضربوه على رأسه.
لقد ظن بيلاطس أن
منظر المسيح بعد هذه الآلام وهو مضرج بدمائه سيثير شفقة اليهود ويحرك قلوبهم
فيكفوا عن طلب صلبه ولكنهم أصروا (يو5:19،6). لقد سخروا منه كملك فأعطوه قصبة في
عينه كصولجان وجثوا أمامه كملك
(مر1:15-20): "وللوقت في الصباح تشاور رؤساء الكهنة والشيوخ والكتبة
والمجمع كله فأوثقوا يسوع ومضوا به وأسلموه إلى بيلاطس. فسأله بيلاطس أنت ملك
اليهود فأجاب وقال له أنت تقول. وكان رؤساء الكهنة يشتكون عليه كثيراً. فسأله
بيلاطس أيضاً قائلاً أما تجيب بشيء انظر كم يشهدون عليك. فلم يجب يسوع أيضاً بشيء
حتى تعجب بيلاطس. وكان يطلق لهم في كل عيد أسيراً واحداً من طلبوه. وكان المسمى
باراباس موثقاً مع رفقائه في الفتنة الذين في الفتنة فعلوا قتلاً. فصرخ الجمع
وابتدأوا يطلبون أن يفعل كما كان دائماً يفعل لهم. فأجابهم بيلاطس قائلا أتريدون
أن أطلق لكم ملك اليهود. لأنه عرف أن رؤساء الكهنة كانوا قد أسلموه حسداً. فهيج
رؤساء الكهنة الجمع لكي يطلق لهم بالحري باراباس. فأجاب بيلاطس أيضاً وقال لهم
فماذا تريدون أن افعل بالذي تدعونه ملك اليهود. فصرخوا أيضاً اصلبه. فقال لهم
بيلاطس وأي شر عمل فازدادوا جداً صراخاً اصلبه. فبيلاطس إذ كان يريد أن يعمل للجمع
ما يرضيهم أطلق لهم باراباس واسلم يسوع بعدما جلده ليصلب. فمضى به العسكر إلى داخل
الدار التي هي دار الولاية وجمعوا كل الكتيبة. وألبسوه أرجواناً وضفروا إكليلاً من
شوك ووضعوه عليه. وابتدأوا يسلمون عليه قائلين السلام يا ملك اليهود. وكانوا
يضربونه على رأسه بقصبة ويبصقون عليه ثم يسجدون له جاثين على ركبهم. وبعدما
استهزأوا به نزعوا عنه الأرجوان وألبسوه ثيابه ثم خرجوا به ليصلبوه."
مرقس يكتب
للرومان ويظهر لهم أن الحاكم الروماني لم يجد فيه شراً، وأنه ليس ثائراً أو مهيج
سياسي. بل هي مؤامرة يهودية. وبيلاطس حكم سوريا واليهودية جزء منها من سنة 26م إلي
سنة 36م. وكان فاسداً قاسياً. ولكن نجد الإنجيليين لا يشيرون إلي هذا، فهم يلقون
كل التبعية على اليهود، إلاّ أنهم لم يبرأوا بيلاطس فهو حكم على من قد إعتقد
ببراءته. ونلاحظ أن اليهود إستخدموا عن المسيح لقب ملك اليهود ولم يستخدموا لقب
المسيا الذي لن يفهمه بيلاطس. وبيلاطس سأل المسيح أنت ملك اليهود. فالتهمة التي
وجهها اليهود للمسيح هي أخطر تهمة في ذلك الحين ولا يمكن أن يتهاون فيها بيلاطس
وإلاّ حُسِبَ خائنا لقيصر. والمسيح لم ينكر أنه ملك ولكنه أوضح لبيلاطس أنه مُلك
روحي ومملكته ليست من هذا العالم كما أوضح إنجيل يوحنا. ولكن بيلاطس أخيراً أسلمه
مع إقتناعه ببراءته. فهو فضل مصلحته الشخصية وأن تهدأ الفتنة عن الوقوف بجانب الحق.
وكان العسكر
الرومان يهزأون به ليس بشخصه ولكن بصفته ملكاً لليهود فهم لا يحترمون اليهود
وكانوا يهزأون بهم في شخصه.
وإكليل الشوك
مؤلم جداً، وهو به رفع عنا لعنة الخطية، وحمل لعنة الأرض. ونلاحظ في آية1 تشاور
الرؤساء فجراً لكي يصبح حكم الإعدام قانونياً فصدوره ليلاً باطل بحسب الأعراف
اليهودية.
(لو1:23-25)
آية (2): "وابتدأوا
يشتكون عليه قائلين أننا وجدنا هذا يفسد الأمة ويمنع أن تعطى جزية لقيصر قائلاً
انه هو مسيح ملك."
يفسد الأمة = كانت
هذه هي الجريمة التي بسببها أبادهم الرومان بعد ذلك. حقاً قال النبي "كما
يفعل بك(عوبديا 5). يمنع أن تعطى جزية لقيصر= مع أنه قال إعط ما لقيصر لقيصر. وحينما
أرادوا أن يجعلوا منه ملكاً إختفى من بينهم. أمام السنهدريم إتهموه بتهمة دينية
أنه يدعى الألوهية وأمام بيلاطس نجد تهمة جديدة أنه يدعى أنه ملك ليثيروا بيلاطس،
فالتهمة الآن صارت مدنية.
