كتاب أحد الشعانين - البابا شنوده الثالث
أن الاحتفال بالأعياد السيديه هو جزء من عقيدة الكنيسة الأرثوذكسية، وهى بممارسة طقوسها وصلواتها في هذه الأعياد انما ترتفع ببنيها من الواقع المنظور، إلى الدخول في طقس مجد أعظم روحانى.. فتتذوق التمتع بالسماء وهى على الأرض؛ حيث تحتفل بأعياد السيد الرب مشتركة مع قديسيه وملائكته.
وسوف تجد أيها الزائر العزيز في هذا الكتاب بعض التأملات الروحية التي كتبت لتحثنا، فنشارك بأرواحنا وقلوبنا في هذا العيد المقدس حتى ندخل في معية الكنيسة وهى مجتمعة حول الفادي والمخلص والملك المسيح في موكبه الظافر.. وهذا القسم هو تجميع لنبذة "أحد الشعانين" من سلسلة نبذات الأعياد السيدية التي نشرها قداسة البابا شنودة الثالث، بالإضافة للتأملات الخاصة بأحد السعف التي نُشِرَت في كتاب قداسته "مجموعة تأملات في أسبوع الآلام". ليت الرب يستخدم هذا البحث لفائدة الجميع لنوال بركة هذا العيد المقدس. آمين.
1- مقدمة عن الأعياد السيدية
لقد أمر الله الشعب منذ القديم بحفظه الأعياد كعيد الفصح (خر 12: 24، لا 23: 4) وعيد الخمسين أو الحصاد (خر 23: 16) وغيرها من الأعياد اليهودية التي كان يحتفل بها شعب اسرائيل، والسيد المسيح بنفسه قد مارسها بطقوسها في زمان تجسده على الأرض.
وان كانت الأعياد التي فرضت على الشعب قديماً بطقوسها ظلا لبركات عهد النعمة، لذلك أوصت الكنيسة بنيها بحفظ الأعياد بصلاتها وألحانها وطقوسها لنوال بركتها لأن الاشتراك في العيد هو دخول في شركة العيد ونوال بركته.
وفى مقدمة الأعياد الكنسية الأعياد السيدية وهى الخاصة بالسيد المسيح الذي أنعم علينا بالفداء لذلك فالاحتفال بهذه الأعياد السيديه هو تذكار نوال هبات الله وبركاته التي فاضت على البشرية من خلال تجسده وصلبه وقيامته (اقرأ مقالاً عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). تلك التي ملأت الكنيسة بغنى رحمة ونعمة ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح، لذلك فإن الأعياد السيديه لم ترتب لتكون مجرد تذكاراً روحياً أو للتمتع ببعض التأملات الروحية بل لتعيشها في عمقها في الروح ونتذوقها من خلال ممارسة الطقس الكنسى الذي يرتفع بها ويسمو بنفوسنا لكرامة العيد نفسه.
وقد مارست الكنيسة منذ عهد الرسل الأطهار الأعياد السيدية وأمرت بنيها أن يحتفلوا بها ورتبت طقوس الاحتفال بها. وأحد الشعانين هو أحد الأعياد السيديه السبعة الكبيرة ويوافق الاحتفال به الأحد السابع من الصوم الأربعينى المقدس فهو الأحد الذي يسبق عيد القيامة، وفيه تحتفل الكنيسة بتذكار دخول السيد المسيح الظافر إلى أورشليم قبل الامه، وللمرة الأخيرة في حياته على الأرض، فيه دخل ملك السلام (ملك ساليم) إلى مدينته (أورشليم)،دخل في هذا اليوم ليملك على خشبة ويتوج بإكليل شوك، دخل ليتمم عمله الكهنوتى كرئيس كهنة بتقديم ذاته ذبيحة ليصنع فداءا أبديا.
انه عيد جليل لترتفع فيه أصواتنا مع الكنيسة قائلين: (أوصنا في الأعالى.. مبارك الاتى باسم الرب). المرجع: موقع كنيسة الأنبا تكلاهيمانوت
الأعياد السيدية الكبيرة هي:
1.
البشارة 29 برمهات
2.
الميلاد 29 كيهك
3.
الغطاس 11طوبه
4.
الشعانين الأحد السابع من الصوم
5.
القيامة اليوم الثامن بعد الشعانين
6.
الصعود.. أربعون يوماً بعد القيامة
7.
العنصره.. خمسون يوماً بعد القيامة
الأعياد السيدية الصغيرة هي:
1.
الختان 6 طوبه
2.
دخول المسيح الهيكل 8 أمشير
3.
دخوله أرض مصر 24 بشنس
4.
عرس قانا الجيل 13 طوبه
5.
التجلى 13 مسرى
6.
خميس العهد.. الخامس بعد الشعانين
7.
أحد توما.. ثامن القيامة
2- نتبع الرب في شركة آلامه
إننا في هذا الأسبوع نتتبع المسيح خطوة خطوة.
نتتبعه في آلامه، وفى كل الأحداث التي مرت، ونحن نرتل له تسبحة مستمرة، قائلين "لك القوة والمجد والبركة والعزة إلى الأبد آمين..." ونزيد عليها في بعض الأيام عبارات توحى بها الأحداث.
نعيش معه كل يوم، بأرواحنا وأفكارنا وأحاسيسنا.
بل وبكل كياننا. نستقي أخبار هذا اليوم ونبوءاتها من القراءات المقدسة، ونعيش الأحداث التي مرت به. وكأننا نعمل مثلما قال له القديس بطرس الرسول: "تركنا كل شيء وتبعناك" (متى 7:19).
فنحن في البصخة المقدسة نترك كل شيء ونتبعه.
متذكرين أيضا ما قيل عن النسوة القديسات إنهن تبعنه من الجليل يخدمنه (متى 27: 55). "وأخر كثيرات اللواتي صعدن معه St-Takla.org image إلى أورشليم" (مر 15: 41). ليتنا نشعر أننا نعيش معه هذا الأسبوع بنفس الشعور وبنفس الإحساس والعاطفة... نتبعه، ونصعد معه.
ما أجمل ما قالته راعوث لنعمى "لا أتركك... حيثما ذهبتِ أذهب، وفيما وحيثما بتِ أبيت.. حيثما متِ أموت" (را 1: 16، 17). ونحن بنفس الشعور نتبع المسيح له المجد حيثما ذهب خلال هذا الأسبوع، تذهب أفكارنا معه وتأملاتنا. مشاعرنا معه، نتبعه خطوة خطوة، بنفس التسبحة..
وهنا نعبر عن احتجاجنا عما صدر من آبائنا الذين قال لهم "تبقى ساعة وقد أتت الآن، تتفرقون فيها كل واحد إلى خاصته، وتتركرننى وحدي" (يو 16: 32).
كلا يا رب، لن نتركك أبدأ وحدك، متفرقين كل واحد إلى خاصته، بل سنجتمع حولك.
سنجتمع حولك في كلامك، بكل مشاعرنا وبكل قلوبنا. لا نستطيع أن نتركك، وأنت الذي لم تترك أحدا في آلامه، ولم تترك أحداً في آلامك...
ونحن هنا نعتذر عن آبائنا الرسل الثلاثة، الذين طلبت إليهم قائلاً: "أمكثوا ههنا واسهروا معى". فلم يستطيعوا... وعاتبتهم قائلا "أما قدرتم أن تسهروا معى ساعة واحدة؟! اسهروا وصلوا" (متى 26: 38،. 4) (اقرأ مقالاً عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). وللأسف تركوك وناموا، لأن أعينهم كانت ثقيلة... ولكننا هنا يا رب، سنسهر معك الليل كله في الصلاة، وليس مجرد ساعة واحدة... بل نرد أن نسهر معك البصخة كلها.
هنا وتعجبني عبارة قالها بولس الرسول، تصلح شعارا لهذا الأسبوع وهي:
"لأعرفه وقوة قيامته، وشركة آلامه، متشبها بموته" (فى 3: 10).
كثيرون عاشوا مع السيد المسيح، وحتى الآن لم يعرفوه بعد بل حتى في أسبوع الآلام نسمع السيد المسيح يقول لتلميذه فيلبس معاتبا "أنا معكم زمانا هذه مدته، ولم تعرفني يا فيلبس؟!" (يو 14: 9). ويخيل إليّ أن السيد المسيح يقول نفس العبارة للكثير منا. وبعض الناس عرفوا السيد الرب. ولكنهم لم يدخلوا في شركة آلامه. ولكننا في البصخة المقدسة نود أن نقول له:
اسمح لنا يا سيد -ولو من بعيد- أن نشترك معك في آلامك، أو مجرد أن نكون معك فيها.
