تفسير الاصحاح رقم
1
آية (1،2): "وصار قول الرب إلى يونان بن أمتاي قائلاً. قم
اذهب إلى نينوى المدينة
العظيمة وناد عليها لأنه قد صعد شرهم أمامي."
المدينة العظيمة: كان محيط نينوى 96كيلو متر وأبعادها 16
× 32 كيلو متر (وهذا معنى
مسيرة 3 أيام 3:3) وارتفاع أسوارها 100قدم وسمك أسوارها
بحيث تسير عليه من 3 إلى 4
مركبات حربية. وعلى الأسوار 1500 برج ارتفاع كل برج 200قدم.
صعد شرهم أمامي= في
الترجمة السبعينية صعد صراخ شرهم أمامي. وهذا يشبه "صوت
دم أخيك صارخً إلىّ من
الأرض" (تك10:4) وصراخ سدوم وعمورة قد كثر (تك20:18).
وكانت دعوة يونان للكرازة
والخدمة في نينوى من نوع فريد. فهو النبي الوحيد الذي
دعي لخدمة مدينة أممية لا
ليتنبأ عنها بالدمار بل يدعوها للتوبة. ونينوى كانت
عاصمة أشور ألد أعداء إسرائيل.
وهرب يونان بسبب هذه الصعوبة. لكن الله المحب إستغل حتى
هروبه هذا في تحقيق مقاصده
الإلهية. فقد آمن بحارة السفينة بالله. ونفس الشئ حدث مع
بولس ومرقس، فلقد استغل
الله خلافهما ليرسل مرقس ليبشر في مصر.
آية (3): "فقام يونان ليهرب إلى ترشيش من وجه الرب فنزل
إلى يافا ووجد سفينة ذاهبة
إلى ترشيش فدفع أجرتها ونزل فيها ليذهب معهم إلى ترشيش من وجه
الرب."
لماذا هرب يونان من المهمة التي كلفه بها الله ؟ [1] هناك
سبب مذكور في (2:4) وهو
أنه عرف أن الله في رحمته سيقبل توبتهم فيصير يونان في
أعينهم ككاذب. [2] يونان كان
يتمنى هلاك أشور لأنها ألد أعداء إسرائيل، وليس الصفح
عنهم، لذلك خرج بعد أن وجه
أنذاره لنينوى وصنع له مظلة أمام المدينة منتظراً خرابها.
[3] ربما خاف يونان من شر
الآشوريين فهم دمويون وربما قتلوه لو أنذرهم. [4] ذهابه
لآشور عدو إسرائيل يعتبر
خيانة لملك إسرائيل، وربما اتهموه بالتجسس للعدو. [5] ذهابه
لشعب وثني ضد فكر ومزاج
شعب إسرائيل الذين يعتبرون أنفسهم شعب الله المختار،
وبذلك سيسقط من نظر شعبه وكهنة
وأنبياء شعبه. ترشيش = ربما تكون في جنوب أسبانيا أو
شمال غرب أفريقيا، وهي أبعد
بلد معروفة وقتئذ. فهو يريد أن يهرب من الله لأبعد مكان
ممكن، وهذا جهل بالله.
وكلمة ترشيش تعنى بحر. وكلمة يافا تعني جمال. نزل.. نزل..
نزل = تتكرر كلمة نزل في
هذه الآية مرتين ثم تأتي ثانية في آية (5). فهو نزل إلى
يافا ثم إلى السفينة ثم نزل
إلى جوف السفينة. وبهذا تكررت كلمة نزل 3مرات، وهكذا
لأنه ترك الله وهرب منه نجده
في نزول مستمر وبالخطية عموماً نكون في نزول مستمر. وهو
نزل إلى يافا أولاً (هذه
تشير لمن يترك الله وينجذب لجمال العالم فيافا تعني جمال)
ثم نزل إلى السفينة
والسفينة في البحر، وماء البحر مالح، من يشرب منه يعطش (وهذه
تشير لمن ينجذب لجمال
العالم ويبدأ يشبع شهواته من العالم) ثم نزل لقاع
السفينة حيث نام نوماً عميقاً،
ولم يوقظه هياج البحر (وهذه إشارة لمن عاش في الخطية،
ففقد حواسه الروحية، أي أطفأ
الروح القدس فيه، ولم يعد يسمع صوت تبكيت الروح
وإنذاراته). مثل هذا الخاطئ ماذا
يفعل معه الله؟ لا حل سوى تجربة صعبة. وهذا ما حدث فلقد
رموه في البحر ومنه إلى جوف
الحوت. ودفع أجرتها = إتكاله الآن على موارده الذاتية إذ
إنفصل عن الرب أما من
يكلفه الرب بعمل ما يقوم الرب بتسديد كل إحتياجاته. والخادم
الذي يخدم الله بأمانة
تجده يتكلم بكلمات هي من الروح القدس يعطيها له. أما الخادم
المنفصل عن الله بسبب
خطاياه تجده يتكلم من فلسفاته البشرية.