آية (3): "فسأله
بيلاطس قائلاً أنت ملك اليهود فأجابه وقال أنت تقول."
أنت تقول= محمل
معنى هل لك إثبات على ما تقول، ولكن الحقيقة هي كما تقول ولكن بحسب ما قال يوحنا
أن المسيح بعد ذلك أثبت له أن مملكته روحية ليس من العالم.
آية (5): "فكانوا
يشددون قائلين انه يهيج الشعب وهو يعلم في كل اليهودية مبتدئاً من الجليل إلى هنا."
ذكروا الجليل
لإثارة شكوك بيلاطس وذلك لأنه يكره الجليليين بسبب تمردهم وعصيانهم وثوراتهم. ونذكر
كيف أنه في فصح سابق أرسل جنوده بين جماعات الثائرين من الجليل وأعملوا فيهم
سيوفهم وخلطوا دمائهم بذبائحهم.
الآيات (7-12):
"وحين علم انه من سلطنة هيرودس أرسله الى هيرودس إذ كان هو أيضاً تلك الأيام
في أورشليم.وأما هيرودس فلما رأى يسوع فرح جدا لأنه كان يريد من زمان طويل أن يراه
لسماعه عنه أشياء كثيرة وترجى أن يرى آية تصنع منه. وسأله بكلام كثير فلم يجبه
بشيء. ووقف رؤساء الكهنة والكتبة يشتكون عليه باشتداد. فاحتقره هيرودس مع عسكره
واستهزأ به وألبسه لباساً لامعاً ورده ألى بيلاطس.فصار بيلاطس وهيرودس صديقين مع
بعضهما في ذلك اليوم لأنهما كانا من قبل في عداوة بينهما."
محاكمته أمام
بيلاطس وهيرودس فيها تحقيق للمزمور قام ملوك الأرض على الرب وعلى مسيحه(مز2:2). والمسيح
صمت تماماً أمام هيرودس فإحتقره هيرودس وظنه جاهلاً. غالباً فإن هيرودس تأكد من
براءته فلم يشأ أن يحكم عليه، يكن إذ لم يجيب يسوع على أسئلة هيرودس فإن هيرودس
إغتاظ منه وسمح لعساكره بإهانته ثم أرسله لبيلاطس. ولكن العجيب أنه بسبب المسيح
تصالح هيرودس وبيلاطس والصدوقيين مع الفريسيين … ألم يأتي للمصالحة. فكان يصالح
الجميع بموته.
وألبسه لباساً
لامعاً = قيل في (مت28:27) أنهم ألبسوه رداء قرمزياً. وفي (مر17:15) ألبسوه
أرجواناً وهنا هيرودس يلبسه لباساً لامعاً وفي (يو2:19) البسه العسكر ثوب أرجوان. وليس
في هذا تعارض. فالملوك اليهود يلبسون ثياباً قرمزية والملوك الرومان يلبسون أرجوان.
ومتى لأنه يكتب لليهود وصف الثياب بأنها قرمزية ليفهم اليهود أنهم ألبسوه ثياباً
تشبه ثياب الملوك للسخرية منه ومرقس كان يكتب للرومان وهكذا يوحنا فقالوا أنها
ثياب أرجوان ولوقا حلّ الموضوع تماماً بقوله أنها ثياب لامعة تشبه ثياب الملوك.
آية (22): "فقال
لهم ثالثة فأي شر عمل هذا أنى لم أجد فيه علة للموت فأنا أؤدبه وأطلقه."
بيلاطس يشهد ببراءة يسوع 3مرات وبطرس ينكره 3مرات.
آية (23): "فكانوا
يلجون بأصوات عظيمة طالبين أن يصلب فقويت أصواتهم وأصوات رؤساء الكهنة."
يلجون = يطلبون بلجاجة وبإلحاح.
من هو هيرودس؟
لما مات هيرودس الكبير الذي كان يحكم كل فلسطين بإذن من روما، قست المملكة بين أولاده:
هيرودس الكبير
اليهودية
الجليل وبيريه
قيصرية
أعطيت لأرخيلاوس
ثم أستدعى إلي روما وعُزِلَ ثم أدارت روما اليهودية مباشرة عن طريق والٍ روماني
هيرودس أنتيباس
ولقب رئيس ربع لأن الإمبراطور رفض منحه لقب ملك.
فيلبس
وهيرودس أنتيباس
هو الذي أخذ زوجة أخيه الحي فيلبس، وهجر زوجته باترا إبنة الحارث ملك العربية. ولما
وبخه يوحنا المعمدان قتله (مت3:14-11).
وحين سمع بالرب
يسوع ظن أنه يوحنا قام لينتقم (مت2:14+مر16:6). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا
في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). وكان يريد أن يراه (لو9:9)
ويقتله (لو31:13) ولأنه كان يخاف إلتفاف الشعب حوله وذلك خوفاً على عرشه وخاصة عندما
حاول الشعب المناداة بالسيد المسيح ملكاً (يو15:6). ولشدة مكره لقبه السيد المسيح
بالثعلب (لو32:13) ولما أرسل بيلاطس يسوع إلي هيرودس فرح لأنه سمع عنه كثيراً وكان
يريد أن يراه. ولكن الرب يسوع لم يجبه بشيء ولا صنع له معجزة حسب ما تمنى.
