خطاب المسيح عن
خراب أورشليم وإنقضاء الدهر مت24 + مر13 + لو5:21-38
(مت24)
الآيات (1،2):
"ثم خرج يسوع ومضى من الهيكل فتقدم تلاميذه لكي يروه أبنية الهيكل. فقال لهم
يسوع أما تنظرون جميع هذه الحق أقول لكم انه لا يترك ههنا حجر على حجر لا ينقض."
ثم خرج يسوع ومضى
من الهيكل= هو خرج من الهيكل ليتركه لهم خراباً إذ هم نجسوه. وبعد أن أصدر حكمه
المخيف بالويلات عليهم (ص23). وكان اليهود يفتخرون بجمال الهيكل= فتقدم تلاميذه
لكي يروه أبنية الهيكل. ولكن ما قيمة جمال المباني والرب قد خرج. وبنفس المفهوم
تكلم حزقيال قبل خراب الهيكل الأول على يد نبوخذ نصًّر (حز18:10،19+ 22:11،23). وهكذا
هيكل الجسد إن فارقه روح الرب يباغته روح نجس (1صم14:16) لذلك نصلي "روحك
القدوس لا تنزعه مني" (مز11:51) فنحن هيكل الله والروح القدس يسكن فينا (1كو16:3).
وكان اليهود يتطلعون للهيكل بكونه علامة ملكهم، وعظمة أبنيته علامة عظمتهم، لهذا
أراد التلاميذ بفخر أن يُروا السيد عظمة الهيكل. ولكن السيد تنبأ لهم بأن لا يترك
ههنا حجر على حجر لا ينقض. وكان هذا لأن اليهود إهتموا بعظمة الهيكل الخارجية
وتركوا تطهير قلوبهم (أر4:7). وكان هدم الهيكل القديم إعلاناً لبدء بناء الهيكل
الجديد أي الكنيسة (أر10:1). وهذا ما يعمله الروح القدس في سر المعمودية أنه يحطم
الإنسان العتيق ليقيم فينا الإنسان الجديد الذي هو على صورة خالقنا. وكان الهيكل
عظيماً بالفعل، فالهيكل نفسه كان صغيراً، أمّا صالاته وأروقته وأبراجه التي كانت
تحيط به جعلته من أعظم المباني الفخمة في العالم. إستخدمت فيه حجارة يزيد طولها
على 20قدم. وصفوف أعمدته التي قطعت من الرخام المجزع يتكون كل منها من قطعة واحدة
طول كل منها أكبر من 37قدم في إرتفاعها. له ثمانية أبواب بعضها مطلي بالذهب والبعض
الآخر بالفضة. والتاسع وإسمه باب الجميل مغطى بالنحاس الجميل بصورة مدهشة. وكل هذا
الجمال حطَّمه تيطس سنة 70م. ثم أراد يوليانوس الجاحد أن ينقض هذه النبوة فرفع
الأساس القديم وأحضر مواد بناء جديدة فخرجت نار وإلتهمت الكل فكان أن يوليانوس تمم
النبوة بالأكثر إذ رفع الأساس.
آية (3): "وفيما
هو جالس على جبل الزيتون تقدم إليه التلاميذ على انفراد قائلين قل لنا متى يكون
هذا وما هي علامة مجيئك وانقضاء الدهر."
من على جبل
الزيتون يظهر الهيكل واضحاً. والتلاميذ في إعجاب أشاروا للسيد عليه، فقال لهم أنه
سيخرب. أخطأ التلاميذ إذ ظنوا أن خراب الهيكل هو علامة على نهاية العالم. ولم
يفهموا أنه لابد ويخرب علامة على إنتهاء العهد اليهودي وأنه يبطل لتبدأ الكنيسة. وكان
لابد لقيام الكنيسة أن يقوم المسيح، ولكي يقوم المسيح لابد وأن يموت أي يُهدم
هيكله الجسدي (يو18:2-21). ولقد عبر التلاميذ بسؤالهم عما يدور في أذهان كل البشر
عن إشتياقهم لمعرفة المستقبل. ولكن السيد لم يحدد أزمنة مكتفياً بتقديم العلامات
حتى لا يخدعهم المسحاء الكذبة. وما هي علامة مجيئك وإنقضاء الدهر= التلاميذ كانوا
مقتنعين أن يسوع هو المسيا، وكانوا متوقعين مجده المستقبل في نهاية العالم
ليُدْخِل العصر المسياني الأبدي.
تصف النبوات عادة
حادثاً قريباً وترمز بهذا الوصف إلى أحداث بعيدة وهكذا جاءت نبوات المسيح هنا لتصف
خراب أورشليم على يد تيطس وفي نفس الوقت تشير لأحداث بعيدة أي نهاية العالم. والرب
تنبأ عن كلاهما فإمتزجت النبوتان. خصوصاً أن سؤال التلاميذ كان خطأ فهم سألوا عن علامات
خراب الهيكل ونهاية العالم وكان إعتقادهم الخاطئ أن الحدثين هم حدث واحد ولذلك
جاءت نبوات المسيح هنا بطريقة مدهشة لكلا الحدثين فهي متفقة مع خراب أورشليم
القريب ومع أحداث نهاية العالم في المستقبل البعيد. لذلك علينا أن نفهم كيف نطبق
النبوة في كل حدث.
الآيات (4،5):
"فأجاب يسوع وقال لهم انظروا لا يضلكم أحد. فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين
أنا هو المسيح ويضلون كثيرين."
العلامة الأولى:-
وهي قيام المضلين والمسحاء الكذبة. فاليهود رفضوا المسيح الحقيقي، وكانوا في
إنتظار مسيح آخر، وهذا دفع البعض أن يدعوا أنهم هم المسيح ويخدعوا الناس بعجائب
كاذبة كما فعل سيمون الساحر، وهذا حدث فعلاً قبل خراب الهيكل وسيتكرر في نهاية
الأيام.
الآيات (6-8):
"وسوف تسمعون بحروب وأخبار حروب انظروا لا ترتاعوا لأنه لابد أن تكون هذه
كلها ولكن ليس المنتهى بعد. لأنه تقوم أمة على أمة ومملكة على مملكة وتكون مجاعات
وأوبئة وزلازل في أماكن. ولكن هذه كلها مبتدأ الأوجاع."
العلامة الثانية
والثالثة:- حروب/ مجاعات وأوبئة وزلازل. لا عجب أن يسبق مجيء المسيح كل هذه الآلام
فعدو الخير كلما يدرك أن الرب قد إقترب مجيئه تزداد حربه ضد المؤمنين لكي يقتنص
منهم بقدر ما يستطيع، ولهذا يطلب المسيح أن نسهر فنزداد قوة على إحتمال هذه الآلام.
فهدف الحروب والأوبئة.. الخ هو إثارة رعب المؤمنين فيرتبكون خائفين على حياتهم
الزمنية ولكن من يرتبك يخسر أفراحه خاصة الفرح بمجيء المسيح والمجد المنتظر. وهذا
ما حدث قبل خراب أورشليم أيضاً أن كانت هناك حروب كثيرة وأخبار حروب.
الآيات (9،10):
"حينئذ يسلمونكم إلى ضيق ويقتلونكم وتكونون مبغضين من جميع الأمم لأجل اسمي. وحينئذ
يعثر كثيرون ويسلمون بعضهم بعضاً ويبغضون بعضهم بعضاً."
العلامة الرابعة:-
الحرب التالية التي سيثيرها عدو الخير هي الإضطهاد لأولاد الله، فيرتد كثيرين من
الذين كانت علاقتهم بالله علاقة سطحية بلا عمق مثل النباتات التي بلا جذور هذه
تحترق من الشمس إذ لا تجد ماءً يرويها فهي بلا جذور عميقة، ومن لهم عمق في حياتهم
الروحية يعطيهم الروح القدس التعزية. والمرتدون من المؤمنين يسلمون إخوتهم
المؤمنين، ربما من خوفهم وربما غيرة وحسد. وربما لنقص المحبة في تلك الأيام. وربما
من كثرة الضيقات مع عدم وجود تعزية (للأشرار) ما عاد أحد يحتمل إخوته.
الآيات (11،14):
"ويقوم أنبياء كذبة كثيرون ويضلون كثيرين. ولكثرة الإثم تبرد محبة الكثيرين. ولكن
الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص. ويكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة
لجميع الأمم ثم يأتي المنتهى."