سنتتبع الأحداث وتاريخ هذا الأسبوع الكبير الذي مرَّ بك، يوما فيوما. ونقدم لك مشاعرنا في كل يوم... إن الكتبة والفريسيون والكهنة لم يعرفوك، أما نحن فقد عرفناك، والعيب أن هؤلاء قد استغلوا إخلاءك لذاتك لكن يتجرأوا عليك...
فلنرجع بذاكرتنا إلى أحداث تلك الأيام. ومع أن سبت لعازر وأحد الشعانين ليسا من أيام أسبوع الآلام، إلا أننا سنتناولهما كمقدمة، وباختصار شديد جداً..
3- سبت لعازر
كانت المعجزة الكبيرة التي أقام بها الرب لعازر منْ الموت، معجزة مذهلة جعلت الكثيرين يؤمنون. ومع ذلك لم تترك تأثيرا روحيا في رؤساء الكهنة والفريسيين. وانطبق عليهم قول أبينا ابراهيم "ولا إن قام واحد من الأموات يصدقون" (لو 16: ا 3). ولم يكتفوا بعدم الإيمان، بل جمعوا مجمعا ضد المسيح "ومن ذلك اليوم تشاوروا ليقتلوه" (يو 53،47:1)... فما الذي أضاع هؤلاء؟
لعل الذي أضاعهم: الذات وقساوة القلب.
كانت "الذات" تقف حائلاً بينهم وبين المسيح. فهم كانوا يبحثون عن عظمتهم الشخصية وعن مراكزهم، لذلك نظروا إلى المسيح في كل معجزاته كمنافس لهم في السلطة والشعبية وفكروا أن يقتلوه... ولم يقولوا كيوحنا المعمدان، "ينبغي أن ذاك يزيد، وإني أنا أنقص" (يو 3: 35).
ليتنا في هذا اليوم نفكر: كم مرة وقفت "الذات" عقبة في طريق محبتنا له؟ وتشمل الذات كبرياءنا الشخصية، ورغباتنا وشهواتنا، ومحبتنا للمديح.
كذلك قساوة القلب تطفىء كل عمل للروح.
والعجيب أن المعجزتين السابقتين لأسبوع الآلام، عملت كل منهما في يوم سبت. فتح عيني المولود أعمى، وإقامة لعازر.
فهل اختار الربع يوم السبت بالذات (اقرأ مقالاً عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات)، ليصحح تفكير اليهود عن شريعة فعل الخير في السبوت، أو ليثبت أن إلانسان لا يجوز له أن يعتمد على كبرياء فكره؟
على كلٍ، ليتنا نأخذ فكرة عن عمل الخير في يوم الرب، وإقامة الموتى بالخطية فيه، وشفاء الذين فقدوا بصيرتهم الروحية. ومن جهة حياتنا في التوبة نثق بأن:
الله قادر أن يقيمنا، ولو كانت قلوبنا أنتنت.
لا يأس إذن، مادام السيد المسيح هو الذي يقيم... والمعروف أن الخطية موت روحي. والسيد قادر أن يقيم موت الجسد وموت الروح، مهما طالت المدة.
ولنستعد يوم سبت لعازر، لنتناول يوم أحد الشعانين.
نذكر موت لعازر وإقامته، فنذكر خطايانا والقيام منها. ونستعد للتناول في يوم الأحد الذي نستقبل فيه المسيح ملكاً.
4- أحد الشعانين
كلمة شعانين عبرانية من " هو شيعه نان " ومعناها يارب خلص، ومنها الكلمة اليونانية " أوصنا "
التى استخدمها البشيرون في الاناجيل وهى الكلمة التي كانت تصرخ بها الجموع في خروجهم لاستقبال موكب المسيح وهو في الطريق إلى أورشليم. ويسمى أيضاً بأحد السعف وعيد الزيتونة لأن الجموع التي لاقته كانت تحمل سعف النخل وغصون الزيتون المزينة فلذلك تعيد الكنيسة وهى تحمل سعف النخل وع وغصون الزيتون المزينة وهى تستقبل موكب الملك المسيح.
ومن طقس هذا اليوم أن تقرأ فصول الاناجيل الأربعة في زوايا الكنيسة الأربعة وأرجائها في رفع بخور باكر وهى بهذا العمل تعلن انتشار الأناجيل في أرجاء المسكونة، ومن طقس الصلاة في هذا العيد أن تسوده نغمة الفرح فتردد الألحان بطريقة الشعانين المعروفة وهى التي تستخدم في هذا اليوم وعيد الصليب، وهى بذلك تبتهج بهذا العيد كقول زكريا النبى:
"ابتهجى يا ابنة صهيون...
هوذا ملكك يأتى إليك ...
وهو عادل ومنصور...
وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن اتان" (زك 9: 9، 10)
إنه يوم عيد سيدي، نحتفل فيه بألحان الفرح، قبل أن ندخل في ألحان البصخة الحزينة. وفيه استقبل اليهود المسيح ملكاً على أورشليم، ويخلصهم من حكم الرومان، ولكنه رفض هذا المُلك الأرضي. لأن مملكته روحية...
المسيح رفض أن يملك على أورشليم، ولكنه يفرح أن يملك على قلبك...
قلبك عند الله، هو أعظم من أورشليم (اقرأ مقالاً عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). إنه هيكل للروح القدس ومسكن للّه. فكّر كثيراً هل الله يملك عليك كلك: قلبك وفكرك وحواسك وجسدك ووقتك...؟
قل له تعال يا رب واملك. هوذا أنا لك... المرجع: موقع كنيسة الأنبا تكلاهيمانوت
إن كانت مملكتك يا رب ليست من هذا العالم. فتعالَ. عندى لك مملكة تناسبك، تسند فيها رأسك وتستريح. لعلك تجد راحتك فى قلبى. وإن وجدت فيه عصاة أو متمردين عليك... تقلد سيفك على فخذك أيها الجبار. استله وانجح واملك (مز 44).
لا تنشغل بالسعف في هذا اليوم، بل انشغل باستقبال المسيح في قلبك ملكاً عليه، فأنت تحتاج أن يملك الربِ عليك، لكي يدبر أهل بيتك حسنا.
5- القراءات الكنسية لعيد أحد الزعف
تدور جميع قراءات هذا اليوم حول عيد الشعانين، وتتعلق بمراحل خدمة هذا اليوم وهى صلوات عيد الشعانين، ويليها مباشرة بعد قداس العيد صلاة التجنيز والتى تقام بعد توزيع الأسرار مباشرة. فمزمور عشية الشعانين (مز 117: 25 ، 26) وفيه تقول كلماته: " رتبوا عيداً في الواصلين إلى قرون المذبح " وذلك المزمور يشير إلى دخول السيد المسيح قرية بيت عنيا والتى أقيم فيها عشاء له، كما يشير إلى دخول المسيح أورشليم لتسليم ذاته.
أما انجيل العشية (يو 12: 1-11) ويقص حادثة زيارة المخلص لبيت عنيا ونبؤته عن الأمه وتكفينه، إذ أن الاحداث قد صارت قريبة جداً من هذا اليوم .
وقى مزمور باكر (مز 67: 19، 23) اعلان بركة الله بخلاصه وفدائه " مبارك الرب الاله. مبارك الرب يوماً فيوما" لأن في هذا العيد قد اقترب يوم الصلب (اقرأ مقالاً عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). وانجيل باكر زيارة المسيح إلى بيت زكا وفى قوله اليوم حصل خلاص لهذا البيت إذ هو أيضاً ابن ابراهيم هو اعلان خلاصه المزمع أن يتممه في دخوله إلى أورشليم (لو 19: 1 – 10) ومزمور الانجيل (مز 80: 3، 1، 2)، (مز 64: 1،2)
تشير النبوات فيها إلى خروج الجموع لاستقبال المسيح وتسابيحهم له في هذا اليوم المجيد فتذكر " ابتهجوا بالله معيننا هللوا الإله يعقوب" "لك ينبغى التسبيح يا الله في صهيون".