وهيرودس لم يحكم
بإعدامه غالباً، وهو الذي لا يتورع عن إعدام أحد ربما لأنه لم يرد أن يساعد بيلاطس
خصوصاً أنه سمع أن بيلاطس برأه. وهيرودس أيضاً لم يكن يجد فيه علة تستوجب الموت (لو15:23)
(يو28:18-16:19)
يختص إنجيل يوحنا
بمفرده بالكشف عن التحقيقات التي أجراها بيلاطس مع المسيح في غياب اليهود. وقد
كانت على مرتين الأولى (33:18-37) وهي ما تسمى بالإعتراف الحسن والثانية (8:19-11).
وباقي الإنجيليين أوردوا هذه المحاكمة بصورة موجزة وهذا يرجع غالباً لوجود يوحنا
داخل دار الولاية. ودار الولاية هذه بناها هيرودس الكبير وكانت المكان الذي ينزل
فيه الولاة الرومان إذا أتوا إلى أورشليم من مركزهم في قيصرية. ويسمى هذا المقر
قلعة أنطونيا.
آية (28): "ثم
جاءوا بيسوع من عند قيافا إلى دار الولاية وكان صبح ولم يدخلوا هم إلى دار الولاية
لكي لا يتنجسوا فيأكلون الفصح."
وكان صبح = تعنى
الفجر إذ ظل رؤساء اليهود يحاكمون المسيح طوال الليل وأتوا به فجراً إلى بيلاطس
بحسب إتفاق مسبق معهُ. وكان الفصح يوم الجمعة لذلك إمتنع هؤلاء أن يدخلوا إلى دار
الولاية فيتنجسوا ولا يأكلون الفصح. حقاً "يصفون عن البعوضة ويبلعون الجمل"
(النجاسة ربما لدخولهم قصر وثنى به تماثيل آلهة وثنية) ومن يتنجس يظل نجساً حتى
المساء فلا يأكل الفصح الذي يؤكل بين العشائين.
صبح = يقدرها
الدارسين بحوالي الساعة6 صباحاً، وهذا عكس المعتاد فالمحاكم الرومانية تبدأ الساعة8
صباحاً. وكان هذا التبكير دليل على قلق السنهدريم وعلى إتفاقهم المسبق مع بيلاطس
أن يتم كل شئ قبل أن يستيقظ محبي المسيح فتحدث ثورة.
آية (29): "فخرج
بيلاطس إليهم وقال آية شكاية تقدمون على هذا الإنسان."
فخرج بيلاطس= لعلمه بتعصبهم وأنهم لن يدخلوا إلى داخل دار الولاية خرج هو لهم.
أية شكاية تقدمون=
كلمات تحمل إستنكار بيلاطس لما يعملونه مع المسيح، فهو من المؤكد سمع عن يسوع
ويعلم أنه برئ مماّ ينسونه لهُ. بالإضافة إلى الحلم الذي أخبرته به زوجته. وقوله
هذا الإنسان = يحمل نوعاً من التعاطف معهُ. وبيلاطس كان خامس والٍ على اليهود سنة26-سنة36
متغطرس يكره اليهود وعوا ئدهم.إشتبك كثيراً مع اليهود فأظهر قسوة ضدهم.
آية (30): "أجابوا
وقالوا له لو لم يكن فاعل شر لما كنا قد سلمناه إليك."
فوجئ اليهود
بسؤال بيلاطس. وكان ردهم مختصراً وفيه وقاحة. ولنلاحظ أن الرب صار فاعل شر بالنيابة عنى.
آية (31): "فقال
لهم بيلاطس خذوه انتم واحكموا عليه حسب ناموسكم فقال له اليهود لا يجوز لنا أن نقتل أحداً."
هنا لهجة تهكم من
بيلاطس على اليهود وناموسهم. إذ هو يعلم أن ناموسهم مقيد، وأنهم لا يستطيعوا أن
يحكموا بالقتل على أحد. فرد بيلاطس كله غطرسة عليهم. والمعنى أن طالما ناموسهم
مقيد فعليهم بالخضوع للقانون الروماني. وواضح أنهم ما أتوا للمناقشة مع بيلاطس بل
هم إتخذوا قراراً ضد المسيح يريدون إعتماده من بيلاطس. وربما كان تهكم بيلاطس
معناه أنه لولا أنكم أسأتم إستخدام ناموسكم كما تفعلون الآن لما صار ناموسكم
مقيداً. لا يجوز لنا أن نقتل = إذاً قرارهم قد إتخذوه.
آية (32): "ليتم
قول يسوع الذي قاله مشيرا إلى آية ميتة كان مزمعاً أن يموت."
العقوبة اليهودية
كانت الرجم حسب الناموس، أما الصلب فهو عقوبة رومانية تستخدم مع سكان المستعمرات. ولذلك
لو لم يصدر بيلاطس حكماً بالموت على يسوع لما كان قد صلب. وكان المسيح قد تنبأ
مراراً بأنه سيصلب (مت18:20،19) وأنه سيسلم لأيدي الأمم. ورؤساء اليهود لغفوا تهما
سياسية ضد المسيح ليحكم عليه بيلاطس بالموت صلباً، وهو يريدون هذا. فالمصلوب ملعون
بحسب الناموس وهم يريدون إظهاره كملعون أمام الشعب بالإضافة إلى أنها أصعب ميتة. وأكثرها
هواناً فيقضوا على دعوته وتلاميذه إذ أفسدوا سمعته تماماً بصلبه. حقاً لقد إشترك اليهود
والأمم في تقديمه ذبيحة عن العالم كله.