العلامة الخامسة
والسادسة:- لقد بدأ عدو الخير بخلق جو عام قابض من حروب وزلازل..الخ ليسحب المؤمن
من الحياة الداخلية العميقة ثم يصوب إليه حرباً شخصية من إضطهاد لأجل المسيح ثم
نجد هنا الهجوم على الإيمان والعقيدة لتنحرف بعيداً عن مسار الملكوت. مثل ظهور
أنبياء كذبة كما حدث فعلاً بعد صعود المسيح وحتى خراب أورشليم فقد ظهر مسحاء كذبة
كثيرين جمعوا حولهم أتباعاً كثيرين. وفي أيامنا الأخيرة ظهرت مئات البدع والفلسفات
الملحدة المضللة التي تشكك في الله، بل وفلسفات تتستر تحت رداء الدين. وثمار هذه
الفلسفات والبدع الإرتداد والفتور وتبرد محبة الكثيرين. ولقد تعاظم الشر قبل خراب
أورشليم وزادت جاذبية الشر ممّا أضعف إحتمال الكثيرين عن إحتمالهم للإستشهاد. إذاً
فالعلامة السادسة هي الإرتداد والفتور أمّا السابعة أن تصل الشهادة للجميع. وقبل
خراب أورشليم كان التلاميذ قد وصلوا فعلاً إلى غالبية العالم المعروف.
آية (15): "فمتى
نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي قائمة في المكان المقدس ليفهم القارئ."
في العبارات
السابقة حدثنا السيد عن نهاية الهيكل وخراب أورشليم بطريقة خفية، أما هنا فيتحدث
علانية. والمسيح هنا يدعوهم لقراءة سفر دانيال (27:9+ 11:12). ليتأكدوا من توقف
الذبيحة وبالتالي من خراب الهيكل. رجسة الخراب= هناك عدة آراء بخصوصها:-
1. تشير للجيوش
الرومانية الجبارة ومعها أصنامها التي أحاطت بأورشليم لتخربها وهذا ما أشار إليه
الرب نفسه (لو20:21) في المكان المقابل في إنجيل لوقا. ونلاحظ أن الجيش الروماني
حاصر أورشليم فترة ثم رأى تيطس أن أورشليم هذه لا تستحق تعطيل الجيوش الرومانية كل
هذه الفترة فقرر أن يقوم بمحاولة أخيرة وإذا فشلت ينسحب. وفي ذات ليلة تسلل بعض
الجنود الرومان من على أسوار أورشليم ودخلوا إلى الهيكل الملاصق للسور ووضعوا
النسر الروماني على الهيكل فتنبه اليهود وطردوهم فإنسحب تيطس. وإستيقظ المسيحيين
صباحاً ليجدوا النسر الروماني على الهيكل فتذكروا هذه الآية ونفذوا ما بعدها إذ
هربوا من أورشليم فوراً إلى الجبال المحيطة بأورشليم وإلى لبنان وإلى بلدة إسمها
بيلا. أما اليهود فأقاموا الإحتفالات بهروب الرومان. ولكن ما حدث أن تيطس بعد
مسيرة ساعات قليلة تقابل مع نجدة رومانية بأوامر من قيصر أن يدمر أورشليم فعاد
ثانية لحصارها وكان حصاراً بشعاً وصل أن أكلت الأمهات أطفالهن. ثم قتل تيطس 1.2مليون،
أمّا المسيحيين فنجوا. وهكذا حال النبوات لا يمكن فهمها إلاّ حين يكون لها فائدة،
ويأتي وقت تنفيذها.
2. تشير هذه الرجسة إلى
ما سيحدث أيام الدجال، والسيد أعطانا علامات كاملة عن هذا الدجال لنكتشفه. ويسميه
السيد رجسة لأنه يأتي ضد الله ويدعي أنه الله. وهو سيدمر الأرض بالحروب والقتل. وسيقبله
اليهود ويأخذونه إلى الموضع المقدس الذي يصلون فيه (2تس3:2-11). والله يطلب من
شعبه أن يهرب إلى الجبال أيضاً في هذه المرة. ولكن كما قلنا فالنبوة لن نفهم كيف
ننفذها إلاّ في حينه (رؤ6:12 يشير لموضع مُعَّدٌ في البرية حيث يعول الله الهاربين).
ليفهم القارئ= يا من تقرأ إفهم وإهرب. وهذا ما حدث سنة 70م وسيتكرر في نهاية
الأيام.
الآيات (16-20):
"فحينئذ ليهرب الذين في اليهودية إلى الجبال. والذي على السطح فلا ينزل ليأخذ
من بيته شيئاً. والذي في الحقل فلا يرجع إلى ورائه ليأخذ ثيابه. وويل للحبالى
والمرضعات في تلك الأيام. وصلوا لكي لا يكون هربكم في شتاء ولا في سبت."
عاد الجيش
الروماني لحصار أورشليم بعد ساعات يقدرها البعض بحوالي 6ساعات من إنسحابه، فلو حدث
أي تباطؤ من أي مسيحي في تنفيذ ما طلبه المسيح بالهروب لكان قد قاسى آلام الحصار
ثم هلك مع اليهود. والمسيح طلب من المؤمنين في أورشليم أن يتركوها إلى الجبال
فالرومان سيدمروها تماماً. والذي على السطح فلا ينزل ليأخذ من بيته شيئاً= فكانت
درجات سُلَّمْ البيوت تعمل من الخارج على جوانب البيت. ولا وقت لدخول البيت
ليأخذوا أمتعة تعوقهم. والذي في الحقل فلا يرجع إلى ورائه ليأخذ ثيابه= والثياب
المقصود بها الرداء الخارجي. وويلٌ للحبالى= فهن لن يستطعن أن يسرعوا في الهرب. وصلوا
لكي لا يكون هربكم في شتاء ولا في سبت ففي الشتاء يكون الجو بارداً والنهار قصير. وفعلاً
كان هروبهم في الربيع. واليهود حددوا أقصى مسافة للسير يوم السبت بألفي خطوة أي
نحو ميلين. والمعنى أن صلوا حتى لا تكون أمامكم عوائق تمنع هربكم. ممّا سبق نرى أن
السيد المسيح يرسم صورة واضحة لكل مؤمن تشير لضرورة هربه في أسرع وقت وبلا إبطاء. وهذا
الكلام له مفهوم روحي ينطبق على الأيام الأخيرة التي نبه السيد في آية (12) أن
فيها ستبرد محبة الكثيرين. فكيف لا تبرد محبة المؤمنين.
الذين في اليهودية= (المؤمنين في الكنيسة)،
الذي على السطح=(عالياً في الروح، كاملاً في قلبه)،
الذي في الحقل= (يخدم لحساب المسيح)،
الحبالى= (النفس المملوءة بالخطايا)،
الشتاء= (البرودة الروحية)،
يهربوا للجبال=(يطلبوا أن يعيشوا في السماويات)
لا ينزل=(لا يشغف بالممتلكات الزمنية)
لا يرجع=(مثل إمرأة لوط، ولا يرتبك بأمور الحياة)
والمرضعات=(من يكونوا سبب عثرة للآخرين)
السبت=(عاطل عن العمل الروحي)
الآيات (21،22):
"لأنه يكون حينئذ ضيق عظيم لم يكن مثله منذ ابتداء العالم إلى الآن ولن يكون.
ولو لم تقصر تلك الأيام لم يخلص جسد ولكن لأجل المختارين تقصر تلك الأيام."
هذا يتفق مع (دا 1:12+
يؤ2:2). وفي حصار أورشليم، كانت المجاعة قد وصلت أن أكلت الأمهات أبنائهن وإنتشرت
الأوبئة من الجثث المتعفنة. هذا غير الصراعات الداخلية ضد بعضهم. ولقد قُتِلَ نحو 2مليون
يهودي ما بين المجاعة وبين سيف تيطس وبيع حوالي مليون كعبيد. ولكن لأجل المختارين
تقصر تلك الأيام= لعل بعض اليهود بسبب هذه الضيقات آمنوا بالمسيح، ولأجلهم أنقص
الله مدة الحصار الذي كان حوالي 5أشهر. وقيل أن تيطس نسب نجاحه إلى معونة إلهية.
وفي الأيام
الأخيرة سيصنع الدجال سمة لأتباعه (رؤ16:13) ولا يقدر أحد أن يشتري أو يبيع إلاّ
من له هذه السمة. وستكون ضيقة عظمى، لذلك فستهرب الكنيسة التي رفضت السمة إلى
البرية. لم يخلص جسد= كما هلك كثيرين أيام تيطس بسيفه، هكذا في الأيام الأخيرة
سيثير الوحش إضطهاداً دموياً ضد الكنيسة. والله سيقصر الأيام= حتى لا ييأس أولاده.
الآيات (23-27):
"حينئذ إن قال لكم أحد هوذا المسيح هنا أو هناك فلا تصدقوا. لأنه سيقوم مسحاء
كذبة وأنبياء كذبة ويعطون آيات عظيمة وعجائب حتى يضلوا لو أمكن المختارين أيضاً. ها
أنا قد سبقت وأخبرتكم فان قالوا لكم ها هو في البرية فلا تخرجوا ها هو في المخادع
فلا تصدقوا. لأنه كما إن البرق يخرج من المشارق ويظهر إلى المغارب هكذا يكون أيضاً
مجيء ابن الإنسان."
