المحاكمات
تمت محاكمة
المسيح دينياً ومدنياً. دينياً أمام حنان وقيافا ومدنياً أمام هيرودس وبيلاطس. وبيلاطس
كان يميل لتبرئه المسيح (يو38:18 + 4:19،6) ولكنه حكم ضده تحت تأثير اليهود. ويوحنا
يميز بدقة ما دار في المحاكمات الدينية وقدر العلماء وقوف المسيح أمام حنان حوالي
الساعة الثانية صباحاً.
محاكمة المسيح
أمام رؤساء كهنة اليهود (مت57:26-10:27 + مر53:14-72،1:15 + لو54:22-71 + يو13:18-27) (مت57:26-10:27)
رسم يوضح مكان
المحاكمة ومقر حنان وقيافا والسنهدريم. والفسحة (الحوش) في الدور الأوضي، حيث
إجتمع العبيد والخدام. ثم الدهليز، وهي الطرقة بين الباب والحوش.
آية (59): "وكان
رؤساء الكهنة والشيوخ والمجمع كله يطلبون شهادة زور على يسوع لكي يقتلوه."
يطلبون شهادة زور=
إذاً هم أتوا بشهود معروف عنهم سوء السمعة فهم شهود زور معروفين، فالكتاب لم يقل
أنهم شهدوا زوراً بل هم أصلاً شهود زور، هذه هي طبيعتهم السابقة قبل محاكمة المسيح.
واليهود إحتاجوا لهم ليقفوا أمام بيلاطس.
الآيات (61-64):
"وقالا هذا قال أني اقدر أن انقض هيكل الله وفي ثلاثة أيام ابنيه. فقام رئيس
الكهنة وقال له أما تجيب بشيء ماذا يشهد به هذان عليك. وأما يسوع فكان ساكتاً
فأجاب رئيس الكهنة وقال له استحلفك بالله الحي أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله.
قال له يسوع أنت قلت وأيضاً أقول لكم من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين
القوة وآتياً على سحاب السماء."
يتضح في (61) طريقة التزوير في الشهادة، فالمسيح لم يقل أنا أنقض
هيكل الله. بل قال عن هيكل جسده (يو19:2،21). وهو لم يقل أنا أنقض بل قال لهم
أنقضوا.. وأنا أقيمه. فالمسيح يتكلم عماّ سيفعلوه بصلبهم له (انقضوا..) ثم قيامته
بعد 3 أيام. وهم فهموا كلامه وهم كانوا يعلمون أنه قال أنه سيقوم بعد 3 أيام
وقالوا هذا لبيلاطس (مت63:27). وهم لأنهم شهود زور فهم لم يشهدوا بأن المسيح صنع
معجزات أكبر من إقامة الهيكل في 3أيام، فهو أقام لعازر بعد أن أنتن وكان سؤال رئيس
الكهنة للسيد أستحلفك .. هل أنت المسيح إبن الله هو يسأل لا ليعرف الإجابة، بل
ليسقط المسيح في مشكلة
1. إن رفض الإجابة يتهمه بأنه يستهين بالحلف بإسم الله.
2. إن قال نعم فهو سيدينه بتهمة التجديف.
3. إن قال لا فهو يكذب نفسه لأنه أعلن هذا أمام الجموع.
وفي الحالات
الثلاث سيدينه ويحكم عليه أنه مستوجب الموت. فلأن شهادة الزور فشلت فهو يريد أن
يصطاده بكلمة من فمه. والسيد عرف خبث ضمائرهم ووجد أن سكوته لا يصح فأجاب بأنه إبن
الله حتى تكون الفائدة عامة للكل. والسيد عموماً كان صامتاً أثناء محاكمات اليهود
والرومان له، فمن يتكلم كثيراً يشير إلى ضعفه، وهو يعلم نيتهم المسبقة، وأن حكمهم
سيكون ظالماً فلماذا كثرة الكلام. ولكنه هو وحده يعلم متى يكون الكلام ومتى يكون
الصمت. والسيد كان هنا واضحاً في إجابته أنت قلت أي كلامك صحيح بل زاد أنهم لن
يعودوا يرونه في ضعف بل هو سيصعد للسماء وسيأتي للدينونة في المجيء الثاني.
- وإن كان رئيس
الكهنة يبغي حقاً أن يعرف، كان عليه أن يفتش الكتب والأنبياء فيعلم.
- وهم يعرفون من
دانيال أن عبارة "جالساً عن يمين القوة" تشير للمسيح. ويعني كلام المسيح
أيضاً أنه بعد أن تصلبوني أقوم وينتشر الإيمان وترون معجزات على يد الرسل ستعرفون
إنني أنا الذي قصده دانيال. عموماً من نبوة دانيال هم يعرفون أن لقب إبن الإنسان
المقصود به المسيح.
آية (65): "فمزق
رئيس الكهنة حينئذ ثيابه قائلاً قد جدف ما حاجتنا بعد إلى شهود ها قد سمعتم تجديفه."
تمزيق رئيس الكهنة
لثيابه علامة يهودية تشير للحزن والغيرة على الله لأن إسمه قد جُدِّفَ عليه. وهنا
نرى علامة على نزع الكهنوت اللاوي ليظهر كهنوت جديد على طقس ملكي صادق. ولكن رئيس
الكهنة فعل ذلك ليثير الموجودين كلهم فيؤيدوه على قراره بقتل المسيح
آية (67): "حينئذ
بصقوا في وجهه ولكموه وآخرون لطموه."
فعلوا هذا به
لحسدهم (مت18:27). وما أفظع خطية الحسد والبغضة وهذا ما جعلهم يصرخون أصلبه أصلبه
لما أراد بيلاطس أن يؤدبه (يجلده) ويطلقه. بل أن الحسد هو الذي دفع إبليس ليسقط
آدم فيموت، وهذا ما حدث مع قايين.
الآيات (69-75):
"أما بطرس فكان جالساً خارجاً في الدار فجاءت إليه جارية قائلة وأنت كنت مع
يسوع الجليلي. فأنكر قدام الجميع قائلا لست ادري ما تقولين. ثم إذ خرج إلى الدهليز
رأته أخرى فقالت للذين هناك وهذا كان مع يسوع الناصري. فأنكر أيضاً بقسم أني لست
اعرف الرجل. وبعد قليل جاء القيام وقالوا لبطرس حقا أنت أيضاً منهم فان لغتك تظهرك.
فابتدأ حينئذ يلعن ويحلف أني لا اعرف الرجل وللوقت صاح الديك. فتذكر بطرس كلام
يسوع الذي قال له انك قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات فخرج إلى خارج وبكى بكاء
مراً."
إنكار بطرس: كان
بطرس جالساً خارجاً في الدار الخارجية (الحوش) فإصطادته جارية لتتهمه أنه كان مع
يسوع فأنكر، وإذ خرج إلى الدهليز رأته أخرى وإتهمته كالأولى ثم عرفه الجالسون في
المكان من لغته، فالجليليين لهم لكنة مختلفة عن اليهود. فهم ينطقون السين مثل
الثاء. ومن بقية الأناجيل يبدو أن كثيرين حاصروه بإتهاماتهم بأنه تلميذ المسيح. ولنلاحظ
أن الخطية تبدأ بالتهاون في الصلاة في البستان، ثم كبرياؤه وثقته في ذاته، ثم
هروبه مع التلاميذ، ثم جلوسه الآن مع من يبغضون الرب ثم الإنكار ثم القسم الكاذب
ثم اللعن. فكل إنسان يسقط في الخطية يبدأ سقوطه في خطية صغيرة ثم يتدرج إلى الأكبر.
ونلاحظ أن الخوف يفقدنا الرؤية والتمييز.
صياح الديك= يشير
لصياح صوت الضمير فينا، أو صوت الروح القدس الذي يبكت على خطية. ونلاحظ أن الديك
صاح مرة بعد أن أنكر أول مرة، وكان هذا كإنذار ليكف عن الإنحدار ولكن هذا لم يحدث،
ثم صاح الديك بعد إنكاره ثالث مرة. ثم خرج إلى خارج= تشير لضرورة خروج الخاطئ من
مكان الخطية وإعتزال شهوات العالم. إن بكاء بطرس غسل خطيته دون أن يقول كلمة
إعتذار فالدموع تنال الغفران.
لغتك تظهرك= غالباً لأنه جليلي ولكن هناك رأي بأنه تشبه بالسيد في كلامه.
لماذا لم تتدخل العناية الإلهية وتحمي بطرس من الإنكار؟
لما قال المسيح
لتلاميذه كلكم تشكون فيّ في هذه الليلة، قال بطرس "أنا لا أشك" وكان في
هذا كبرياء من بطرس، فهو شك في كلام المسيح بكبرياء، بينما هو راي من سابق عشرته
للسيد معرفته بكل شئ، وهنا المسيح تركه ليشفيه وليتأدب. وكان من المفروض أن يقول
بطرس للسيد، أعنى حتى لا أشك ولكنه أخطأ فتركه السيد ليسقط فيعرف ضعفه ولا يعود
يثق في ذاته. ونلاحظ أنه بعد هذه السقطة وبعد أن تأدب قال للسيد حين سأله "أتحبني"
أجاب "أنت تعلم أني أحبك" فهو أصبح لا يثق في ذاته، وقارن هذا القول
بأنه سيبذل نفسه عن السيد بينما سيده يقول له ستشكون فيّ في هذه الليلة، فهل كان
يتصور أن السيد لا يعلم. ونلاحظ أن المسيح كان يعلم مستقبل بطرس وأنه سيصنع معجزات
ويؤمن على يديه ألوف، وهو سمح بسقوطه حتى لا يتكبر، كما سمح لبولس بشوكة في الجسد
لئلا يرتفع. ونلاحظ أن المسيح لم يجعله يسقط بل هو رفع العناية الإلهية التي تحفظه.