وما جعل بيلاطس
يحكم عليه بالموت خوفه من قيصر بعد التهم التي وجهها له رؤساء اليهود (لو2:23)
آية (33): "ثم
دخل بيلاطس أيضاً إلى دار الولاية ودعا يسوع وقال له أنت ملك اليهود."
بيلاطس رأى خبثهم
وشرهم فقرر محاكمته بنفسه وسأله أنت ملك اليهود فهذا جوهر إتهاماتهم له. وكان
بيلاطس يتعجب من هذا المتهم الصامت فإن كان ملك يريد الثورة على قيصر فأين هم
أتباعه ومعاونوه ولماذا لا يتكلم. ولا يبالي بالموت، ولا يدافع عن نفسه. ولكن هذه
التهمة ألقت بالرعب في قلب بيلاطس وواضح حيرة بيلاطس فهو مقتنع ببراءة يسوع لكنه
تحت ضغط ثورة اليهود.
الآيات (34-37):
"أجابه يسوع آمن ذاتك تقول هذا أم آخرون قالوا لك عني. أجابه بيلاطس ألعلي
أنا يهودي أمتك ورؤساء الكهنة أسلموك إلىّ ماذا فعلت. أجاب يسوع مملكتي ليست من
هذا العالم لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا اسلم إلى
اليهود ولكن الآن ليست مملكتي من هنا. فقال له بيلاطس أفانت إذاً ملك أجاب يسوع
أنت تقول أني ملك لهذا قد ولدت أنا ولهذا قد أتيت إلى العالم لأشهد للحق كل من هو
من الحق يسمع صوتي."
(مت 2:27،11-31 + مر1:15-20 + لو1:23-25 + يو28:18-16:19)
(مت2:27،11-31)
الآيات (1،2):
"ولما كان الصباح تشاور جميع رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب على يسوع حتى يقتلوه. فأوثقوه
ومضوا به ودفعوه إلى بيلاطس البنطي الوالي."
لقد حوكم المسيح
دينياً أمام رؤساء اليهود، ومدنياً أمام بيلاطس حتى ينجوا الجميع يهود وأمم من
دينونة اليوم الأخير. فأوثقوه أية (2) فهو قبل أن يربط ليحل الجميع من رباطات
الخطية. أماّ هم فربطوه لأنهم خافوا أن يهرب كما كان يختفي من وسطهم من قبل.
ونلاحظ أن بيلاطس
كان يقيم في قيصرية شمال أورشليم. لكنه في الأعياد الكبرى كان يوجد في أورشليم
ليخمد أي ثورة أو فتنة وسط التجمعات في الأعياد.
واليهود لم يكن
لهم سلطان على تنفيذ حكم الموت فهذا من إختصاص الوالي الروماني ولأن الوالي لن
يحكم على المسيح بالموت بسبب تهمة دينية، فهم تشاوروا ليقدموه بتهمة أخرى وهي أنهم
إدعوا أن المسيح يطلب الملك ويقاوم قيصر. وكانت خطتهم أن يصلب فهذه هي العقوبة
الرومانية. وبارا باس كان محكوماً عليه بالصلب فأخذ السيد عقوبته، رمزاً لأنه حمل
عقوبة الموت المحكوم بها علينا.
وكان خطيراً أن
يطلب اليهود حكم الرومان على المسيح، إذ أن نفس الحكم الروماني قد نفذ فيهم هم على
يد تيطس سنة 70م حين صلب منهم عشرات الألوف وقتل مئات الألوف وهم الذين بدأوا
بالإلتجاء للحكم الروماني. (مز4:28)
الآيات (11-14):
"فوقف يسوع أمام الوالي فسأله الوالي قائلاً أأنت ملك اليهود فقال له يسوع
أنت تقول. وبينما كان رؤساء الكهنة والشيوخ يشتكون عليه لم يجب بشيء. فقال له
بيلاطس أما تسمع كم يشهدون عليك. فلم يجبه ولا عن كلمة واحدة حتى تعجب الوالي جداً."
كانت إجابة السيد
لبيلاطس مقتضبة للغاية. في الحدود التي يكشف فيها له عن الحق فلا يكون له عذر. وعندئذ
توقف عن الكلام سواء مع القادة الدينيين أو الوالي إذ لم يرد أن يدافع عن نفسه.وهو
لو أراد لأمكنه، بل يأمر السماء فتشهد لهُ. ولكنه لم يكن محتاجاً إلي هذه الشهادة
والدفاع عنه.
صمت السيد يعلمنا
أن لا نثور لكرامتنا ونضطرب، فهو إتهم ظلماً وأهين وصمت. بل حتى الآن يهاجمه
كثيرين وهو صامت، بل يضع دفاعه في حياة تلاميذه الحقيقيين. هو جاء ليحمل خطايا
البشرية فلماذا يدافع عن نفسه بأنه لم يخطئ.