إنتشر الأنبياء
الكذبة قبل خراب أورشليم سنة 70م. وسوف يوجدون بكثرة في أيام الدجال. والمسيح
يحذرنا حتى لا ننخدع بهم، فهم سيفعلون عجائب بواسطة عدو الخير، لذلك علينا أن لا
ننخدع بالعجائب ونجري وراءها، فالشيطان قادر على عمل عجائب (رؤ13:13-15). ها هو في
البرية= يدعو أتباعه للإجتماع به، ويلتف حوله كثيرون. يدَّعي صورة التقوى. والبرية
أي في العلن. ها هو في المخادع= يتسلل للقلب عن طريق نشر أفكاره الخبيثة سراً. إذاً
البرية والمخادع= أي لا تصدقوه إن أتى علناً أو سراً. ولكن نفهم أن البرية تشير
للحياة القفرة من الإيمان والخروج عن إيمان الكنيسة. أما المخادع فتعني العمل في
الظلمة بعيداً عن نور الحق.
والمسيح لن يأتي
في مجيئه الثاني هكذا سراً بل كالبرق= [1] هو نور [2] لا يحتاج إلى من يعلن عنه بل
يُنظر في لحظة في العالم كله [3] يأتي من السماء [4] يأتي فجأة [5] مجيئه الثاني
لن يكون معه آيات أو معجزات بل سيأتي في الأعالي من السماء يشرق على كل المسكونة
ليحملنا من أرجاء العالم ويرفعنا للسماء، وليدين كل العالم.
آية (28): "لأنه حيثما تكن الجثة فهناك تجتمع النسور."
لأنه حيثما تكن
الجثة فهناك تجتمع النسور= هي نبوة عن خراب أورشليم السريع حيث أسرع الجنود
الرومان (وكان رمز الدولة الرومانية هو النسر) نحو فريستهم من اليهود، فاليهود
صاروا في نظر الله جثة وعليهم أن لا ينتظروا مخلصاً لهم فقد عينهم الله للهلاك،
فصاروا كجثة في نظر الله وهذه الجثة سيلتهمها نسور الرومان سريعاً، وهذا ما سيحدث
في الأيام الأخيرة حيث يكون الأشرار كجثة تشبع من لحومها الجوارح (رؤ17:19-21). وهذا
ما قيل أيضاً عن جيوش الأشرار التي تحارب شعب الله في الأيام الأخيرة (حز17:39-20).
فالوحش وكل تابعيه ما هم إلا جثة في نظر الله بسبب شرورهم وبسبب قبولهم لعمل
الشيطان فيهم. والنسور هنا هم الملائكة الذين سيأتون مع المسيح (مت31:25). ولاحظ
قوله لأنه وسبق قوله أن المسيح سيأتي كالبرق. إذاً المعنى أن المسيح سيأتي لأنه
أعطى كل واحد فرصته، فمن بحريته إختار أن يكون جثة تعمل بها الشياطين، يدينه
المسيح وتهجم عليه النسور. كأن الله يقول كفى هجوماً على كنيستي.
آية (29): "وللوقت
بعد ضيق تلك الأيام تظلم الشمس والقمر لا يعطي ضوءه والنجوم تسقط من السماء وقوات
السماوات تتزعزع."
هذه الأمور
ستتحقق بلاشك حرفياً قبل مجيء السيد المسيح الأخير، وإننا نسمع اليوم عن بعض
الإنفجارات الشمسية وإظلام أجزاء منها (بقع شمسية) وهذا سيتزايد في فترة الدجال. ونحن
نعلم أن الأرض وسماء الكواكب التي حولنا ستزول لتأتي الأرض الجديدة والسماء
الجديدة التي سيكون رب المجد شمسها (رؤ1:21+ 5:22). وروحياً فالشمس تشير للمسيح،
والقمر للكنيسة والنجوم هم جبابرة الكنيسة وقادتها. وفي أيام الدجال حين تبرد محبة
الكثيرين فإن نور الإيمان ينطفئ وكثير من القادة والجبابرة يسقطون ويعملون لحساب
الدجال، وإذ يرتد كثيرون عن الإيمان فإن نور القمر ينطفئ. وكل خاطئ الآن يقبل
أفكار العالم ينطفئ نور الإيمان في قلبه. وفي هذا التفسير الروحي يكون معنى تظلم
الشمس= المسيح لم يعد معروفاً فالهرطقات والخطايا شوهت المعرفة.
الآيات (30،31):
"وحينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء وحينئذ تنوح جميع قبائل الأرض
ويبصرون ابن الإنسان آتياً على سحاب السماء بقوة ومجد كثير. فيرسل ملائكته ببوق
عظيم الصوت فيجمعون مختاريه من الأربع الرياح من أقصاء السماوات إلى أقصائها."
هذه عن الأيام
الأخيرة فبعد ما سبق يأتي المسيح للدينونة وسط موكب ملائكي. والملائكة تجمع
القديسين لمكانهم في السماء. وستظهر في السماء علامته قبل مجيئه وهي علامة الصليب.
فيفرح المؤمنون الذين كانوا يشتهون هذه اللحظة "كما قال يوحنا آمين تعال أيها
الرب يسوع" أما غير المؤمنين فينوحون= حينئذ تنوح جميع قبائل الأرض= وأسماهم
قبائل الأرض إذ هم عاشوا يبحثون عن لذات الأرض وهذا في مقابل المؤمنين الذين عاشوا
حياتهم على الأرض وكأنهم في السماء (أف6:2) فهم الآن سيكملون أفراحهم السماوية. والسحاب
يشير إمّا للقديسين الذين يأتون مع المسيح (عب1:12+ أش1:19) وهذه الأخيرة عن
العذراء مريم. وإمّا يشير لإحتجاب مجده عن الأشرار (أع9:1،11).
الآيات (32-34):
"فمن شجرة التين تعلموا المثل متى صار غصنها رخصا وأخرجت أوراقها تعلمون أن
الصيف قريب. هكذا انتم أيضاً متى رأيتم هذا كله فاعلموا انه قريب على الأبواب. الحق
أقول لكم لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله."
هذه الأقوال
يقولها المسيح يوم الثلاثاء صباحاً.وقد توجه إلى الهيكل صباحاً مع تلاميذه وفي
الطريق رأوا التينة اليابسة والتي كانت علامة على نهاية الدولة اليهودية، وحينما
رآها التلاميذ تعجبوا. والآن ومازالت هذه القصة في أذهانهم تثير تساؤلاتهم نجد
المسيح يشير مرة أخرى إلى شجرة التين أنها لابد وستعود للإخضرار قبل نهاية العالم،
إشارة لأن اليهود سيعودون ويكونون ثانية مملكتهم إستعداداً لقبولهم المسيح الدجال
وسيكون قبولهم للمسيح الدجال خراباً لهم ولدولتهم ولأورشليم ثانية (إذاً هذه
العلامات لخراب أورشليم تنطبق على خرابها لأول مرة سنة 70م على يد تيطس وخرابها
نهائياً في أيام نهاية العالم). ولكن تجمع اليهود سيكون له هدف آخر، أن هناك بقية
مؤمنة ستدرك مع الأحداث أن المسيح الذي رفضوه وصلبوه هو المسيا المنتظر فيؤمنوا
به، وأن هذا المسيح الدجال هو الشر نفسه مجسداً فيرفضوه ويكون إيمان اليهود هو
علامة النهاية (رو25:11،26). إلاّ أننا أيضاً يمكن أن نفسر قول المسيح هنا، أنه
كما تعرفون أن الصيف قريب إذا لاحظتم أن أوراق شجرة التين تصبح خضراء، فأنتم
سيمكنكم أن تميزوا النهاية من العلامات التي أعطيتها لكم. الصيف= الضيقة العظيمة (آية21).
لا يمضي هذا
الجيل= الجيل يقدر بحوالي 40-50سنة. وهذه الآية خاصة بخراب أورشليم. ولقد خربت
أورشليم فعلاً بعد المسيح بحوالي 37سنة، وربما يشير هذا إلى إنقضاء سنوات قليلة
بعد تكوين أورشليم والدولة اليهودية في نهاية الأزمان ليأتي المسيح الدجال إليها
كعلامة للنهاية، والجيل الذي رأى تكوين إسرائيل أو عودة إسرائيل للوجود سيرى
نهايتها، كما أن الجيل الذي رأي المسيح رأي خراب أورشليم على يد تيطس.
الآيات (35،36):
"السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول. وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا
يعلم بهما أحد ولا ملائكة السماوات إلا أبي وحده."
المعنى أنه لا
يصح أن نجهد أنفسنا في تحديد السنة أو الشهر الذي يأتي فيه المسيح، فالمسيح لا
يريد أن يعلنه. فلنتضع ولا نحاول أن نعلم ما أغلق المسيح معرفته على الإنسان. وما
طلبه المسيح منّا بدلاً من تحديد الأزمنة هو أن نسهر وتكون مستعدين (42،44) وأن لا
ننخدع بأي ضلالة خارج الكنيسة.