وفى الرسائل المقدسة التي تقرأ في هذا اليوم إشارة إلى هذا العيد عن أورشليم لاتمام الفداء فيبين القديس بولس في رسالته (عب 9: 11 – 28) أن المسيح وقد جاء رئيس كهنة الخيرات العتيدة، قد دخل مرة واحدة إلى الأقداس .. بدم نفسه.. فوجد فداء أبدياً.
أما الكاثوليكون فيبدأ القديس بطرس رسالته عن ألام المسيح المزمع أن يتممها " فإذ قد تألم المسيح لأجلنا بالجسد" (1 بط 4: 1- 11).
وفى قراءات الابركسيس (اع 28: 11 – 31) اعلان ملكوت لله للعام، ففى هذا اليوم يدخل الملك إلى مدينته ليدعوا أبناء مملكته لذلك يذكر أعمال الرسل أن " جميع الذين كانوا يدخلون إلى بولس الرسول كان يكرز لهم بملكوت الله ".
وفى الاناجيل الأربعة (مت 21: 1-17)، (مر11: 1-11)، (لو 19: 29-48)، (يو 12: 12 – 19) قصة هذا العيد في تفاصيل أحداثها الجميلة، فتكتمل الصورة الرائعة لهذا الحدث المجيد.
6- خلاف في معنى المُلك
فى يوم أحد الشعانين دخل السيد المسيح إلى أورشليم كملك. ولم تواجهه في ذلك مشكلة من الرومان، لم يكن ينافس قيصر... إنما قامت المشكلة من الداخل، من داخل شعبه، من زعماء اليهود، إذ حدث خلاف بينهم في معنى الملك.
قبل المسيح أن يدخل أورشليم كملك، إذ ملكوته قد اقترب. نعم اقترب اليوم الذي يقضى فيه على مملكة الشيطان، ويدوس بموته على الموت الذي أدخلته الخطية إلى العالم، فيؤسس مُلكا خاصا. ولكن اختلف فهم اليهود معه في معنى المُلك.
هو يريد ملكاً روحياً. وهم يريدون ملكاً دنيوياً.
إنه يريد أن يؤسس مملكهً ليست من هذا العالم، مملكة روحية تُبنى على الحب، يملك فيها الله لا الانسان. ولكنهم كانوا يريدون مملكة كإحدى ممالك العالم، تبنى على السلطة، يكون رئيسها من نوع شمشون أو جدعون، أو يكون قائداً كيشوع. يريدون مظهراً خارجياً أساسه القوة والجيش. أما ملك الله عليهم فلم يفكروا فيه...
لقد هتفوا "أوصنا يا أبن داود". وكلمة أوصنا أو هوشعنا، معناها خلصنا... ولكنهم طلبوا منه الخلاص كإبن لداود، كوريث لعرشه وتاجه، وليس كإبن لله...
البانطوكراطورهو أراد أن يخلصهم من خطاياهم، فاسمه يسوع أى مُخلِّص (متى 1: 2). أما هم فما كانوا يريدون إلا خلاصاً من حكم الرومان.
لقد أراد أن يخلصهم من عبودية الشيطان والخطية والعالم، وهى عبودية أصعب بكثير من عبودية الرومان. لأن العبودية لقيصر قاصرة على غربة هذا العالم. بينما العبودية للشيطان تضيع أبدية الانسان كلها...
كان المسيح يريد القلب، واليهود يريدون العرش.
هو يريد أن يحررهم من الخطية. أما هم فلا يشغلهم إلا التحرر من الحكم الأجنبي. وما كان يخطر لهم على بال ذلك الفهم الروحي الذي يقصده بعبارة "إن حرركم الابن، فبالحقيقة تكونون أحراراً" (يو 8: 36).
كان لابد إذن من اصطدام بين فكره وفكرهم...
عندما دخل إلى أورشليم كملك، فرح به البسطاء.
بيما تضايق منه الكهنة والشيوخ والكتبة والفريسيون.
عامة الشعب فرحوا به، لأنه كان متواضعاً لا يتعالى عليهم، وهوذا قد أتاهم وديعأ راكباً على جحش ابن آتان (زك 9: 9). إرتجت المدينة كلها للقائه (متى 21: 10). وبسبب المعجزات التي أجراها آمن به كثيرون (12: 10). ويقول معلمنا لوقا الانجيلى إن الشعب كله كان متعلقاً به يسمع منه (لو 19: 48).. هتف الكل له. وفرشوا ثيابهم في الطريق، واستقبلوه بكل ترحيب...
أما الرؤساء فنظرتهم إليه لم تتجرد من الذات.
وهذه الذاتية أتعبت قلوبهم، وقادت كل تصرفاكم، وأدت بهم إلى الحقد والمؤامرة والجريمة، الأمر الذي ما كان يتفق مع كهنوتهم، ولا مع علمهم، ومثالياتهم...
لقد أزعجهم ترحيب الشعب به، وتملكتهم الغيرة فحسدوه، وانتقدوا صياح التلاميذ وهتاف الأطفال... وقالوا "هوذا العالم قد ذهب وراءه" (يو 12: 19).
عجباً. وأي ضرر في أن يسير العالم وراءه؟!
أليس هذا الذي اشتهاه يوحنا العمدان من قبل، أن تكون العروس للعريس... وهو ينظر من بعيد ويفرح (يو 3: 29). ولكن هؤلاء الرؤساء والمعلمين لم يكونوا من نوع يوحنا العمدانء بل لم يستطيعوا أن يقولوا إن معمودية يوحنا من السماء. وعندما سألهم السيد المسيح عن ذلك، قالوا لا نعرف. وكانوا يعرفون...
الذاتية قادتهم إلى محبة الاستحواذ على الجماهير.
قادتهم الذاتية إلى الباطل، إلى الكذب، وإلى محبة الظهور. وأسلمت داخلهم إلى ذهن مرفوض. فنظروا إلى المسيح كمنافس وكرهوه!
ولما دخل المسيح إلى أورشليم كملك، لم يرحبوا به، ورفضوا أن يملك عليهم (اقرأ مقالاً عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). وهتفوا فما بعد "ليس لنا ملك إلا قيصر" (يو 19: 15). بينما كانوا ينتظرون مجىء المسيا الذي يخلصهم من حكم قيصر حسب مفهومهم!! حقاً ما أسهل أن تقود محبة الذات إلى النفاق، وإلى تملق الرؤساء، إن كان لك تحقيق للذات، حسبما يوهم الفهم المنحرف...
أما رفض هؤلاء للمسيح، فلم يضره بل أضرهم.
لقد أساءوا إلى أنفسهم وليس إليه. كان السيد الرب يؤسس الملكوت الذى حرموا أنفسهم منه. وكان يبنى الكنيسة، ويدبر قضية الخلاص. أما هؤلاء الكهنة والشيوخ والمعلمون، فكانوا منشغلين بسلبياتهم: يدبرون المؤامرات، ويشجعون الخونة، ويبحثون عن شهود كذبة، ويفكرون في قتل المسيح، ويعملون على إثارة الشعب ضده. ويشعرون بملء السعادة إن ساعدهم الشيطان على تحقيق رغباتهم الاَثمة...
ومعارضات هؤلاء الكهنة ومؤامراتهم، لم تمنع ملكوت المسيح.
وهذا الملك الوديع الذي دخل إلى أورشليم راكباً على جحش. هذا الذي رفض أن يملك على أورشليم مفضلاً أن يملك على خشبة، والذى أسس ملكه الروحي، والمسامير في يديه... إنتشر ملكه إلى أقصى الأرض على الرغم من كل المؤامرات...
وأنت، ما هي تأملاتك في يوم أحد الشعانين؟
فى اليوم الذي نودي فيه بالمسيح ملكاً على أورشليم...
قل له تعال يا رب واملك. ليأت ملكوتك في قلبى، وفى قلوب جميع الناس. ليأت ملكوتك على كل الشعوب وفى كل البلاد. لتعرف في الأرض،. وفى جميع الأمم خلاصك (مز 66).
إبعد يا رب عني كل ما يعرقل ملكوتك داخلى. إبعد عنى الذاتية التي منعت ملكوتك عن رؤساء كهنة اليهود. وابعد عنى الحرفية التي أبعدت الفريسيين عن ملكوتك. وابعد عنى الحسد والغيرة التي بسببها ابتعد الكتبة والشيوخ والرؤساء...
أطلب من الرب أن يملك قلبك. إنما لا تغلقه أنت.