آية (4): "فأرسل الرب ريحا شديدة إلى البحر فحدث نوء
عظيم في البحر حتى كادت
السفينة تنكسر."
فأرسل الرب ريحاً شديدة = كان خطأ يونان أنه ظن أنه
بهروبه سيهرب من الله، ولم يدري
أن الله في كل مكان. هذا ما عبر عنه داود في مز139
وبالذات الآية (7،8) أين أذهب من
روحك ومن وجهك أين أهرب..
(مز1:139-12) وبسبب هروبه من الله، وجهله بالله جلب على
نفسه هذه العواصف. كان يليق
به أن يهرب إلى الله، لا أن يهرب منه. هو هرب من الله،
فما عاد يسمع صوت الله
الهادئ المنخفض الخفيف الذي سمعه إيليا (1مل12:19) (فهذا
لا يسمعه إلا من كان
قريباً من الله. ولأن يونان إبتعد وهرب من الله حدثه
الله بلغة أخرى هي لغة الضيقات
المتوالية (ريح شديدة- نوء عظيم- حوت..) ليكشف عما في
داخله من ريح عصيان عنيف
واضطراب داخلي. هذا ما حدث أيضاً للإبن الضال، فحين ترك
أبوه جاءت عليه المجاعة.
فإنه متى يكون الرب غير راضٍ، لا يكون شئ في أمان. فحين
صلب المسيح اضطرب نظام
الكون وصارت هناك ظلمة. علينا إذاً أن نعرف سبب أي ضيقة
تمر بنا فقد يكون وراءها
خطية جعلتنا نبتعد عن الله فما عدنا نسمع صوت تبكيته
المنخفض.
آية (5): "فخاف الملاحون وصرخوا كل واحد إلى إلهه وطرحوا
الأمتعة التي في السفينة
إلى البحر ليخففوا عنهم وأما يونان فكان قد نزل إلى جوف
السفينة واضطجع ونام نوما
ثقيلا."
خاف الملاحون: هم خبراء بالبحر، ولكن سبب خوفهم أنهم
شعروا أن وراء العاصفة شئ غير
عادي، فهي هبَّت فجأة وبدون مقدمات وكانت عنيفة جداً. وصرخوا
كل واحد إلى إلهه = هم
شعروا بأن هناك شئ غير عادي فلجأوا لآلهتهم بينما يونان
نام نوماً ثقيلاً= كأنه لا
يريد أن يرى أمواج غضب الله عليه، هو نوم الهروب وليس
نوم السلام، هو يهرب من
واقعه. وتضيف السبعينية أن غطيط نوم يونان هو الذي لفت
أنظار الربان إليه. وطرحوا
الأمتعة= لم تكن أمتعتهم مهما كانت عزيزة عليهم، أغلى من
حياتهم، فهم رموا ما كان
غالياً عليهم ليشتروا حياتهم الجسدية = هل نقبل أن نلقي
ملذاتنا العالمية لنشتري
حياتنا الأبدية وهي الأهم.
آية (6): "فجاء إليه رئيس النوتية وقال له ما لك نائما
قم اصرخ إلى إلهك عسى أن
يفتكر الإله فينا فلا نهلك."