الآيات (37-39):
"وكما كانت أيام نوح كذلك يكون أيضاً مجيء ابن الإنسان. لأنه كما كانوا في
الأيام التي قبل الطوفان يأكلون ويشربون ويتزوجون ويزوجون إلى اليوم الذي دخل فيه
نوح الفلك. ولم يعلموا حتى جاء الطوفان واخذ الجميع كذلك يكون أيضا مجيء ابن
الإنسان."
الطوفان أتى فهلك
الأشرار ونجا نوح وهكذا ستأتي أحداث النهاية فيهلك الأشرار وينجو كل من يوجد في
الكنيسة (الفلك) ثابتاً مؤمناً. ونلاحظ أن الأكل والشرب والزواج ليسوا في حد ذاتهم
شراً. ولكن المقصود أن من يستغرقه العالم بشهواته وينسى الله يهلك (في19:3+ رو18:16+
تي12:1+ رو17:14).
الآيات (40،41):
"حينئذ يكون اثنان في الحقل يؤخذ الواحد ويترك الآخر. اثنتان تطحنان على
الرحى تؤخذ الواحدة وتترك الأخرى."
والمقصود أن واحد
يؤخذ للمجد، وواحد للدينونة. قد يكون إثنان أصدقاء. ولكن أحدهما يحيا في قداسة، في
السماويات، والآخر يحيا في الشر تستغرفه هموم الأرض وغناها، فهو من قبائل الأرض (آية30)
وحينما تأتي هذه الساعة يفترق كلٌ منهما للأبد. فهما أمام العالم سيان من ناحية
المظهر ولكنهم في طبيعتهم الروحية مختلفان. إذاً لنسهر ونهتم بحياتنا الروحية فهي
التي تحدد مصيرنا.
الآيات (42-51):
"اسهروا إذا لأنكم لا تعلمون في أية ساعة يأتي ربكم. واعلموا هذا انه لو عرف
رب البيت في أية هزيع يأتي السارق لسهر ولم يدع بيته ينقب. لذلك كونوا انتم أيضا
مستعدين لأنه في ساعة لا تظنون يأتي ابن الإنسان. فمن هو العبد الأمين الحكيم الذي
أقامه سيده على خدمه ليعطيهم الطعام في حينه. طوبى لذلك العبد الذي إذا جاء سيده
يجده يفعل هكذا. الحق أقول لكم انه يقيمه على جميع أمواله. ولكن إن قال ذلك العبد
الرديء في قلبه سيدي يبطئ قدومه. فيبتدئ يضرب العبيد رفقاءه ويأكل ويشرب مع
السكارى. يأتي سيد ذلك العبد في يوم لا ينتظره وفي ساعة لا يعرفها. فيقطعه ويجعل
نصيبه مع المرائين هناك يكون البكاء وصرير الأسنان."
الرب يدعونا أن
نستعد لمجيئه كعبد ينتظر سيده. ويدعو رسله وخدامه إن يكونوا أمناء على ما تسلموه
من وزنات. ولنلاحظ أن كل مالنا هو أمانة إستودعها الله لنا وما نحن سوى وكلاء
ولابد أن نكون أمناء. وأمّا من يحسب ما عِنَدهُ ملكاً له وإنغمس في ملذاته بدعوى
أن من حقه أن يستمتع بما عنده فمثل هذا يُحَسبْ غير أميناً فيما ائتمنه الله عليه.
العبد الحكيم= هو من يستعد لأبديته. لا يدع بيته ينقب= كانت حيطان البيوت تبنى من
الطين المجفف أي الطوب اللبن، أي تبنى وتترك حتى تجف، ولذلك كان من عادة اللصوص أن
ينقبوا الحيطان ويدخلون. المطلوب منّا قبل أن نهتم بزيادة مواردنا المالية
والإهتمام بصحتنا ومستقبلنا على هذه الأرض أن نهتم بمستقبلنا السماوي وننمو روحياً
وتزداد ثمارنا الروحية وهذا لا يلغي ذاك ولكن الأولوية لحياتنا الأبدية. (انظر
المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير
الأخرى). فيوم مغادرة العالم يأتي فجأة= السارق. السهر= الإنتباه لخلاص النفس
بالتوبة. والجهاد بطول العشرة مع الله لتنمو محبتنا لله. هزيع= اليهود يقسمون
الليل إلى أربع أقسام، كل قسم= 3 ساعات يسمونه هزيع. ويبدأ الهزيع الأول الساعة 6مساءً.خدمه=
كل من أنا مسئول عنهم. بل كل إنسان قد يتعثر بسبب تصرفاتي. يقيمه على جميع أمواله=
التمتع بأمجاد السماء. يأكل ويشرب مع السكارى= ينهمك في ملذاته وشهواته. فيقطعه= أي
يهلكه أبدياً.
(مر13)
آية (3): "وفيما
هو جالس على جبل الزيتون تجاه الهيكل سأله بطرس ويعقوب ويوحنا وإندراوس على انفراد."
على إنفراد= العلامات
والأسرار لا تكشف للجميع بل لخاصته الأحباء على إنفراد. وهو يريد أن يطمئن
تلاميذه، أنها أيام صعبة لكنهم في يده محفوظين، يكشف لهم أنه عالم بكل شئ، وهذا
يعطينا إطمئنان فلا شئ خارج عن معرفته ولا عن سلطانه، وهو وحده القادر أن يحفظنا
فنحن في يده يحملنا خلال هذه الآلام. وبالنسبة لموضوع الهيكل فهو كان كل شئ في
قلوب اليهود وأي مساس به يعتبرونه علامة غضب الله عليهم، لذلك حينما طلب منهم تيطس
أن يسلموا المدينة ظنوا أن الله يخلصهم كما كان يفعل في القديم، فرفضوا تسليمه
لتيطس إلى أن سقطت المدينة وكان تيطس يقدر الجمال وأراد الإحتفاظ بالهيكل كقطعة
فنية ولكن جنوده الذين أرهقهم الحصار أشعلوا فيه النار إنتقاماً من اليهود ولكن
كان هذا تنفيذاً لنبوة السيد المسيح مخالفين أوامر تيطس. وهذا الهيكل ليس هو هيكل
سليمان، فهيكل سليمان حطمه نبوخذ نصًّر سنة 586ق.م. وأعاد بناءه زربابل ويشوع بعد
العودة من السبي سنة 536ق.م. وكان أضخم من هيكل سليمان ولكن هيكل سليمان كان أفخم.
وقد بدأ هيرودس ترميم الهيكل سنة 20ق.م. وإستمر هذا الترميم 46سنة (يو20:2) بل
يقول التاريخ أن أعمال الترميم إستمرت حتى سنة63م. وموقع الهيكل الآن الحرم الشريف
أو قبة الصخرة في القدس الشرقية كما يقول اليهود.
وكان سؤال
التلاميذ أو لفت نظر السيد للهيكل وعظمته، هي محاولة منهم لكي يتأكدوا أن السيد
حين طهَّر الهيكل كان قصده أن يكون مركز ملكه الأرضي من خلاله يملك على كل العالم،
ولكن إجابة المسيح جاءت لتخيب أمالهم الأرضية ولكي تفتح أمام أذهانهم أن الهيكل
الأرضي لابد أن يخرب حتى يقوم الهيكل السمائي. بل أن العالم كله سينتهي ليبدأ
الإنسان يحيا الحياة الأبدية. كان هدف المسيح رفع أنظارهم من النظرة المادية
للأفكار الروحية وأننا غرباء على هذه الأرض. المسيح أراد أن يسحب قلوبهم للهيكل
السماوي [1] المسيح يؤسس هيكله الآن الذي هو الكنيسة [2] كل منا هو هيكل للروح
القدس ونحن حجارة حية في هذا الهيكل (1كو16:3 + 1بط5:2) [3] ما نحصل عليه هنا هو
عربون حياتنا السماوية في الأبدية. [4] حتى يقيم المسيح فينا هيكله السماوي ينبغي
أن يهدم هيكل جسدنا العتيق. [5] حتى تقوم الكنيسة كان ينبغي أن ينتهي دور العبادة
اليهودية بهدم هيكلها فطالما أتى المرموز إليه بطل الرمز. [6] هذا ما يحدث في
المعمودية حيث يحطم الروح القدس إنساننا القديم لكي لا يكون له أثر في حياتنا، فإن
سلكنا بروح الله يقوم في داخلنا إنسان جديد روحي على شكل جسد المسيح، وإن عادت
قلوبنا تطلب الشر الذي في العالم نكون كإمرأة لوط ونفقد بهاء ملكوت الرب فينا. لذلك
علينا أن نحيا كأموات أمام الخطية (رو11:6+ كو5:3).
وفيما هو جالس
على جبل الزيتون= الزيتون يشير للزيت وهذا يشير للروح القدس الذي سيؤسس الهيكل الجديد.