الآيات (15-26):
"وكان الوالي معتاداً في العيد أن يطلق للجمع أسيراً واحداً من أرادوه. وكان
لهم حينئذ أسير مشهور يسمى باراباس. ففيما هم مجتمعون قال لهم بيلاطس من تريدون أن
أطلق لكم باراباس أم يسوع الذي يدعى المسيح. لأنه علم انهم أسلموه حسداً. وإذ كان
جالساً على كرسي الولاية أرسلت إليه امرأته قائلة إياك وذلك البار لأني تألمت
اليوم كثيراً في حلم من أجله. ولكن رؤساء الكهنة والشيوخ حرضوا الجموع على أن
يطلبوا باراباس ويهلكوا يسوع. فأجاب الوالي وقال لهم من من الاثنين تريدون أن أطلق
لكم فقالوا باراباس. قال لهم بيلاطس فماذا افعل بيسوع الذي يدعى المسيح قال له
الجميع ليصلب. فقال الوالي وأي شر عمل فكانوا يزدادون صراخا قائلين ليصلب. فلما
رأى بيلاطس انه لا ينفع شيئا بل بالحري يحدث شغب اخذ ماء وغسل يديه قدام الجمع
قائلاً أني بريء من دم هذا البار ابصروا انتم. فأجاب جميع الشعب وقالوا دمه علينا
وعلى أولادنا. حينئذ أطلق لهم باراباس وأما يسوع فجلده وأسلمه ليصلب."
بار أباس = بار =
إبن أباس = الأب. لقد أنقذ السيد بموته حياة بارا باس كما أنقذ حياة كل خاطئ محكوم
عليه بالموت. لأنه علم أنهم أسلموه حسداً = كان بيلاطس يعلم شرهم ونيتهم الخبيثة. أرسلت
إليه امرأته = الله لا يترك نفسه بلا شاهد. وأي شرٍ عمل = كان هذا درساً لرؤساء
اليهود أن هذا الوالي الوثني غريب الجنس يشهد ببراءة المسيح. ولمن بيلاطس خاف من
ثورة الجماهير وخاف أيضاً من قتل من يرى أنه بار فغسل يديه. ولكن هو بلا عذر فقد
أرشده الله عن طريق زوجته بل هو نفسه رأى أن المسيح بار وليس هناك ما يدينه بسببه.
بيلاطس كان قاسياً وسفك دماء كثيرين (لو1:13) ولكنه كان ضعيفاً أمام الحق لتمسكه
بكرسيه.
جلده = من عذاب
الجلد كان يموت البعض فكان الجلد بصورة بربرية بسوط به قطع عظم ورصاص وقد تصيب
الضربات الرأس والعين.
أبصروا أنتم = أنتم المسئولون عن قتله.
الآيات (27-31):
"اخذ عسكر الوالي يسوع إلى دار الولاية وجمعوا عليه كل الكتيبة. فعروه
وألبسوه رداء قرمزياً. وضفروا إكليلاً من شوك ووضعوه على رأسه وقصبة في يمينه
وكانوا يجثون قدامه ويستهزئون به قائلين السلام يا ملك اليهود. وبصقوا عليه واخذوا
القصبة وضربوه على رأسه. وبعدما استهزئوا به نزعوا عنه الرداء وألبسوه ثيابه ومضوا
به للصلب."
عروه لأجلنا (وتمثيلاً
لذلك تعرى المذابح في أسبوع الآلام) نحن الذين نزعت عنا الخطية ثوب القداسة ليعيد
لنا لباس البر. وضع على رأسه إكليل شوك ليزيل عنا لعنة الخطية التي بسببها حصدنا
الشوك (تك18:3). سجدوا له في هزء ولم يعلموا أن أمم العالم سوف تسجد له في فرح. البسوه
ثوب أرجوان وضربوه على رأسه.
لقد ظن بيلاطس أن
منظر المسيح بعد هذه الآلام وهو مضرج بدمائه سيثير شفقة اليهود ويحرك قلوبهم
فيكفوا عن طلب صلبه ولكنهم أصروا (يو5:19،6). لقد سخروا منه كملك فأعطوه قصبة في
عينه كصولجان وجثوا أمامه كملك
(مر1:15-20): "وللوقت في الصباح تشاور رؤساء الكهنة والشيوخ والكتبة
والمجمع كله فأوثقوا يسوع ومضوا به وأسلموه إلى بيلاطس. فسأله بيلاطس أنت ملك
اليهود فأجاب وقال له أنت تقول. وكان رؤساء الكهنة يشتكون عليه كثيراً. فسأله
بيلاطس أيضاً قائلاً أما تجيب بشيء انظر كم يشهدون عليك. فلم يجب يسوع أيضاً بشيء
حتى تعجب بيلاطس. وكان يطلق لهم في كل عيد أسيراً واحداً من طلبوه. وكان المسمى
باراباس موثقاً مع رفقائه في الفتنة الذين في الفتنة فعلوا قتلاً. فصرخ الجمع
وابتدأوا يطلبون أن يفعل كما كان دائماً يفعل لهم. فأجابهم بيلاطس قائلا أتريدون
أن أطلق لكم ملك اليهود. لأنه عرف أن رؤساء الكهنة كانوا قد أسلموه حسداً. فهيج
رؤساء الكهنة الجمع لكي يطلق لهم بالحري باراباس. فأجاب بيلاطس أيضاً وقال لهم
فماذا تريدون أن افعل بالذي تدعونه ملك اليهود. فصرخوا أيضاً اصلبه. فقال لهم
بيلاطس وأي شر عمل فازدادوا جداً صراخاً اصلبه. فبيلاطس إذ كان يريد أن يعمل للجمع
ما يرضيهم أطلق لهم باراباس واسلم يسوع بعدما جلده ليصلب. فمضى به العسكر إلى داخل
الدار التي هي دار الولاية وجمعوا كل الكتيبة. وألبسوه أرجواناً وضفروا إكليلاً من
شوك ووضعوه عليه. وابتدأوا يسلمون عليه قائلين السلام يا ملك اليهود. وكانوا
يضربونه على رأسه بقصبة ويبصقون عليه ثم يسجدون له جاثين على ركبهم. وبعدما
استهزأوا به نزعوا عنه الأرجوان وألبسوه ثيابه ثم خرجوا به ليصلبوه."
