8- المسيح عادل ومنصور
كان لليهود عقيدة في ذلك الحين أن المسيح سيكون مجيئه في قوة واقتدار عظيمين (أر23: 5، 6) وهذا ما دعا الجميع أن تستقبله بهذا التكريم الزائد والحفاوة البالغة بحرارة وحماس شديدين حتى أن المنصورالفريسين قال بعضهم لبعض " انظروا أنكم لا تنفعون شيئا هوذا العالم كله قد ذهب وراءه" (يو 12: 19). لقد كان دخوله في موكب كمقتدر وظافر فكان يحيط به هؤلاء المرضى الكثيرين الذين شفاهم خاصه هؤلاء الآتين من الجليل في الشمال ومنهم الاتين من اليهودية ومن أنحاء الاقليم فقد كان طوال سنوات خدمته لا يكف عن صنع المعجزات فقد فتح أعين الكثيرين يتقدمهم المولود أعمى وبارتيماوس وشفى أمراضاً متعددة يتقدمهم المخلع وذو اليد اليابسة ونازفة الدم.. لقد تمت فيه نبوة أشعياء النبى (أش 35: 5، 6) ويتقدم الموكب لعازر الذي اقامه من القبر، كان الجمع ينحنى أمامه وهم يفرشون ثيابهم في الطريق ويهتفون أمامه أوصنا.. خلصنا. فهو المعلم المقتدر الذي له السلطان ليس على الأمراض والعاهات فقط بل على الموت ايضا وله سلطان كخالق على الطبيعة فهم يذكرون يوم أن امتلأت الشباك بالسمك ويوم أن انتهر الريح والبحر الهائج ومشى على المياه ويوم أن بارك في السمك والخبزات القليلة التي أشبعت الآلاف ويوم أن حول الماء خمرا في بداية خدمته في قانا الجليل، أنهم يحيطون بموكب المسيا القوى الغالب الذى هربت من أمامه الشياطين وصرخت نحن نعرفك من أنت قدوس الله. نعم يا أحبائى فقد قال: رأيت الشيطان ساقطا مثل البرق من السماء (لو 10: 17) وقال ايضاً الآن رئيس هذا العالم يطرح خارجا (اقرأ مقالاً عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). اندحرت مملكته وانحل سلطانه أمام سلطان أمام المسيح، والتلاميذ يتذكرون جيدا شهادة السماء له في يوم عماده حين كان صاعدا من الماء إذ انشقت السموات وصار صوت الاب هذا هو ابنى الحبيب الذي به سررت. وجاء الروح القدس واستقر عليه كما شهد بذلك يوحنا المعمدان وكذا حين أظهر مجد لاهوته على الجبل في التجلى انه الإله الظاهر في الجسد الذي له سلطان أن يغفر الخطايا فقد قال للمرأة الخاطئة مغفورة لك خطاياك...
لقد كان دخوله وسط هؤلاء الذين كانوا يعرفونه جيدا ورأوا معجزاته واقتداره، لقد داخلا المدينة عادلا ومنصورا ولما اقترب من منحدر جبل الزيتون ابتدأ كل جمهور التلاميذ يفرحون ويسبحون الله بصوت عظيم لأجل جميع القوات التي نظروها (لو 20: 38 )0
9- المسيح ملك السلام
تبتهج قلوبنا اليوم بدخول ملك السلام فيها فهو اليوم يراه داخلا أورشليم ملك سلام فلم يمتط فرسا مهيئا للحرب والقتال بل أتانا وديعا0 لذلك قيل " واقطع المركبة من إفرايم والفرس من أورشليم وتقطع قوس الحرب ويتكلم بالسلام للأمم" (زك 9: 10) إذ هو رئيس السلام، وقد أخبر عنه يعقوب إسرائيل انه " لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتى شيلون ومعناها المسيا وله يكون خضوع شعوب، رابطا بالكرمة جحشه وبالجفنه ابن اتانه" (تك 49: 11) هو ملك ساليم (أورشليم) ملك البر والسلام (عب 7: 1) لقد كانت مسيرته وسط الجموع " وقد قطع كثيرون أعصانا من الشجر وفرشوها فى الطريق" (مر 11: 8). " وآخرون أخذوا سعف النخل وخرجوا للقائه" (يو 12: 12) (اقرأ مقالاً عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات)، انه منظر مدهش أن تخرج هذه الجموع وهى تحمل سعف النخل وأغصان الزيتون كأعلام للسلام وهى تستقبل ملك السلام وهم يعيدون إلى الذاكرة احتفال عيد المظال حيث كانوا يحتفلون به في ابتهاج وقد أمرت الشريعة " يأخذون لأنفسكم ثمر اشجار بهجة وسعف النخل وأغصان أشجار..وتفرحون أمام الرب إلهكم.. تعيدونه عيدا للرب" (لا 23 : 33، 34).
لقد انحنى الشعب يفرش الأرض بأغصان الشجر أمام الغصن الجيد الذي تحدث عنه أرميا النبى " في تلك الأيام وفى ذلك الزمان أنبت لدواد غصن البر فيجرى عدلا وبرا في الأرض" (أر 33: 15).
لم يدخل المسيح أورشليم الا كملك سلام وتمت فيه النبوة " يحمل الجلال ويجلس ويتسلط على كرسيه ويكون كاهنا وتكون مشورة السلام بينهما" (زك 6: 13).