يتبع
خراب أورشليم وإنقضاء الدهر مت24 + مر13 + لو5:21-38
(مت24)
الآيات (1،2):
"ثم خرج يسوع ومضى من الهيكل فتقدم تلاميذه لكي يروه أبنية الهيكل. فقال لهم
يسوع أما تنظرون جميع هذه الحق أقول لكم انه لا يترك ههنا حجر على حجر لا ينقض."
ثم خرج يسوع ومضى
من الهيكل= هو خرج من الهيكل ليتركه لهم خراباً إذ هم نجسوه. وبعد أن أصدر حكمه
المخيف بالويلات عليهم (ص23). وكان اليهود يفتخرون بجمال الهيكل= فتقدم تلاميذه
لكي يروه أبنية الهيكل. ولكن ما قيمة جمال المباني والرب قد خرج. وبنفس المفهوم
تكلم حزقيال قبل خراب الهيكل الأول على يد نبوخذ نصًّر (حز18:10،19+ 22:11،23). وهكذا
هيكل الجسد إن فارقه روح الرب يباغته روح نجس (1صم14:16) لذلك نصلي "روحك
القدوس لا تنزعه مني" (مز11:51) فنحن هيكل الله والروح القدس يسكن فينا (1كو16:3).
وكان اليهود يتطلعون للهيكل بكونه علامة ملكهم، وعظمة أبنيته علامة عظمتهم، لهذا
أراد التلاميذ بفخر أن يُروا السيد عظمة الهيكل. ولكن السيد تنبأ لهم بأن لا يترك
ههنا حجر على حجر لا ينقض. وكان هذا لأن اليهود إهتموا بعظمة الهيكل الخارجية
وتركوا تطهير قلوبهم (أر4:7). وكان هدم الهيكل القديم إعلاناً لبدء بناء الهيكل
الجديد أي الكنيسة (أر10:1). وهذا ما يعمله الروح القدس في سر المعمودية أنه يحطم
الإنسان العتيق ليقيم فينا الإنسان الجديد الذي هو على صورة خالقنا. وكان الهيكل
عظيماً بالفعل، فالهيكل نفسه كان صغيراً، أمّا صالاته وأروقته وأبراجه التي كانت
تحيط به جعلته من أعظم المباني الفخمة في العالم. إستخدمت فيه حجارة يزيد طولها
على 20قدم. وصفوف أعمدته التي قطعت من الرخام المجزع يتكون كل منها من قطعة واحدة
طول كل منها أكبر من 37قدم في إرتفاعها. له ثمانية أبواب بعضها مطلي بالذهب والبعض
الآخر بالفضة. والتاسع وإسمه باب الجميل مغطى بالنحاس الجميل بصورة مدهشة. وكل هذا
الجمال حطَّمه تيطس سنة 70م. ثم أراد يوليانوس الجاحد أن ينقض هذه النبوة فرفع
الأساس القديم وأحضر مواد بناء جديدة فخرجت نار وإلتهمت الكل فكان أن يوليانوس تمم
النبوة بالأكثر إذ رفع الأساس.
آية (3): "وفيما
هو جالس على جبل الزيتون تقدم إليه التلاميذ على انفراد قائلين قل لنا متى يكون
هذا وما هي علامة مجيئك وانقضاء الدهر."
من على جبل
الزيتون يظهر الهيكل واضحاً. والتلاميذ في إعجاب أشاروا للسيد عليه، فقال لهم أنه
سيخرب. أخطأ التلاميذ إذ ظنوا أن خراب الهيكل هو علامة على نهاية العالم. ولم
يفهموا أنه لابد ويخرب علامة على إنتهاء العهد اليهودي وأنه يبطل لتبدأ الكنيسة. وكان
لابد لقيام الكنيسة أن يقوم المسيح، ولكي يقوم المسيح لابد وأن يموت أي يُهدم
هيكله الجسدي (يو18:2-21). ولقد عبر التلاميذ بسؤالهم عما يدور في أذهان كل البشر
عن إشتياقهم لمعرفة المستقبل. ولكن السيد لم يحدد أزمنة مكتفياً بتقديم العلامات
حتى لا يخدعهم المسحاء الكذبة. وما هي علامة مجيئك وإنقضاء الدهر= التلاميذ كانوا
مقتنعين أن يسوع هو المسيا، وكانوا متوقعين مجده المستقبل في نهاية العالم
ليُدْخِل العصر المسياني الأبدي.
تصف النبوات عادة
حادثاً قريباً وترمز بهذا الوصف إلى أحداث بعيدة وهكذا جاءت نبوات المسيح هنا لتصف
خراب أورشليم على يد تيطس وفي نفس الوقت تشير لأحداث بعيدة أي نهاية العالم. والرب
تنبأ عن كلاهما فإمتزجت النبوتان. خصوصاً أن سؤال التلاميذ كان خطأ فهم سألوا عن علامات
خراب الهيكل ونهاية العالم وكان إعتقادهم الخاطئ أن الحدثين هم حدث واحد ولذلك
جاءت نبوات المسيح هنا بطريقة مدهشة لكلا الحدثين فهي متفقة مع خراب أورشليم
القريب ومع أحداث نهاية العالم في المستقبل البعيد. لذلك علينا أن نفهم كيف نطبق
النبوة في كل حدث.
الآيات (4،5):
"فأجاب يسوع وقال لهم انظروا لا يضلكم أحد. فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين
أنا هو المسيح ويضلون كثيرين."
العلامة الأولى:-
وهي قيام المضلين والمسحاء الكذبة. فاليهود رفضوا المسيح الحقيقي، وكانوا في
إنتظار مسيح آخر، وهذا دفع البعض أن يدعوا أنهم هم المسيح ويخدعوا الناس بعجائب
كاذبة كما فعل سيمون الساحر، وهذا حدث فعلاً قبل خراب الهيكل وسيتكرر في نهاية
الأيام.
الآيات (6-8):
"وسوف تسمعون بحروب وأخبار حروب انظروا لا ترتاعوا لأنه لابد أن تكون هذه
كلها ولكن ليس المنتهى بعد. لأنه تقوم أمة على أمة ومملكة على مملكة وتكون مجاعات
وأوبئة وزلازل في أماكن. ولكن هذه كلها مبتدأ الأوجاع."
العلامة الثانية
والثالثة:- حروب/ مجاعات وأوبئة وزلازل. لا عجب أن يسبق مجيء المسيح كل هذه الآلام
فعدو الخير كلما يدرك أن الرب قد إقترب مجيئه تزداد حربه ضد المؤمنين لكي يقتنص
منهم بقدر ما يستطيع، ولهذا يطلب المسيح أن نسهر فنزداد قوة على إحتمال هذه الآلام.
فهدف الحروب والأوبئة.. الخ هو إثارة رعب المؤمنين فيرتبكون خائفين على حياتهم
الزمنية ولكن من يرتبك يخسر أفراحه خاصة الفرح بمجيء المسيح والمجد المنتظر. وهذا
ما حدث قبل خراب أورشليم أيضاً أن كانت هناك حروب كثيرة وأخبار حروب.
الآيات (9،10):
"حينئذ يسلمونكم إلى ضيق ويقتلونكم وتكونون مبغضين من جميع الأمم لأجل اسمي. وحينئذ
يعثر كثيرون ويسلمون بعضهم بعضاً ويبغضون بعضهم بعضاً."
العلامة الرابعة:-
الحرب التالية التي سيثيرها عدو الخير هي الإضطهاد لأولاد الله، فيرتد كثيرين من
الذين كانت علاقتهم بالله علاقة سطحية بلا عمق مثل النباتات التي بلا جذور هذه
تحترق من الشمس إذ لا تجد ماءً يرويها فهي بلا جذور عميقة، ومن لهم عمق في حياتهم
الروحية يعطيهم الروح القدس التعزية. والمرتدون من المؤمنين يسلمون إخوتهم
المؤمنين، ربما من خوفهم وربما غيرة وحسد. وربما لنقص المحبة في تلك الأيام. وربما
من كثرة الضيقات مع عدم وجود تعزية (للأشرار) ما عاد أحد يحتمل إخوته.
الآيات (11،14):
"ويقوم أنبياء كذبة كثيرون ويضلون كثيرين. ولكثرة الإثم تبرد محبة الكثيرين. ولكن
الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص. ويكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة
لجميع الأمم ثم يأتي المنتهى."