وهذا يفسر كلام المسيح له "وأنا طلبت إلى الآب حتى لا يفنى إيمانك" فالمسيح
هو الذي يعتني بنا أما بطرس ففي كبريائه الأول ظن أن قوته وسيفه هما اللذان
يحميانه. وبطرس صار لنا مثالاً، لذلك قال له المسيح "وأنت متى رجعت فثبت
إخوتك".
لماذا أخبره السيد بما سيقع مقدماً؟
1. ليعلم أن السيد يعرف كل شئ فلا يعود يراجعه في شئ بل يثق أن عنده المعرفة الكاملة.
2. حتى لا يقول أن السيد لو أعلمني بما سيكون لتحذرت ولم أنكر.
3. حتى إذا تذكر معرفة السيد وأنه أخبره تزداد توبته وندامته.
الفرق بين يهوذا وبطرس
كان إنكار بطرس
عن خوف طبيعي، أمّا يهوذا فقد خان دون مبرر وأخذ الثمن. وبطرس تاب وندم أمّا يهوذا
فيأس وهلك ولما رآهم حكموا عليه بالموت وكان يظنهم يؤدبونه ويطلقونه تملكته الحيرة
واليأس والندم وبدل التوبة إنتحر يأساً.
(الآيات 1:27-10) يأس
يهوذا وإنتحاره
الآيات (1،2):
"ولما كان الصباح تشاور جميع رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب على يسوع حتى يقتلوه. فأوثقوه
ومضوا به ودفعوه إلى بيلاطس البنطي الوالي."
أنظر المحاكمة
المدنية للمسيح.
آية (3): "حينئذ
لما رأى يهوذا الذي أسلمه انه قد دين ندم ورد الثلاثين من الفضة إلى رؤساء الكهنة
والشيوخ."
كان يهوذا في
طمعه يظن أنه يقتني ربحاً بالثلاثين من الفضة وإذا به يقتني هماً وغماً، فذهب يرد
الفضة في ندامة بلا توبة ومرارة بلا رجاء. وهكذا كل خاطئ فهو يظن أن الخطية ستعطيه
لذة وإذا به يقتني هماً وغماً ويأساً.
الآيات (4-6):
"قائلاً قد أخطأت إذ سلمت دماً بريئاً فقالوا ماذا علينا أنت ابصر. فطرح
الفضة في الهيكل وانصرف ثم مضى وخنق نفسه. فاخذ رؤساء الكهنة الفضة وقالوا لا يحل
أن نلقيها في الخزانة لأنها ثمن دم."
ماذا علينا= عبارة
تعني عدم إهتمامهم بما يقول، فقد حصلوا على ما يريدون. (انظر المزيد عن هذا
الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). عجيب أن
هؤلاء القتلة يقولون ليهوذا أنت أبصر، أما هم قاتلوه فليس عليهم أن يبصروا. ثم
يقولون "لا يحل أن نلقيها في الخزانة لأنها ثمن دم" فإذا كان وضع ثمن
الدم في الخزانة يعتبر إثماً فكم يكون إهدار الدم. وإذا كنتم قد رأيتم عذراً لصلب
المسيح فلماذا ترفضون قبول الثمن، حقاً قال عليهم السيد "يصفون عن البعوضة
ويبلعون الجمل" إذ يشترون صاحب الدم الزكي بالمال ليقتلوه، ويرتابوا من وضع
ثمن الدم في الهيكل.
ثم مضى وخنق نفسه=
لعله تصوَّر أن المسيح سوف يخرج من بين أيديهم كما كان يفعل سابقاً. ولما لم يفعل
ندم يهوذا. ولكن التوبة ليست مجرد ندم، ولكنها إيمان يملأ القلب بالرجاء، ويدفعه
الحب للإرتماء في أحضان الله. ولكن يهوذا كان أعمى عن رحمة الله الواسعة. إن
الشيطان الذي أغواه بالخطية دفعه لليأس بعد السقوط مصوراً له أن خطيته لن تغفر (2كو10:7).
وفي (أع18:1) نفهم أنه في شنقه لنفسه سقط على وجهه فإنشق من الوسط وإنسكبت أحشاؤه
كلها، ويبدو أنه بعد أن خنق نفسه سقط على شئ حاد أو بارز فشقت بطنه.
آية (7): "فتشاوروا
واشتروا بها حقل الفخاري مقبرة للغرباء."
حقل الفخاري= سمى
هكذا لأن فخارياً كان يمتلكه ويستغله، وكان ثمنه زهيداً إذ لا يصلح للزرع ولا
للرعي بسبب إستعمال الفخاري له. وهذا الحقل الذي إشترى بالثلاثين من الفضة وصار
مدفناً للغرباء يشير للعالم الذي إفتداه الرب بدمه لكي يدفن فيه الأمم فينعمون معه
بقيامته (الذين ماتوا مع المسيح وأيضاً سيقومون معه) وهذا ما يحدث في المعمودية.
آية (9): "حينئذ
تم ما قيل بإرميا النبي القائل واخذوا الثلاثين من الفضة ثمن المثمن الذي ثمنوه من
بني إسرائيل."
ما قيل بإرمياء
النبي= الذي تنبأ هذه النبوة هو زكريا. ولكن كان سفر إرمياء في التلمود أول أسفار
الأنبياء لذا كان إسم إرمياء يطلق على كل النبوات (زك12:11،13). فاليهود يقسمون
العهد القديم ثلاثة أقسام الأول هو الشريعة والثاني يبدأ بالمزامير ويسمونه
المزامير والثالث هو الأنبياء ويسمونه إرمياء.
(مر53:14-72،1:15)
المحاكمة التي
تمت كانت ضد التلقيد اليهودي [1] فالتلمود يمنع المحاكمات ليلاً [2] ويمنع إصدار
الحكم في نفس يوم المحاكمة خصوصاً لو كان الحكم بالموت [3] هذا يضاف على إستئجارهم
شهود زور [4] أساس المحاكمات اليهودية أن يحاكم على شئ عمله فعلاً وليس قولاً قاله
أمام المحكمة وهذا ما لم يحدث هنا وهم لا يحكمون بمجرد اعتراف المتهم. ليقتلوه= والمعنى
أن القرار قد إتخذ قبل المحاكمة. والمحاكمة كانت صورية.
الآيات (61،62):
"أما هو فكان ساكتاً لم يجب بشيء فسأله رئيس الكهنة أيضاً وقال له أأنت
المسيح ابن المبارك. فقال يسوع أنا هو وسوف تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين
القوة وآتياً في سحاب السماء."
علمنا هنا السيد
المسيح أن هناك وقت للصمت ووقت للكلام وأنه علينا أن لا نصمت إذا فُهِمَ صمتنا
أننا نتراجع عن موقفنا وننكر الحق. في إجابة المسيح هنا قال "أنا هو" ومرقس
لأنه يكتب للرومان يقولها بوضوح أما متى فقال "أنت تقول" وهذا تعبير
عبري بنفس المعنى لكن الرومان لن يفهموه.
آية (63): "فمزق
رئيس الكهنة ثيابه وقال ما حاجتنا بعد إلى شهود."
كانت الشريعة
تمنع رئيس الكهنة من أن يمزق ثيابه. ولكنه كما سبق وقال نبوة دون أن يدري عن أن
المسيح يفدي العالم (يو49:11-52) حدث هنا أنه دون أن يدري أيضاً تنبأ بنهاية
الكهنوت اليهودي. ونلاحظ أن الجنود الرومان لم يستطيعوا تمزيق ثوب المسيح الذي
يشير لكنيسته الواحدة. وقيافا كان يظهر حزنه على التجديف الذي لحق إسم الله بينما
كان قلبه فرحاً إذ وجد علة على يسوع.
آية (69): "فرأته
الجارية أيضاً وابتدأت تقول للحاضرين أن هذا منهم."
فرأته الجارية
أيضاً= وفي متى يقول "رأته أخرى". واضح حالة الهرج والكل يتكلم. فنفس
الجارية الأولى إتهمته ثانية وهذا أثار أخرى فبدأت في إتهامه. وفي لوقا نجد
الإتهام الثاني موجه من رجل (آية58:22) وواضح أن هذا الرجل كان يؤمن على كلام
الجارية الأولى.