اليوم يدخل المسيح حياتنا ليمنحنا سلامه الذي يفوق كل عقل، ففى ميلاده رنمت الملائكة أنشودة السلام، وفى صعوده أعطى الكنيسة السلام واليوم نرنم مع الجموع..
سلام في السماء، ومجد في الأعالى (لو 19: 19: 39).
10- المسيح مخلص العالم
كانت الجموع تردد في أصوات حماسية.. أوصنا يا ابن داود.. وهى نبوه من المزمور 118 عن المسيح المخلص لذلك تذمر الفريسيون وقالوا له: يا معلم انتهر تلاميذك. أجابهم انه أن سكت هؤلاء فالحجارة تصرخ (لو 19: 39 ) لأن النبوة تحققت وهذا هو زمان اكتمالها، أنها صرخة البشرية على لسان هؤلاء المحيطين به قائلين.. أوصنا.. خلصنا.. فهذا هو فرح البشرية بخلاصها. الفادى المخلص يتقدم اليوم وصار وأكثر قربا من الصليب، أنه يتقدم نحو الموت لخلاص العالم ولعل هذا هو السبب أن السيد المسيح ركب أتانا وجحش كرمز لليهود والأمم، فالاتان والجحش اللذان جلس عليها المخلص يشيران إلى الأمة اليهودية التي كانت شعبه في القديم. والأمم الذين كانوا مرفوضين وبعيدين ( أف 2: 11 – 15) وكانا كلاهما ساقطين ومربوطين في الخطية لذلك أمر السيد المسيح تلاميذه أن يحلوهما قائلا للتلميذين " حلاهما ".
أما جلوسه على الاتان والجحش واشارة إلى ملكه على البشرية ونلاحظ أن التلميذين حل الاتان والجحش وكانا مربوطين خارجا عن الطريق اشارة إلى ارسالية التلاميذ فيما بعد لبشارة الأمم الذين كانوا بعيدين وأن يحلوهم من ربط الشيطان. فالأمم كانت عقولهم حيوانية بهيمية
(أى 12: 11) وكانوا خارجين عن طريق البر فدخلوا الإيمان كما هو مكتوب "سأدعوا التي ليست شعبى شعبى والتى ليست محبوبة محبوبة" (هو 1: 10، رو 9: 5) والأمم الذين كانت قلوبهم صلبة مثل الحجر صاروا حجارة حية مقدسة في بيت الله لذلك قال السيد المسيح أن سكت هؤلاء (اليهود) فالحجارة (الأمم) تنطق.
11- كمال النبوات
لقد كملت نبوات الأنبياء اليوم، فالمسيح دخل أورشليم كملك وركب على جحشا واتانا ليكمل المكتوب (زك 9: 9 ). وركب اتانا وجحشا لم يركبه أحدا من الناس وفى ذلك معنى رمزى يشير إلى أن المسيح هو رئيس لعهد جديد لأن هذا يذكرنا أن البقرتين اللتين لم يعلمهما نير جرتا العجلة الجديدة الموضوع عليها تابوت عهد الله والذى كان بواسطته خلاص الشعب وفيه حضور الله (1 صم 6: 10) ومن الملاحظ أن الجحش كانت تصحبه أمه وهذا يشير إلى أن القديم يسير بجوار الجديد، فالجديد لم ينقض القديم أو الناموس لكنه يكمله كما قال الرب: " لا تظنوا أنى جئت لانقض الناموس أو الأنبياء ما جئت لانقض بل لأكمل.." (مت 5: 17).
وفى ذلك معنى عميق آخر هو أن البقرتان اللتان لم يعلمهما نير جرتا العجلة الجديدة الموضوع عليها تابوت عهد الله لتدخل إلى أرض الموعد، وهنا المسيح داخلا إلى مجده ليتمم الخلاص بموته وقيامته المزمع أن يتممه بعد أيام من دخوله الظافر لأورشليم ويفتح لنا أبواب الفردوس الذي ظل مغلقا منذ آدم رأس البشرية.
12- المسيح وديع ومتواضع
كان المسيح وديعا ومتواضعا وقد قال تعلموا منى هذا فقد عاش لا يملك شيئاً. اختار أما فقيرة لتكون أما له، ونسب إلى أب كان يعمل تجاراً، وولد في مذود للحيوانات إذ لم يكن له موضع فى البيت وعاش وليس له مكان يسند فيه رأسه. كان يستعير بيتا ليستريح فيه. أو مكانا ليعظ فيه، وإذا أراد أن يعبر البحر كان يستعير قاربا، وفى عشاء الفصح استعار عليه، وحتى في موته لم يكن القبر الذي وضع فيه كان يملكه
لذلك لم يكن غريبا على تواضعه أن يستعير جحشا واتانا يركبهما، ولم يكن هناك وسادة مريحة لتوضع فوق ظهر الاتان وانما رضى ببعض ثياب الصيادين من تلاميذه.
إنها صورة من تواضعه ووداعته ذاك الذي أخلى ذاته من مجده وأخذ صورة عبد ووجد في الهيئة كأنسان، تواضع ليرفعنا وتعب ليريحنا وأتى إلينا يدعونا أنه محتاج إلينا. فقد قال لتلاميذه رسالة إلى صاحب الجحش "وإن قال لكما أحد شيئا فقولا الرب محتاج إليهما فللوقت يرسلهما" (مت 21: 3). إنه يدعونا في متواضع ووداعة انه محتاج إلينا، فقد قال يوما لأمرأة سامرية إعطنى لأشرب كأن لا يملك وهو الذي قال لها أنه يعطى الماء الحى. أن المسيح يرسل التلاميذ بذات الرسالة عينها " الرب محتاج إليك "، محتاج أن تحمله إلى الآخرين ليعرفوه ومحتاج إليك ليستريح فيك.