قل له: "مستعدٌ قلبى يا رب مستعد قلبى (مز 56). وافتح قلبك لكل تأثير روحي، واقبل عمل الله فيك. ولا تطفىء الروح. ولا تتجاهل صوت الله فى داخلك...
7- المسيح ملكنا
لما أتت الساعة ثبت يسوع وجهه للذهاب إلى أورشليم ( لو 9: 51) عندما قال " لا يمكن أن يهلك نبى خارج أورشليم" (لو 13: 33 )، ومن الواضح أن يسوع قصد أن يكون وصوله إلى أورشليم متزامناً مع موسم عيد الفصح، ولا شك انه كان يعلم أن المعارضة المتزايدة له ستبلغ قمتها في العاصمة اليهودية، ويؤكد كل من البشيرين مرقس ولوقا الخطر الذي توقعه يسوع وتلاميذه نتيجة ذهابه إلى أورشليم (مر 10: 32، لو 9: 51)
وقد بدأ الأسبوع الأخير بيوم الأحد حيث كان دخوله الظافر إلى أورشليم (مر 11: 1-11) والطريق من أريحا إلى أورشليم يرتفع 4.. متراً بمنحدر طويل أحياناً وشديد الانحدار أخرى ويبلغ حوالى 27كيلو مترا وعلى هذا الطريق كان حديث يسوع عن السامرى الصالح ( لو 10: 30 )، وقد اقترب إلى أورشليم، وكان دخوله عن طريق بيت فاجى (مت 21: 1) وهى ضاحية تقع على المنحدر الجنوبى لجبل الزيتون، وكانت الألوف المحتشدة تردد:
أوصنا لابن داود...
أوصنا فى الأعالى...
مبارك الاتى باسم الرب...
بينما هم يتقدمون الموكب الملكى، فالملك آتيا إلى مملكته، وريث داود (مت 1: 1) وكان وقت الربيع ويذكر المؤرخ اليهودي يوسيفوس انه تجمعت في أورشليم في ذلك الوقت حوالى مليونان ونصف من اليهود، وكانت تلك الجماهير من اليهود آتيه من كل حدب وصوب من الأماكن القريبة والبعيدة في أنحاء الاقليم تتجهه إلى أورشليم مدينة الملك داود، لتقدم ما أمرت به الشريعة، فقد كان لزاماً على كل يهودى أن يحضر إلى أورشليم للاحتفال بعيد الفصح، أعظم أعياد اليهود، وفيه تذكار خلاصهم (خر 12).. " وفى الطريق إلى أورشليم تجمعت الألوف حول موكب الملك الآتى إلى المدينة المقدسة، وفى نفوس متأججة بالحماس كان الذين تقدموا والذين تبعوا يصرخون قائلين " أوصنا. مبارك الآتى باسم الرب. مباركة مملكة أبينا داود الآتية باسم الرب. أوصنا في الأعالى " (مر 11: 9، 10) وهى تسبحة داود النبى (مز 17: 23 – 27) عن المسيا الآتى إلى ملكته (اقرأ مقالاً عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). وقد تزاحمت الجموع وهى تحف بموكب المسيح فإنضم إليهم الجليلين الآتين إلى العيد وهم يعرفونه جيد فكثيرا ما راوه يسير في مدنهم وقراهم يشفى المرض ويعلم، وتزايد الزحام بصورة كبيرة حتى تحول الميل الأخير من المسيره إلى موكب ضخم، وفى نهاية الرحلة كانت الجموع الغفيرة تحيط به وهم يفرشون الثياب وأغصان الشجر أمامه إذ كان الحجاج قد دخلوا المدينة قبل مجيئه اليها بوقت قليل، وقد استقبلوه كمسيا المنتظر (يو 12 : 12، زك 9: 9) ومع أن السيد المسيح يعلم ماذا ينتظره فاليهود يريدون أن يقتلوه وقد تزايد حق الرؤساء الكهنة عليه ومع ذلك لم يدخل أورشليم متخفيا لكنه دخل في موكبه ظاهرا للجميع ليظهر انه بإرادته جاء ليواجه صليبه الذي من أجله جاء إلى العالم.
حينما اقترب من أورشليم تنباً بخرابها (لو 13: 34، 35، 19، 19: 41) وبكى عليها وهو يرثيها "يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المراسلين إليها كم مرة أردت أن أجمع أولادك.." (مت 23: 27، 28) " انك لو علمت أنت أيضاً حتى في يومك هذا ما هو لسلامك" (لو 19: 41) " ولكن الآن قد اخفى عن عينيك فإنه ستأتى أيام يحيط بك اعداؤك بمترسه ويحدقون بك ويحاصرونك من كل جهة وبهدمونك وبنيك فيك ولا يتركون فيك حجراً على حجر لأنك لم تعرفى زمان افتقادك" (لو 19: 41 – 44) فمدينة لم تلتفت إليه ورؤساءها حنقوا عليه والآن تحققت نبوة حزقيال النبى " فالكاروبيم رفعت أجنحتها والبكرات معها وفارق مجد الرب المدينة ووقف على جبل الزيتون" (خر 11: 33)، لذا بكى عليها في دخوله " فقد جاء إلى خاصته وخاصته لم تقبله" (يو 1: 11) وكان دخول السيد إلى أورشليم في موكب ظافر بين أصوات الهتاف حوله حتى أنها وصلت إلى الملايين المتواجدين بالمدينة للاحتفال بعيد الفصح بل وصلت إلى آذان قيافا وحنان رؤساء الكهنة في الهيكل وأن المدينة ارتجت كلها قائلة من هذا ، " فقالت الجموع هذا يسوع النبى الذي من ناصره الجيل" (مت 21: 10) وبعد أن عبر وادى قدرون دخل أورشليم في هذا الموكب واتجه مباشرة إلى الهيكل (مر 11: 11) وهناك عبر له التلاميذ عن دهشتهم للحجارة العظيمة التي كانت مازالت باقية من بقايا أساس أسوار الهيكل، ولأن الوقت قد أمسى خرج يسوع إلى بيت عنيا من اثتى عشر ليفض الليل فيها فلم يكن من السهل ايجاد مكان للمبيت في أورشليم في أيام العيد هذه لذلك كان السيد المسيح له المجد يخرج ليبيت خارج المدينة في جبل الزيتون ثم يعود في الصباح إلى الهيكل يعلم.
المسيح ملكنا جاء اليوم ليملك في مدينته فوق الصليب الذي أعدته له أمته بل أعد له من السماء لأن من أجل السرور الموضوع أمامه.. سر أن يستحقه الأب بالحزن. فالصليب من مشيئته وقبله طوعا.. أطاع حتى الموت.. بإرادته ومسرة الرب بيده تنجح. واليوم جاء ليملك فوق تل الجلجثة على خشبة عوض عن العرش الذي يحمله الكاروبيم ملائكته ويمسك في يمينه قصبه عوضا عن صولجان المجد ويقبل اكليل الشوك بدلا من التاج الملكى لهامته المقدسة ، هذه هي ساعة ملكه وهو يراها واضحة في دخوله إلى أورشليم وهى الجموع الغفيرة التي تشق أصواتها عنان السماء وهى تهتف مبارك الملك الآتى باسم الرب، هي نفسها بعد أيام قليلة سوف تصرخ أصلبه..أصلبه، وهو لم لم ينزعج لذلك فقد جاء لا ليؤسس مملكة أرضية طالبا ولاء هذه الجموع المتقبلة لكنه جاء ليؤسس مملكته الروحية في قلوب الناس وملكه على البشرية فهو لم يرتض يوماً أن يصير ملكاً أرضيا ورفض ذلك إذ قال لهم مملكتى ليست من لا تنقرض (دا 2: 44) جاء ليهدم مملكة الشيطان ويحرر أولاده من عبوديتهم، جاء ليهدم بيت القوى وينزع سلاحه (لو 11: 22) لذلك فهو يدخل اليوم ظافرا ليملك في قلوبنا ويفك قيوم عبوديتها ويرفع النير عنا ويطلقنا أحراراً من الخطية التي استعبدنا لها زمانا طويلا ، لذلك نبتهج اليوم بمجيئه وخلاصه ونجرج لننضم إلى موكبه مع الأطفال باسم والتلاميذ الأطهار ونهتف:
مبارك الآتى الرب.. أوصنا يا ابن دواد.. أوصنا في الأعالى.
