فلسا الأرملة الفقيرة مر41:12-44 + لو1:21-4
(مر41:12-44): "وجلس يسوع تجاه الخزانة ونظر كيف يلقي الجمع نحاساً في
الخزانة كان أغنياء كثيرون يلقون كثيراً. فجاءت أرملة فقيرة وألقت فلسين قيمتهما
ربع. فدعا تلاميذه وقال لهم الحق أقول لكم أن هذه الأرملة الفقيرة قد ألقت اكثر من
جميع الذين القوا في الخزانة. لأن الجميع من فضلتهم القوا وأما هذه فمن أعوازها
ألقت كل ما عندها كل معيشتها."
(لو1:21-4): "وتطلع فرأى الأغنياء يلقون قرابينهم في الخزانة. ورأى
أيضاً أرملة مسكينة ألقت هناك فلسين. فقال بالحق أقول لكم إن هذه الأرملة الفقيرة
ألقت اكثر من الجميع. لأن هؤلاء من فضلتهم القوا في قرابين الله وأما هذه فمن
أعوازها ألقت كل المعيشة التي لها."
· هذه القصة تأتي بعد
الويلات للفريسيين والكتبة فهم لهم الويل إذ أن قلبهم مملوء رياء بالرغم من كل
معرفتهم بالكتاب والعلوم الدينية، أمّا هذه المرأة فهي غالباً لا تعرف شئ لكن
قلبها مملوء حباً. هم أغنياء جشعين يأكلون أموال الأرامل وهي تعطي من أعوازها. هم
يطالبون الآخرين بالعطاء ليغتنوا هم. وهي تعطي وهي الفقيرة. هنا مقارنة بين المرأة
ومعلمى الشعب.
· وهذه القصة تأتي
كمقدمة للعلامات التي سيعطيها المسيح فوراً لتلاميذه عن الأيام الأخيرة وإنقضاء
الدهر، حتى لا ننشغل بحساب الأيام، ومتى ستأتي هذه الساعة بل تنشغل قلوبنا فنقول
مع يوحنا "تعال أيها الرب يسوع". فنترقب مجيئه بشوق وليس بخوف.
· المسيح لا ينظر كم
نعطي فهو غني لا يحتاج لأموالنا، ولكنه ينظر إلى كيف نعطي= نظر كيف يلقي= فالله
يريد مشاعر الحب والعطف والبذل فهناك من يعطي بتذمر أو إكراه أو بتفاخر. ولاحظ أن
ما قدمته المرأة يساوي مليماً فالله يهتم بكيف لا كم أعطينا. وهذا ما وجده في هذه المرأة.
الله فاحص القلوب والكلي ينظر لحال القلب والدوافع والطريقة التي نتصرف بها. وبهذا
فإن العطاء هو عطاء القلب الداخلي. فالمرأة كان مالها قليل وحبها عظيم.
· كانت فوهة
الخزانة على شكل بوق حتى ترن العملات لدى دخولها ويعلو الصوت كلما ثقلت العملة.
رفض اليهود للمسيح يو37:12-50
الآيات (37-41):
"ومع انه كان قد صنع أمامهم آيات هذا عددها لم يؤمنوا به. ليتم قول أشعياء
النبي الذي قاله يا رب من صدق خبرنا ولمن إستعلنت ذراع الرب. لهذا لم يقدروا أن
يؤمنوا لأن أشعياء قال أيضاً. قد أعمى عيونهم واغلظ قلوبهم لئلا يبصروا بعيونهم
ويشعروا بقلوبهم ويرجعوا فاشفيهم. قال أشعياء هذا حين رأى مجده وتكلم عنه."