13- المسيح ملك
كلنا نعترف بالمسيح ملكاً. وهو لم يرفض الملك بصفة عامة، إنما رفض الملك الدنيوي.
مُلك المسيح هو ملك أزلى أبدى. وقد قيل عنه في سفر الرؤيا مرتين إنه "ملك الملوك ورب الأرباب" (رؤ 19: 16؛ 17: 14). وقد قال عنهّ دانيال النبى "سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول. وملكوته ما لا ينقرض" (دا 7: 14).
ومنذ ولادته، وكإن هذا المُلك هو التبشير الذي بُشِّرَ به الناس. فقد أتى المجوس قائلين "أين هو المولود ملك اليهود؟" (متى 2: 2). وكانت أولى هداياهم له الذهب إشارة إلى مُلكه. وفى بشارة الملاك للعذراء قال عنه "يعطيه الرب الاله كرسى داود أبيه. ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد. ولا يكون لملكه نهاية" (و 1: 32، 33).
فما المعنى الروحي لجلوسه على كرسي داود أبيه؟
كان لداود في المُلك قصة. لقد مُسِحَ ملكا من صغره. ولكنه لم يتسلم ملكه بعد مسحه مباشرة... ولكن انتظر فترة، حتى مات شاول الملك المفروض. وحينئذ ملك داود. وهكذا السيد المسيح مسح ملكاً "بزيت البهجة أكثر من رفقائه" وغنّى له المرتل في المزمور: "قضيب الاستقامة هو قضيب ملكك" (مز 44). ولكنه انتظر حتى أبصر الشيطان، رئيس هذا العالم (يو 12: 31) ساقطاً مثل البرق من السماء" (لو 10: 18). ثم ملك الرب أخيراً على خشبة (مز 95).
ونحن ننادي السيد المسيح بلقب: ملك السلام.
وذلك في لحن (إب أورو) حيث نقول له "يا ملك السلام أعطنا سلامك". وفى شرقية الكنيسة نرسم صورته كملك جالس على عرشه، تحيط به الحيوانات الأربعة غير المتجسدة، التي ترمز أحيانا إلى الاناجيل الأربعة..
والمسيح ملك للعالم كله، وليس لشعب معين.
كما أراد اليهود أن ينصبوه ملكا علهم وحدهم! في رقعة محدودو من الأرض، ولفترة محدودة من الزمن، هذا الذي ليست لملكه نهاية"...
وعلى صليبه وُضِعَ لافتة: "يسوع ملك اليهود" (متى 27: 37).
وحتى اللص الذي كان إلى جراه على الصليب اعترف به ملكا وربا، وقال له "أذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك" (لو 23: 42).
المسيح له مُلك روحي، يملك به على القلوب.
وله أيضاً مُلك سماوي، مُلك أبدى.
ونحن نؤمن أنه يأتى في ملكه ليدين الأحياء والأموات، الذي ليس لملكه انقضاء. وقد سماه الانجيل ملكا في دينونته، إذ يقول ذلك: "ثم يقول الملك للذين عن يمينه: تعالوا يا مباركى أبي رثوا المُلك المُعَد لكم منذ تأسيس العالم" (متى 25: 34). ونحن ننتظر ملكوتته هذا، حينما يأتي في مجد أبيه، على السحاب، مع ملائكته، في ربوات قديسيه...
السيد المسيح رفض المُلك المُقَدَّم له من الناس (اقرأ مقالاً عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات).
بعد معجزة الخمس خبزات والسمكتين، أرادوا أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً (يو 6: 15). ولكنه رفض وانصرف إلى الجبل وجده. وفى يوم أحد الشعانين هتفوا له كملك، فرفض أيضاً، لسببين: يرفض الملك الأرضي. وأيضا لأنه لا يأخذ مُلكا من أيدي الناس، كما قال "مجداً من الناس لست أقبل" (يو 5: 41).
إن له مُلكاً مع الآب بحكم طبيعته الألهية.
وله ملكاً آخر بالدم، حين اشترانا بدمه.
لقد دفع دمه الكريم فداء عنا، واشترى حياتنا له بعد أن كنا مبيعين للموت بسبب الخطية. وأصبحنا بهذا الدم ملكاً له، لذلك قيل أنه "مَلَكَ على خشبة".
وقد حاول الشيطان بكافة الطرق أن يبعده عن هذا المُلك، الذي يملكه بصليبه، عارِضاً عليه أنواعاً أخرى من المُلك..
بل كان المُلك هو إحدى تجاربه على الجبل.
إذ عرض عليه الشيطان "جميع ممالك العالم ومجدها" (متى 4: 8). ولكن المسيح رفض كل هذا، وانتهر الشيطان فذهب عنه.
السيد المسيح له مُلكه الطبيعي، ولا يأخذ ملكاَ من أحد.
وفي يوم أحد الشعانين باشَرَ مُلكه الروحي.
وبدأ هذا المُلك بأمرين: أحدهما تطهير الهيكل، وثانيهما تغيير القيادات الدينية الخاطئة الموجودة في أيامه. وسنتأمل هذين الأمرين معاً..