أن الاحتفال بالأعياد السيديه هو جزء من عقيدة الكنيسة الأرثوذكسية، وهى بممارسة طقوسها وصلواتها في هذه الأعياد انما ترتفع ببنيها من الواقع المنظور، إلى الدخول في طقس مجد أعظم روحانى.. فتتذوق التمتع بالسماء وهى على الأرض؛ حيث تحتفل بأعياد السيد الرب مشتركة مع قديسيه وملائكته.
وسوف تجد أيها الزائر العزيز في هذا الكتاب بعض التأملات الروحية التي كتبت لتحثنا، فنشارك بأرواحنا وقلوبنا في هذا العيد المقدس حتى ندخل في معية الكنيسة وهى مجتمعة حول الفادي والمخلص والملك المسيح في موكبه الظافر.. وهذا القسم هو تجميع لنبذة "أحد الشعانين" من سلسلة نبذات الأعياد السيدية التي نشرها قداسة البابا شنودة الثالث، بالإضافة للتأملات الخاصة بأحد السعف التي نُشِرَت في كتاب قداسته "مجموعة تأملات في أسبوع الآلام". ليت الرب يستخدم هذا البحث لفائدة الجميع لنوال بركة هذا العيد المقدس. آمين.
1- مقدمة عن الأعياد السيدية
لقد أمر الله الشعب منذ القديم بحفظه الأعياد كعيد الفصح (خر 12: 24، لا 23: 4) وعيد الخمسين أو الحصاد (خر 23: 16) وغيرها من الأعياد اليهودية التي كان يحتفل بها شعب اسرائيل، والسيد المسيح بنفسه قد مارسها بطقوسها في زمان تجسده على الأرض.
وان كانت الأعياد التي فرضت على الشعب قديماً بطقوسها ظلا لبركات عهد النعمة، لذلك أوصت الكنيسة بنيها بحفظ الأعياد بصلاتها وألحانها وطقوسها لنوال بركتها لأن الاشتراك في العيد هو دخول في شركة العيد ونوال بركته.
وفى مقدمة الأعياد الكنسية الأعياد السيدية وهى الخاصة بالسيد المسيح الذي أنعم علينا بالفداء لذلك فالاحتفال بهذه الأعياد السيديه هو تذكار نوال هبات الله وبركاته التي فاضت على البشرية من خلال تجسده وصلبه وقيامته (اقرأ مقالاً عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). تلك التي ملأت الكنيسة بغنى رحمة ونعمة ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح، لذلك فإن الأعياد السيديه لم ترتب لتكون مجرد تذكاراً روحياً أو للتمتع ببعض التأملات الروحية بل لتعيشها في عمقها في الروح ونتذوقها من خلال ممارسة الطقس الكنسى الذي يرتفع بها ويسمو بنفوسنا لكرامة العيد نفسه.
وقد مارست الكنيسة منذ عهد الرسل الأطهار الأعياد السيدية وأمرت بنيها أن يحتفلوا بها ورتبت طقوس الاحتفال بها. وأحد الشعانين هو أحد الأعياد السيديه السبعة الكبيرة ويوافق الاحتفال به الأحد السابع من الصوم الأربعينى المقدس فهو الأحد الذي يسبق عيد القيامة، وفيه تحتفل الكنيسة بتذكار دخول السيد المسيح الظافر إلى أورشليم قبل الامه، وللمرة الأخيرة في حياته على الأرض، فيه دخل ملك السلام (ملك ساليم) إلى مدينته (أورشليم)،دخل في هذا اليوم ليملك على خشبة ويتوج بإكليل شوك، دخل ليتمم عمله الكهنوتى كرئيس كهنة بتقديم ذاته ذبيحة ليصنع فداءا أبديا.
انه عيد جليل لترتفع فيه أصواتنا مع الكنيسة قائلين: (أوصنا في الأعالى.. مبارك الاتى باسم الرب). المرجع: موقع كنيسة الأنبا تكلاهيمانوت
الأعياد السيدية الكبيرة هي:
1.
البشارة 29 برمهات
2.
الميلاد 29 كيهك
3.
الغطاس 11طوبه
4.
الشعانين الأحد السابع من الصوم
5.
القيامة اليوم الثامن بعد الشعانين
6.
الصعود.. أربعون يوماً بعد القيامة
7.
العنصره.. خمسون يوماً بعد القيامة
الأعياد السيدية الصغيرة هي:
1.
الختان 6 طوبه
2.
دخول المسيح الهيكل 8 أمشير
3.
دخوله أرض مصر 24 بشنس
4.
عرس قانا الجيل 13 طوبه
5.
التجلى 13 مسرى
6.
خميس العهد.. الخامس بعد الشعانين
7.
أحد توما.. ثامن القيامة
2- نتبع الرب في شركة آلامه
إننا في هذا الأسبوع نتتبع المسيح خطوة خطوة.
نتتبعه في آلامه، وفى كل الأحداث التي مرت، ونحن نرتل له تسبحة مستمرة، قائلين "لك القوة والمجد والبركة والعزة إلى الأبد آمين..." ونزيد عليها في بعض الأيام عبارات توحى بها الأحداث.
نعيش معه كل يوم، بأرواحنا وأفكارنا وأحاسيسنا.
بل وبكل كياننا. نستقي أخبار هذا اليوم ونبوءاتها من القراءات المقدسة، ونعيش الأحداث التي مرت به. وكأننا نعمل مثلما قال له القديس بطرس الرسول: "تركنا كل شيء وتبعناك" (متى 7:19).
فنحن في البصخة المقدسة نترك كل شيء ونتبعه.
متذكرين أيضا ما قيل عن النسوة القديسات إنهن تبعنه من الجليل يخدمنه (متى 27: 55). "وأخر كثيرات اللواتي صعدن معه St-Takla.org image إلى أورشليم" (مر 15: 41). ليتنا نشعر أننا نعيش معه هذا الأسبوع بنفس الشعور وبنفس الإحساس والعاطفة... نتبعه، ونصعد معه.
ما أجمل ما قالته راعوث لنعمى "لا أتركك... حيثما ذهبتِ أذهب، وفيما وحيثما بتِ أبيت.. حيثما متِ أموت" (را 1: 16، 17). ونحن بنفس الشعور نتبع المسيح له المجد حيثما ذهب خلال هذا الأسبوع، تذهب أفكارنا معه وتأملاتنا. مشاعرنا معه، نتبعه خطوة خطوة، بنفس التسبحة..
وهنا نعبر عن احتجاجنا عما صدر من آبائنا الذين قال لهم "تبقى ساعة وقد أتت الآن، تتفرقون فيها كل واحد إلى خاصته، وتتركرننى وحدي" (يو 16: 32).
كلا يا رب، لن نتركك أبدأ وحدك، متفرقين كل واحد إلى خاصته، بل سنجتمع حولك.
سنجتمع حولك في كلامك، بكل مشاعرنا وبكل قلوبنا. لا نستطيع أن نتركك، وأنت الذي لم تترك أحدا في آلامه، ولم تترك أحداً في آلامك...
ونحن هنا نعتذر عن آبائنا الرسل الثلاثة، الذين طلبت إليهم قائلاً: "أمكثوا ههنا واسهروا معى". فلم يستطيعوا... وعاتبتهم قائلا "أما قدرتم أن تسهروا معى ساعة واحدة؟! اسهروا وصلوا" (متى 26: 38،. 4) (اقرأ مقالاً عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). وللأسف تركوك وناموا، لأن أعينهم كانت ثقيلة... ولكننا هنا يا رب، سنسهر معك الليل كله في الصلاة، وليس مجرد ساعة واحدة... بل نرد أن نسهر معك البصخة كلها.
هنا وتعجبني عبارة قالها بولس الرسول، تصلح شعارا لهذا الأسبوع وهي:
"لأعرفه وقوة قيامته، وشركة آلامه، متشبها بموته" (فى 3: 10).
كثيرون عاشوا مع السيد المسيح، وحتى الآن لم يعرفوه بعد بل حتى في أسبوع الآلام نسمع السيد المسيح يقول لتلميذه فيلبس معاتبا "أنا معكم زمانا هذه مدته، ولم تعرفني يا فيلبس؟!" (يو 14: 9). ويخيل إليّ أن السيد المسيح يقول نفس العبارة للكثير منا. وبعض الناس عرفوا السيد الرب. ولكنهم لم يدخلوا في شركة آلامه. ولكننا في البصخة المقدسة نود أن نقول له:
اسمح لنا يا سيد -ولو من بعيد- أن نشترك معك في آلامك، أو مجرد أن نكون معك فيها.