نرى هنا عدم
إيمان اليهود بالرغم من كل ما عمله المسيح أمامهم. بل كل ما عمله كان تصديقاً
للنبوات، ولو إهتم هؤلاء العلماء الدارسين أن يفهموا، لو إهتموا بالبحث عن الحقيقة
لرأوها مجسده أمامهم. من صدق خبرنا= من صدق كلام المسيح (الإنجيل). وللآن فهناك من
لا يصدق حتى من المسيحيين، فمن يصدق لابد أن يتوب وتتغير حياته. ولكنهم لأنهم لم
يبحثوا عن الحق فقد عميت عيونهم. وحتى هذا تنبأ عنه إشعياء. فهم الذين أعموا
عيونهم لأنهم لا يريدون. هم بحثوا عن أنفسهم لا عن الله لذلك لم يجدوا الله بينما
كان هو أمامهم. وكون إشعياء يعلن هذا، فهذا يشير إلى أن كل شئ يتم بحسب تدبير
الله، ليس بقوتهم ولا مؤامراتهم صلبوا المسيح، بل بسماح من الله. (يو11:19). إشعياء
قال هذا حين رأي مجده= ويوحنا يقصد بهذا ما قصده إشعياء.. أبعد ما رأى اليهود كل
هذا المجد للمسيح لم يؤمنوا. لمن إستعلنت ذراع الرب= ذراع الرب إشارة للمسيح
المتجسد (إش9:51+ 1:53+ أش9:52،10). فالمسيح ظهر في الجسد، وأظهر بأعماله وأقواله
محبة الله، ولكن أشعياء يتعجب، لمن حدث هذا؟ لليهود الذين رفضوه وصلبوه، لقد تحققت
نبوة إشعياء. ولكن عدم إيمانهم لم يوقف تدبير الخلاص بل صار عثرة لهم وحدهم، وإستعلنت
ذراع الرب للأمم. لم يقدروا أن يؤمنوا= ليس لأن الإيمان صعب. لكنهم لم يريدوا. حين
رأي مجده= في أش (6) رأى أشعياء مجد الله، وهنا يوحنا ينسب هذا المجد للمسيح. وبهذا
نفهم أن المسيح هو رب المجد. أعمى عيونهم= أي سمح بأن يغمضوا عيونهم عن الحق وذلك
لشرهم. الله يحاول مع الإنسان لكي يؤمن فإذا عاند الإنسان فالله يترك الإنسان ويكف
عن محاولاته معه فيقال أن الله قسى قلب الإنسان أو أن الله أعمى عينيه وهذا ما حدث
مع فرعون. إذاً الله تركهم لقساوة قلوبهم ولم تساندهم نعمته ومع قساوة قلوبهم
فالله لم يتوقف عن خلاص البشرية.
الآيات (42،43):
"ولكن مع ذلك آمن به كثيرون من الرؤساء أيضاً غير انهم لسبب الفريسيين لم
يعترفوا به لئلا يصيروا خارج المجمع. لأنهم احبوا مجد الناس اكثر من مجد الله."
الإيمان بلا
إعتراف يساوي عدمه، فسبب عدم الإعتراف هو الخوف على ضياع مراكزهم كأعضاء في مجمع
السنهدريم وهذه لها كرامة عظيمة عند اليهود، وكيف يكون الله في مرتبة أقل من
مراكزهم. والكتاب ذكر إثنين من الذين آمنوا من الشيوخ وهم نيقوديموس ويوسف الرامي
وهؤلاء كانوا يأتون للسيد ليلاً حتى لا يراهم أحد، لكنهما أظهرا شجاعة ما بعدها
شجاعة عند موته وجاهرا بإيمانهما غير مبالين بأي خطر (مت57:27+ لو50:23،51+ يو1:3،2+ يو22:9).
هذه الآيات يذكرها يوحنا هنا لنرى فيها:
مقام المؤمن 44-46
مقام غير المؤمن 47-48
مقام كلام المسيح 48-50
وهذه مبادئ ذكرها المسيح ونادى بها من قبل ويسجلها يوحنا هنا كتعليق على عدم إيمان اليهود بالمسيح
بعد أن أنهى المسيح تعليمه للجموع ولليهود. فإبتداء من إصحاح (13) ينفرد المسيح
بتلاميذه في أحاديث خاصة وتعليم لهم وحدهم وصلاته الشفاعية يوم الخميس. ولكن لم
يَعُدُ المسيح بعد هذه الكلمات يتكلم مع الفريسيين أو الشعب. لذلك يضع يوحنا هذه
الآيات كختام بمعنى أن المسيح صنع لهم كل شئ وأراهم كل شئ. وكل إنسان حر أن يقبل
أو يرفض. وهذه تشبه ما قيل في (رؤ11:22) من يظلم فليظلم بعد ومن هو نجس فليتنجس بعد ومن هو بار فليتبرر بعد.
الآيات (44،45):
"فنادى يسوع وقال الذي يؤمن بي ليس يؤمن بي بل بالذي أرسلني. والذي يراني يرى الذي أرسلني."