14- طرد الهيكل من الباعة
إن تطهير الهيكل يدل على سلطان مارسه السيد المسيح في ذلك اليوم، بكل قوة. ولم يستطع أحد أن يتصدى له أو يمنعه مما كان يفعله... وهكذا:
طهّر الهيكل بكل سلطان، وبكل حزم وقوة.
" أخرج جميع الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل"،
"وقلب موائد الصيارفة، وكراسى باعة الحمام"،
"ووبَّخ الناس بشدة قائلاً: "مكتوب بيتى بيت الصلاة يُدعى. وأنتم جعلتموه مغارة لصوص" (متى 21: 12، 13).
"ولم يدع أحداً يجتاز الهيكل بمتاع" (مر 11: 16).
وحسب رواية الأنجيل لمعلمنا يوحنا البشير، في موضع مبكر، يقول عن الرب إنه "صنع سوطاً من حِبال، وطرد الجميع من الهيكل الغنم والبقر، وكبّ دراهم الصيارف، وقَلَبَ موائدهم. وقال لباعة الحمام: إرفعوا هذه من ههنا " (يو 2: 14-16).
وهذا يرينا أن المسيح الوديع كان حازماً أيضاً.
لا شك أن موقف المسيح في تطهير الهيكل، يرينا مدى شخصيته المتكاملة، التى تجمع الفضائل كلها. فهو وإن كان وديعاً ومتواضع القلب (متى 11: 29)، إلا أنه حينما يلزم الأمر، يمكن أن يكون حازماً جداً، يتصرَّف بقوة، كما حدث في ذلك اليوم..
كان الرب حازماً، بأسلوب لم يتعودوه من قبل. وكان حزمه ممزوجاً بالتعليم مكتوب بيتى بيت الصلاة يدعى. وهكذا نفذ ما يريد، بوضع الأمور في وضعها السليم.
كان لا بد من تطهير الهيكل بأية الطرق...
فالهيكل هو بيت الله. وبيت الله له قدسيته (اقرأ مقالاً عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). وهذه القدسية واجب ينبغى الحفاظ عليه. والغيرة المقدسة تدعو إلى ذلك. وحسنٌ أن السيد المسيح أعطانا قدوة ومثالاً في هذا الأمر. ولذلك ورد بعد تطهيره للهيكل "فتذكر تلاميذه أنه مكتوب: غيرة بيتك أكلتني" (يو 2: 17).
هؤلاء المخطئون في الهيكل، صبر الرب عليهم زماناً، بكل هدوء.
ولما لم ينصلحوا بالهدوء، استخدم معهم الشدة. المرجع: موقع كنيسة الأنبا تكلاهيمانوت
فى إصلاح أى إنسان، الرب مستعد أن يستخدم الكلمة الطيبة، وهو مستعد أيضاً أن يستخدم السوط، ولو للتخويف وليس للضرب. الأمران ممكنان. فبأيهما تريد أن ينصلح حالك؟
إن كنت حساساً سريع التأثر. قلبك يتبكَّت في داخلك من كلمة روحية تسمعها أو تقرأها، من عظة، من لحن، من منظر، يقول لك الرب هذا يكفى. أما إن كنت لا تنتفع من الكلمة الطيبة، فالسوط ممكن: المرض، التجارب، الحوادث، الضيقات... والوسائل كثيرة. والرب يختار المناسب لك.
كالطبيب يمكن أن يستخدم الأدوية. فإن لم تنفع، يستخدم المشرط...
إن السيد المسيح لم يقم فقط بتطهير الهيكل، وإنما أيضاً:
أنذر بخراب هذا الهيكل، وبخراب أورشليم...
لقد بكى على أورشليم وقال لها "ستأتى أيام يحيط بك أعداؤك بمترسة، ويحدقون بك ويحاصرونك من كل جهة. ويهدمونك وبنيك فيكِ، ولا يتركون فيكِ حجراً على حجر، لأنكِ لم لعرفي زمان افتقادك (لو 19: 43، 44).
أيضاً "هوذا بيتكم يُترَك لكم خراباً" (متى 23: 38). وذكر لتلاميذه صراحة أن الهيكل سوف لا يبقى فيه حجر على حجر (متى 24: 1، 2).
وقال: "متى نظرتم رجسة الخراب -التي قال عنها دانيال- قائمة في المكان المقدس -ليفهم القارئ- فحينئذ ليهرب الذين في اليهودية إلى الجبال.." (متى 24: 15، 16).
أما أنت أيها المبارك، فإن سمعت في أسبوع الآلام أن السيد المسيح قد طهَّر الهيكل وقد أنذر بخرابه، أصرخ حينئذ وقل:
تعال يا رب في قوة، وطهِّر هيكلي أنا أيضاً.
ألسنا نحن أيضاً هياكل لله، وروح الله يسكن فينا (1 كو 3: 16)؟ إذن تعال يا رب وطهر هيكلى. إقلب الموائد التي فيه، قبل أن تقلبنى هي وتضيع أبديتي.
لا تترك قلبى للرغبات والشهوات والانفعالات، فيصبح مثل سوق يبيعون فيه ويشترون. إنما إنضح علىّ بزوفاك فأطهر. وحينئذ يمكننى أن أنشد معك "بيتى بيت الصلاة يدعى". إفعل يا رب هذا بسرعة، قبل أن يخرب الهيكل.
إن السيد المسيح لم يقم فقط بتطهير الهيكل من الباعة، وإنما قام أيضاً بتطهيره من القيادات الدينية العابثة به، إستكمالاً لهذا التطهير، وتمهيداً لنشر ملكوته الروحي...