سنتتبع الأحداث وتاريخ هذا الأسبوع الكبير الذي مرَّ بك، يوما فيوما. ونقدم لك مشاعرنا في كل يوم... إن الكتبة والفريسيون والكهنة لم يعرفوك، أما نحن فقد عرفناك، والعيب أن هؤلاء قد استغلوا إخلاءك لذاتك لكن يتجرأوا عليك...
فلنرجع بذاكرتنا إلى أحداث تلك الأيام. ومع أن سبت لعازر وأحد الشعانين ليسا من أيام أسبوع الآلام، إلا أننا سنتناولهما كمقدمة، وباختصار شديد جداً..
3- سبت لعازر
كانت المعجزة الكبيرة التي أقام بها الرب لعازر منْ الموت، معجزة مذهلة جعلت الكثيرين يؤمنون. ومع ذلك لم تترك تأثيرا روحيا في رؤساء الكهنة والفريسيين. وانطبق عليهم قول أبينا ابراهيم "ولا إن قام واحد من الأموات يصدقون" (لو 16: ا 3). ولم يكتفوا بعدم الإيمان، بل جمعوا مجمعا ضد المسيح "ومن ذلك اليوم تشاوروا ليقتلوه" (يو 53،47:1)... فما الذي أضاع هؤلاء؟
لعل الذي أضاعهم: الذات وقساوة القلب.
كانت "الذات" تقف حائلاً بينهم وبين المسيح. فهم كانوا يبحثون عن عظمتهم الشخصية وعن مراكزهم، لذلك نظروا إلى المسيح في كل معجزاته كمنافس لهم في السلطة والشعبية وفكروا أن يقتلوه... ولم يقولوا كيوحنا المعمدان، "ينبغي أن ذاك يزيد، وإني أنا أنقص" (يو 3: 35).
ليتنا في هذا اليوم نفكر: كم مرة وقفت "الذات" عقبة في طريق محبتنا له؟ وتشمل الذات كبرياءنا الشخصية، ورغباتنا وشهواتنا، ومحبتنا للمديح.
كذلك قساوة القلب تطفىء كل عمل للروح.
والعجيب أن المعجزتين السابقتين لأسبوع الآلام، عملت كل منهما في يوم سبت. فتح عيني المولود أعمى، وإقامة لعازر.
فهل اختار الربع يوم السبت بالذات (اقرأ مقالاً عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات)، ليصحح تفكير اليهود عن شريعة فعل الخير في السبوت، أو ليثبت أن إلانسان لا يجوز له أن يعتمد على كبرياء فكره؟
على كلٍ، ليتنا نأخذ فكرة عن عمل الخير في يوم الرب، وإقامة الموتى بالخطية فيه، وشفاء الذين فقدوا بصيرتهم الروحية. ومن جهة حياتنا في التوبة نثق بأن:
الله قادر أن يقيمنا، ولو كانت قلوبنا أنتنت.
لا يأس إذن، مادام السيد المسيح هو الذي يقيم... والمعروف أن الخطية موت روحي. والسيد قادر أن يقيم موت الجسد وموت الروح، مهما طالت المدة.
ولنستعد يوم سبت لعازر، لنتناول يوم أحد الشعانين.
نذكر موت لعازر وإقامته، فنذكر خطايانا والقيام منها. ونستعد للتناول في يوم الأحد الذي نستقبل فيه المسيح ملكاً.
4- أحد الشعانين
كلمة شعانين عبرانية من " هو شيعه نان " ومعناها يارب خلص، ومنها الكلمة اليونانية " أوصنا "
التى استخدمها البشيرون في الاناجيل وهى الكلمة التي كانت تصرخ بها الجموع في خروجهم لاستقبال موكب المسيح وهو في الطريق إلى أورشليم. ويسمى أيضاً بأحد السعف وعيد الزيتونة لأن الجموع التي لاقته كانت تحمل سعف النخل وغصون الزيتون المزينة فلذلك تعيد الكنيسة وهى تحمل سعف النخل وع وغصون الزيتون المزينة وهى تستقبل موكب الملك المسيح.
ومن طقس هذا اليوم أن تقرأ فصول الاناجيل الأربعة في زوايا الكنيسة الأربعة وأرجائها في رفع بخور باكر وهى بهذا العمل تعلن انتشار الأناجيل في أرجاء المسكونة، ومن طقس الصلاة في هذا العيد أن تسوده نغمة الفرح فتردد الألحان بطريقة الشعانين المعروفة وهى التي تستخدم في هذا اليوم وعيد الصليب، وهى بذلك تبتهج بهذا العيد كقول زكريا النبى:
"ابتهجى يا ابنة صهيون...
هوذا ملكك يأتى إليك ...
وهو عادل ومنصور...
وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن اتان" (زك 9: 9، 10)
إنه يوم عيد سيدي، نحتفل فيه بألحان الفرح، قبل أن ندخل في ألحان البصخة الحزينة. وفيه استقبل اليهود المسيح ملكاً على أورشليم، ويخلصهم من حكم الرومان، ولكنه رفض هذا المُلك الأرضي. لأن مملكته روحية...
المسيح رفض أن يملك على أورشليم، ولكنه يفرح أن يملك على قلبك...
قلبك عند الله، هو أعظم من أورشليم (اقرأ مقالاً عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). إنه هيكل للروح القدس ومسكن للّه. فكّر كثيراً هل الله يملك عليك كلك: قلبك وفكرك وحواسك وجسدك ووقتك...؟
قل له تعال يا رب واملك. هوذا أنا لك... المرجع: موقع كنيسة الأنبا تكلاهيمانوت
إن كانت مملكتك يا رب ليست من هذا العالم. فتعالَ. عندى لك مملكة تناسبك، تسند فيها رأسك وتستريح. لعلك تجد راحتك فى قلبى. وإن وجدت فيه عصاة أو متمردين عليك... تقلد سيفك على فخذك أيها الجبار. استله وانجح واملك (مز 44).
لا تنشغل بالسعف في هذا اليوم، بل انشغل باستقبال المسيح في قلبك ملكاً عليه، فأنت تحتاج أن يملك الربِ عليك، لكي يدبر أهل بيتك حسنا.
5- القراءات الكنسية لعيد أحد الزعف
تدور جميع قراءات هذا اليوم حول عيد الشعانين، وتتعلق بمراحل خدمة هذا اليوم وهى صلوات عيد الشعانين، ويليها مباشرة بعد قداس العيد صلاة التجنيز والتى تقام بعد توزيع الأسرار مباشرة. فمزمور عشية الشعانين (مز 117: 25 ، 26) وفيه تقول كلماته: " رتبوا عيداً في الواصلين إلى قرون المذبح " وذلك المزمور يشير إلى دخول السيد المسيح قرية بيت عنيا والتى أقيم فيها عشاء له، كما يشير إلى دخول المسيح أورشليم لتسليم ذاته.
أما انجيل العشية (يو 12: 1-11) ويقص حادثة زيارة المخلص لبيت عنيا ونبؤته عن الأمه وتكفينه، إذ أن الاحداث قد صارت قريبة جداً من هذا اليوم .
وقى مزمور باكر (مز 67: 19، 23) اعلان بركة الله بخلاصه وفدائه " مبارك الرب الاله. مبارك الرب يوماً فيوما" لأن في هذا العيد قد اقترب يوم الصلب (اقرأ مقالاً عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). وانجيل باكر زيارة المسيح إلى بيت زكا وفى قوله اليوم حصل خلاص لهذا البيت إذ هو أيضاً ابن ابراهيم هو اعلان خلاصه المزمع أن يتممه في دخوله إلى أورشليم (لو 19: 1 – 10) ومزمور الانجيل (مز 80: 3، 1، 2)، (مز 64: 1،2)
تشير النبوات فيها إلى خروج الجموع لاستقبال المسيح وتسابيحهم له في هذا اليوم المجيد فتذكر " ابتهجوا بالله معيننا هللوا الإله يعقوب" "لك ينبغى التسبيح يا الله في صهيون".