نادى= أي بصوت عالٍ إظهاراً لغيرته الشديدة على خلاصهم. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع
الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). الذي يؤمن بي= هذا تعليق على
من آمن وأعلن إيمانه جهاراً، وعلى من آمن من الرؤساء والشيوخ وأخفى إيمانه، وعلى
من رفضوا الإيمان تماماً (آيات 40،42). والذي يراني= يراني بحسب الحقيقة ويعرف
مجدي السماوي. العين المفتوحة هنا هي درجة أعلى من الإيمان، وتحتاج لإعلان بالروح
القدس. ونرى هنا أن المسيح لا يفصل بين الإيمان بالآب والإيمان به فهما جوهر إلهي
واحد. وتأكيد المسيح الدائم أنه مرسل من الآب هو تأكيد على هذه الوحدة مع أبيه
السماوي لذلك فمن يراه يرى الآب. من يرى يسوع (ليس بشكله البشري) بل رؤية إيمانية
سيرى كل ما يمكن إدراكه عن الآب.
تعليق: 1) الروح ينير قلب الإنسان فيرى ما لا يُرى. يرى بعيني قلبه، بحواسه الداخلية. كما نطق بطرس
"أنت هو المسيح إبن الله الحي".
2) نحن نصل للآب عن طريق الإبن، والآب يصل لنا عن طريق الإبن.
آية (46): "أنا
قد جئت نوراً إلى العالم حتى كل من يؤمن بي لا يمكث في الظلمة."
نوراً= قبل المسيح كان العالم في ظلمة لا يدرك الله ولا يراه ولا يعرفه. ومجيء المسيح بدد
الظلمة بنوره. لكن لا ينتفع بهذا النور سوى من يؤمن بالمسيح.هو الحق المدرك الكامل.
والمسيح جاء ليستعلن ذات الله المخفية في شخصه. والخطية أظلمت عيوننا فما عدنا نرى
الله. والإيمان بالمسيح يعيدنا إلى الحالة الأولى، لنا عيون تبصر الله وتراه كما
كان آدم في الجنة، وهذا عكس ما قيل في آية (40) قد أعمى عيونهم بسبب عدم إيمانهم (آية39).
هذه الآية توضيح لما سبق، فمن يقبل المسيح، ينير له المسيح قلبه فيعرف الآب. وبدون
المسيح فالإنسان يعيش في ظلام فلا يعرف الله ولا الطريق ولا الحق ولا المستقبل.
آية (47): "وإن
سمع أحد كلامي ولم يؤمن فأنا لا أدينه لأني لم آت لأدين العالم بل لأخلص العالم."
المسيح في مجيئه
الأول أتى ليخلص لا ليدين، أتي ليدعو الجميع للإيمان، ومن يرفض لن يُدان الآن (يو17:3).
وهذا ما نراه فكثيرين من الملحدين يهاجمون الله والمسيح، ولا يعاقبهم الله. والدعوة
معروضة أمامهم حتى آخر يوم في حياتهم. هذا الزمان هو زمان الرحمة وليس الدينونة. سمع=
سمع وينفذ.
الآيات (48-50):
"من رذلني ولم يقبل كلامي فله من يدينه الكلام الذي تكلمت به هو يدينه في
اليوم الأخير. لأني لم أتكلم من نفسي لكن الآب الذي أرسلني هو أعطاني وصية ماذا
أقول وبماذا أتكلم. وأنا اعلم أن وصيته هي حياة أبدية فما أتكلم أنا به فكما قال
لي الآب هكذا أتكلم."