كان لليهود عقيدة في ذلك الحين أن المسيح سيكون مجيئه في قوة واقتدار عظيمين (أر23: 5، 6) وهذا ما دعا الجميع أن تستقبله بهذا التكريم الزائد والحفاوة البالغة بحرارة وحماس شديدين حتى أن المنصورالفريسين قال بعضهم لبعض " انظروا أنكم لا تنفعون شيئا هوذا العالم كله قد ذهب وراءه" (يو 12: 19). لقد كان دخوله في موكب كمقتدر وظافر فكان يحيط به هؤلاء المرضى الكثيرين الذين شفاهم خاصه هؤلاء الآتين من الجليل في الشمال ومنهم الاتين من اليهودية ومن أنحاء الاقليم فقد كان طوال سنوات خدمته لا يكف عن صنع المعجزات فقد فتح أعين الكثيرين يتقدمهم المولود أعمى وبارتيماوس وشفى أمراضاً متعددة يتقدمهم المخلع وذو اليد اليابسة ونازفة الدم.. لقد تمت فيه نبوة أشعياء النبى (أش 35: 5، 6) ويتقدم الموكب لعازر الذي اقامه من القبر، كان الجمع ينحنى أمامه وهم يفرشون ثيابهم في الطريق ويهتفون أمامه أوصنا.. خلصنا. فهو المعلم المقتدر الذي له السلطان ليس على الأمراض والعاهات فقط بل على الموت ايضا وله سلطان كخالق على الطبيعة فهم يذكرون يوم أن امتلأت الشباك بالسمك ويوم أن انتهر الريح والبحر الهائج ومشى على المياه ويوم أن بارك في السمك والخبزات القليلة التي أشبعت الآلاف ويوم أن حول الماء خمرا في بداية خدمته في قانا الجليل، أنهم يحيطون بموكب المسيا القوى الغالب الذى هربت من أمامه الشياطين وصرخت نحن نعرفك من أنت قدوس الله. نعم يا أحبائى فقد قال: رأيت الشيطان ساقطا مثل البرق من السماء (لو 10: 17) وقال ايضاً الآن رئيس هذا العالم يطرح خارجا (اقرأ مقالاً عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). اندحرت مملكته وانحل سلطانه أمام سلطان أمام المسيح، والتلاميذ يتذكرون جيدا شهادة السماء له في يوم عماده حين كان صاعدا من الماء إذ انشقت السموات وصار صوت الاب هذا هو ابنى الحبيب الذي به سررت. وجاء الروح القدس واستقر عليه كما شهد بذلك يوحنا المعمدان وكذا حين أظهر مجد لاهوته على الجبل في التجلى انه الإله الظاهر في الجسد الذي له سلطان أن يغفر الخطايا فقد قال للمرأة الخاطئة مغفورة لك خطاياك...
لقد كان دخوله وسط هؤلاء الذين كانوا يعرفونه جيدا ورأوا معجزاته واقتداره، لقد داخلا المدينة عادلا ومنصورا ولما اقترب من منحدر جبل الزيتون ابتدأ كل جمهور التلاميذ يفرحون ويسبحون الله بصوت عظيم لأجل جميع القوات التي نظروها (لو 20: 38 )0
9- المسيح ملك السلام
تبتهج قلوبنا اليوم بدخول ملك السلام فيها فهو اليوم يراه داخلا أورشليم ملك سلام فلم يمتط فرسا مهيئا للحرب والقتال بل أتانا وديعا0 لذلك قيل " واقطع المركبة من إفرايم والفرس من أورشليم وتقطع قوس الحرب ويتكلم بالسلام للأمم" (زك 9: 10) إذ هو رئيس السلام، وقد أخبر عنه يعقوب إسرائيل انه " لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتى شيلون ومعناها المسيا وله يكون خضوع شعوب، رابطا بالكرمة جحشه وبالجفنه ابن اتانه" (تك 49: 11) هو ملك ساليم (أورشليم) ملك البر والسلام (عب 7: 1) لقد كانت مسيرته وسط الجموع " وقد قطع كثيرون أعصانا من الشجر وفرشوها فى الطريق" (مر 11: 8). " وآخرون أخذوا سعف النخل وخرجوا للقائه" (يو 12: 12) (اقرأ مقالاً عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات)، انه منظر مدهش أن تخرج هذه الجموع وهى تحمل سعف النخل وأغصان الزيتون كأعلام للسلام وهى تستقبل ملك السلام وهم يعيدون إلى الذاكرة احتفال عيد المظال حيث كانوا يحتفلون به في ابتهاج وقد أمرت الشريعة " يأخذون لأنفسكم ثمر اشجار بهجة وسعف النخل وأغصان أشجار..وتفرحون أمام الرب إلهكم.. تعيدونه عيدا للرب" (لا 23 : 33، 34).
لقد انحنى الشعب يفرش الأرض بأغصان الشجر أمام الغصن الجيد الذي تحدث عنه أرميا النبى " في تلك الأيام وفى ذلك الزمان أنبت لدواد غصن البر فيجرى عدلا وبرا في الأرض" (أر 33: 15).
لم يدخل المسيح أورشليم الا كملك سلام وتمت فيه النبوة " يحمل الجلال ويجلس ويتسلط على كرسيه ويكون كاهنا وتكون مشورة السلام بينهما" (زك 6: 13).