وفى الرسائل المقدسة التي تقرأ في هذا اليوم إشارة إلى هذا العيد عن أورشليم لاتمام الفداء فيبين القديس بولس في رسالته (عب 9: 11 – 28) أن المسيح وقد جاء رئيس كهنة الخيرات العتيدة، قد دخل مرة واحدة إلى الأقداس .. بدم نفسه.. فوجد فداء أبدياً.
أما الكاثوليكون فيبدأ القديس بطرس رسالته عن ألام المسيح المزمع أن يتممها " فإذ قد تألم المسيح لأجلنا بالجسد" (1 بط 4: 1- 11).
وفى قراءات الابركسيس (اع 28: 11 – 31) اعلان ملكوت لله للعام، ففى هذا اليوم يدخل الملك إلى مدينته ليدعوا أبناء مملكته لذلك يذكر أعمال الرسل أن " جميع الذين كانوا يدخلون إلى بولس الرسول كان يكرز لهم بملكوت الله ".
وفى الاناجيل الأربعة (مت 21: 1-17)، (مر11: 1-11)، (لو 19: 29-48)، (يو 12: 12 – 19) قصة هذا العيد في تفاصيل أحداثها الجميلة، فتكتمل الصورة الرائعة لهذا الحدث المجيد.
6- خلاف في معنى المُلك
فى يوم أحد الشعانين دخل السيد المسيح إلى أورشليم كملك. ولم تواجهه في ذلك مشكلة من الرومان، لم يكن ينافس قيصر... إنما قامت المشكلة من الداخل، من داخل شعبه، من زعماء اليهود، إذ حدث خلاف بينهم في معنى الملك.
قبل المسيح أن يدخل أورشليم كملك، إذ ملكوته قد اقترب. نعم اقترب اليوم الذي يقضى فيه على مملكة الشيطان، ويدوس بموته على الموت الذي أدخلته الخطية إلى العالم، فيؤسس مُلكا خاصا. ولكن اختلف فهم اليهود معه في معنى المُلك.
هو يريد ملكاً روحياً. وهم يريدون ملكاً دنيوياً.
إنه يريد أن يؤسس مملكهً ليست من هذا العالم، مملكة روحية تُبنى على الحب، يملك فيها الله لا الانسان. ولكنهم كانوا يريدون مملكة كإحدى ممالك العالم، تبنى على السلطة، يكون رئيسها من نوع شمشون أو جدعون، أو يكون قائداً كيشوع. يريدون مظهراً خارجياً أساسه القوة والجيش. أما ملك الله عليهم فلم يفكروا فيه...
لقد هتفوا "أوصنا يا أبن داود". وكلمة أوصنا أو هوشعنا، معناها خلصنا... ولكنهم طلبوا منه الخلاص كإبن لداود، كوريث لعرشه وتاجه، وليس كإبن لله...
البانطوكراطورهو أراد أن يخلصهم من خطاياهم، فاسمه يسوع أى مُخلِّص (متى 1: 2). أما هم فما كانوا يريدون إلا خلاصاً من حكم الرومان.
لقد أراد أن يخلصهم من عبودية الشيطان والخطية والعالم، وهى عبودية أصعب بكثير من عبودية الرومان. لأن العبودية لقيصر قاصرة على غربة هذا العالم. بينما العبودية للشيطان تضيع أبدية الانسان كلها...
كان المسيح يريد القلب، واليهود يريدون العرش.
هو يريد أن يحررهم من الخطية. أما هم فلا يشغلهم إلا التحرر من الحكم الأجنبي. وما كان يخطر لهم على بال ذلك الفهم الروحي الذي يقصده بعبارة "إن حرركم الابن، فبالحقيقة تكونون أحراراً" (يو 8: 36).
كان لابد إذن من اصطدام بين فكره وفكرهم...
عندما دخل إلى أورشليم كملك، فرح به البسطاء.
بيما تضايق منه الكهنة والشيوخ والكتبة والفريسيون.
عامة الشعب فرحوا به، لأنه كان متواضعاً لا يتعالى عليهم، وهوذا قد أتاهم وديعأ راكباً على جحش ابن آتان (زك 9: 9). إرتجت المدينة كلها للقائه (متى 21: 10). وبسبب المعجزات التي أجراها آمن به كثيرون (12: 10). ويقول معلمنا لوقا الانجيلى إن الشعب كله كان متعلقاً به يسمع منه (لو 19: 48).. هتف الكل له. وفرشوا ثيابهم في الطريق، واستقبلوه بكل ترحيب...
أما الرؤساء فنظرتهم إليه لم تتجرد من الذات.
وهذه الذاتية أتعبت قلوبهم، وقادت كل تصرفاكم، وأدت بهم إلى الحقد والمؤامرة والجريمة، الأمر الذي ما كان يتفق مع كهنوتهم، ولا مع علمهم، ومثالياتهم...
لقد أزعجهم ترحيب الشعب به، وتملكتهم الغيرة فحسدوه، وانتقدوا صياح التلاميذ وهتاف الأطفال... وقالوا "هوذا العالم قد ذهب وراءه" (يو 12: 19).
عجباً. وأي ضرر في أن يسير العالم وراءه؟!
أليس هذا الذي اشتهاه يوحنا العمدان من قبل، أن تكون العروس للعريس... وهو ينظر من بعيد ويفرح (يو 3: 29). ولكن هؤلاء الرؤساء والمعلمين لم يكونوا من نوع يوحنا العمدانء بل لم يستطيعوا أن يقولوا إن معمودية يوحنا من السماء. وعندما سألهم السيد المسيح عن ذلك، قالوا لا نعرف. وكانوا يعرفون...
الذاتية قادتهم إلى محبة الاستحواذ على الجماهير.
قادتهم الذاتية إلى الباطل، إلى الكذب، وإلى محبة الظهور. وأسلمت داخلهم إلى ذهن مرفوض. فنظروا إلى المسيح كمنافس وكرهوه!
ولما دخل المسيح إلى أورشليم كملك، لم يرحبوا به، ورفضوا أن يملك عليهم (اقرأ مقالاً عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). وهتفوا فما بعد "ليس لنا ملك إلا قيصر" (يو 19: 15). بينما كانوا ينتظرون مجىء المسيا الذي يخلصهم من حكم قيصر حسب مفهومهم!! حقاً ما أسهل أن تقود محبة الذات إلى النفاق، وإلى تملق الرؤساء، إن كان لك تحقيق للذات، حسبما يوهم الفهم المنحرف...
أما رفض هؤلاء للمسيح، فلم يضره بل أضرهم.
لقد أساءوا إلى أنفسهم وليس إليه. كان السيد الرب يؤسس الملكوت الذى حرموا أنفسهم منه. وكان يبنى الكنيسة، ويدبر قضية الخلاص. أما هؤلاء الكهنة والشيوخ والمعلمون، فكانوا منشغلين بسلبياتهم: يدبرون المؤامرات، ويشجعون الخونة، ويبحثون عن شهود كذبة، ويفكرون في قتل المسيح، ويعملون على إثارة الشعب ضده. ويشعرون بملء السعادة إن ساعدهم الشيطان على تحقيق رغباتهم الاَثمة...
ومعارضات هؤلاء الكهنة ومؤامراتهم، لم تمنع ملكوت المسيح.
وهذا الملك الوديع الذي دخل إلى أورشليم راكباً على جحش. هذا الذي رفض أن يملك على أورشليم مفضلاً أن يملك على خشبة، والذى أسس ملكه الروحي، والمسامير في يديه... إنتشر ملكه إلى أقصى الأرض على الرغم من كل المؤامرات...
وأنت، ما هي تأملاتك في يوم أحد الشعانين؟
فى اليوم الذي نودي فيه بالمسيح ملكاً على أورشليم...
قل له تعال يا رب واملك. ليأت ملكوتك في قلبى، وفى قلوب جميع الناس. ليأت ملكوتك على كل الشعوب وفى كل البلاد. لتعرف في الأرض،. وفى جميع الأمم خلاصك (مز 66).
إبعد يا رب عني كل ما يعرقل ملكوتك داخلى. إبعد عنى الذاتية التي منعت ملكوتك عن رؤساء كهنة اليهود. وابعد عنى الحرفية التي أبعدت الفريسيين عن ملكوتك. وابعد عنى الحسد والغيرة التي بسببها ابتعد الكتبة والشيوخ والرؤساء...
أطلب من الرب أن يملك قلبك. إنما لا تغلقه أنت.