هنا رئيس النوتية يوبخ يونان، بل يطلب إليه أن يصلي. وهذا
شئ مخجل أن يطلب هذا
الوثني من نبي الله أن يصلي. فبسبب هروبه فقد مركزه كنبي
مرسل ليوبخ ملك أشور
العظيمة وجلس يتلقى التعليم من هذا الوثني. عسى أن يفتكر
الإله فينا = كانوا
كوثنيين يشعرون أن إلهتهم الكثيرة هي واسطة بينهم وبين
الإله الأعظم الذي لا
يعرفونه. ومازال ليومنا
هذا كثير من
الناس يبحثون مضطربين وسط عقائد كثيرة ولا يعرفون أين
يوجد. ولكن الله يتكلم
محاولاً أن يصل صوته لكل واحد. فهو كلم يونان برؤيا ولما
هرب منه كلمه بالطبيعة
الثائرة. ثم ها هو يكلمه عن طريق بحار وثني. فياليتنا
نسمع صوته ومن له أذنان للسمع
فليسمع.
آية (7) : "وقال بعضهم لبعض هلم نلقي قرعا لنعرف بسبب من
هذه البلية فالقوا قرعا
فوقعت القرعة على يونان."
نلقي قرعة = الله يكلم كل واحد بحسب ما يفهمه. فالله كلم
المجوس بالنجم مثلاً وهو
لا يوافق على طريقتهم. وهنا الله لا يوافق على القرعة
ولكنه كلمهم بها فهم لا
يفهمون سواها. فوقعت على يونان = وربما كان في السفينة
من هو أشر من يونان ولكن
الله أرسل العاصفة قاصداً يونان، فالله يؤدب أولاده "
الذي يحبه الرب يؤدبه".
آية (8): فقالوا
له اخبرنا بسبب من هذه المصيبة علينا ما هو عملك ومن أين أتيت ما
هي أرضك ومن أي شعب أنت.:
كل هذه الأسئلة ليريحوا ضمائرهم. كانت أسئلتهم بطريقة
لطيفة وأثبتوا أنهم حكماء.
وكانت أسئلتهم توبيخاً لطيفاً ليونان. ففيما هم يسألونه
كان يليق بيونان أن يراجع
نفسه في كل تصرفاته ويعترف بلسانه بخطيته وعصيانه. وهم
في حكمتهم لم يشاؤوا أن
يظلموه، لذلك ها هم يستفهون منه.
آية (9): "فقال لهم أنا عبراني وأنا خائف من الرب اله
السماء الذي صنع البحر
والبر."
هنا إجاباته على أسئلتهم. وعن سؤالهم ما هو عملك قال "أنا
خائف من الرب. والرب الذي
أعبده هو خالق البحر والأرض والسماء. وليس كما تظنون أن
هناك آلهة كثيرة. وربما
أخبرهم أنه نبي.
آية (10): فخاف الرجال خوفا عظيما وقالوا له لماذا فعلت هذا
فان الرجال عرفوا انه
هارب من وجه الرب لأنه اخبرهم."
فهم عرفوا أن إله البحر غاضب فخافوا خوفاً عظيماً فهم
رأوا ماذا يستطيع هذا الإله
أن يفعل. وكان سؤالهم "إذا كان إلهك هكذا قوياً
وأنت نبياً له فلماذا صنعت هكذا.
آية (11): "فقالوا له ماذا نصنع بك ليسكن البحر عنا لان
البحر كان يزداد اضطرابا."
وإذ عرفوا أنه نبي سألوه عن علاج لهذه المصيبة التي هم
فيها، فإضطراب البحر بهذه
الصورة يشهد عن غضب الله.
آية (12): "فقال لهم خذوني واطرحوني في البحر فيسكن
البحر عنكم لأنني عالم انه
بسببي هذا النوء العظيم عليكم."
ربما قال يونان هذا بعد أن صلي وأرشده الله. وهو قال هذا
الحل بصراحة وشجاعة، فهو
لا يريد أن يهلك أحد بسببه. وقوله هذا يشير لتسليمه
الكامل لحياته في يد الله.. فهو
فهم أن الله يريد أن يؤدبه. وهنا يونان بإلقائه في البحر
فيهدأ كان ممثلاً للسيد
المسيح، الذي كان لابد أن يلقي به على الصليب ويسلم
للقبر لينعم المؤمنون به الذين
كانوا في اضطراب كالبحر، ينعمون بالسلام،هكذا نجا
البحارة بإلقاء يونان في البحر،
وهكذا نخلص بموت المسيح.