العلامة الخامسة
والسادسة:- لقد بدأ عدو الخير بخلق جو عام قابض من حروب وزلازل..الخ ليسحب المؤمن
من الحياة الداخلية العميقة ثم يصوب إليه حرباً شخصية من إضطهاد لأجل المسيح ثم
نجد هنا الهجوم على الإيمان والعقيدة لتنحرف بعيداً عن مسار الملكوت. مثل ظهور
أنبياء كذبة كما حدث فعلاً بعد صعود المسيح وحتى خراب أورشليم فقد ظهر مسحاء كذبة
كثيرين جمعوا حولهم أتباعاً كثيرين. وفي أيامنا الأخيرة ظهرت مئات البدع والفلسفات
الملحدة المضللة التي تشكك في الله، بل وفلسفات تتستر تحت رداء الدين. وثمار هذه
الفلسفات والبدع الإرتداد والفتور وتبرد محبة الكثيرين. ولقد تعاظم الشر قبل خراب
أورشليم وزادت جاذبية الشر ممّا أضعف إحتمال الكثيرين عن إحتمالهم للإستشهاد. إذاً
فالعلامة السادسة هي الإرتداد والفتور أمّا السابعة أن تصل الشهادة للجميع. وقبل
خراب أورشليم كان التلاميذ قد وصلوا فعلاً إلى غالبية العالم المعروف.
آية (15): "فمتى
نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي قائمة في المكان المقدس ليفهم القارئ."
في العبارات
السابقة حدثنا السيد عن نهاية الهيكل وخراب أورشليم بطريقة خفية، أما هنا فيتحدث
علانية. والمسيح هنا يدعوهم لقراءة سفر دانيال (27:9+ 11:12). ليتأكدوا من توقف
الذبيحة وبالتالي من خراب الهيكل. رجسة الخراب= هناك عدة آراء بخصوصها:-
1. تشير للجيوش
الرومانية الجبارة ومعها أصنامها التي أحاطت بأورشليم لتخربها وهذا ما أشار إليه
الرب نفسه (لو20:21) في المكان المقابل في إنجيل لوقا. ونلاحظ أن الجيش الروماني
حاصر أورشليم فترة ثم رأى تيطس أن أورشليم هذه لا تستحق تعطيل الجيوش الرومانية كل
هذه الفترة فقرر أن يقوم بمحاولة أخيرة وإذا فشلت ينسحب. وفي ذات ليلة تسلل بعض
الجنود الرومان من على أسوار أورشليم ودخلوا إلى الهيكل الملاصق للسور ووضعوا
النسر الروماني على الهيكل فتنبه اليهود وطردوهم فإنسحب تيطس. وإستيقظ المسيحيين
صباحاً ليجدوا النسر الروماني على الهيكل فتذكروا هذه الآية ونفذوا ما بعدها إذ
هربوا من أورشليم فوراً إلى الجبال المحيطة بأورشليم وإلى لبنان وإلى بلدة إسمها
بيلا. أما اليهود فأقاموا الإحتفالات بهروب الرومان. ولكن ما حدث أن تيطس بعد
مسيرة ساعات قليلة تقابل مع نجدة رومانية بأوامر من قيصر أن يدمر أورشليم فعاد
ثانية لحصارها وكان حصاراً بشعاً وصل أن أكلت الأمهات أطفالهن. ثم قتل تيطس 1.2مليون،
أمّا المسيحيين فنجوا. وهكذا حال النبوات لا يمكن فهمها إلاّ حين يكون لها فائدة،
ويأتي وقت تنفيذها.
2. تشير هذه الرجسة إلى
ما سيحدث أيام الدجال، والسيد أعطانا علامات كاملة عن هذا الدجال لنكتشفه. ويسميه
السيد رجسة لأنه يأتي ضد الله ويدعي أنه الله. وهو سيدمر الأرض بالحروب والقتل. وسيقبله
اليهود ويأخذونه إلى الموضع المقدس الذي يصلون فيه (2تس3:2-11). والله يطلب من
شعبه أن يهرب إلى الجبال أيضاً في هذه المرة. ولكن كما قلنا فالنبوة لن نفهم كيف
ننفذها إلاّ في حينه (رؤ6:12 يشير لموضع مُعَّدٌ في البرية حيث يعول الله الهاربين).
ليفهم القارئ= يا من تقرأ إفهم وإهرب. وهذا ما حدث سنة 70م وسيتكرر في نهاية
الأيام.
الآيات (16-20):
"فحينئذ ليهرب الذين في اليهودية إلى الجبال. والذي على السطح فلا ينزل ليأخذ
من بيته شيئاً. والذي في الحقل فلا يرجع إلى ورائه ليأخذ ثيابه. وويل للحبالى
والمرضعات في تلك الأيام. وصلوا لكي لا يكون هربكم في شتاء ولا في سبت."
عاد الجيش
الروماني لحصار أورشليم بعد ساعات يقدرها البعض بحوالي 6ساعات من إنسحابه، فلو حدث
أي تباطؤ من أي مسيحي في تنفيذ ما طلبه المسيح بالهروب لكان قد قاسى آلام الحصار
ثم هلك مع اليهود. والمسيح طلب من المؤمنين في أورشليم أن يتركوها إلى الجبال
فالرومان سيدمروها تماماً. والذي على السطح فلا ينزل ليأخذ من بيته شيئاً= فكانت
درجات سُلَّمْ البيوت تعمل من الخارج على جوانب البيت. ولا وقت لدخول البيت
ليأخذوا أمتعة تعوقهم. والذي في الحقل فلا يرجع إلى ورائه ليأخذ ثيابه= والثياب
المقصود بها الرداء الخارجي. وويلٌ للحبالى= فهن لن يستطعن أن يسرعوا في الهرب. وصلوا
لكي لا يكون هربكم في شتاء ولا في سبت ففي الشتاء يكون الجو بارداً والنهار قصير. وفعلاً
كان هروبهم في الربيع. واليهود حددوا أقصى مسافة للسير يوم السبت بألفي خطوة أي
نحو ميلين. والمعنى أن صلوا حتى لا تكون أمامكم عوائق تمنع هربكم. ممّا سبق نرى أن
السيد المسيح يرسم صورة واضحة لكل مؤمن تشير لضرورة هربه في أسرع وقت وبلا إبطاء. وهذا
الكلام له مفهوم روحي ينطبق على الأيام الأخيرة التي نبه السيد في آية (12) أن
فيها ستبرد محبة الكثيرين. فكيف لا تبرد محبة المؤمنين.
الذين في اليهودية= (المؤمنين في الكنيسة)،
الذي على السطح=(عالياً في الروح، كاملاً في قلبه)،
الذي في الحقل= (يخدم لحساب المسيح)،
الحبالى= (النفس المملوءة بالخطايا)،
الشتاء= (البرودة الروحية)،
يهربوا للجبال=(يطلبوا أن يعيشوا في السماويات)
لا ينزل=(لا يشغف بالممتلكات الزمنية)
لا يرجع=(مثل إمرأة لوط، ولا يرتبك بأمور الحياة)
والمرضعات=(من يكونوا سبب عثرة للآخرين)
السبت=(عاطل عن العمل الروحي)
الآيات (21،22):
"لأنه يكون حينئذ ضيق عظيم لم يكن مثله منذ ابتداء العالم إلى الآن ولن يكون.
ولو لم تقصر تلك الأيام لم يخلص جسد ولكن لأجل المختارين تقصر تلك الأيام."
هذا يتفق مع (دا 1:12+
يؤ2:2). وفي حصار أورشليم، كانت المجاعة قد وصلت أن أكلت الأمهات أبنائهن وإنتشرت
الأوبئة من الجثث المتعفنة. هذا غير الصراعات الداخلية ضد بعضهم. ولقد قُتِلَ نحو 2مليون
يهودي ما بين المجاعة وبين سيف تيطس وبيع حوالي مليون كعبيد. ولكن لأجل المختارين
تقصر تلك الأيام= لعل بعض اليهود بسبب هذه الضيقات آمنوا بالمسيح، ولأجلهم أنقص
الله مدة الحصار الذي كان حوالي 5أشهر. وقيل أن تيطس نسب نجاحه إلى معونة إلهية.
وفي الأيام
الأخيرة سيصنع الدجال سمة لأتباعه (رؤ16:13) ولا يقدر أحد أن يشتري أو يبيع إلاّ
من له هذه السمة. وستكون ضيقة عظمى، لذلك فستهرب الكنيسة التي رفضت السمة إلى
البرية. لم يخلص جسد= كما هلك كثيرين أيام تيطس بسيفه، هكذا في الأيام الأخيرة
سيثير الوحش إضطهاداً دموياً ضد الكنيسة. والله سيقصر الأيام= حتى لا ييأس أولاده.
الآيات (23-27):
"حينئذ إن قال لكم أحد هوذا المسيح هنا أو هناك فلا تصدقوا. لأنه سيقوم مسحاء
كذبة وأنبياء كذبة ويعطون آيات عظيمة وعجائب حتى يضلوا لو أمكن المختارين أيضاً. ها
أنا قد سبقت وأخبرتكم فان قالوا لكم ها هو في البرية فلا تخرجوا ها هو في المخادع
فلا تصدقوا. لأنه كما إن البرق يخرج من المشارق ويظهر إلى المغارب هكذا يكون أيضاً
مجيء ابن الإنسان."