اليوم يدخل المسيح حياتنا ليمنحنا سلامه الذي يفوق كل عقل، ففى ميلاده رنمت الملائكة أنشودة السلام، وفى صعوده أعطى الكنيسة السلام واليوم نرنم مع الجموع..
سلام في السماء، ومجد في الأعالى (لو 19: 19: 39).
10- المسيح مخلص العالم
كانت الجموع تردد في أصوات حماسية.. أوصنا يا ابن داود.. وهى نبوه من المزمور 118 عن المسيح المخلص لذلك تذمر الفريسيون وقالوا له: يا معلم انتهر تلاميذك. أجابهم انه أن سكت هؤلاء فالحجارة تصرخ (لو 19: 39 ) لأن النبوة تحققت وهذا هو زمان اكتمالها، أنها صرخة البشرية على لسان هؤلاء المحيطين به قائلين.. أوصنا.. خلصنا.. فهذا هو فرح البشرية بخلاصها. الفادى المخلص يتقدم اليوم وصار وأكثر قربا من الصليب، أنه يتقدم نحو الموت لخلاص العالم ولعل هذا هو السبب أن السيد المسيح ركب أتانا وجحش كرمز لليهود والأمم، فالاتان والجحش اللذان جلس عليها المخلص يشيران إلى الأمة اليهودية التي كانت شعبه في القديم. والأمم الذين كانوا مرفوضين وبعيدين ( أف 2: 11 – 15) وكانا كلاهما ساقطين ومربوطين في الخطية لذلك أمر السيد المسيح تلاميذه أن يحلوهما قائلا للتلميذين " حلاهما ".
أما جلوسه على الاتان والجحش واشارة إلى ملكه على البشرية ونلاحظ أن التلميذين حل الاتان والجحش وكانا مربوطين خارجا عن الطريق اشارة إلى ارسالية التلاميذ فيما بعد لبشارة الأمم الذين كانوا بعيدين وأن يحلوهم من ربط الشيطان. فالأمم كانت عقولهم حيوانية بهيمية
(أى 12: 11) وكانوا خارجين عن طريق البر فدخلوا الإيمان كما هو مكتوب "سأدعوا التي ليست شعبى شعبى والتى ليست محبوبة محبوبة" (هو 1: 10، رو 9: 5) والأمم الذين كانت قلوبهم صلبة مثل الحجر صاروا حجارة حية مقدسة في بيت الله لذلك قال السيد المسيح أن سكت هؤلاء (اليهود) فالحجارة (الأمم) تنطق.
11- كمال النبوات
لقد كملت نبوات الأنبياء اليوم، فالمسيح دخل أورشليم كملك وركب على جحشا واتانا ليكمل المكتوب (زك 9: 9 ). وركب اتانا وجحشا لم يركبه أحدا من الناس وفى ذلك معنى رمزى يشير إلى أن المسيح هو رئيس لعهد جديد لأن هذا يذكرنا أن البقرتين اللتين لم يعلمهما نير جرتا العجلة الجديدة الموضوع عليها تابوت عهد الله والذى كان بواسطته خلاص الشعب وفيه حضور الله (1 صم 6: 10) ومن الملاحظ أن الجحش كانت تصحبه أمه وهذا يشير إلى أن القديم يسير بجوار الجديد، فالجديد لم ينقض القديم أو الناموس لكنه يكمله كما قال الرب: " لا تظنوا أنى جئت لانقض الناموس أو الأنبياء ما جئت لانقض بل لأكمل.." (مت 5: 17).
وفى ذلك معنى عميق آخر هو أن البقرتان اللتان لم يعلمهما نير جرتا العجلة الجديدة الموضوع عليها تابوت عهد الله لتدخل إلى أرض الموعد، وهنا المسيح داخلا إلى مجده ليتمم الخلاص بموته وقيامته المزمع أن يتممه بعد أيام من دخوله الظافر لأورشليم ويفتح لنا أبواب الفردوس الذي ظل مغلقا منذ آدم رأس البشرية.
12- المسيح وديع ومتواضع
كان المسيح وديعا ومتواضعا وقد قال تعلموا منى هذا فقد عاش لا يملك شيئاً. اختار أما فقيرة لتكون أما له، ونسب إلى أب كان يعمل تجاراً، وولد في مذود للحيوانات إذ لم يكن له موضع فى البيت وعاش وليس له مكان يسند فيه رأسه. كان يستعير بيتا ليستريح فيه. أو مكانا ليعظ فيه، وإذا أراد أن يعبر البحر كان يستعير قاربا، وفى عشاء الفصح استعار عليه، وحتى في موته لم يكن القبر الذي وضع فيه كان يملكه
لذلك لم يكن غريبا على تواضعه أن يستعير جحشا واتانا يركبهما، ولم يكن هناك وسادة مريحة لتوضع فوق ظهر الاتان وانما رضى ببعض ثياب الصيادين من تلاميذه.
إنها صورة من تواضعه ووداعته ذاك الذي أخلى ذاته من مجده وأخذ صورة عبد ووجد في الهيئة كأنسان، تواضع ليرفعنا وتعب ليريحنا وأتى إلينا يدعونا أنه محتاج إلينا. فقد قال لتلاميذه رسالة إلى صاحب الجحش "وإن قال لكما أحد شيئا فقولا الرب محتاج إليهما فللوقت يرسلهما" (مت 21: 3). إنه يدعونا في متواضع ووداعة انه محتاج إلينا، فقد قال يوما لأمرأة سامرية إعطنى لأشرب كأن لا يملك وهو الذي قال لها أنه يعطى الماء الحى. أن المسيح يرسل التلاميذ بذات الرسالة عينها " الرب محتاج إليك "، محتاج أن تحمله إلى الآخرين ليعرفوه ومحتاج إليك ليستريح فيك.