آيات (14،13): "ولكن الرجال جذفوا ليرجعوا السفينة إلى
البر فلم يستطيعوا لان البحر
كان يزداد اضطرابا عليهم. فصرخوا إلى الرب وقالوا آه يا رب لا
نهلك من اجل نفس هذا
الرجل ولا تجعل علينا دما بريئا لأنك يا رب فعلت كما شئت."
لم يرد هؤلاء البحارة الطيبون إلقاء يونان في البحر، بل
حاولوا إنقاذه برجوعهم إلى
البر فلم يستطيعوا. لاحظ تصرفاتهم الطيبة فهم لم
يستعملوا خبرتهم أولاً بإلقاء
الأمتعة، لكنهم صلوا أولاً. وهم بعد وقوع القرعة على
يونان لم يوبخوه بكلمة ولا
جرحوا مشاعره مع أنه السبب في كل خسائرهم. وهم لم يطرحوه
مباشرة بل حاولوا إنقاذه.
ألم تكن تصرفات هؤلاء لتخجل يونان الذي رفض أن يذهب
لأمثالهم الوثنيين في نينوى!!
لقد أظهر الله له أنه لا يوجد في إسرائيل إيمان مثل هذا
ولا رقة مشاعر مثل هذه.
بينما شعب إسرائيل ولهم الناموس والأنبياء يتمادون في
خطاياهم. وكان تصرفهم مثل
بيلاطس الذي غسل يديه قائلاً: " أنا برئ من دم هذا
البار". لأنك يا رب فعلت كما شئت
= أنت يا رب الزمتنا أن نفعل هكذا. وما نحن سوى أدوات في
يدك. فلتكن مشيئتك.
آية (15): "ثم اخذوا يونان وطرحوه في البحر فوقف البحر
عن هيجانه."
هم طرحوه بك احترام وإكرام = ثم أخذوا يونان. لنلق عنا
خطايانا فتهدأ حياتنا.
آية (16): "فخاف الرجال من الرب خوفا عظيما وذبحوا ذبيحة
للرب ونذروا نذورا."
في التقليد اليهودي أن البحارة حينما عادوا للبر آمنوا
بإله إسرائيل واختتنوا
وإنضموا لشعب الله. فخاف الرجال من الرب = هذا معناه
أنهم آمنوا به. وذبحوا ذبيحة
للرب = هذا يرمز لتقديم الذبيحة الآن بعد موت المسيح. فلقد
صار من حقنا تقديم ذبيحة
المسيح بعد موت المسيح وقيامته. نذروا نذوراً = غالباً
نذورهم كانت أن يؤمنوا بالله
إله إسرائيل ويقدموا له ذبيحة لو نجوا من هذه العاصفة.
آية (17): "وأما الرب فاعد حوتا عظيما ليبتلع يونان فكان
يونان في جوف الحوت ثلاثة
أيام وثلاث ليال."
الأمور تسير بتدبير إلهي فها هو الحوت ينتظر يونان في
الماء ليهبه مبيتاً آمناً لا
موتاً. فالله لا يريد الانتقام من يونان بل أن يصلحه لكي
يرسله من جديد. وهكذا كل
تجربة يسمح بها الله لنا، هو أن ينصلح حالنا ونكمل عملنا
الذي خلقنا الله لأجله
(اف10:2) ونصلح لملكوت السموات. وكما كان يونان في بطن
الحوت ثلاثة أيام وثلاث
ليالي هكذا كان المسيح في القبر ثلاث أيام وثلاث ليالي. والمسيح
مات يوم الجمعة
وقام فجر الأحد أي أنه قضى في القبر جزء من يوم الجمعة
ويوم السبت كاملاً وجزء من
يوم الأحد. ولكن هذه المدة تحسب ثلاث أيام وثلاث ليالي..
لماذا؟ [1] يعتبر اليهود
أجزاء اليوم يوماً كاملاً في حسابهم [2] يعبر اليهود عن
اليوم بقولهم صباح ومساء
(تك إصحاح 1 + دا 14:8 + تث19:9 + 1مل8:19).