قل له: "مستعدٌ قلبى يا رب مستعد قلبى (مز 56). وافتح قلبك لكل تأثير روحي، واقبل عمل الله فيك. ولا تطفىء الروح. ولا تتجاهل صوت الله فى داخلك...
7- المسيح ملكنا
لما أتت الساعة ثبت يسوع وجهه للذهاب إلى أورشليم ( لو 9: 51) عندما قال " لا يمكن أن يهلك نبى خارج أورشليم" (لو 13: 33 )، ومن الواضح أن يسوع قصد أن يكون وصوله إلى أورشليم متزامناً مع موسم عيد الفصح، ولا شك انه كان يعلم أن المعارضة المتزايدة له ستبلغ قمتها في العاصمة اليهودية، ويؤكد كل من البشيرين مرقس ولوقا الخطر الذي توقعه يسوع وتلاميذه نتيجة ذهابه إلى أورشليم (مر 10: 32، لو 9: 51)
وقد بدأ الأسبوع الأخير بيوم الأحد حيث كان دخوله الظافر إلى أورشليم (مر 11: 1-11) والطريق من أريحا إلى أورشليم يرتفع 4.. متراً بمنحدر طويل أحياناً وشديد الانحدار أخرى ويبلغ حوالى 27كيلو مترا وعلى هذا الطريق كان حديث يسوع عن السامرى الصالح ( لو 10: 30 )، وقد اقترب إلى أورشليم، وكان دخوله عن طريق بيت فاجى (مت 21: 1) وهى ضاحية تقع على المنحدر الجنوبى لجبل الزيتون، وكانت الألوف المحتشدة تردد:
أوصنا لابن داود...
أوصنا فى الأعالى...
مبارك الاتى باسم الرب...
بينما هم يتقدمون الموكب الملكى، فالملك آتيا إلى مملكته، وريث داود (مت 1: 1) وكان وقت الربيع ويذكر المؤرخ اليهودي يوسيفوس انه تجمعت في أورشليم في ذلك الوقت حوالى مليونان ونصف من اليهود، وكانت تلك الجماهير من اليهود آتيه من كل حدب وصوب من الأماكن القريبة والبعيدة في أنحاء الاقليم تتجهه إلى أورشليم مدينة الملك داود، لتقدم ما أمرت به الشريعة، فقد كان لزاماً على كل يهودى أن يحضر إلى أورشليم للاحتفال بعيد الفصح، أعظم أعياد اليهود، وفيه تذكار خلاصهم (خر 12).. " وفى الطريق إلى أورشليم تجمعت الألوف حول موكب الملك الآتى إلى المدينة المقدسة، وفى نفوس متأججة بالحماس كان الذين تقدموا والذين تبعوا يصرخون قائلين " أوصنا. مبارك الآتى باسم الرب. مباركة مملكة أبينا داود الآتية باسم الرب. أوصنا في الأعالى " (مر 11: 9، 10) وهى تسبحة داود النبى (مز 17: 23 – 27) عن المسيا الآتى إلى ملكته (اقرأ مقالاً عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). وقد تزاحمت الجموع وهى تحف بموكب المسيح فإنضم إليهم الجليلين الآتين إلى العيد وهم يعرفونه جيد فكثيرا ما راوه يسير في مدنهم وقراهم يشفى المرض ويعلم، وتزايد الزحام بصورة كبيرة حتى تحول الميل الأخير من المسيره إلى موكب ضخم، وفى نهاية الرحلة كانت الجموع الغفيرة تحيط به وهم يفرشون الثياب وأغصان الشجر أمامه إذ كان الحجاج قد دخلوا المدينة قبل مجيئه اليها بوقت قليل، وقد استقبلوه كمسيا المنتظر (يو 12 : 12، زك 9: 9) ومع أن السيد المسيح يعلم ماذا ينتظره فاليهود يريدون أن يقتلوه وقد تزايد حق الرؤساء الكهنة عليه ومع ذلك لم يدخل أورشليم متخفيا لكنه دخل في موكبه ظاهرا للجميع ليظهر انه بإرادته جاء ليواجه صليبه الذي من أجله جاء إلى العالم.
حينما اقترب من أورشليم تنباً بخرابها (لو 13: 34، 35، 19، 19: 41) وبكى عليها وهو يرثيها "يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المراسلين إليها كم مرة أردت أن أجمع أولادك.." (مت 23: 27، 28) " انك لو علمت أنت أيضاً حتى في يومك هذا ما هو لسلامك" (لو 19: 41) " ولكن الآن قد اخفى عن عينيك فإنه ستأتى أيام يحيط بك اعداؤك بمترسه ويحدقون بك ويحاصرونك من كل جهة وبهدمونك وبنيك فيك ولا يتركون فيك حجراً على حجر لأنك لم تعرفى زمان افتقادك" (لو 19: 41 – 44) فمدينة لم تلتفت إليه ورؤساءها حنقوا عليه والآن تحققت نبوة حزقيال النبى " فالكاروبيم رفعت أجنحتها والبكرات معها وفارق مجد الرب المدينة ووقف على جبل الزيتون" (خر 11: 33)، لذا بكى عليها في دخوله " فقد جاء إلى خاصته وخاصته لم تقبله" (يو 1: 11) وكان دخول السيد إلى أورشليم في موكب ظافر بين أصوات الهتاف حوله حتى أنها وصلت إلى الملايين المتواجدين بالمدينة للاحتفال بعيد الفصح بل وصلت إلى آذان قيافا وحنان رؤساء الكهنة في الهيكل وأن المدينة ارتجت كلها قائلة من هذا ، " فقالت الجموع هذا يسوع النبى الذي من ناصره الجيل" (مت 21: 10) وبعد أن عبر وادى قدرون دخل أورشليم في هذا الموكب واتجه مباشرة إلى الهيكل (مر 11: 11) وهناك عبر له التلاميذ عن دهشتهم للحجارة العظيمة التي كانت مازالت باقية من بقايا أساس أسوار الهيكل، ولأن الوقت قد أمسى خرج يسوع إلى بيت عنيا من اثتى عشر ليفض الليل فيها فلم يكن من السهل ايجاد مكان للمبيت في أورشليم في أيام العيد هذه لذلك كان السيد المسيح له المجد يخرج ليبيت خارج المدينة في جبل الزيتون ثم يعود في الصباح إلى الهيكل يعلم.
المسيح ملكنا جاء اليوم ليملك في مدينته فوق الصليب الذي أعدته له أمته بل أعد له من السماء لأن من أجل السرور الموضوع أمامه.. سر أن يستحقه الأب بالحزن. فالصليب من مشيئته وقبله طوعا.. أطاع حتى الموت.. بإرادته ومسرة الرب بيده تنجح. واليوم جاء ليملك فوق تل الجلجثة على خشبة عوض عن العرش الذي يحمله الكاروبيم ملائكته ويمسك في يمينه قصبه عوضا عن صولجان المجد ويقبل اكليل الشوك بدلا من التاج الملكى لهامته المقدسة ، هذه هي ساعة ملكه وهو يراها واضحة في دخوله إلى أورشليم وهى الجموع الغفيرة التي تشق أصواتها عنان السماء وهى تهتف مبارك الملك الآتى باسم الرب، هي نفسها بعد أيام قليلة سوف تصرخ أصلبه..أصلبه، وهو لم لم ينزعج لذلك فقد جاء لا ليؤسس مملكة أرضية طالبا ولاء هذه الجموع المتقبلة لكنه جاء ليؤسس مملكته الروحية في قلوب الناس وملكه على البشرية فهو لم يرتض يوماً أن يصير ملكاً أرضيا ورفض ذلك إذ قال لهم مملكتى ليست من لا تنقرض (دا 2: 44) جاء ليهدم مملكة الشيطان ويحرر أولاده من عبوديتهم، جاء ليهدم بيت القوى وينزع سلاحه (لو 11: 22) لذلك فهو يدخل اليوم ظافرا ليملك في قلوبنا ويفك قيوم عبوديتها ويرفع النير عنا ويطلقنا أحراراً من الخطية التي استعبدنا لها زمانا طويلا ، لذلك نبتهج اليوم بمجيئه وخلاصه ونجرج لننضم إلى موكبه مع الأطفال باسم والتلاميذ الأطهار ونهتف:
مبارك الآتى الرب.. أوصنا يا ابن دواد.. أوصنا في الأعالى.