مرقس يكتب
للرومان ويظهر لهم أن الحاكم الروماني لم يجد فيه شراً، وأنه ليس ثائراً أو مهيج
سياسي. بل هي مؤامرة يهودية. وبيلاطس حكم سوريا واليهودية جزء منها من سنة 26م إلي
سنة 36م. وكان فاسداً قاسياً. ولكن نجد الإنجيليين لا يشيرون إلي هذا، فهم يلقون
كل التبعية على اليهود، إلاّ أنهم لم يبرأوا بيلاطس فهو حكم على من قد إعتقد
ببراءته. ونلاحظ أن اليهود إستخدموا عن المسيح لقب ملك اليهود ولم يستخدموا لقب
المسيا الذي لن يفهمه بيلاطس. وبيلاطس سأل المسيح أنت ملك اليهود. فالتهمة التي
وجهها اليهود للمسيح هي أخطر تهمة في ذلك الحين ولا يمكن أن يتهاون فيها بيلاطس
وإلاّ حُسِبَ خائنا لقيصر. والمسيح لم ينكر أنه ملك ولكنه أوضح لبيلاطس أنه مُلك
روحي ومملكته ليست من هذا العالم كما أوضح إنجيل يوحنا. ولكن بيلاطس أخيراً أسلمه
مع إقتناعه ببراءته. فهو فضل مصلحته الشخصية وأن تهدأ الفتنة عن الوقوف بجانب الحق.
وكان العسكر
الرومان يهزأون به ليس بشخصه ولكن بصفته ملكاً لليهود فهم لا يحترمون اليهود
وكانوا يهزأون بهم في شخصه.
وإكليل الشوك
مؤلم جداً، وهو به رفع عنا لعنة الخطية، وحمل لعنة الأرض. ونلاحظ في آية1 تشاور
الرؤساء فجراً لكي يصبح حكم الإعدام قانونياً فصدوره ليلاً باطل بحسب الأعراف
اليهودية.
(لو1:23-25)
آية (2): "وابتدأوا
يشتكون عليه قائلين أننا وجدنا هذا يفسد الأمة ويمنع أن تعطى جزية لقيصر قائلاً
انه هو مسيح ملك."
يفسد الأمة = كانت
هذه هي الجريمة التي بسببها أبادهم الرومان بعد ذلك. حقاً قال النبي "كما
يفعل بك(عوبديا 5). يمنع أن تعطى جزية لقيصر= مع أنه قال إعط ما لقيصر لقيصر. وحينما
أرادوا أن يجعلوا منه ملكاً إختفى من بينهم. أمام السنهدريم إتهموه بتهمة دينية
أنه يدعى الألوهية وأمام بيلاطس نجد تهمة جديدة أنه يدعى أنه ملك ليثيروا بيلاطس،
فالتهمة الآن صارت مدنية.
آية (3): "فسأله
بيلاطس قائلاً أنت ملك اليهود فأجابه وقال أنت تقول."
أنت تقول= محمل
معنى هل لك إثبات على ما تقول، ولكن الحقيقة هي كما تقول ولكن بحسب ما قال يوحنا
أن المسيح بعد ذلك أثبت له أن مملكته روحية ليس من العالم.
آية (5): "فكانوا
يشددون قائلين انه يهيج الشعب وهو يعلم في كل اليهودية مبتدئاً من الجليل إلى هنا."
ذكروا الجليل
لإثارة شكوك بيلاطس وذلك لأنه يكره الجليليين بسبب تمردهم وعصيانهم وثوراتهم. ونذكر
كيف أنه في فصح سابق أرسل جنوده بين جماعات الثائرين من الجليل وأعملوا فيهم
سيوفهم وخلطوا دمائهم بذبائحهم.
الآيات (7-12):
"وحين علم انه من سلطنة هيرودس أرسله الى هيرودس إذ كان هو أيضاً تلك الأيام
في أورشليم.وأما هيرودس فلما رأى يسوع فرح جدا لأنه كان يريد من زمان طويل أن يراه
لسماعه عنه أشياء كثيرة وترجى أن يرى آية تصنع منه. وسأله بكلام كثير فلم يجبه
بشيء. ووقف رؤساء الكهنة والكتبة يشتكون عليه باشتداد. فاحتقره هيرودس مع عسكره
واستهزأ به وألبسه لباساً لامعاً ورده ألى بيلاطس.فصار بيلاطس وهيرودس صديقين مع
بعضهما في ذلك اليوم لأنهما كانا من قبل في عداوة بينهما."