الكلام الذي
تكلمت به هو يدينه= كلام الله هو سيف ذو حدين (عب12:4) الحد الأول يطهر وينقي
ويقطع الخطية من داخلنا لنولد من جديد (1بط23:1) ومن يرفض فالحد الثاني يدين به
المسيح هذا الشخص، وبه يحاربه (رؤ13:2). من يرفض كلام المسيح وكلام المسيح حياة. إذاً
هو يرفض الحياة. إذاً هو وقع تحت الدينونة. هو وضع نفسه بنفسه تحت الدينونة. فكلام
المسيح نور وسيميز البار من الشرير (يو19:3،20) إذاً المسيح بسلطان كلمته يحيي
ويقدس ويطهر وأيضاً يميت. فالكلمة التي لها قوة الخلاص لها أيضاً قوة الدينونة
وهذا يتطابق مع (تث18:18،19)، فمن لا يسمع كلام المسيح ويؤمن به يدينه الآب. فكلمات
المسيح ستقف شاهداً ضد من يستهين بها. المسيح الآن لا يدين أحداً، فهو ما جاء
ليدين. لكن من يرفضه وضع نفسه خارج دائرة الرحمة. وسيدان في الأبدية إذ تقف كلمات
المسيح شاهدة عليه أنه رفض الرحمة= من رذلني= أي رفض أن يؤمن بي. لم يقبل كلامي= لم
يقبل تعليمي، فكلام المسيح وتعليمه هو الحق وهو نفسه كلام الآب. وهذا الكلام لا
يزول، ومن يقبله يحيا ومن لا يقبله يدان. فالدينونة ليست أن نقف في محاكمة أمام
الله، بل أن كلام المسيح حق سيواجه ضمير الإنسان ويحكم عليه. كل واحد سيدان من الحق
الذي سمعه في يوم من الأيام "ضمائرهم مشتكية" (رو15:2). وصيته حياة
أبدية= هي في ذاتها حياة. أي حين تقبل وصية المسيح تأخذ حياة في داخلك.
ونفهم من كلام المسيح
هنا أن كلامه هو نفسه كلام الآب فهما واحد. لذلك فكل من لا يؤمن بالمسيح وبكلامه
سيبرهن أنه غير مستحق للغفران والخلاص الذي أتى لأجلهما المسيح. وبالتالي لا يستحق
الحياة الأبدية. فهدف وصايا المسيح وتجسد المسيح أن يعطينا حياة أبدية. وخلاصة كلام
المسيح هنا أنه هو الله الظاهر في الجسد ومن يؤمن به ينال حياة ابدية، ووصايا الآب
التي هي وصاياه من يطيعها تكون له الحياة الأبدية.
فما أتكلم أنا به
فكما قال لي الآب هكذا أتكلم= هذا نفس ما قاله موسى (تث18:18،19). وقال لي الآب
هذه تعني أنه، لأن الآب والإبن واحد فالمعرفة متطابقة والإرادة واحدة، ولكن ما
يريده الآب يعلنه الإبن وينفذه.
(مر41:12-44): "وجلس يسوع تجاه الخزانة ونظر كيف يلقي الجمع نحاساً في
الخزانة كان أغنياء كثيرون يلقون كثيراً. فجاءت أرملة فقيرة وألقت فلسين قيمتهما
ربع. فدعا تلاميذه وقال لهم الحق أقول لكم أن هذه الأرملة الفقيرة قد ألقت اكثر من
جميع الذين القوا في الخزانة. لأن الجميع من فضلتهم القوا وأما هذه فمن أعوازها
ألقت كل ما عندها كل معيشتها."
(لو1:21-4): "وتطلع فرأى الأغنياء يلقون قرابينهم في الخزانة. ورأى
أيضاً أرملة مسكينة ألقت هناك فلسين. فقال بالحق أقول لكم إن هذه الأرملة الفقيرة
ألقت اكثر من الجميع. لأن هؤلاء من فضلتهم القوا في قرابين الله وأما هذه فمن
أعوازها ألقت كل المعيشة التي لها."
· هذه القصة تأتي بعد
الويلات للفريسيين والكتبة فهم لهم الويل إذ أن قلبهم مملوء رياء بالرغم من كل
معرفتهم بالكتاب والعلوم الدينية، أمّا هذه المرأة فهي غالباً لا تعرف شئ لكن
قلبها مملوء حباً. هم أغنياء جشعين يأكلون أموال الأرامل وهي تعطي من أعوازها. هم
يطالبون الآخرين بالعطاء ليغتنوا هم. وهي تعطي وهي الفقيرة. هنا مقارنة بين المرأة
ومعلمى الشعب.
· وهذه القصة تأتي
كمقدمة للعلامات التي سيعطيها المسيح فوراً لتلاميذه عن الأيام الأخيرة وإنقضاء
الدهر، حتى لا ننشغل بحساب الأيام، ومتى ستأتي هذه الساعة بل تنشغل قلوبنا فنقول
مع يوحنا "تعال أيها الرب يسوع". فنترقب مجيئه بشوق وليس بخوف.