1
آية (1،2): "وصار قول الرب إلى يونان بن أمتاي قائلاً. قم
اذهب إلى نينوى المدينة
العظيمة وناد عليها لأنه قد صعد شرهم أمامي."
المدينة العظيمة: كان محيط نينوى 96كيلو متر وأبعادها 16
× 32 كيلو متر (وهذا معنى
مسيرة 3 أيام 3:3) وارتفاع أسوارها 100قدم وسمك أسوارها
بحيث تسير عليه من 3 إلى 4
مركبات حربية. وعلى الأسوار 1500 برج ارتفاع كل برج 200قدم.
صعد شرهم أمامي= في
الترجمة السبعينية صعد صراخ شرهم أمامي. وهذا يشبه "صوت
دم أخيك صارخً إلىّ من
الأرض" (تك10:4) وصراخ سدوم وعمورة قد كثر (تك20:18).
وكانت دعوة يونان للكرازة
والخدمة في نينوى من نوع فريد. فهو النبي الوحيد الذي
دعي لخدمة مدينة أممية لا
ليتنبأ عنها بالدمار بل يدعوها للتوبة. ونينوى كانت
عاصمة أشور ألد أعداء إسرائيل.
وهرب يونان بسبب هذه الصعوبة. لكن الله المحب إستغل حتى
هروبه هذا في تحقيق مقاصده
الإلهية. فقد آمن بحارة السفينة بالله. ونفس الشئ حدث مع
بولس ومرقس، فلقد استغل
الله خلافهما ليرسل مرقس ليبشر في مصر.
آية (3): "فقام يونان ليهرب إلى ترشيش من وجه الرب فنزل
إلى يافا ووجد سفينة ذاهبة
إلى ترشيش فدفع أجرتها ونزل فيها ليذهب معهم إلى ترشيش من وجه
الرب."
لماذا هرب يونان من المهمة التي كلفه بها الله ؟ [1] هناك
سبب مذكور في (2:4) وهو
أنه عرف أن الله في رحمته سيقبل توبتهم فيصير يونان في
أعينهم ككاذب. [2] يونان كان
يتمنى هلاك أشور لأنها ألد أعداء إسرائيل، وليس الصفح
عنهم، لذلك خرج بعد أن وجه
أنذاره لنينوى وصنع له مظلة أمام المدينة منتظراً خرابها.
[3] ربما خاف يونان من شر
الآشوريين فهم دمويون وربما قتلوه لو أنذرهم. [4] ذهابه
لآشور عدو إسرائيل يعتبر
خيانة لملك إسرائيل، وربما اتهموه بالتجسس للعدو. [5] ذهابه
لشعب وثني ضد فكر ومزاج
شعب إسرائيل الذين يعتبرون أنفسهم شعب الله المختار،
وبذلك سيسقط من نظر شعبه وكهنة
وأنبياء شعبه. ترشيش = ربما تكون في جنوب أسبانيا أو
شمال غرب أفريقيا، وهي أبعد
بلد معروفة وقتئذ. فهو يريد أن يهرب من الله لأبعد مكان
ممكن، وهذا جهل بالله.
وكلمة ترشيش تعنى بحر. وكلمة يافا تعني جمال. نزل.. نزل..
نزل = تتكرر كلمة نزل في
هذه الآية مرتين ثم تأتي ثانية في آية (5). فهو نزل إلى
يافا ثم إلى السفينة ثم نزل
إلى جوف السفينة. وبهذا تكررت كلمة نزل 3مرات، وهكذا
لأنه ترك الله وهرب منه نجده
في نزول مستمر وبالخطية عموماً نكون في نزول مستمر. وهو
نزل إلى يافا أولاً (هذه
تشير لمن يترك الله وينجذب لجمال العالم فيافا تعني جمال)
ثم نزل إلى السفينة
والسفينة في البحر، وماء البحر مالح، من يشرب منه يعطش (وهذه
تشير لمن ينجذب لجمال
العالم ويبدأ يشبع شهواته من العالم) ثم نزل لقاع
السفينة حيث نام نوماً عميقاً،
ولم يوقظه هياج البحر (وهذه إشارة لمن عاش في الخطية،
ففقد حواسه الروحية، أي أطفأ
الروح القدس فيه، ولم يعد يسمع صوت تبكيت الروح
وإنذاراته). مثل هذا الخاطئ ماذا
يفعل معه الله؟ لا حل سوى تجربة صعبة. وهذا ما حدث فلقد
رموه في البحر ومنه إلى جوف
الحوت. ودفع أجرتها = إتكاله الآن على موارده الذاتية إذ
إنفصل عن الرب أما من
يكلفه الرب بعمل ما يقوم الرب بتسديد كل إحتياجاته. والخادم
الذي يخدم الله بأمانة
تجده يتكلم بكلمات هي من الروح القدس يعطيها له. أما الخادم
المنفصل عن الله بسبب
خطاياه تجده يتكلم من فلسفاته البشرية.