(لو54:22-71): "فأخذوه وساقوه وادخلوه إلى بيت رئيس الكهنة وأما بطرس
فتبعه من بعيد. ولما أضرموا ناراً في وسط الدار وجلسوا معا جلس بطرس بينهم. فرأته
جارية جالساً عند النار فتفرست فيه وقالت وهذا كان معه. فأنكره قائلاً لست اعرفه
يا امرأة. وبعد قليل رآه آخر وقال وأنت منهم فقال بطرس يا إنسان لست أنا. ولما مضى
نحو ساعة واحدة أكد آخر قائلاً بالحق أن هذا أيضاً كان معه لأنه جليلي أيضاً. فقال
بطرس يا إنسان لست اعرف ما تقول وفي الحال بينما هو يتكلم صاح الديك. فالتفت الرب
ونظر إلى بطرس فتذكر بطرس كلام الرب كيف قال له انك قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث
مرات. فخرج بطرس إلى خارج وبكى بكاء مراً. والرجال الذين كانوا ضابطين يسوع كانوا
يستهزئون به وهم يجلدونه. وغطوه وكانوا يضربون وجهه ويسألونه قائلين تنبأ من هو
الذي ضربك. وأشياء آخر كثيرة كانوا يقولون عليه مجدفين. ولما كان النهار اجتمعت
مشيخة الشعب رؤساء الكهنة والكتبة واصعدوه إلى مجمعهم. قائلين أن كنت أنت المسيح
فقل لنا فقال لهم أن قلت لكم لا تصدقون. وأن سالت لا تجيبونني ولا تطلقونني. منذ
الآن يكون ابن الإنسان جالساً عن يمين قوة الله. فقال الجميع أفانت ابن الله فقال
لهم انتم تقولون أني أنا هو. فقالوا ما حاجتنا بعد إلى شهادة لأننا نحن سمعنا من
فمه."
الآيات (54-62):
"فأخذوه وساقوه وادخلوه إلى بيت رئيس الكهنة وأما بطرس فتبعه من بعيد. ولما
أضرموا ناراً في وسط الدار وجلسوا معا جلس بطرس بينهم. فرأته جارية جالساً عند
النار فتفرست فيه وقالت وهذا كان معه. فأنكره قائلاً لست اعرفه يا امرأة. وبعد
قليل رآه آخر وقال وأنت منهم فقال بطرس يا إنسان لست أنا. ولما مضى نحو ساعة واحدة
أكد آخر قائلاً بالحق إن هذا أيضاً كان معه لأنه جليلي أيضاً. فقال بطرس يا إنسان
لست اعرف ما تقول وفي الحال بينما هو يتكلم صاح الديك. فالتفت الرب ونظر إلى بطرس
فتذكر بطرس كلام الرب كيف قال له انك قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات. فخرج
بطرس إلى خارج وبكى بكاء مراً."
تبعه من بعيد= هو
يمسك العصا من الوسط فمن ناحية يريح ضميره بأنه تبع المسيح ومن ناحية هو كان من
بعيد لينقذ سمعته. فإلتفت الرب ونظر إلى بطرس= هذه يضيفها لوقا ليشرح سبب توبة
بطرس، فنظرة المسيح المملوءة عتاباً، مع صياح الديك حرّكا قلب بطرس وخرج ليبكي
بكاءً مراً وليصير داوداً جديداً في توبته ودموعه. لقد كانت نظرة المسيح له هي
إقتراب مراحم المسيح إليه بصمت وسرية ولمسة حانية لمست قلبه وذكرته بالماضي فيها
إفتقد الرب بطرس بنعمته الداخلية. في وسط آلام المسيح المرة لم ينسى خلاص نفس بطرس
وشجعه.
الآيات (67-71):
"قائلين إن كنت أنت المسيح فقل لنا فقال لهم إن قلت لكم لا تصدقون. وإن سألت
لا تجيبونني ولا تطلقونني. منذ الآن يكون ابن الإنسان جالساً عن يمين قوة الله. فقال
الجميع أفانت ابن الله فقال لهم انتم تقولون أني أنا هو. فقالوا ما حاجتنا بعد إلى
شهادة لأننا نحن سمعنا من فمه."
وإن سألت لا
تجيبونني= سبق المسيح وسألهم عن معمودية يوحنا وقالوا لا نعرف (لو5:20-7) وسألهم
عن مزمور داود ولم يجيبوا(لو41:20-44) والمسيح يقصد هنا أنه لو ناقشتكم في النبوات
التي تثبت أنني إبن الله وتفسيرها لن تجيبوا لأنكم لا تريدون أن تعرفوا الحق،ولا
تريدون أن يعرف أحد الحق، ولو تجردوا عن الهوى لكان المسيح قد شرح لهم.ولا
تطلقونني=لن يطلقوه حتى لو أثبت براءته فهم قد بيتوا النية على قتله.
آية (66): "ولما
كان النهار اجتمعت مشيخة الشعب رؤساء الكهنة والكتبة واصعدوه إلى مجمعهم."
اجتماع صوري
بالنهار حتى يكون الحكم رسمياً فأحكام الإعدام ليلاً باطلة.
(يو13:18-27)
تمت المحاكمة
الدينية، أي محاكمة المسيح أمام رؤساء الكهنة، في أثناء الليل، فأبناء الظلمة لا
يعملون إلاّ في الظلمة. بل هم تجاوزوا قوانينهم ليحكموا بالإدانة على المسيح على
وجه السرعة. بل أن قيافا قد أصدر الحكم عليه بالموت قبل المحاكمة (يو14:18). ولنلاحظ
أنه بحسب التقليد اليهودي تعتبر أحكام الليل لاغية. لذلك إجتمعوا صباحاً (شكلياً) للتصديق
على الحكم. ومن مهازل هذه المحاكمة فبحسب القوانين يمنع تنفيذ الحكم في نفس اليوم
لكنهم نفذوه في المسيح.
آية (13): "ومضوا
به إلى حنان أولاً لأنه كان حما قيافا الذي كان رئيساً للكهنة في تلك السنة."
يقول يوحنا في
سخرية أنهم ذهبوا به إلى حنان ليحاكمه. فبأي صفة يحاكمه حنان .. لأنه كان حما
قيافا= هذا هو التبرير الوحيد الذي قدَّمه يوحنا، فكأن قيافا يرد الجميل لحنان أنه
جعله رئيس الكهنة. ونلاحظ أن يوحنا لم يورد أي إتهام للمسيح مماّ قالوه فهم لم
يستقروا على تهمة واحدة ضده. ونلاحظ أن دار حنان وقيافا هي دار واحدة وبها قاعة
للمحكمة. وكان حنان رئيساً سابقاً للكهنة. ومجمع السنهدريم كان يجتمع في هذه
القاعة (مر53:14). وخرج المسيح من دار رئيس الكهنة إلى دار الولاية. ويوحنا لم
يذكر اجتماع المجمع ولا المحاكمة أمامه لأنه رأي أن الحكم كله في يد قيافا.
حنان وقيافا: كان
حنان رئيساً للكهنة من سنة 7م – 14-15م حينما أسقطه الوالي السابق لبيلاطس وكان
إسمه فاليريوس جراتوس. وتوّلى بعد حنان إبنه اليعازار لمدة سنة واحدة سنة16-17م. ومن
بعده جاء قيافا زوج إبنته وبقى في الرئاسة حتى سنة 35-36 حيث أسقطه الوالي الذي
أتى بعد بيلاطس. ومن بعد قيافا تولى الرئاسة إبن آخر لحنان هو يوناثان سنة 36-37م
ومن بعده تولى الرئاسة ثلاثة من أولاد حنان وهم ثاوفيلس سنة37-41م ثم متياس سنة41-44م
ثم حنان الصغير حتى سنة62م وهو الذي مدّ يده وقتل يعقوب أخو الرب (هذا غير يعقوب
أخو يوحنا الذي قتله هيرودس) (أع1:12،2). وكان هذه العائلة مشهورة بالرشوة
والدسائس الدينية وواضح أن حنان الكبير كان متسلطاً على قيافا وغيره وهذا ما
نلاحظه في (لو2:3) فهو يقول رئيس الكهنة حنان وقيافا. فقال رئيس الكهنة بالمفرد. فكان
حنان يمارس وظيفة رئيس الكهنة من خلف قيافا.
وكانت هذه
العائلة كعصابة تستخدم الهيكل في التجارة لذلك قال المسيح عن الهيكل "حولتموه
إلى مغارة لصوص". ولذلك كانت حادثة تطهير الهيكل سبب حقد حنان وقيافا، فهي
أوقفت نهر المال الذي يتدفق عليهما من تجارة الهيكل. ونلاحظ من (يو45:7-49) أن
المؤامرات وإرسال الخدام، خدام الهيكل الذين هم ضباط على مستوى عالٍ من المعرفة،
كانت مستمرة منذ زمن ولكن حينما ذهب هؤلاء الخدام للمسيح أعجبوا به.
الذي كان رئيساً
للكهنة في تلك السنة= كان رئيس الكهنة يستمر في وظيفته حتى يموت. ولكن قصد يوحنا
بهذا أن قيافا كان رئيساً للكهنة في تلك السنة التي كانت السنة المقبولة للمؤمنين
وسنة خيبة اليهود وخسارتهم لكل شئ. وتعني أيضاً كثرة تغيير رؤساء الكهنة بواسطة
الحكام الرومان.