· المسيح لا ينظر كم
نعطي فهو غني لا يحتاج لأموالنا، ولكنه ينظر إلى كيف نعطي= نظر كيف يلقي= فالله
يريد مشاعر الحب والعطف والبذل فهناك من يعطي بتذمر أو إكراه أو بتفاخر. ولاحظ أن
ما قدمته المرأة يساوي مليماً فالله يهتم بكيف لا كم أعطينا. وهذا ما وجده في هذه المرأة.
الله فاحص القلوب والكلي ينظر لحال القلب والدوافع والطريقة التي نتصرف بها. وبهذا
فإن العطاء هو عطاء القلب الداخلي. فالمرأة كان مالها قليل وحبها عظيم.
· كانت فوهة
الخزانة على شكل بوق حتى ترن العملات لدى دخولها ويعلو الصوت كلما ثقلت العملة.
رفض اليهود للمسيح يو37:12-50
الآيات (37-41):
"ومع انه كان قد صنع أمامهم آيات هذا عددها لم يؤمنوا به. ليتم قول أشعياء
النبي الذي قاله يا رب من صدق خبرنا ولمن إستعلنت ذراع الرب. لهذا لم يقدروا أن
يؤمنوا لأن أشعياء قال أيضاً. قد أعمى عيونهم واغلظ قلوبهم لئلا يبصروا بعيونهم
ويشعروا بقلوبهم ويرجعوا فاشفيهم. قال أشعياء هذا حين رأى مجده وتكلم عنه."
نرى هنا عدم
إيمان اليهود بالرغم من كل ما عمله المسيح أمامهم. بل كل ما عمله كان تصديقاً
للنبوات، ولو إهتم هؤلاء العلماء الدارسين أن يفهموا، لو إهتموا بالبحث عن الحقيقة
لرأوها مجسده أمامهم. من صدق خبرنا= من صدق كلام المسيح (الإنجيل). وللآن فهناك من
لا يصدق حتى من المسيحيين، فمن يصدق لابد أن يتوب وتتغير حياته. ولكنهم لأنهم لم
يبحثوا عن الحق فقد عميت عيونهم. وحتى هذا تنبأ عنه إشعياء. فهم الذين أعموا
عيونهم لأنهم لا يريدون. هم بحثوا عن أنفسهم لا عن الله لذلك لم يجدوا الله بينما
كان هو أمامهم. وكون إشعياء يعلن هذا، فهذا يشير إلى أن كل شئ يتم بحسب تدبير
الله، ليس بقوتهم ولا مؤامراتهم صلبوا المسيح، بل بسماح من الله. (يو11:19). إشعياء
قال هذا حين رأي مجده= ويوحنا يقصد بهذا ما قصده إشعياء.. أبعد ما رأى اليهود كل
هذا المجد للمسيح لم يؤمنوا. لمن إستعلنت ذراع الرب= ذراع الرب إشارة للمسيح
المتجسد (إش9:51+ 1:53+ أش9:52،10). فالمسيح ظهر في الجسد، وأظهر بأعماله وأقواله
محبة الله، ولكن أشعياء يتعجب، لمن حدث هذا؟ لليهود الذين رفضوه وصلبوه، لقد تحققت
نبوة إشعياء. ولكن عدم إيمانهم لم يوقف تدبير الخلاص بل صار عثرة لهم وحدهم، وإستعلنت
ذراع الرب للأمم. لم يقدروا أن يؤمنوا= ليس لأن الإيمان صعب. لكنهم لم يريدوا. حين
رأي مجده= في أش (6) رأى أشعياء مجد الله، وهنا يوحنا ينسب هذا المجد للمسيح. وبهذا
نفهم أن المسيح هو رب المجد. أعمى عيونهم= أي سمح بأن يغمضوا عيونهم عن الحق وذلك
لشرهم. الله يحاول مع الإنسان لكي يؤمن فإذا عاند الإنسان فالله يترك الإنسان ويكف
عن محاولاته معه فيقال أن الله قسى قلب الإنسان أو أن الله أعمى عينيه وهذا ما حدث
مع فرعون. إذاً الله تركهم لقساوة قلوبهم ولم تساندهم نعمته ومع قساوة قلوبهم
فالله لم يتوقف عن خلاص البشرية.
الآيات (42،43):
"ولكن مع ذلك آمن به كثيرون من الرؤساء أيضاً غير انهم لسبب الفريسيين لم
يعترفوا به لئلا يصيروا خارج المجمع. لأنهم احبوا مجد الناس اكثر من مجد الله."