13- المسيح ملك
كلنا نعترف بالمسيح ملكاً. وهو لم يرفض الملك بصفة عامة، إنما رفض الملك الدنيوي.
مُلك المسيح هو ملك أزلى أبدى. وقد قيل عنه في سفر الرؤيا مرتين إنه "ملك الملوك ورب الأرباب" (رؤ 19: 16؛ 17: 14). وقد قال عنهّ دانيال النبى "سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول. وملكوته ما لا ينقرض" (دا 7: 14).
ومنذ ولادته، وكإن هذا المُلك هو التبشير الذي بُشِّرَ به الناس. فقد أتى المجوس قائلين "أين هو المولود ملك اليهود؟" (متى 2: 2). وكانت أولى هداياهم له الذهب إشارة إلى مُلكه. وفى بشارة الملاك للعذراء قال عنه "يعطيه الرب الاله كرسى داود أبيه. ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد. ولا يكون لملكه نهاية" (و 1: 32، 33).
فما المعنى الروحي لجلوسه على كرسي داود أبيه؟
كان لداود في المُلك قصة. لقد مُسِحَ ملكا من صغره. ولكنه لم يتسلم ملكه بعد مسحه مباشرة... ولكن انتظر فترة، حتى مات شاول الملك المفروض. وحينئذ ملك داود. وهكذا السيد المسيح مسح ملكاً "بزيت البهجة أكثر من رفقائه" وغنّى له المرتل في المزمور: "قضيب الاستقامة هو قضيب ملكك" (مز 44). ولكنه انتظر حتى أبصر الشيطان، رئيس هذا العالم (يو 12: 31) ساقطاً مثل البرق من السماء" (لو 10: 18). ثم ملك الرب أخيراً على خشبة (مز 95).
ونحن ننادي السيد المسيح بلقب: ملك السلام.
وذلك في لحن (إب أورو) حيث نقول له "يا ملك السلام أعطنا سلامك". وفى شرقية الكنيسة نرسم صورته كملك جالس على عرشه، تحيط به الحيوانات الأربعة غير المتجسدة، التي ترمز أحيانا إلى الاناجيل الأربعة..
والمسيح ملك للعالم كله، وليس لشعب معين.
كما أراد اليهود أن ينصبوه ملكا علهم وحدهم! في رقعة محدودو من الأرض، ولفترة محدودة من الزمن، هذا الذي ليست لملكه نهاية"...
وعلى صليبه وُضِعَ لافتة: "يسوع ملك اليهود" (متى 27: 37).
وحتى اللص الذي كان إلى جراه على الصليب اعترف به ملكا وربا، وقال له "أذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك" (لو 23: 42).
المسيح له مُلك روحي، يملك به على القلوب.
وله أيضاً مُلك سماوي، مُلك أبدى.
ونحن نؤمن أنه يأتى في ملكه ليدين الأحياء والأموات، الذي ليس لملكه انقضاء. وقد سماه الانجيل ملكا في دينونته، إذ يقول ذلك: "ثم يقول الملك للذين عن يمينه: تعالوا يا مباركى أبي رثوا المُلك المُعَد لكم منذ تأسيس العالم" (متى 25: 34). ونحن ننتظر ملكوتته هذا، حينما يأتي في مجد أبيه، على السحاب، مع ملائكته، في ربوات قديسيه...
السيد المسيح رفض المُلك المُقَدَّم له من الناس (اقرأ مقالاً عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات).
بعد معجزة الخمس خبزات والسمكتين، أرادوا أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً (يو 6: 15). ولكنه رفض وانصرف إلى الجبل وجده. وفى يوم أحد الشعانين هتفوا له كملك، فرفض أيضاً، لسببين: يرفض الملك الأرضي. وأيضا لأنه لا يأخذ مُلكا من أيدي الناس، كما قال "مجداً من الناس لست أقبل" (يو 5: 41).
إن له مُلكاً مع الآب بحكم طبيعته الألهية.
وله ملكاً آخر بالدم، حين اشترانا بدمه.
لقد دفع دمه الكريم فداء عنا، واشترى حياتنا له بعد أن كنا مبيعين للموت بسبب الخطية. وأصبحنا بهذا الدم ملكاً له، لذلك قيل أنه "مَلَكَ على خشبة".
وقد حاول الشيطان بكافة الطرق أن يبعده عن هذا المُلك، الذي يملكه بصليبه، عارِضاً عليه أنواعاً أخرى من المُلك..
بل كان المُلك هو إحدى تجاربه على الجبل.
إذ عرض عليه الشيطان "جميع ممالك العالم ومجدها" (متى 4: 8). ولكن المسيح رفض كل هذا، وانتهر الشيطان فذهب عنه.
السيد المسيح له مُلكه الطبيعي، ولا يأخذ ملكاَ من أحد.
وفي يوم أحد الشعانين باشَرَ مُلكه الروحي.
وبدأ هذا المُلك بأمرين: أحدهما تطهير الهيكل، وثانيهما تغيير القيادات الدينية الخاطئة الموجودة في أيامه. وسنتأمل هذين الأمرين معاً..