آية (4): "فأرسل الرب ريحا شديدة إلى البحر فحدث نوء
عظيم في البحر حتى كادت
السفينة تنكسر."
فأرسل الرب ريحاً شديدة = كان خطأ يونان أنه ظن أنه
بهروبه سيهرب من الله، ولم يدري
أن الله في كل مكان. هذا ما عبر عنه داود في مز139
وبالذات الآية (7،8) أين أذهب من
روحك ومن وجهك أين أهرب..
(مز1:139-12) وبسبب هروبه من الله، وجهله بالله جلب على
نفسه هذه العواصف. كان يليق
به أن يهرب إلى الله، لا أن يهرب منه. هو هرب من الله،
فما عاد يسمع صوت الله
الهادئ المنخفض الخفيف الذي سمعه إيليا (1مل12:19) (فهذا
لا يسمعه إلا من كان
قريباً من الله. ولأن يونان إبتعد وهرب من الله حدثه
الله بلغة أخرى هي لغة الضيقات
المتوالية (ريح شديدة- نوء عظيم- حوت..) ليكشف عما في
داخله من ريح عصيان عنيف
واضطراب داخلي. هذا ما حدث أيضاً للإبن الضال، فحين ترك
أبوه جاءت عليه المجاعة.
فإنه متى يكون الرب غير راضٍ، لا يكون شئ في أمان. فحين
صلب المسيح اضطرب نظام
الكون وصارت هناك ظلمة. علينا إذاً أن نعرف سبب أي ضيقة
تمر بنا فقد يكون وراءها
خطية جعلتنا نبتعد عن الله فما عدنا نسمع صوت تبكيته
المنخفض.
آية (5): "فخاف الملاحون وصرخوا كل واحد إلى إلهه وطرحوا
الأمتعة التي في السفينة
إلى البحر ليخففوا عنهم وأما يونان فكان قد نزل إلى جوف
السفينة واضطجع ونام نوما
ثقيلا."
خاف الملاحون: هم خبراء بالبحر، ولكن سبب خوفهم أنهم
شعروا أن وراء العاصفة شئ غير
عادي، فهي هبَّت فجأة وبدون مقدمات وكانت عنيفة جداً. وصرخوا
كل واحد إلى إلهه = هم
شعروا بأن هناك شئ غير عادي فلجأوا لآلهتهم بينما يونان
نام نوماً ثقيلاً= كأنه لا
يريد أن يرى أمواج غضب الله عليه، هو نوم الهروب وليس
نوم السلام، هو يهرب من
واقعه. وتضيف السبعينية أن غطيط نوم يونان هو الذي لفت
أنظار الربان إليه. وطرحوا
الأمتعة= لم تكن أمتعتهم مهما كانت عزيزة عليهم، أغلى من
حياتهم، فهم رموا ما كان
غالياً عليهم ليشتروا حياتهم الجسدية = هل نقبل أن نلقي
ملذاتنا العالمية لنشتري
حياتنا الأبدية وهي الأهم.
آية (6): "فجاء إليه رئيس النوتية وقال له ما لك نائما
قم اصرخ إلى إلهك عسى أن
يفتكر الإله فينا فلا نهلك."