إنتشر الأنبياء
الكذبة قبل خراب أورشليم سنة 70م. وسوف يوجدون بكثرة في أيام الدجال. والمسيح
يحذرنا حتى لا ننخدع بهم، فهم سيفعلون عجائب بواسطة عدو الخير، لذلك علينا أن لا
ننخدع بالعجائب ونجري وراءها، فالشيطان قادر على عمل عجائب (رؤ13:13-15). ها هو في
البرية= يدعو أتباعه للإجتماع به، ويلتف حوله كثيرون. يدَّعي صورة التقوى. والبرية
أي في العلن. ها هو في المخادع= يتسلل للقلب عن طريق نشر أفكاره الخبيثة سراً. إذاً
البرية والمخادع= أي لا تصدقوه إن أتى علناً أو سراً. ولكن نفهم أن البرية تشير
للحياة القفرة من الإيمان والخروج عن إيمان الكنيسة. أما المخادع فتعني العمل في
الظلمة بعيداً عن نور الحق.
والمسيح لن يأتي
في مجيئه الثاني هكذا سراً بل كالبرق= [1] هو نور [2] لا يحتاج إلى من يعلن عنه بل
يُنظر في لحظة في العالم كله [3] يأتي من السماء [4] يأتي فجأة [5] مجيئه الثاني
لن يكون معه آيات أو معجزات بل سيأتي في الأعالي من السماء يشرق على كل المسكونة
ليحملنا من أرجاء العالم ويرفعنا للسماء، وليدين كل العالم.
آية (28): "لأنه حيثما تكن الجثة فهناك تجتمع النسور."
لأنه حيثما تكن
الجثة فهناك تجتمع النسور= هي نبوة عن خراب أورشليم السريع حيث أسرع الجنود
الرومان (وكان رمز الدولة الرومانية هو النسر) نحو فريستهم من اليهود، فاليهود
صاروا في نظر الله جثة وعليهم أن لا ينتظروا مخلصاً لهم فقد عينهم الله للهلاك،
فصاروا كجثة في نظر الله وهذه الجثة سيلتهمها نسور الرومان سريعاً، وهذا ما سيحدث
في الأيام الأخيرة حيث يكون الأشرار كجثة تشبع من لحومها الجوارح (رؤ17:19-21). وهذا
ما قيل أيضاً عن جيوش الأشرار التي تحارب شعب الله في الأيام الأخيرة (حز17:39-20).
فالوحش وكل تابعيه ما هم إلا جثة في نظر الله بسبب شرورهم وبسبب قبولهم لعمل
الشيطان فيهم. والنسور هنا هم الملائكة الذين سيأتون مع المسيح (مت31:25). ولاحظ
قوله لأنه وسبق قوله أن المسيح سيأتي كالبرق. إذاً المعنى أن المسيح سيأتي لأنه
أعطى كل واحد فرصته، فمن بحريته إختار أن يكون جثة تعمل بها الشياطين، يدينه
المسيح وتهجم عليه النسور. كأن الله يقول كفى هجوماً على كنيستي.
آية (29): "وللوقت
بعد ضيق تلك الأيام تظلم الشمس والقمر لا يعطي ضوءه والنجوم تسقط من السماء وقوات
السماوات تتزعزع."
هذه الأمور
ستتحقق بلاشك حرفياً قبل مجيء السيد المسيح الأخير، وإننا نسمع اليوم عن بعض
الإنفجارات الشمسية وإظلام أجزاء منها (بقع شمسية) وهذا سيتزايد في فترة الدجال. ونحن
نعلم أن الأرض وسماء الكواكب التي حولنا ستزول لتأتي الأرض الجديدة والسماء
الجديدة التي سيكون رب المجد شمسها (رؤ1:21+ 5:22). وروحياً فالشمس تشير للمسيح،
والقمر للكنيسة والنجوم هم جبابرة الكنيسة وقادتها. وفي أيام الدجال حين تبرد محبة
الكثيرين فإن نور الإيمان ينطفئ وكثير من القادة والجبابرة يسقطون ويعملون لحساب
الدجال، وإذ يرتد كثيرون عن الإيمان فإن نور القمر ينطفئ. وكل خاطئ الآن يقبل
أفكار العالم ينطفئ نور الإيمان في قلبه. وفي هذا التفسير الروحي يكون معنى تظلم
الشمس= المسيح لم يعد معروفاً فالهرطقات والخطايا شوهت المعرفة.
الآيات (30،31):
"وحينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء وحينئذ تنوح جميع قبائل الأرض
ويبصرون ابن الإنسان آتياً على سحاب السماء بقوة ومجد كثير. فيرسل ملائكته ببوق
عظيم الصوت فيجمعون مختاريه من الأربع الرياح من أقصاء السماوات إلى أقصائها."
هذه عن الأيام
الأخيرة فبعد ما سبق يأتي المسيح للدينونة وسط موكب ملائكي. والملائكة تجمع
القديسين لمكانهم في السماء. وستظهر في السماء علامته قبل مجيئه وهي علامة الصليب.
فيفرح المؤمنون الذين كانوا يشتهون هذه اللحظة "كما قال يوحنا آمين تعال أيها
الرب يسوع" أما غير المؤمنين فينوحون= حينئذ تنوح جميع قبائل الأرض= وأسماهم
قبائل الأرض إذ هم عاشوا يبحثون عن لذات الأرض وهذا في مقابل المؤمنين الذين عاشوا
حياتهم على الأرض وكأنهم في السماء (أف6:2) فهم الآن سيكملون أفراحهم السماوية. والسحاب
يشير إمّا للقديسين الذين يأتون مع المسيح (عب1:12+ أش1:19) وهذه الأخيرة عن
العذراء مريم. وإمّا يشير لإحتجاب مجده عن الأشرار (أع9:1،11).
الآيات (32-34):
"فمن شجرة التين تعلموا المثل متى صار غصنها رخصا وأخرجت أوراقها تعلمون أن
الصيف قريب. هكذا انتم أيضاً متى رأيتم هذا كله فاعلموا انه قريب على الأبواب. الحق
أقول لكم لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله."
هذه الأقوال
يقولها المسيح يوم الثلاثاء صباحاً.وقد توجه إلى الهيكل صباحاً مع تلاميذه وفي
الطريق رأوا التينة اليابسة والتي كانت علامة على نهاية الدولة اليهودية، وحينما
رآها التلاميذ تعجبوا. والآن ومازالت هذه القصة في أذهانهم تثير تساؤلاتهم نجد
المسيح يشير مرة أخرى إلى شجرة التين أنها لابد وستعود للإخضرار قبل نهاية العالم،
إشارة لأن اليهود سيعودون ويكونون ثانية مملكتهم إستعداداً لقبولهم المسيح الدجال
وسيكون قبولهم للمسيح الدجال خراباً لهم ولدولتهم ولأورشليم ثانية (إذاً هذه
العلامات لخراب أورشليم تنطبق على خرابها لأول مرة سنة 70م على يد تيطس وخرابها
نهائياً في أيام نهاية العالم). ولكن تجمع اليهود سيكون له هدف آخر، أن هناك بقية
مؤمنة ستدرك مع الأحداث أن المسيح الذي رفضوه وصلبوه هو المسيا المنتظر فيؤمنوا
به، وأن هذا المسيح الدجال هو الشر نفسه مجسداً فيرفضوه ويكون إيمان اليهود هو
علامة النهاية (رو25:11،26). إلاّ أننا أيضاً يمكن أن نفسر قول المسيح هنا، أنه
كما تعرفون أن الصيف قريب إذا لاحظتم أن أوراق شجرة التين تصبح خضراء، فأنتم
سيمكنكم أن تميزوا النهاية من العلامات التي أعطيتها لكم. الصيف= الضيقة العظيمة (آية21).
لا يمضي هذا
الجيل= الجيل يقدر بحوالي 40-50سنة. وهذه الآية خاصة بخراب أورشليم. ولقد خربت
أورشليم فعلاً بعد المسيح بحوالي 37سنة، وربما يشير هذا إلى إنقضاء سنوات قليلة
بعد تكوين أورشليم والدولة اليهودية في نهاية الأزمان ليأتي المسيح الدجال إليها
كعلامة للنهاية، والجيل الذي رأى تكوين إسرائيل أو عودة إسرائيل للوجود سيرى
نهايتها، كما أن الجيل الذي رأي المسيح رأي خراب أورشليم على يد تيطس.
الآيات (35،36):
"السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول. وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا
يعلم بهما أحد ولا ملائكة السماوات إلا أبي وحده."
المعنى أنه لا
يصح أن نجهد أنفسنا في تحديد السنة أو الشهر الذي يأتي فيه المسيح، فالمسيح لا
يريد أن يعلنه. فلنتضع ولا نحاول أن نعلم ما أغلق المسيح معرفته على الإنسان. وما
طلبه المسيح منّا بدلاً من تحديد الأزمنة هو أن نسهر وتكون مستعدين (42،44) وأن لا
ننخدع بأي ضلالة خارج الكنيسة.