آية (14): "وكان
قيافا هو الذي أشار على اليهود انه خير أن يموت إنسان واحد عن الشعب."
الإشارة هنا إلى (يو49:11،50).
وتعني أن القرار قد إتخذوه قبل المحاكمة.
آية (15): "وكان
سمعان بطرس والتلميذ الآخر يتبعان يسوع وكان ذلك التلميذ معروفاً عند رئيس الكهنة
فدخل مع يسوع إلى دار رئيس الكهنة."
من هنا نرى أن
يوحنا كان شاهد عيان فهو وبطرس فقط تبعا المسيح وهرب الباقون. ولكن بطرس احتجز عند
الباب، إذ لم يكن معروفاً لخدام قيافا. ولكن يوحنا كان معروفاً فهو غالباً كان
وأخيه يعقوب أقارب لرئيس الكهنة. وهذه المعرفة هي التي أهلت يوحنا ليعرف إسم عبد
رئيس الكهنة ملخس، بل تعرف على نسيب ملخس بين الخدام، وأهلته لدخول بيت قيافا دون
حرج في هذا الموقف الخطير. وهو أيضاً عَرِف أن الجارية التي أنكر بطرس المسيح
أمامها أنها هي البوابة، بل هو توسط لبطرس لكي يدخل (آية16). وهذه القرابة هي
التفسير أنهم لم يعترضوا على دخوله.
ومعروف في
التاريخ اليهودي أن السنهدريم وهو الجهة القضائية العليا المنوط بها الفحص والحكم
في القضايا الكبرى التي تخص اليهود، قد توقف عن العمل 40سنة قبل خراب أورشليم، أي
كان متوقفاً عن العمل أيام المسيح، وهم قد منعوا من الاجتماع في الدار المخصصة
للسنهدريم المسماة "جازيت" وبحسب التلقيد اليهودي لا يجوز للسنهدريم أن
يحكم بالموت خارج الجازيت. ولذلك كان اجتماعهم في دار قيافا إجتماعاً غير قانوني،
بل بناء على إستدعاء رؤساء الكهنة للتصديق الشكلي على الحكم. ويقول التلمود
اليهودي أنه قبل خراب الهيكل بأربعين سنة إنتزع من إسرائيل حق الحكم بالإعدام،
ولكن يبدو أنه في غياب الوالي الروماني خارج أورشليم أتيح لهم أن يحكموا على
إسطفانوس بالرجم.
آية (16): "وأما
بطرس فكان واقفاً عند الباب خارجاً فخرج التلميذ الآخر الذي كان معروفاً عند رئيس
الكهنة وكلم البوابة فادخل بطرس."
بعد أن إستقر
يوحنا في الداخل عاد ليبحث عن بطرس ليدخل. وكلم البوابة= إذاً البوابة أيضاً تعرفه.
ولكن البوابة كلمت بطرس وتركت يوحنا. والله سمح بهذا حتى ينكسر كبرياء بطرس (37:13).
آية (17): "فقالت
الجارية البوابة لبطرس ألست أنت أيضاً من تلاميذ هذا الإنسان قال ذاك لست أنا."
في دخوله تعرفت
عليه البوابة، وقول الكتاب أيضاً يشير لأن البوابة سبقت وتعرفت على يوحنا وعرفت
أنه من تلاميذ المسيح. وبطرس خانته شجاعته وأنكر وكان من الممكن أن يهلكوه ولكن
المسيح كان قد طلب لأجله (لو32:22).
آية (18): "وكان
العبيد والخدام واقفين وهم قد أضرموا جمراً لأنه كان برد وكانوا يصطلون وكان بطرس
واقفاً معهم يصطلي."
هنا إنسحب القائد
والجند ولم يبق سوى العبيد وضباط الحراسة اليهود، وهؤلاء تجمعوا معاً في فسحة
الدار في الدور الأرضي. لأنه كان برد= إشارة لأن هذا الجو إستثنائي في هذه السنة،
فمن المعتاد في مثل هذا الوقت أن يكون الجو دافئاً. وضوء الجمر ساعد العبيد أن
يروا وجه بطرس فيتعرفوا عليه (لو56:22 + مر67:14-72).
آية (19): "فسأل
رئيس الكهنة يسوع عن تلاميذه وعن تعليمه."نفهم من آية (24)
أن هذا التحقيق كان أمام قيافا، بعد أن أرسله حنان إليه. وهنا قيافا يسأل المسيح
عن تلاميذه [1] لأنه ينوي أن ينكل بهم ويقدم أسماءهم إلى بيلاطس [2] في نظر بيلاطس
أن المسيح متهم بأنه يريد أن يكون ملكاً وبالتالي يكون تلاميذه ولاة منافسين
لبيلاطس (هذا ما يريده قيافا). [3] والمسيح كإبن الله يكون تلاميذه فوق رئيس
الكهنة. والمسيح لم يجب على السؤال الخاص بتلاميذه ليحميهم. وقيافا يسأل المسيح عن
تعليمه= أي دعوته لأن يكون ملكاً يمنع أن تعطى الجزية لقيصر، وأنه ملك لليهود. وكأن
قيافا يستدرج المسيح ليعترف بخططه السرية للقيام بثورة ليكون ملكاً
آية (20): "أجابه
يسوع أنا كلمت العالم علانية أنا علمت كل حين في المجمع وفي الهيكل حيث يجتمع
اليهود دائماً وفي الخفاء لم أتكلم بشيء."
هنا المسيح يعلن
أنه لم يكن يعد لثورة وليس له تعاليم سرية. بل كل تعاليمه كانت على الملأ وما قاله
للسامرية أذاعته هي في كل المدينة. وخدام رئيس الكهنة سبقوا وإستمعوا له وشهدوا له
(يو45:7،46). بل أن رد المسيح فيه إشارة إتهام لرئيس الكهنة بأنه هو الذي يعمل في
الظلام بمحاكمته. وقوله العالم=يشمل تلاميذه وكل اليهود والآخرين بلا تمييز، بل
المسيح يمنع كل تعليم سرى (مت27:10) فكل تعليم سرى يخلو من الحق.
آية (21): "لماذا
تسألني أنا أسال الذين قد سمعوا ماذا كلمتهم هوذا هؤلاء يعرفون ماذا قلت أنا."
كانت القوانين
اليهودية للمحاكمات تنص على سماع شهود البراءة أولاً وفي قول المسيح إشارة لأنهم
أغفلوا هذا النص. وكأن المسيح يطلب سماع شهود الدفاع أولاً، لأنه أيضاً بحسب
القوانين اليهودية فالمتهم برئ حتى تثبت إدانته. ولكن واضح هنا أن المحاكمة صورية.
وبهذا لم يجب المسيح على الأسئلة الموجهة له كما قال مرقس ومتى (مر60:14،61 + مت62:26،63).
آية (22): "ولما
قال هذا لطم يسوع واحد من الخدام كان واقفا قائلاً أهكذا تجاوب رئيس الكهنة."
راجع (أش6:50)
آية (23): "أجابه
يسوع إن كنت قد تكلمت ردياً فاشهد على الردئ وإن حسناً فلماذا تضربني."
المسيحية لا تعرف
الجبن. والمسيح هنا كان في ملء السلام ومستعداً لأقصى درجات الآلام ولكنه رد بجواب
فيه الحق. وهذه الآية تتكامل مع (مت39:5) فعلينا أن نكون مستعدين لأن نحتمل الظلم
وأن نظهر الحق بكل وداعة ورقة وبلا خنوع فيسوع رد بقوة وأثبت أن اللطمة ظالمة.
آية (26): "قال
واحد من عبيد رئيس الكهنة وهو نسيب الذي قطع بطرس أذنه أما رايتك أنا معه في
البستان."
نرى هنا إمكانيات
يوحنا في التعرف على أهل بيت رئيس الكهنة مما يشير لقرابته لأهل البيت.
آية (27): "فأنكر
بطرس أيضاً وللوقت صاح الديك."
كان التدبير
الإلهي عجيب في أن المحاكمة إنتهت وكان المسيح يمر في الفسحة التي وقف فيها بطرس. وكان
هذا بعد صياح الديك والإنكار الثالث حتى ينظر المسيح لبطرس معاتباً فيدعوه للتوبة (لو61:22).
ونلاحظ أن الله يستخدم ديكاً لينبه بطرس لخطيته. وهكذا فكل ما في الكون يسير
بتدبير الرب. وعلينا أن لا نرفض صوت الرب في داخلنا أو بأي طريقة يدبرها ليصل
إلينا صوته. ولكن لاحظ رقة يوحنا فهو لم يذكر تجديف بطرس ضد المسيح. لكنه ذكر
القصة تثبيتاً لنبوة السيد المسيح.
ملحوظة: كانت
الشريعة اليهودية المدونة في كتاب التلمود تحرم الحكم ليلاً على إنسان بالموت، ولا
تجيز الحكم عليه في جلسة واحدة، لهذا التزم مجلس السبعين (السنهدريم) أن يجتمعوا
في صباح الجمعة في الهيكل، ليجعلوا ما حكموا به على يسوع ليلاً في دار قيافا شرعياً.
ولاحظ أن الموت عند اليهود بالرجم وعند الرومان بالصلب، لهذا صُلب يسوع.