هنا رئيس النوتية يوبخ يونان، بل يطلب إليه أن يصلي. وهذا
شئ مخجل أن يطلب هذا
الوثني من نبي الله أن يصلي. فبسبب هروبه فقد مركزه كنبي
مرسل ليوبخ ملك أشور
العظيمة وجلس يتلقى التعليم من هذا الوثني. عسى أن يفتكر
الإله فينا = كانوا
كوثنيين يشعرون أن إلهتهم الكثيرة هي واسطة بينهم وبين
الإله الأعظم الذي لا
يعرفونه. ومازال ليومنا
هذا كثير من
الناس يبحثون مضطربين وسط عقائد كثيرة ولا يعرفون أين
يوجد. ولكن الله يتكلم
محاولاً أن يصل صوته لكل واحد. فهو كلم يونان برؤيا ولما
هرب منه كلمه بالطبيعة
الثائرة. ثم ها هو يكلمه عن طريق بحار وثني. فياليتنا
نسمع صوته ومن له أذنان للسمع
فليسمع.
آية (7) : "وقال بعضهم لبعض هلم نلقي قرعا لنعرف بسبب من
هذه البلية فالقوا قرعا
فوقعت القرعة على يونان."
نلقي قرعة = الله يكلم كل واحد بحسب ما يفهمه. فالله كلم
المجوس بالنجم مثلاً وهو
لا يوافق على طريقتهم. وهنا الله لا يوافق على القرعة
ولكنه كلمهم بها فهم لا
يفهمون سواها. فوقعت على يونان = وربما كان في السفينة
من هو أشر من يونان ولكن
الله أرسل العاصفة قاصداً يونان، فالله يؤدب أولاده "
الذي يحبه الرب يؤدبه".
آية (8): فقالوا
له اخبرنا بسبب من هذه المصيبة علينا ما هو عملك ومن أين أتيت ما
هي أرضك ومن أي شعب أنت.:
كل هذه الأسئلة ليريحوا ضمائرهم. كانت أسئلتهم بطريقة
لطيفة وأثبتوا أنهم حكماء.
وكانت أسئلتهم توبيخاً لطيفاً ليونان. ففيما هم يسألونه
كان يليق بيونان أن يراجع
نفسه في كل تصرفاته ويعترف بلسانه بخطيته وعصيانه. وهم
في حكمتهم لم يشاؤوا أن
يظلموه، لذلك ها هم يستفهون منه.
آية (9): "فقال لهم أنا عبراني وأنا خائف من الرب اله
السماء الذي صنع البحر
والبر."
هنا إجاباته على أسئلتهم. وعن سؤالهم ما هو عملك قال "أنا
خائف من الرب. والرب الذي
أعبده هو خالق البحر والأرض والسماء. وليس كما تظنون أن
هناك آلهة كثيرة. وربما
أخبرهم أنه نبي.
آية (10): فخاف الرجال خوفا عظيما وقالوا له لماذا فعلت هذا
فان الرجال عرفوا انه
هارب من وجه الرب لأنه اخبرهم."
فهم عرفوا أن إله البحر غاضب فخافوا خوفاً عظيماً فهم
رأوا ماذا يستطيع هذا الإله
أن يفعل. وكان سؤالهم "إذا كان إلهك هكذا قوياً
وأنت نبياً له فلماذا صنعت هكذا.
آية (11): "فقالوا له ماذا نصنع بك ليسكن البحر عنا لان
البحر كان يزداد اضطرابا."
وإذ عرفوا أنه نبي سألوه عن علاج لهذه المصيبة التي هم
فيها، فإضطراب البحر بهذه
الصورة يشهد عن غضب الله.
آية (12): "فقال لهم خذوني واطرحوني في البحر فيسكن
البحر عنكم لأنني عالم انه
بسببي هذا النوء العظيم عليكم."
ربما قال يونان هذا بعد أن صلي وأرشده الله. وهو قال هذا
الحل بصراحة وشجاعة، فهو
لا يريد أن يهلك أحد بسببه. وقوله هذا يشير لتسليمه
الكامل لحياته في يد الله.. فهو
فهم أن الله يريد أن يؤدبه. وهنا يونان بإلقائه في البحر
فيهدأ كان ممثلاً للسيد
المسيح، الذي كان لابد أن يلقي به على الصليب ويسلم
للقبر لينعم المؤمنون به الذين
كانوا في اضطراب كالبحر، ينعمون بالسلام،هكذا نجا
البحارة بإلقاء يونان في البحر،
وهكذا نخلص بموت المسيح.