محاكمته أمام
بيلاطس وهيرودس فيها تحقيق للمزمور قام ملوك الأرض على الرب وعلى مسيحه(مز2:2). والمسيح
صمت تماماً أمام هيرودس فإحتقره هيرودس وظنه جاهلاً. غالباً فإن هيرودس تأكد من
براءته فلم يشأ أن يحكم عليه، يكن إذ لم يجيب يسوع على أسئلة هيرودس فإن هيرودس
إغتاظ منه وسمح لعساكره بإهانته ثم أرسله لبيلاطس. ولكن العجيب أنه بسبب المسيح
تصالح هيرودس وبيلاطس والصدوقيين مع الفريسيين … ألم يأتي للمصالحة. فكان يصالح
الجميع بموته.
وألبسه لباساً
لامعاً = قيل في (مت28:27) أنهم ألبسوه رداء قرمزياً. وفي (مر17:15) ألبسوه
أرجواناً وهنا هيرودس يلبسه لباساً لامعاً وفي (يو2:19) البسه العسكر ثوب أرجوان. وليس
في هذا تعارض. فالملوك اليهود يلبسون ثياباً قرمزية والملوك الرومان يلبسون أرجوان.
ومتى لأنه يكتب لليهود وصف الثياب بأنها قرمزية ليفهم اليهود أنهم ألبسوه ثياباً
تشبه ثياب الملوك للسخرية منه ومرقس كان يكتب للرومان وهكذا يوحنا فقالوا أنها
ثياب أرجوان ولوقا حلّ الموضوع تماماً بقوله أنها ثياب لامعة تشبه ثياب الملوك.
آية (22): "فقال
لهم ثالثة فأي شر عمل هذا أنى لم أجد فيه علة للموت فأنا أؤدبه وأطلقه."
بيلاطس يشهد ببراءة يسوع 3مرات وبطرس ينكره 3مرات.
آية (23): "فكانوا
يلجون بأصوات عظيمة طالبين أن يصلب فقويت أصواتهم وأصوات رؤساء الكهنة."
يلجون = يطلبون بلجاجة وبإلحاح.
من هو هيرودس؟
لما مات هيرودس الكبير الذي كان يحكم كل فلسطين بإذن من روما، قست المملكة بين أولاده:
هيرودس الكبير
اليهودية
الجليل وبيريه
قيصرية
أعطيت لأرخيلاوس
ثم أستدعى إلي روما وعُزِلَ ثم أدارت روما اليهودية مباشرة عن طريق والٍ روماني
هيرودس أنتيباس
ولقب رئيس ربع لأن الإمبراطور رفض منحه لقب ملك.
فيلبس
وهيرودس أنتيباس
هو الذي أخذ زوجة أخيه الحي فيلبس، وهجر زوجته باترا إبنة الحارث ملك العربية. ولما
وبخه يوحنا المعمدان قتله (مت3:14-11).
وحين سمع بالرب
يسوع ظن أنه يوحنا قام لينتقم (مت2:14+مر16:6). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا
في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). وكان يريد أن يراه (لو9:9)
ويقتله (لو31:13) ولأنه كان يخاف إلتفاف الشعب حوله وذلك خوفاً على عرشه وخاصة عندما
حاول الشعب المناداة بالسيد المسيح ملكاً (يو15:6). ولشدة مكره لقبه السيد المسيح
بالثعلب (لو32:13) ولما أرسل بيلاطس يسوع إلي هيرودس فرح لأنه سمع عنه كثيراً وكان
يريد أن يراه. ولكن الرب يسوع لم يجبه بشيء ولا صنع له معجزة حسب ما تمنى.
وهيرودس لم يحكم
بإعدامه غالباً، وهو الذي لا يتورع عن إعدام أحد ربما لأنه لم يرد أن يساعد بيلاطس
خصوصاً أنه سمع أن بيلاطس برأه. وهيرودس أيضاً لم يكن يجد فيه علة تستوجب الموت (لو15:23)
(يو28:18-16:19)
يختص إنجيل يوحنا
بمفرده بالكشف عن التحقيقات التي أجراها بيلاطس مع المسيح في غياب اليهود. وقد
كانت على مرتين الأولى (33:18-37) وهي ما تسمى بالإعتراف الحسن والثانية (8:19-11).
وباقي الإنجيليين أوردوا هذه المحاكمة بصورة موجزة وهذا يرجع غالباً لوجود يوحنا
داخل دار الولاية. ودار الولاية هذه بناها هيرودس الكبير وكانت المكان الذي ينزل
فيه الولاة الرومان إذا أتوا إلى أورشليم من مركزهم في قيصرية. ويسمى هذا المقر
قلعة أنطونيا.
آية (28): "ثم
جاءوا بيسوع من عند قيافا إلى دار الولاية وكان صبح ولم يدخلوا هم إلى دار الولاية
لكي لا يتنجسوا فيأكلون الفصح."
وكان صبح = تعنى
الفجر إذ ظل رؤساء اليهود يحاكمون المسيح طوال الليل وأتوا به فجراً إلى بيلاطس
بحسب إتفاق مسبق معهُ. وكان الفصح يوم الجمعة لذلك إمتنع هؤلاء أن يدخلوا إلى دار
الولاية فيتنجسوا ولا يأكلون الفصح. حقاً "يصفون عن البعوضة ويبلعون الجمل"
(النجاسة ربما لدخولهم قصر وثنى به تماثيل آلهة وثنية) ومن يتنجس يظل نجساً حتى
المساء فلا يأكل الفصح الذي يؤكل بين العشائين.