تمت محاكمة
المسيح دينياً ومدنياً. دينياً أمام حنان وقيافا ومدنياً أمام هيرودس وبيلاطس. وبيلاطس
كان يميل لتبرئه المسيح (يو38:18 + 4:19،6) ولكنه حكم ضده تحت تأثير اليهود. ويوحنا
يميز بدقة ما دار في المحاكمات الدينية وقدر العلماء وقوف المسيح أمام حنان حوالي
الساعة الثانية صباحاً.
محاكمة المسيح
أمام رؤساء كهنة اليهود (مت57:26-10:27 + مر53:14-72،1:15 + لو54:22-71 + يو13:18-27) (مت57:26-10:27)
رسم يوضح مكان
المحاكمة ومقر حنان وقيافا والسنهدريم. والفسحة (الحوش) في الدور الأوضي، حيث
إجتمع العبيد والخدام. ثم الدهليز، وهي الطرقة بين الباب والحوش.
آية (59): "وكان
رؤساء الكهنة والشيوخ والمجمع كله يطلبون شهادة زور على يسوع لكي يقتلوه."
يطلبون شهادة زور=
إذاً هم أتوا بشهود معروف عنهم سوء السمعة فهم شهود زور معروفين، فالكتاب لم يقل
أنهم شهدوا زوراً بل هم أصلاً شهود زور، هذه هي طبيعتهم السابقة قبل محاكمة المسيح.
واليهود إحتاجوا لهم ليقفوا أمام بيلاطس.
الآيات (61-64):
"وقالا هذا قال أني اقدر أن انقض هيكل الله وفي ثلاثة أيام ابنيه. فقام رئيس
الكهنة وقال له أما تجيب بشيء ماذا يشهد به هذان عليك. وأما يسوع فكان ساكتاً
فأجاب رئيس الكهنة وقال له استحلفك بالله الحي أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله.
قال له يسوع أنت قلت وأيضاً أقول لكم من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين
القوة وآتياً على سحاب السماء."
يتضح في (61) طريقة التزوير في الشهادة، فالمسيح لم يقل أنا أنقض
هيكل الله. بل قال عن هيكل جسده (يو19:2،21). وهو لم يقل أنا أنقض بل قال لهم
أنقضوا.. وأنا أقيمه. فالمسيح يتكلم عماّ سيفعلوه بصلبهم له (انقضوا..) ثم قيامته
بعد 3 أيام. وهم فهموا كلامه وهم كانوا يعلمون أنه قال أنه سيقوم بعد 3 أيام
وقالوا هذا لبيلاطس (مت63:27). وهم لأنهم شهود زور فهم لم يشهدوا بأن المسيح صنع
معجزات أكبر من إقامة الهيكل في 3أيام، فهو أقام لعازر بعد أن أنتن وكان سؤال رئيس
الكهنة للسيد أستحلفك .. هل أنت المسيح إبن الله هو يسأل لا ليعرف الإجابة، بل
ليسقط المسيح في مشكلة
1. إن رفض الإجابة يتهمه بأنه يستهين بالحلف بإسم الله.
2. إن قال نعم فهو سيدينه بتهمة التجديف.
3. إن قال لا فهو يكذب نفسه لأنه أعلن هذا أمام الجموع.
وفي الحالات
الثلاث سيدينه ويحكم عليه أنه مستوجب الموت. فلأن شهادة الزور فشلت فهو يريد أن
يصطاده بكلمة من فمه. والسيد عرف خبث ضمائرهم ووجد أن سكوته لا يصح فأجاب بأنه إبن
الله حتى تكون الفائدة عامة للكل. والسيد عموماً كان صامتاً أثناء محاكمات اليهود
والرومان له، فمن يتكلم كثيراً يشير إلى ضعفه، وهو يعلم نيتهم المسبقة، وأن حكمهم
سيكون ظالماً فلماذا كثرة الكلام. ولكنه هو وحده يعلم متى يكون الكلام ومتى يكون
الصمت. والسيد كان هنا واضحاً في إجابته أنت قلت أي كلامك صحيح بل زاد أنهم لن
يعودوا يرونه في ضعف بل هو سيصعد للسماء وسيأتي للدينونة في المجيء الثاني.
- وإن كان رئيس
الكهنة يبغي حقاً أن يعرف، كان عليه أن يفتش الكتب والأنبياء فيعلم.
- وهم يعرفون من
دانيال أن عبارة "جالساً عن يمين القوة" تشير للمسيح. ويعني كلام المسيح
أيضاً أنه بعد أن تصلبوني أقوم وينتشر الإيمان وترون معجزات على يد الرسل ستعرفون
إنني أنا الذي قصده دانيال. عموماً من نبوة دانيال هم يعرفون أن لقب إبن الإنسان
المقصود به المسيح.
آية (65): "فمزق
رئيس الكهنة حينئذ ثيابه قائلاً قد جدف ما حاجتنا بعد إلى شهود ها قد سمعتم تجديفه."
تمزيق رئيس الكهنة
لثيابه علامة يهودية تشير للحزن والغيرة على الله لأن إسمه قد جُدِّفَ عليه. وهنا
نرى علامة على نزع الكهنوت اللاوي ليظهر كهنوت جديد على طقس ملكي صادق. ولكن رئيس
الكهنة فعل ذلك ليثير الموجودين كلهم فيؤيدوه على قراره بقتل المسيح
آية (67): "حينئذ
بصقوا في وجهه ولكموه وآخرون لطموه."
فعلوا هذا به
لحسدهم (مت18:27). وما أفظع خطية الحسد والبغضة وهذا ما جعلهم يصرخون أصلبه أصلبه
لما أراد بيلاطس أن يؤدبه (يجلده) ويطلقه. بل أن الحسد هو الذي دفع إبليس ليسقط
آدم فيموت، وهذا ما حدث مع قايين.
الآيات (69-75):
"أما بطرس فكان جالساً خارجاً في الدار فجاءت إليه جارية قائلة وأنت كنت مع
يسوع الجليلي. فأنكر قدام الجميع قائلا لست ادري ما تقولين. ثم إذ خرج إلى الدهليز
رأته أخرى فقالت للذين هناك وهذا كان مع يسوع الناصري. فأنكر أيضاً بقسم أني لست
اعرف الرجل. وبعد قليل جاء القيام وقالوا لبطرس حقا أنت أيضاً منهم فان لغتك تظهرك.
فابتدأ حينئذ يلعن ويحلف أني لا اعرف الرجل وللوقت صاح الديك. فتذكر بطرس كلام
يسوع الذي قال له انك قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات فخرج إلى خارج وبكى بكاء
مراً."
إنكار بطرس: كان
بطرس جالساً خارجاً في الدار الخارجية (الحوش) فإصطادته جارية لتتهمه أنه كان مع
يسوع فأنكر، وإذ خرج إلى الدهليز رأته أخرى وإتهمته كالأولى ثم عرفه الجالسون في
المكان من لغته، فالجليليين لهم لكنة مختلفة عن اليهود. فهم ينطقون السين مثل
الثاء. ومن بقية الأناجيل يبدو أن كثيرين حاصروه بإتهاماتهم بأنه تلميذ المسيح. ولنلاحظ
أن الخطية تبدأ بالتهاون في الصلاة في البستان، ثم كبرياؤه وثقته في ذاته، ثم
هروبه مع التلاميذ، ثم جلوسه الآن مع من يبغضون الرب ثم الإنكار ثم القسم الكاذب
ثم اللعن. فكل إنسان يسقط في الخطية يبدأ سقوطه في خطية صغيرة ثم يتدرج إلى الأكبر.
ونلاحظ أن الخوف يفقدنا الرؤية والتمييز.
صياح الديك= يشير
لصياح صوت الضمير فينا، أو صوت الروح القدس الذي يبكت على خطية. ونلاحظ أن الديك
صاح مرة بعد أن أنكر أول مرة، وكان هذا كإنذار ليكف عن الإنحدار ولكن هذا لم يحدث،
ثم صاح الديك بعد إنكاره ثالث مرة. ثم خرج إلى خارج= تشير لضرورة خروج الخاطئ من
مكان الخطية وإعتزال شهوات العالم. إن بكاء بطرس غسل خطيته دون أن يقول كلمة
إعتذار فالدموع تنال الغفران.
لغتك تظهرك= غالباً لأنه جليلي ولكن هناك رأي بأنه تشبه بالسيد في كلامه.
لماذا لم تتدخل العناية الإلهية وتحمي بطرس من الإنكار؟
لما قال المسيح
لتلاميذه كلكم تشكون فيّ في هذه الليلة، قال بطرس "أنا لا أشك" وكان في
هذا كبرياء من بطرس، فهو شك في كلام المسيح بكبرياء، بينما هو راي من سابق عشرته
للسيد معرفته بكل شئ، وهنا المسيح تركه ليشفيه وليتأدب. وكان من المفروض أن يقول
بطرس للسيد، أعنى حتى لا أشك ولكنه أخطأ فتركه السيد ليسقط فيعرف ضعفه ولا يعود
يثق في ذاته. ونلاحظ أنه بعد هذه السقطة وبعد أن تأدب قال للسيد حين سأله "أتحبني"
أجاب "أنت تعلم أني أحبك" فهو أصبح لا يثق في ذاته، وقارن هذا القول
بأنه سيبذل نفسه عن السيد بينما سيده يقول له ستشكون فيّ في هذه الليلة، فهل كان
يتصور أن السيد لا يعلم. ونلاحظ أن المسيح كان يعلم مستقبل بطرس وأنه سيصنع معجزات
ويؤمن على يديه ألوف، وهو سمح بسقوطه حتى لا يتكبر، كما سمح لبولس بشوكة في الجسد
لئلا يرتفع. ونلاحظ أن المسيح لم يجعله يسقط بل هو رفع العناية الإلهية التي تحفظه.