14- طرد الهيكل من الباعة
إن تطهير الهيكل يدل على سلطان مارسه السيد المسيح في ذلك اليوم، بكل قوة. ولم يستطع أحد أن يتصدى له أو يمنعه مما كان يفعله... وهكذا:
طهّر الهيكل بكل سلطان، وبكل حزم وقوة.
" أخرج جميع الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل"،
"وقلب موائد الصيارفة، وكراسى باعة الحمام"،
"ووبَّخ الناس بشدة قائلاً: "مكتوب بيتى بيت الصلاة يُدعى. وأنتم جعلتموه مغارة لصوص" (متى 21: 12، 13).
"ولم يدع أحداً يجتاز الهيكل بمتاع" (مر 11: 16).
وحسب رواية الأنجيل لمعلمنا يوحنا البشير، في موضع مبكر، يقول عن الرب إنه "صنع سوطاً من حِبال، وطرد الجميع من الهيكل الغنم والبقر، وكبّ دراهم الصيارف، وقَلَبَ موائدهم. وقال لباعة الحمام: إرفعوا هذه من ههنا " (يو 2: 14-16).
وهذا يرينا أن المسيح الوديع كان حازماً أيضاً.
لا شك أن موقف المسيح في تطهير الهيكل، يرينا مدى شخصيته المتكاملة، التى تجمع الفضائل كلها. فهو وإن كان وديعاً ومتواضع القلب (متى 11: 29)، إلا أنه حينما يلزم الأمر، يمكن أن يكون حازماً جداً، يتصرَّف بقوة، كما حدث في ذلك اليوم..
كان الرب حازماً، بأسلوب لم يتعودوه من قبل. وكان حزمه ممزوجاً بالتعليم مكتوب بيتى بيت الصلاة يدعى. وهكذا نفذ ما يريد، بوضع الأمور في وضعها السليم.
كان لا بد من تطهير الهيكل بأية الطرق...
فالهيكل هو بيت الله. وبيت الله له قدسيته (اقرأ مقالاً عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). وهذه القدسية واجب ينبغى الحفاظ عليه. والغيرة المقدسة تدعو إلى ذلك. وحسنٌ أن السيد المسيح أعطانا قدوة ومثالاً في هذا الأمر. ولذلك ورد بعد تطهيره للهيكل "فتذكر تلاميذه أنه مكتوب: غيرة بيتك أكلتني" (يو 2: 17).
هؤلاء المخطئون في الهيكل، صبر الرب عليهم زماناً، بكل هدوء.
ولما لم ينصلحوا بالهدوء، استخدم معهم الشدة. المرجع: موقع كنيسة الأنبا تكلاهيمانوت
فى إصلاح أى إنسان، الرب مستعد أن يستخدم الكلمة الطيبة، وهو مستعد أيضاً أن يستخدم السوط، ولو للتخويف وليس للضرب. الأمران ممكنان. فبأيهما تريد أن ينصلح حالك؟
إن كنت حساساً سريع التأثر. قلبك يتبكَّت في داخلك من كلمة روحية تسمعها أو تقرأها، من عظة، من لحن، من منظر، يقول لك الرب هذا يكفى. أما إن كنت لا تنتفع من الكلمة الطيبة، فالسوط ممكن: المرض، التجارب، الحوادث، الضيقات... والوسائل كثيرة. والرب يختار المناسب لك.
كالطبيب يمكن أن يستخدم الأدوية. فإن لم تنفع، يستخدم المشرط...
إن السيد المسيح لم يقم فقط بتطهير الهيكل، وإنما أيضاً:
أنذر بخراب هذا الهيكل، وبخراب أورشليم...
لقد بكى على أورشليم وقال لها "ستأتى أيام يحيط بك أعداؤك بمترسة، ويحدقون بك ويحاصرونك من كل جهة. ويهدمونك وبنيك فيكِ، ولا يتركون فيكِ حجراً على حجر، لأنكِ لم لعرفي زمان افتقادك (لو 19: 43، 44).
أيضاً "هوذا بيتكم يُترَك لكم خراباً" (متى 23: 38). وذكر لتلاميذه صراحة أن الهيكل سوف لا يبقى فيه حجر على حجر (متى 24: 1، 2).
وقال: "متى نظرتم رجسة الخراب -التي قال عنها دانيال- قائمة في المكان المقدس -ليفهم القارئ- فحينئذ ليهرب الذين في اليهودية إلى الجبال.." (متى 24: 15، 16).
أما أنت أيها المبارك، فإن سمعت في أسبوع الآلام أن السيد المسيح قد طهَّر الهيكل وقد أنذر بخرابه، أصرخ حينئذ وقل:
تعال يا رب في قوة، وطهِّر هيكلي أنا أيضاً.
ألسنا نحن أيضاً هياكل لله، وروح الله يسكن فينا (1 كو 3: 16)؟ إذن تعال يا رب وطهر هيكلى. إقلب الموائد التي فيه، قبل أن تقلبنى هي وتضيع أبديتي.
لا تترك قلبى للرغبات والشهوات والانفعالات، فيصبح مثل سوق يبيعون فيه ويشترون. إنما إنضح علىّ بزوفاك فأطهر. وحينئذ يمكننى أن أنشد معك "بيتى بيت الصلاة يدعى". إفعل يا رب هذا بسرعة، قبل أن يخرب الهيكل.
إن السيد المسيح لم يقم فقط بتطهير الهيكل من الباعة، وإنما قام أيضاً بتطهيره من القيادات الدينية العابثة به، إستكمالاً لهذا التطهير، وتمهيداً لنشر ملكوته الروحي...