الإيمان بلا
إعتراف يساوي عدمه، فسبب عدم الإعتراف هو الخوف على ضياع مراكزهم كأعضاء في مجمع
السنهدريم وهذه لها كرامة عظيمة عند اليهود، وكيف يكون الله في مرتبة أقل من
مراكزهم. والكتاب ذكر إثنين من الذين آمنوا من الشيوخ وهم نيقوديموس ويوسف الرامي
وهؤلاء كانوا يأتون للسيد ليلاً حتى لا يراهم أحد، لكنهما أظهرا شجاعة ما بعدها
شجاعة عند موته وجاهرا بإيمانهما غير مبالين بأي خطر (مت57:27+ لو50:23،51+ يو1:3،2+ يو22:9).
هذه الآيات يذكرها يوحنا هنا لنرى فيها:
مقام المؤمن 44-46
مقام غير المؤمن 47-48
مقام كلام المسيح 48-50
وهذه مبادئ ذكرها المسيح ونادى بها من قبل ويسجلها يوحنا هنا كتعليق على عدم إيمان اليهود بالمسيح
بعد أن أنهى المسيح تعليمه للجموع ولليهود. فإبتداء من إصحاح (13) ينفرد المسيح
بتلاميذه في أحاديث خاصة وتعليم لهم وحدهم وصلاته الشفاعية يوم الخميس. ولكن لم
يَعُدُ المسيح بعد هذه الكلمات يتكلم مع الفريسيين أو الشعب. لذلك يضع يوحنا هذه
الآيات كختام بمعنى أن المسيح صنع لهم كل شئ وأراهم كل شئ. وكل إنسان حر أن يقبل
أو يرفض. وهذه تشبه ما قيل في (رؤ11:22) من يظلم فليظلم بعد ومن هو نجس فليتنجس بعد ومن هو بار فليتبرر بعد.
الآيات (44،45):
"فنادى يسوع وقال الذي يؤمن بي ليس يؤمن بي بل بالذي أرسلني. والذي يراني يرى الذي أرسلني."
نادى= أي بصوت عالٍ إظهاراً لغيرته الشديدة على خلاصهم. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع
الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). الذي يؤمن بي= هذا تعليق على
من آمن وأعلن إيمانه جهاراً، وعلى من آمن من الرؤساء والشيوخ وأخفى إيمانه، وعلى
من رفضوا الإيمان تماماً (آيات 40،42). والذي يراني= يراني بحسب الحقيقة ويعرف
مجدي السماوي. العين المفتوحة هنا هي درجة أعلى من الإيمان، وتحتاج لإعلان بالروح
القدس. ونرى هنا أن المسيح لا يفصل بين الإيمان بالآب والإيمان به فهما جوهر إلهي
واحد. وتأكيد المسيح الدائم أنه مرسل من الآب هو تأكيد على هذه الوحدة مع أبيه
السماوي لذلك فمن يراه يرى الآب. من يرى يسوع (ليس بشكله البشري) بل رؤية إيمانية
سيرى كل ما يمكن إدراكه عن الآب.
تعليق: 1) الروح ينير قلب الإنسان فيرى ما لا يُرى. يرى بعيني قلبه، بحواسه الداخلية. كما نطق بطرس
"أنت هو المسيح إبن الله الحي".
2) نحن نصل للآب عن طريق الإبن، والآب يصل لنا عن طريق الإبن.
آية (46): "أنا
قد جئت نوراً إلى العالم حتى كل من يؤمن بي لا يمكث في الظلمة."
نوراً= قبل المسيح كان العالم في ظلمة لا يدرك الله ولا يراه ولا يعرفه. ومجيء المسيح بدد
الظلمة بنوره. لكن لا ينتفع بهذا النور سوى من يؤمن بالمسيح.هو الحق المدرك الكامل.
والمسيح جاء ليستعلن ذات الله المخفية في شخصه. والخطية أظلمت عيوننا فما عدنا نرى
الله. والإيمان بالمسيح يعيدنا إلى الحالة الأولى، لنا عيون تبصر الله وتراه كما
كان آدم في الجنة، وهذا عكس ما قيل في آية (40) قد أعمى عيونهم بسبب عدم إيمانهم (آية39).