وهذا يفسر كلام المسيح له "وأنا طلبت إلى الآب حتى لا يفنى إيمانك" فالمسيح
هو الذي يعتني بنا أما بطرس ففي كبريائه الأول ظن أن قوته وسيفه هما اللذان
يحميانه. وبطرس صار لنا مثالاً، لذلك قال له المسيح "وأنت متى رجعت فثبت
إخوتك".
لماذا أخبره السيد بما سيقع مقدماً؟
1. ليعلم أن السيد يعرف كل شئ فلا يعود يراجعه في شئ بل يثق أن عنده المعرفة الكاملة.
2. حتى لا يقول أن السيد لو أعلمني بما سيكون لتحذرت ولم أنكر.
3. حتى إذا تذكر معرفة السيد وأنه أخبره تزداد توبته وندامته.
الفرق بين يهوذا وبطرس
كان إنكار بطرس
عن خوف طبيعي، أمّا يهوذا فقد خان دون مبرر وأخذ الثمن. وبطرس تاب وندم أمّا يهوذا
فيأس وهلك ولما رآهم حكموا عليه بالموت وكان يظنهم يؤدبونه ويطلقونه تملكته الحيرة
واليأس والندم وبدل التوبة إنتحر يأساً.
(الآيات 1:27-10) يأس
يهوذا وإنتحاره
الآيات (1،2):
"ولما كان الصباح تشاور جميع رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب على يسوع حتى يقتلوه. فأوثقوه
ومضوا به ودفعوه إلى بيلاطس البنطي الوالي."
أنظر المحاكمة
المدنية للمسيح.
آية (3): "حينئذ
لما رأى يهوذا الذي أسلمه انه قد دين ندم ورد الثلاثين من الفضة إلى رؤساء الكهنة
والشيوخ."
كان يهوذا في
طمعه يظن أنه يقتني ربحاً بالثلاثين من الفضة وإذا به يقتني هماً وغماً، فذهب يرد
الفضة في ندامة بلا توبة ومرارة بلا رجاء. وهكذا كل خاطئ فهو يظن أن الخطية ستعطيه
لذة وإذا به يقتني هماً وغماً ويأساً.
الآيات (4-6):
"قائلاً قد أخطأت إذ سلمت دماً بريئاً فقالوا ماذا علينا أنت ابصر. فطرح
الفضة في الهيكل وانصرف ثم مضى وخنق نفسه. فاخذ رؤساء الكهنة الفضة وقالوا لا يحل
أن نلقيها في الخزانة لأنها ثمن دم."
ماذا علينا= عبارة
تعني عدم إهتمامهم بما يقول، فقد حصلوا على ما يريدون. (انظر المزيد عن هذا
الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). عجيب أن
هؤلاء القتلة يقولون ليهوذا أنت أبصر، أما هم قاتلوه فليس عليهم أن يبصروا. ثم
يقولون "لا يحل أن نلقيها في الخزانة لأنها ثمن دم" فإذا كان وضع ثمن
الدم في الخزانة يعتبر إثماً فكم يكون إهدار الدم. وإذا كنتم قد رأيتم عذراً لصلب
المسيح فلماذا ترفضون قبول الثمن، حقاً قال عليهم السيد "يصفون عن البعوضة
ويبلعون الجمل" إذ يشترون صاحب الدم الزكي بالمال ليقتلوه، ويرتابوا من وضع
ثمن الدم في الهيكل.
ثم مضى وخنق نفسه=
لعله تصوَّر أن المسيح سوف يخرج من بين أيديهم كما كان يفعل سابقاً. ولما لم يفعل
ندم يهوذا. ولكن التوبة ليست مجرد ندم، ولكنها إيمان يملأ القلب بالرجاء، ويدفعه
الحب للإرتماء في أحضان الله. ولكن يهوذا كان أعمى عن رحمة الله الواسعة. إن
الشيطان الذي أغواه بالخطية دفعه لليأس بعد السقوط مصوراً له أن خطيته لن تغفر (2كو10:7).
وفي (أع18:1) نفهم أنه في شنقه لنفسه سقط على وجهه فإنشق من الوسط وإنسكبت أحشاؤه
كلها، ويبدو أنه بعد أن خنق نفسه سقط على شئ حاد أو بارز فشقت بطنه.
آية (7): "فتشاوروا
واشتروا بها حقل الفخاري مقبرة للغرباء."
حقل الفخاري= سمى
هكذا لأن فخارياً كان يمتلكه ويستغله، وكان ثمنه زهيداً إذ لا يصلح للزرع ولا
للرعي بسبب إستعمال الفخاري له. وهذا الحقل الذي إشترى بالثلاثين من الفضة وصار
مدفناً للغرباء يشير للعالم الذي إفتداه الرب بدمه لكي يدفن فيه الأمم فينعمون معه
بقيامته (الذين ماتوا مع المسيح وأيضاً سيقومون معه) وهذا ما يحدث في المعمودية.
آية (9): "حينئذ
تم ما قيل بإرميا النبي القائل واخذوا الثلاثين من الفضة ثمن المثمن الذي ثمنوه من
بني إسرائيل."
ما قيل بإرمياء
النبي= الذي تنبأ هذه النبوة هو زكريا. ولكن كان سفر إرمياء في التلمود أول أسفار
الأنبياء لذا كان إسم إرمياء يطلق على كل النبوات (زك12:11،13). فاليهود يقسمون
العهد القديم ثلاثة أقسام الأول هو الشريعة والثاني يبدأ بالمزامير ويسمونه
المزامير والثالث هو الأنبياء ويسمونه إرمياء.
(مر53:14-72،1:15)
المحاكمة التي
تمت كانت ضد التلقيد اليهودي [1] فالتلمود يمنع المحاكمات ليلاً [2] ويمنع إصدار
الحكم في نفس يوم المحاكمة خصوصاً لو كان الحكم بالموت [3] هذا يضاف على إستئجارهم
شهود زور [4] أساس المحاكمات اليهودية أن يحاكم على شئ عمله فعلاً وليس قولاً قاله
أمام المحكمة وهذا ما لم يحدث هنا وهم لا يحكمون بمجرد اعتراف المتهم. ليقتلوه= والمعنى
أن القرار قد إتخذ قبل المحاكمة. والمحاكمة كانت صورية.
الآيات (61،62):
"أما هو فكان ساكتاً لم يجب بشيء فسأله رئيس الكهنة أيضاً وقال له أأنت
المسيح ابن المبارك. فقال يسوع أنا هو وسوف تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين
القوة وآتياً في سحاب السماء."
علمنا هنا السيد
المسيح أن هناك وقت للصمت ووقت للكلام وأنه علينا أن لا نصمت إذا فُهِمَ صمتنا
أننا نتراجع عن موقفنا وننكر الحق. في إجابة المسيح هنا قال "أنا هو" ومرقس
لأنه يكتب للرومان يقولها بوضوح أما متى فقال "أنت تقول" وهذا تعبير
عبري بنفس المعنى لكن الرومان لن يفهموه.
آية (63): "فمزق
رئيس الكهنة ثيابه وقال ما حاجتنا بعد إلى شهود."
كانت الشريعة
تمنع رئيس الكهنة من أن يمزق ثيابه. ولكنه كما سبق وقال نبوة دون أن يدري عن أن
المسيح يفدي العالم (يو49:11-52) حدث هنا أنه دون أن يدري أيضاً تنبأ بنهاية
الكهنوت اليهودي. ونلاحظ أن الجنود الرومان لم يستطيعوا تمزيق ثوب المسيح الذي
يشير لكنيسته الواحدة. وقيافا كان يظهر حزنه على التجديف الذي لحق إسم الله بينما
كان قلبه فرحاً إذ وجد علة على يسوع.
آية (69): "فرأته
الجارية أيضاً وابتدأت تقول للحاضرين أن هذا منهم."
فرأته الجارية
أيضاً= وفي متى يقول "رأته أخرى". واضح حالة الهرج والكل يتكلم. فنفس
الجارية الأولى إتهمته ثانية وهذا أثار أخرى فبدأت في إتهامه. وفي لوقا نجد
الإتهام الثاني موجه من رجل (آية58:22) وواضح أن هذا الرجل كان يؤمن على كلام
الجارية الأولى.