صبح = يقدرها
الدارسين بحوالي الساعة6 صباحاً، وهذا عكس المعتاد فالمحاكم الرومانية تبدأ الساعة8
صباحاً. وكان هذا التبكير دليل على قلق السنهدريم وعلى إتفاقهم المسبق مع بيلاطس
أن يتم كل شئ قبل أن يستيقظ محبي المسيح فتحدث ثورة.
آية (29): "فخرج
بيلاطس إليهم وقال آية شكاية تقدمون على هذا الإنسان."
فخرج بيلاطس= لعلمه بتعصبهم وأنهم لن يدخلوا إلى داخل دار الولاية خرج هو لهم.
أية شكاية تقدمون=
كلمات تحمل إستنكار بيلاطس لما يعملونه مع المسيح، فهو من المؤكد سمع عن يسوع
ويعلم أنه برئ مماّ ينسونه لهُ. بالإضافة إلى الحلم الذي أخبرته به زوجته. وقوله
هذا الإنسان = يحمل نوعاً من التعاطف معهُ. وبيلاطس كان خامس والٍ على اليهود سنة26-سنة36
متغطرس يكره اليهود وعوا ئدهم.إشتبك كثيراً مع اليهود فأظهر قسوة ضدهم.
آية (30): "أجابوا
وقالوا له لو لم يكن فاعل شر لما كنا قد سلمناه إليك."
فوجئ اليهود
بسؤال بيلاطس. وكان ردهم مختصراً وفيه وقاحة. ولنلاحظ أن الرب صار فاعل شر بالنيابة عنى.
آية (31): "فقال
لهم بيلاطس خذوه انتم واحكموا عليه حسب ناموسكم فقال له اليهود لا يجوز لنا أن نقتل أحداً."
هنا لهجة تهكم من
بيلاطس على اليهود وناموسهم. إذ هو يعلم أن ناموسهم مقيد، وأنهم لا يستطيعوا أن
يحكموا بالقتل على أحد. فرد بيلاطس كله غطرسة عليهم. والمعنى أن طالما ناموسهم
مقيد فعليهم بالخضوع للقانون الروماني. وواضح أنهم ما أتوا للمناقشة مع بيلاطس بل
هم إتخذوا قراراً ضد المسيح يريدون إعتماده من بيلاطس. وربما كان تهكم بيلاطس
معناه أنه لولا أنكم أسأتم إستخدام ناموسكم كما تفعلون الآن لما صار ناموسكم
مقيداً. لا يجوز لنا أن نقتل = إذاً قرارهم قد إتخذوه.
آية (32): "ليتم
قول يسوع الذي قاله مشيرا إلى آية ميتة كان مزمعاً أن يموت."
العقوبة اليهودية
كانت الرجم حسب الناموس، أما الصلب فهو عقوبة رومانية تستخدم مع سكان المستعمرات. ولذلك
لو لم يصدر بيلاطس حكماً بالموت على يسوع لما كان قد صلب. وكان المسيح قد تنبأ
مراراً بأنه سيصلب (مت18:20،19) وأنه سيسلم لأيدي الأمم. ورؤساء اليهود لغفوا تهما
سياسية ضد المسيح ليحكم عليه بيلاطس بالموت صلباً، وهو يريدون هذا. فالمصلوب ملعون
بحسب الناموس وهم يريدون إظهاره كملعون أمام الشعب بالإضافة إلى أنها أصعب ميتة. وأكثرها
هواناً فيقضوا على دعوته وتلاميذه إذ أفسدوا سمعته تماماً بصلبه. حقاً لقد إشترك اليهود
والأمم في تقديمه ذبيحة عن العالم كله.
وما جعل بيلاطس
يحكم عليه بالموت خوفه من قيصر بعد التهم التي وجهها له رؤساء اليهود (لو2:23)
آية (33): "ثم
دخل بيلاطس أيضاً إلى دار الولاية ودعا يسوع وقال له أنت ملك اليهود."
بيلاطس رأى خبثهم
وشرهم فقرر محاكمته بنفسه وسأله أنت ملك اليهود فهذا جوهر إتهاماتهم له. وكان
بيلاطس يتعجب من هذا المتهم الصامت فإن كان ملك يريد الثورة على قيصر فأين هم
أتباعه ومعاونوه ولماذا لا يتكلم. ولا يبالي بالموت، ولا يدافع عن نفسه. ولكن هذه
التهمة ألقت بالرعب في قلب بيلاطس وواضح حيرة بيلاطس فهو مقتنع ببراءة يسوع لكنه
تحت ضغط ثورة اليهود.
الآيات (34-37):
"أجابه يسوع آمن ذاتك تقول هذا أم آخرون قالوا لك عني. أجابه بيلاطس ألعلي
أنا يهودي أمتك ورؤساء الكهنة أسلموك إلىّ ماذا فعلت. أجاب يسوع مملكتي ليست من
هذا العالم لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا اسلم إلى
اليهود ولكن الآن ليست مملكتي من هنا. فقال له بيلاطس أفانت إذاً ملك أجاب يسوع
أنت تقول أني ملك لهذا قد ولدت أنا ولهذا قد أتيت إلى العالم لأشهد للحق كل من هو
من الحق يسمع صوتي."