هذه الآية توضيح لما سبق، فمن يقبل المسيح، ينير له المسيح قلبه فيعرف الآب. وبدون
المسيح فالإنسان يعيش في ظلام فلا يعرف الله ولا الطريق ولا الحق ولا المستقبل.
آية (47): "وإن
سمع أحد كلامي ولم يؤمن فأنا لا أدينه لأني لم آت لأدين العالم بل لأخلص العالم."
المسيح في مجيئه
الأول أتى ليخلص لا ليدين، أتي ليدعو الجميع للإيمان، ومن يرفض لن يُدان الآن (يو17:3).
وهذا ما نراه فكثيرين من الملحدين يهاجمون الله والمسيح، ولا يعاقبهم الله. والدعوة
معروضة أمامهم حتى آخر يوم في حياتهم. هذا الزمان هو زمان الرحمة وليس الدينونة. سمع=
سمع وينفذ.
الآيات (48-50):
"من رذلني ولم يقبل كلامي فله من يدينه الكلام الذي تكلمت به هو يدينه في
اليوم الأخير. لأني لم أتكلم من نفسي لكن الآب الذي أرسلني هو أعطاني وصية ماذا
أقول وبماذا أتكلم. وأنا اعلم أن وصيته هي حياة أبدية فما أتكلم أنا به فكما قال
لي الآب هكذا أتكلم."
الكلام الذي
تكلمت به هو يدينه= كلام الله هو سيف ذو حدين (عب12:4) الحد الأول يطهر وينقي
ويقطع الخطية من داخلنا لنولد من جديد (1بط23:1) ومن يرفض فالحد الثاني يدين به
المسيح هذا الشخص، وبه يحاربه (رؤ13:2). من يرفض كلام المسيح وكلام المسيح حياة. إذاً
هو يرفض الحياة. إذاً هو وقع تحت الدينونة. هو وضع نفسه بنفسه تحت الدينونة. فكلام
المسيح نور وسيميز البار من الشرير (يو19:3،20) إذاً المسيح بسلطان كلمته يحيي
ويقدس ويطهر وأيضاً يميت. فالكلمة التي لها قوة الخلاص لها أيضاً قوة الدينونة
وهذا يتطابق مع (تث18:18،19)، فمن لا يسمع كلام المسيح ويؤمن به يدينه الآب. فكلمات
المسيح ستقف شاهداً ضد من يستهين بها. المسيح الآن لا يدين أحداً، فهو ما جاء
ليدين. لكن من يرفضه وضع نفسه خارج دائرة الرحمة. وسيدان في الأبدية إذ تقف كلمات
المسيح شاهدة عليه أنه رفض الرحمة= من رذلني= أي رفض أن يؤمن بي. لم يقبل كلامي= لم
يقبل تعليمي، فكلام المسيح وتعليمه هو الحق وهو نفسه كلام الآب. وهذا الكلام لا
يزول، ومن يقبله يحيا ومن لا يقبله يدان. فالدينونة ليست أن نقف في محاكمة أمام
الله، بل أن كلام المسيح حق سيواجه ضمير الإنسان ويحكم عليه. كل واحد سيدان من الحق
الذي سمعه في يوم من الأيام "ضمائرهم مشتكية" (رو15:2). وصيته حياة
أبدية= هي في ذاتها حياة. أي حين تقبل وصية المسيح تأخذ حياة في داخلك.
ونفهم من كلام المسيح
هنا أن كلامه هو نفسه كلام الآب فهما واحد. لذلك فكل من لا يؤمن بالمسيح وبكلامه
سيبرهن أنه غير مستحق للغفران والخلاص الذي أتى لأجلهما المسيح. وبالتالي لا يستحق
الحياة الأبدية. فهدف وصايا المسيح وتجسد المسيح أن يعطينا حياة أبدية. وخلاصة كلام
المسيح هنا أنه هو الله الظاهر في الجسد ومن يؤمن به ينال حياة ابدية، ووصايا الآب
التي هي وصاياه من يطيعها تكون له الحياة الأبدية.
فما أتكلم أنا به
فكما قال لي الآب هكذا أتكلم= هذا نفس ما قاله موسى (تث18:18،19). وقال لي الآب
هذه تعني أنه، لأن الآب والإبن واحد فالمعرفة متطابقة والإرادة واحدة، ولكن ما
يريده الآب يعلنه الإبن وينفذه.