(لو54:22-71): "فأخذوه وساقوه وادخلوه إلى بيت رئيس الكهنة وأما بطرس
فتبعه من بعيد. ولما أضرموا ناراً في وسط الدار وجلسوا معا جلس بطرس بينهم. فرأته
جارية جالساً عند النار فتفرست فيه وقالت وهذا كان معه. فأنكره قائلاً لست اعرفه
يا امرأة. وبعد قليل رآه آخر وقال وأنت منهم فقال بطرس يا إنسان لست أنا. ولما مضى
نحو ساعة واحدة أكد آخر قائلاً بالحق أن هذا أيضاً كان معه لأنه جليلي أيضاً. فقال
بطرس يا إنسان لست اعرف ما تقول وفي الحال بينما هو يتكلم صاح الديك. فالتفت الرب
ونظر إلى بطرس فتذكر بطرس كلام الرب كيف قال له انك قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث
مرات. فخرج بطرس إلى خارج وبكى بكاء مراً. والرجال الذين كانوا ضابطين يسوع كانوا
يستهزئون به وهم يجلدونه. وغطوه وكانوا يضربون وجهه ويسألونه قائلين تنبأ من هو
الذي ضربك. وأشياء آخر كثيرة كانوا يقولون عليه مجدفين. ولما كان النهار اجتمعت
مشيخة الشعب رؤساء الكهنة والكتبة واصعدوه إلى مجمعهم. قائلين أن كنت أنت المسيح
فقل لنا فقال لهم أن قلت لكم لا تصدقون. وأن سالت لا تجيبونني ولا تطلقونني. منذ
الآن يكون ابن الإنسان جالساً عن يمين قوة الله. فقال الجميع أفانت ابن الله فقال
لهم انتم تقولون أني أنا هو. فقالوا ما حاجتنا بعد إلى شهادة لأننا نحن سمعنا من
فمه."
الآيات (54-62):
"فأخذوه وساقوه وادخلوه إلى بيت رئيس الكهنة وأما بطرس فتبعه من بعيد. ولما
أضرموا ناراً في وسط الدار وجلسوا معا جلس بطرس بينهم. فرأته جارية جالساً عند
النار فتفرست فيه وقالت وهذا كان معه. فأنكره قائلاً لست اعرفه يا امرأة. وبعد
قليل رآه آخر وقال وأنت منهم فقال بطرس يا إنسان لست أنا. ولما مضى نحو ساعة واحدة
أكد آخر قائلاً بالحق إن هذا أيضاً كان معه لأنه جليلي أيضاً. فقال بطرس يا إنسان
لست اعرف ما تقول وفي الحال بينما هو يتكلم صاح الديك. فالتفت الرب ونظر إلى بطرس
فتذكر بطرس كلام الرب كيف قال له انك قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات. فخرج
بطرس إلى خارج وبكى بكاء مراً."
تبعه من بعيد= هو
يمسك العصا من الوسط فمن ناحية يريح ضميره بأنه تبع المسيح ومن ناحية هو كان من
بعيد لينقذ سمعته. فإلتفت الرب ونظر إلى بطرس= هذه يضيفها لوقا ليشرح سبب توبة
بطرس، فنظرة المسيح المملوءة عتاباً، مع صياح الديك حرّكا قلب بطرس وخرج ليبكي
بكاءً مراً وليصير داوداً جديداً في توبته ودموعه. لقد كانت نظرة المسيح له هي
إقتراب مراحم المسيح إليه بصمت وسرية ولمسة حانية لمست قلبه وذكرته بالماضي فيها
إفتقد الرب بطرس بنعمته الداخلية. في وسط آلام المسيح المرة لم ينسى خلاص نفس بطرس
وشجعه.
الآيات (67-71):
"قائلين إن كنت أنت المسيح فقل لنا فقال لهم إن قلت لكم لا تصدقون. وإن سألت
لا تجيبونني ولا تطلقونني. منذ الآن يكون ابن الإنسان جالساً عن يمين قوة الله. فقال
الجميع أفانت ابن الله فقال لهم انتم تقولون أني أنا هو. فقالوا ما حاجتنا بعد إلى
شهادة لأننا نحن سمعنا من فمه."
وإن سألت لا
تجيبونني= سبق المسيح وسألهم عن معمودية يوحنا وقالوا لا نعرف (لو5:20-7) وسألهم
عن مزمور داود ولم يجيبوا(لو41:20-44) والمسيح يقصد هنا أنه لو ناقشتكم في النبوات
التي تثبت أنني إبن الله وتفسيرها لن تجيبوا لأنكم لا تريدون أن تعرفوا الحق،ولا
تريدون أن يعرف أحد الحق، ولو تجردوا عن الهوى لكان المسيح قد شرح لهم.ولا
تطلقونني=لن يطلقوه حتى لو أثبت براءته فهم قد بيتوا النية على قتله.
آية (66): "ولما
كان النهار اجتمعت مشيخة الشعب رؤساء الكهنة والكتبة واصعدوه إلى مجمعهم."
اجتماع صوري
بالنهار حتى يكون الحكم رسمياً فأحكام الإعدام ليلاً باطلة.
(يو13:18-27)
تمت المحاكمة
الدينية، أي محاكمة المسيح أمام رؤساء الكهنة، في أثناء الليل، فأبناء الظلمة لا
يعملون إلاّ في الظلمة. بل هم تجاوزوا قوانينهم ليحكموا بالإدانة على المسيح على
وجه السرعة. بل أن قيافا قد أصدر الحكم عليه بالموت قبل المحاكمة (يو14:18). ولنلاحظ
أنه بحسب التقليد اليهودي تعتبر أحكام الليل لاغية. لذلك إجتمعوا صباحاً (شكلياً) للتصديق
على الحكم. ومن مهازل هذه المحاكمة فبحسب القوانين يمنع تنفيذ الحكم في نفس اليوم
لكنهم نفذوه في المسيح.
آية (13): "ومضوا
به إلى حنان أولاً لأنه كان حما قيافا الذي كان رئيساً للكهنة في تلك السنة."
يقول يوحنا في
سخرية أنهم ذهبوا به إلى حنان ليحاكمه. فبأي صفة يحاكمه حنان .. لأنه كان حما
قيافا= هذا هو التبرير الوحيد الذي قدَّمه يوحنا، فكأن قيافا يرد الجميل لحنان أنه
جعله رئيس الكهنة. ونلاحظ أن يوحنا لم يورد أي إتهام للمسيح مماّ قالوه فهم لم
يستقروا على تهمة واحدة ضده. ونلاحظ أن دار حنان وقيافا هي دار واحدة وبها قاعة
للمحكمة. وكان حنان رئيساً سابقاً للكهنة. ومجمع السنهدريم كان يجتمع في هذه
القاعة (مر53:14). وخرج المسيح من دار رئيس الكهنة إلى دار الولاية. ويوحنا لم
يذكر اجتماع المجمع ولا المحاكمة أمامه لأنه رأي أن الحكم كله في يد قيافا.
حنان وقيافا: كان
حنان رئيساً للكهنة من سنة 7م – 14-15م حينما أسقطه الوالي السابق لبيلاطس وكان
إسمه فاليريوس جراتوس. وتوّلى بعد حنان إبنه اليعازار لمدة سنة واحدة سنة16-17م. ومن
بعده جاء قيافا زوج إبنته وبقى في الرئاسة حتى سنة 35-36 حيث أسقطه الوالي الذي
أتى بعد بيلاطس. ومن بعد قيافا تولى الرئاسة إبن آخر لحنان هو يوناثان سنة 36-37م
ومن بعده تولى الرئاسة ثلاثة من أولاد حنان وهم ثاوفيلس سنة37-41م ثم متياس سنة41-44م
ثم حنان الصغير حتى سنة62م وهو الذي مدّ يده وقتل يعقوب أخو الرب (هذا غير يعقوب
أخو يوحنا الذي قتله هيرودس) (أع1:12،2). وكان هذه العائلة مشهورة بالرشوة
والدسائس الدينية وواضح أن حنان الكبير كان متسلطاً على قيافا وغيره وهذا ما
نلاحظه في (لو2:3) فهو يقول رئيس الكهنة حنان وقيافا. فقال رئيس الكهنة بالمفرد. فكان
حنان يمارس وظيفة رئيس الكهنة من خلف قيافا.
وكانت هذه
العائلة كعصابة تستخدم الهيكل في التجارة لذلك قال المسيح عن الهيكل "حولتموه
إلى مغارة لصوص". ولذلك كانت حادثة تطهير الهيكل سبب حقد حنان وقيافا، فهي
أوقفت نهر المال الذي يتدفق عليهما من تجارة الهيكل. ونلاحظ من (يو45:7-49) أن
المؤامرات وإرسال الخدام، خدام الهيكل الذين هم ضباط على مستوى عالٍ من المعرفة،
كانت مستمرة منذ زمن ولكن حينما ذهب هؤلاء الخدام للمسيح أعجبوا به.
الذي كان رئيساً
للكهنة في تلك السنة= كان رئيس الكهنة يستمر في وظيفته حتى يموت. ولكن قصد يوحنا
بهذا أن قيافا كان رئيساً للكهنة في تلك السنة التي كانت السنة المقبولة للمؤمنين
وسنة خيبة اليهود وخسارتهم لكل شئ. وتعني أيضاً كثرة تغيير رؤساء الكهنة بواسطة
الحكام الرومان.