الآيات (37-39):
"وكما كانت أيام نوح كذلك يكون أيضاً مجيء ابن الإنسان. لأنه كما كانوا في
الأيام التي قبل الطوفان يأكلون ويشربون ويتزوجون ويزوجون إلى اليوم الذي دخل فيه
نوح الفلك. ولم يعلموا حتى جاء الطوفان واخذ الجميع كذلك يكون أيضا مجيء ابن
الإنسان."
الطوفان أتى فهلك
الأشرار ونجا نوح وهكذا ستأتي أحداث النهاية فيهلك الأشرار وينجو كل من يوجد في
الكنيسة (الفلك) ثابتاً مؤمناً. ونلاحظ أن الأكل والشرب والزواج ليسوا في حد ذاتهم
شراً. ولكن المقصود أن من يستغرقه العالم بشهواته وينسى الله يهلك (في19:3+ رو18:16+
تي12:1+ رو17:14).
الآيات (40،41):
"حينئذ يكون اثنان في الحقل يؤخذ الواحد ويترك الآخر. اثنتان تطحنان على
الرحى تؤخذ الواحدة وتترك الأخرى."
والمقصود أن واحد
يؤخذ للمجد، وواحد للدينونة. قد يكون إثنان أصدقاء. ولكن أحدهما يحيا في قداسة، في
السماويات، والآخر يحيا في الشر تستغرفه هموم الأرض وغناها، فهو من قبائل الأرض (آية30)
وحينما تأتي هذه الساعة يفترق كلٌ منهما للأبد. فهما أمام العالم سيان من ناحية
المظهر ولكنهم في طبيعتهم الروحية مختلفان. إذاً لنسهر ونهتم بحياتنا الروحية فهي
التي تحدد مصيرنا.
الآيات (42-51):
"اسهروا إذا لأنكم لا تعلمون في أية ساعة يأتي ربكم. واعلموا هذا انه لو عرف
رب البيت في أية هزيع يأتي السارق لسهر ولم يدع بيته ينقب. لذلك كونوا انتم أيضا
مستعدين لأنه في ساعة لا تظنون يأتي ابن الإنسان. فمن هو العبد الأمين الحكيم الذي
أقامه سيده على خدمه ليعطيهم الطعام في حينه. طوبى لذلك العبد الذي إذا جاء سيده
يجده يفعل هكذا. الحق أقول لكم انه يقيمه على جميع أمواله. ولكن إن قال ذلك العبد
الرديء في قلبه سيدي يبطئ قدومه. فيبتدئ يضرب العبيد رفقاءه ويأكل ويشرب مع
السكارى. يأتي سيد ذلك العبد في يوم لا ينتظره وفي ساعة لا يعرفها. فيقطعه ويجعل
نصيبه مع المرائين هناك يكون البكاء وصرير الأسنان."
الرب يدعونا أن
نستعد لمجيئه كعبد ينتظر سيده. ويدعو رسله وخدامه إن يكونوا أمناء على ما تسلموه
من وزنات. ولنلاحظ أن كل مالنا هو أمانة إستودعها الله لنا وما نحن سوى وكلاء
ولابد أن نكون أمناء. وأمّا من يحسب ما عِنَدهُ ملكاً له وإنغمس في ملذاته بدعوى
أن من حقه أن يستمتع بما عنده فمثل هذا يُحَسبْ غير أميناً فيما ائتمنه الله عليه.
العبد الحكيم= هو من يستعد لأبديته. لا يدع بيته ينقب= كانت حيطان البيوت تبنى من
الطين المجفف أي الطوب اللبن، أي تبنى وتترك حتى تجف، ولذلك كان من عادة اللصوص أن
ينقبوا الحيطان ويدخلون. المطلوب منّا قبل أن نهتم بزيادة مواردنا المالية
والإهتمام بصحتنا ومستقبلنا على هذه الأرض أن نهتم بمستقبلنا السماوي وننمو روحياً
وتزداد ثمارنا الروحية وهذا لا يلغي ذاك ولكن الأولوية لحياتنا الأبدية. (انظر
المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير
الأخرى). فيوم مغادرة العالم يأتي فجأة= السارق. السهر= الإنتباه لخلاص النفس
بالتوبة. والجهاد بطول العشرة مع الله لتنمو محبتنا لله. هزيع= اليهود يقسمون
الليل إلى أربع أقسام، كل قسم= 3 ساعات يسمونه هزيع. ويبدأ الهزيع الأول الساعة 6مساءً.خدمه=
كل من أنا مسئول عنهم. بل كل إنسان قد يتعثر بسبب تصرفاتي. يقيمه على جميع أمواله=
التمتع بأمجاد السماء. يأكل ويشرب مع السكارى= ينهمك في ملذاته وشهواته. فيقطعه= أي
يهلكه أبدياً.
(مر13)
آية (3): "وفيما
هو جالس على جبل الزيتون تجاه الهيكل سأله بطرس ويعقوب ويوحنا وإندراوس على انفراد."
على إنفراد= العلامات
والأسرار لا تكشف للجميع بل لخاصته الأحباء على إنفراد. وهو يريد أن يطمئن
تلاميذه، أنها أيام صعبة لكنهم في يده محفوظين، يكشف لهم أنه عالم بكل شئ، وهذا
يعطينا إطمئنان فلا شئ خارج عن معرفته ولا عن سلطانه، وهو وحده القادر أن يحفظنا
فنحن في يده يحملنا خلال هذه الآلام. وبالنسبة لموضوع الهيكل فهو كان كل شئ في
قلوب اليهود وأي مساس به يعتبرونه علامة غضب الله عليهم، لذلك حينما طلب منهم تيطس
أن يسلموا المدينة ظنوا أن الله يخلصهم كما كان يفعل في القديم، فرفضوا تسليمه
لتيطس إلى أن سقطت المدينة وكان تيطس يقدر الجمال وأراد الإحتفاظ بالهيكل كقطعة
فنية ولكن جنوده الذين أرهقهم الحصار أشعلوا فيه النار إنتقاماً من اليهود ولكن
كان هذا تنفيذاً لنبوة السيد المسيح مخالفين أوامر تيطس. وهذا الهيكل ليس هو هيكل
سليمان، فهيكل سليمان حطمه نبوخذ نصًّر سنة 586ق.م. وأعاد بناءه زربابل ويشوع بعد
العودة من السبي سنة 536ق.م. وكان أضخم من هيكل سليمان ولكن هيكل سليمان كان أفخم.
وقد بدأ هيرودس ترميم الهيكل سنة 20ق.م. وإستمر هذا الترميم 46سنة (يو20:2) بل
يقول التاريخ أن أعمال الترميم إستمرت حتى سنة63م. وموقع الهيكل الآن الحرم الشريف
أو قبة الصخرة في القدس الشرقية كما يقول اليهود.
وكان سؤال
التلاميذ أو لفت نظر السيد للهيكل وعظمته، هي محاولة منهم لكي يتأكدوا أن السيد
حين طهَّر الهيكل كان قصده أن يكون مركز ملكه الأرضي من خلاله يملك على كل العالم،
ولكن إجابة المسيح جاءت لتخيب أمالهم الأرضية ولكي تفتح أمام أذهانهم أن الهيكل
الأرضي لابد أن يخرب حتى يقوم الهيكل السمائي. بل أن العالم كله سينتهي ليبدأ
الإنسان يحيا الحياة الأبدية. كان هدف المسيح رفع أنظارهم من النظرة المادية
للأفكار الروحية وأننا غرباء على هذه الأرض. المسيح أراد أن يسحب قلوبهم للهيكل
السماوي [1] المسيح يؤسس هيكله الآن الذي هو الكنيسة [2] كل منا هو هيكل للروح
القدس ونحن حجارة حية في هذا الهيكل (1كو16:3 + 1بط5:2) [3] ما نحصل عليه هنا هو
عربون حياتنا السماوية في الأبدية. [4] حتى يقيم المسيح فينا هيكله السماوي ينبغي
أن يهدم هيكل جسدنا العتيق. [5] حتى تقوم الكنيسة كان ينبغي أن ينتهي دور العبادة
اليهودية بهدم هيكلها فطالما أتى المرموز إليه بطل الرمز. [6] هذا ما يحدث في
المعمودية حيث يحطم الروح القدس إنساننا القديم لكي لا يكون له أثر في حياتنا، فإن
سلكنا بروح الله يقوم في داخلنا إنسان جديد روحي على شكل جسد المسيح، وإن عادت
قلوبنا تطلب الشر الذي في العالم نكون كإمرأة لوط ونفقد بهاء ملكوت الرب فينا. لذلك
علينا أن نحيا كأموات أمام الخطية (رو11:6+ كو5:3).
وفيما هو جالس
على جبل الزيتون= الزيتون يشير للزيت وهذا يشير للروح القدس الذي سيؤسس الهيكل الجديد.
يتبع