آيات (14،13): "ولكن الرجال جذفوا ليرجعوا السفينة إلى
البر فلم يستطيعوا لان البحر
كان يزداد اضطرابا عليهم. فصرخوا إلى الرب وقالوا آه يا رب لا
نهلك من اجل نفس هذا
الرجل ولا تجعل علينا دما بريئا لأنك يا رب فعلت كما شئت."
لم يرد هؤلاء البحارة الطيبون إلقاء يونان في البحر، بل
حاولوا إنقاذه برجوعهم إلى
البر فلم يستطيعوا. لاحظ تصرفاتهم الطيبة فهم لم
يستعملوا خبرتهم أولاً بإلقاء
الأمتعة، لكنهم صلوا أولاً. وهم بعد وقوع القرعة على
يونان لم يوبخوه بكلمة ولا
جرحوا مشاعره مع أنه السبب في كل خسائرهم. وهم لم يطرحوه
مباشرة بل حاولوا إنقاذه.
ألم تكن تصرفات هؤلاء لتخجل يونان الذي رفض أن يذهب
لأمثالهم الوثنيين في نينوى!!
لقد أظهر الله له أنه لا يوجد في إسرائيل إيمان مثل هذا
ولا رقة مشاعر مثل هذه.
بينما شعب إسرائيل ولهم الناموس والأنبياء يتمادون في
خطاياهم. وكان تصرفهم مثل
بيلاطس الذي غسل يديه قائلاً: " أنا برئ من دم هذا
البار". لأنك يا رب فعلت كما شئت
= أنت يا رب الزمتنا أن نفعل هكذا. وما نحن سوى أدوات في
يدك. فلتكن مشيئتك.
آية (15): "ثم اخذوا يونان وطرحوه في البحر فوقف البحر
عن هيجانه."
هم طرحوه بك احترام وإكرام = ثم أخذوا يونان. لنلق عنا
خطايانا فتهدأ حياتنا.
آية (16): "فخاف الرجال من الرب خوفا عظيما وذبحوا ذبيحة
للرب ونذروا نذورا."
في التقليد اليهودي أن البحارة حينما عادوا للبر آمنوا
بإله إسرائيل واختتنوا
وإنضموا لشعب الله. فخاف الرجال من الرب = هذا معناه
أنهم آمنوا به. وذبحوا ذبيحة
للرب = هذا يرمز لتقديم الذبيحة الآن بعد موت المسيح. فلقد
صار من حقنا تقديم ذبيحة
المسيح بعد موت المسيح وقيامته. نذروا نذوراً = غالباً
نذورهم كانت أن يؤمنوا بالله
إله إسرائيل ويقدموا له ذبيحة لو نجوا من هذه العاصفة.
آية (17): "وأما الرب فاعد حوتا عظيما ليبتلع يونان فكان
يونان في جوف الحوت ثلاثة
أيام وثلاث ليال."
الأمور تسير بتدبير إلهي فها هو الحوت ينتظر يونان في
الماء ليهبه مبيتاً آمناً لا
موتاً. فالله لا يريد الانتقام من يونان بل أن يصلحه لكي
يرسله من جديد. وهكذا كل
تجربة يسمح بها الله لنا، هو أن ينصلح حالنا ونكمل عملنا
الذي خلقنا الله لأجله
(اف10:2) ونصلح لملكوت السموات. وكما كان يونان في بطن
الحوت ثلاثة أيام وثلاث
ليالي هكذا كان المسيح في القبر ثلاث أيام وثلاث ليالي. والمسيح
مات يوم الجمعة
وقام فجر الأحد أي أنه قضى في القبر جزء من يوم الجمعة
ويوم السبت كاملاً وجزء من
يوم الأحد. ولكن هذه المدة تحسب ثلاث أيام وثلاث ليالي..
لماذا؟ [1] يعتبر اليهود
أجزاء اليوم يوماً كاملاً في حسابهم [2] يعبر اليهود عن
اليوم بقولهم صباح ومساء
(تك إصحاح 1 + دا 14:8 + تث19:9 + 1مل8:19).