آية (14): "وكان
قيافا هو الذي أشار على اليهود انه خير أن يموت إنسان واحد عن الشعب."
الإشارة هنا إلى (يو49:11،50).
وتعني أن القرار قد إتخذوه قبل المحاكمة.
آية (15): "وكان
سمعان بطرس والتلميذ الآخر يتبعان يسوع وكان ذلك التلميذ معروفاً عند رئيس الكهنة
فدخل مع يسوع إلى دار رئيس الكهنة."
من هنا نرى أن
يوحنا كان شاهد عيان فهو وبطرس فقط تبعا المسيح وهرب الباقون. ولكن بطرس احتجز عند
الباب، إذ لم يكن معروفاً لخدام قيافا. ولكن يوحنا كان معروفاً فهو غالباً كان
وأخيه يعقوب أقارب لرئيس الكهنة. وهذه المعرفة هي التي أهلت يوحنا ليعرف إسم عبد
رئيس الكهنة ملخس، بل تعرف على نسيب ملخس بين الخدام، وأهلته لدخول بيت قيافا دون
حرج في هذا الموقف الخطير. وهو أيضاً عَرِف أن الجارية التي أنكر بطرس المسيح
أمامها أنها هي البوابة، بل هو توسط لبطرس لكي يدخل (آية16). وهذه القرابة هي
التفسير أنهم لم يعترضوا على دخوله.
ومعروف في
التاريخ اليهودي أن السنهدريم وهو الجهة القضائية العليا المنوط بها الفحص والحكم
في القضايا الكبرى التي تخص اليهود، قد توقف عن العمل 40سنة قبل خراب أورشليم، أي
كان متوقفاً عن العمل أيام المسيح، وهم قد منعوا من الاجتماع في الدار المخصصة
للسنهدريم المسماة "جازيت" وبحسب التلقيد اليهودي لا يجوز للسنهدريم أن
يحكم بالموت خارج الجازيت. ولذلك كان اجتماعهم في دار قيافا إجتماعاً غير قانوني،
بل بناء على إستدعاء رؤساء الكهنة للتصديق الشكلي على الحكم. ويقول التلمود
اليهودي أنه قبل خراب الهيكل بأربعين سنة إنتزع من إسرائيل حق الحكم بالإعدام،
ولكن يبدو أنه في غياب الوالي الروماني خارج أورشليم أتيح لهم أن يحكموا على
إسطفانوس بالرجم.
آية (16): "وأما
بطرس فكان واقفاً عند الباب خارجاً فخرج التلميذ الآخر الذي كان معروفاً عند رئيس
الكهنة وكلم البوابة فادخل بطرس."
بعد أن إستقر
يوحنا في الداخل عاد ليبحث عن بطرس ليدخل. وكلم البوابة= إذاً البوابة أيضاً تعرفه.
ولكن البوابة كلمت بطرس وتركت يوحنا. والله سمح بهذا حتى ينكسر كبرياء بطرس (37:13).
آية (17): "فقالت
الجارية البوابة لبطرس ألست أنت أيضاً من تلاميذ هذا الإنسان قال ذاك لست أنا."
في دخوله تعرفت
عليه البوابة، وقول الكتاب أيضاً يشير لأن البوابة سبقت وتعرفت على يوحنا وعرفت
أنه من تلاميذ المسيح. وبطرس خانته شجاعته وأنكر وكان من الممكن أن يهلكوه ولكن
المسيح كان قد طلب لأجله (لو32:22).
آية (18): "وكان
العبيد والخدام واقفين وهم قد أضرموا جمراً لأنه كان برد وكانوا يصطلون وكان بطرس
واقفاً معهم يصطلي."
هنا إنسحب القائد
والجند ولم يبق سوى العبيد وضباط الحراسة اليهود، وهؤلاء تجمعوا معاً في فسحة
الدار في الدور الأرضي. لأنه كان برد= إشارة لأن هذا الجو إستثنائي في هذه السنة،
فمن المعتاد في مثل هذا الوقت أن يكون الجو دافئاً. وضوء الجمر ساعد العبيد أن
يروا وجه بطرس فيتعرفوا عليه (لو56:22 + مر67:14-72).
آية (19): "فسأل
رئيس الكهنة يسوع عن تلاميذه وعن تعليمه."نفهم من آية (24)
أن هذا التحقيق كان أمام قيافا، بعد أن أرسله حنان إليه. وهنا قيافا يسأل المسيح
عن تلاميذه [1] لأنه ينوي أن ينكل بهم ويقدم أسماءهم إلى بيلاطس [2] في نظر بيلاطس
أن المسيح متهم بأنه يريد أن يكون ملكاً وبالتالي يكون تلاميذه ولاة منافسين
لبيلاطس (هذا ما يريده قيافا). [3] والمسيح كإبن الله يكون تلاميذه فوق رئيس
الكهنة. والمسيح لم يجب على السؤال الخاص بتلاميذه ليحميهم. وقيافا يسأل المسيح عن
تعليمه= أي دعوته لأن يكون ملكاً يمنع أن تعطى الجزية لقيصر، وأنه ملك لليهود. وكأن
قيافا يستدرج المسيح ليعترف بخططه السرية للقيام بثورة ليكون ملكاً
آية (20): "أجابه
يسوع أنا كلمت العالم علانية أنا علمت كل حين في المجمع وفي الهيكل حيث يجتمع
اليهود دائماً وفي الخفاء لم أتكلم بشيء."
هنا المسيح يعلن
أنه لم يكن يعد لثورة وليس له تعاليم سرية. بل كل تعاليمه كانت على الملأ وما قاله
للسامرية أذاعته هي في كل المدينة. وخدام رئيس الكهنة سبقوا وإستمعوا له وشهدوا له
(يو45:7،46). بل أن رد المسيح فيه إشارة إتهام لرئيس الكهنة بأنه هو الذي يعمل في
الظلام بمحاكمته. وقوله العالم=يشمل تلاميذه وكل اليهود والآخرين بلا تمييز، بل
المسيح يمنع كل تعليم سرى (مت27:10) فكل تعليم سرى يخلو من الحق.
آية (21): "لماذا
تسألني أنا أسال الذين قد سمعوا ماذا كلمتهم هوذا هؤلاء يعرفون ماذا قلت أنا."
كانت القوانين
اليهودية للمحاكمات تنص على سماع شهود البراءة أولاً وفي قول المسيح إشارة لأنهم
أغفلوا هذا النص. وكأن المسيح يطلب سماع شهود الدفاع أولاً، لأنه أيضاً بحسب
القوانين اليهودية فالمتهم برئ حتى تثبت إدانته. ولكن واضح هنا أن المحاكمة صورية.
وبهذا لم يجب المسيح على الأسئلة الموجهة له كما قال مرقس ومتى (مر60:14،61 + مت62:26،63).
آية (22): "ولما
قال هذا لطم يسوع واحد من الخدام كان واقفا قائلاً أهكذا تجاوب رئيس الكهنة."
راجع (أش6:50)
آية (23): "أجابه
يسوع إن كنت قد تكلمت ردياً فاشهد على الردئ وإن حسناً فلماذا تضربني."
المسيحية لا تعرف
الجبن. والمسيح هنا كان في ملء السلام ومستعداً لأقصى درجات الآلام ولكنه رد بجواب
فيه الحق. وهذه الآية تتكامل مع (مت39:5) فعلينا أن نكون مستعدين لأن نحتمل الظلم
وأن نظهر الحق بكل وداعة ورقة وبلا خنوع فيسوع رد بقوة وأثبت أن اللطمة ظالمة.
آية (26): "قال
واحد من عبيد رئيس الكهنة وهو نسيب الذي قطع بطرس أذنه أما رايتك أنا معه في
البستان."
نرى هنا إمكانيات
يوحنا في التعرف على أهل بيت رئيس الكهنة مما يشير لقرابته لأهل البيت.
آية (27): "فأنكر
بطرس أيضاً وللوقت صاح الديك."
كان التدبير
الإلهي عجيب في أن المحاكمة إنتهت وكان المسيح يمر في الفسحة التي وقف فيها بطرس. وكان
هذا بعد صياح الديك والإنكار الثالث حتى ينظر المسيح لبطرس معاتباً فيدعوه للتوبة (لو61:22).
ونلاحظ أن الله يستخدم ديكاً لينبه بطرس لخطيته. وهكذا فكل ما في الكون يسير
بتدبير الرب. وعلينا أن لا نرفض صوت الرب في داخلنا أو بأي طريقة يدبرها ليصل
إلينا صوته. ولكن لاحظ رقة يوحنا فهو لم يذكر تجديف بطرس ضد المسيح. لكنه ذكر
القصة تثبيتاً لنبوة السيد المسيح.
ملحوظة: كانت
الشريعة اليهودية المدونة في كتاب التلمود تحرم الحكم ليلاً على إنسان بالموت، ولا
تجيز الحكم عليه في جلسة واحدة، لهذا التزم مجلس السبعين (السنهدريم) أن يجتمعوا
في صباح الجمعة في الهيكل، ليجعلوا ما حكموا به على يسوع ليلاً في دار قيافا شرعياً.
ولاحظ أن الموت عند اليهود بالرجم وعند الرومان بالصلب، لهذا صُلب يسوع.