كيف يقضى الراهب يومه(2)
الأستراحة من عمل اليديــــــن ::::::
المعروف عند الأباء الرهبان أن شغل اليد ينتهى ظهراً أى بحلول الساعة السادسة (12ظهراً) فنقرأ فى سيرة أرسانيوس "وكان عادة أرسانيوس أن يستمر فى الضفيرة وخياطتها حتى الساعة السادسة من كل يوم ، وبعد ذلك يترك للراهب أن يأخذ لنفسه راحة تتناسب مع طبيعته .
وجبة الغذاء وفترة الصوم الإنقطاعى اليومـــى :
وقد أجمع الآباء جميعاً على تحديد موعد الوجبة الأولى والوحيدة التى يصرح للراهب أن يأكلها كل 24 ساعة أن تكون الساعة التاسعة من النهار ( الساعة 3 بعد الظهر ) وكان هذا التحديد نتيجة خبرة عملية إنتهى إليها جميع الآباء النساك العمالين بالروح . لذلك لم يكن يسمح للراهب العادى أن يتجاوزها فى التبكير أو التأخير .
صلاة الساعة التاســــــعة :::::
يقرر بالليديوس أن فى الساعة التاسعة كانت تسمع الأبصلمودية بوضوح من كل القلإلى تتردد أصداؤها فى الجبل كله ، ويؤكد كاسيان هذه الحقيقة . إذن فصلاة الساعة التاسعة كان يسبح بها الرهبان قبل ميعاد الأفطار .
النـــــــو م :
بعد صلاة الغروب يخلد الراهب إلى النوم وينام الراهب العادى من الغروب مباشرة حتى ميعاد صلاة الليل فيقوم للخدمة داخل قلايته .
وعن أهمية القلاية للراهب يقول مؤلف كتاب " أصول الحياة الروحية " ص 109 :
القلاية حسب تحديد الآباء هى بمثابة أتون الثلاثة فتية حيث كانوا وهم فى وسط النار يحدثون الله ويرتلون ( ويتمتعون بحضوره فى وسطهم فى وسط النار ينديهم نسيم النعمة . نار الجهاد وندى الروح .
( سميت قلاية لأنها تقلى الراهب أى تحمصه وتزيل مافيه من طراوة ورخاوة )
ليست القلاية موضع أسترخائنا بل هى موضع ألامنا وأفراحنا وصراخنا إلى الله ، هى موضع حضور الله عندنا وزيارته إلينا لأن الله هكذا يسلك معنا .
القلاية هى علامة الحياة النسكية والزهد وإعتزال العالم علامة الصعود الدائم نحو الله لأنه مكتوب عن الرب يسوع أنه " أنفرد عنهم وأصعد إلى السماء " (لو24 : 51 ) فالانفراد عن الناس يؤهلنا إلى الصعود إلى السماء والتدرج فى سلم الفضائل .
سر كيان الراهب ليس منظوراً ظاهراً بل كائن داخل قلبه وقلايته وهدفه دائماً هو " أنسان القلب الخفى فى (النفس) العديمة الفساد زينة الروح الوديع الهادىء الذى هو قدام الله كثير الثمن " (1بط3 : 4 ) ، حسب قول المرنم " كل مجد أبنة الملك من داخل مشتملة بأطراف موشاة بالذهب مزينة بأشكال كثيرة " ( مز 45 : 13، 14 ) .
الدير دير ( والقلاية قلاية ) إذا كان الراهب يعيش فيها كراهب وليس كأى أمرىء فى أى بيت .
حياة القلاية وحياة الشركة (المجمع) هما مثل جناحين إذا حركهما الراهب بتوافق وأستخدمهما معاً رفعاه سريعاً إلى قمم القداسة . وحسب قول أحد الآباء المعاصرين : القلاية تغذى المجمع والمجمع يغذى القلاية .
القلاية هى خير معلم للتدبير الرهبانى السليم فقد جاء أخ إلى الأنبا موسى الأسود وطلب منه كلمة منفعة فقال له الشيخ : " أمض وأجلس فى قلايتك وسوف تعلمك هى كل شىء "
وأخ أخر نصحه الأنبا أرسانيوس بنفس النصيحة فأطاع . ولما أستمر ثلاثة أيام كما أمره الشيخ ضجر فأخذ قليلاً من الخوص وشققه وبدأ يضفر ولما جاع قال فكره : " لنفرغ من هذا الخوص القليل ثم نأكل ، فلما فرغ من الخوص قال : لنقرأ فى الأنجيل ثم بعد ذلك نأكل ، فلما قرأ قال : لأصلى مزاميرى ثم بعد ذلك أكل بلا هم .
وهكذا قليلاُ قليلاُ بمعونة الله كان يفعل حتى رجع إلى سيرته الأولى وأخذ سلطاناً على الأفكار وكان يغلبها .
وبعد كل ماتقدم بما فيه من إختلافات بين تدابير بعض الأباء وبعضهم أستطيع أن أضع تصورى الخاص عن كيفية قضاء الراهب يومه فى قلايته فى عصور الرهبنة الأولى فأقول :
كان اليوم يبدأ عند الأباء الرهبان من بعد نصف الليل مباسرة أما تحديد الساعة بالضبط فهى متغيرة فى الصيف عنها فى الشتاء ، ويحددها كاسيان عموماً بصياح الديك الأول (حوإلى الساعة 12 ) وهكذا يهب الرهبان من نومهم فى هذا الوقت من الليل وكان لسان حالهم يردد مع الرسول " لسنا من ليل ولا ظلمة فلا ننم إذاً كالباقين بل نسهر ونصح " ( 1تس 5 : 5 ، 6 )
وكان الرسول ينفذ قوله هذا عملياً فبينما كان مسجوناً مع زميله فى الخدمة الرسولية سيلا الرسول فى سجن فيلبى وقد ألقاهماالسجان فى السجن الداخلى وضبط أرجلهما فى المقطرة " ونحو نصف الليل كان بولس وسيلا يصليان ويسبحان الله والمسجونون يسمعونهما "
(أع 16 : 25 ) وكان من نتيجة هذه الصلاة القوية أن " فحدث بغتة زلزلة عظيمة حتى تزعزعت أساسات السجن فأنفتحت فى الحال الأبواب كلها وأنفكت قيود الجميع " ( أع 16 : 26 ) .
يبدأ الراهب يومه بصلاة نصف الليل حسب قول المرنم " فى منتصف الليل أقوم لأحمدك على أحكام برك " ( مز 119 : 62 )
يتبعها بصلاة السحر التى سميت بعد ذلك بصلاة باكر بحيث ينتهى من صلاة باكر حوإلى الساعة 6 صباحاً .
بعد ذلك يعمل قانون مطنياته بأنسحاق وتذلل .
يقرأ فى الكتاب المقدس قانونه اليومى من العهدين العتيق والحديث بأنتباه وتأمل وكان يخصص يوم الأحد للقراءة فى العهد الجديد فقط .
بعد ذلك يبدأ فى عمل داخل القلاية ويستمر فيه حتى الساعة السادسة ( 12 ظهراً )
وللرسول بولس وصية هامة فى هذا المجال فيقول " أن تحرصوا على أن تكونوا هادئين وتمارسوا أموركم الخاصة وتشتغلوا بأيديكم أنتم كما أوصيناكم لكى تسلكوا بلياقة عند الذين هم من خارج ولا تكون لكم حاجة إلى أحد " ( 1 تس 4 : 11 ، 12 ) .
خلال هذا الوقت يحين موعد صلاتى الثالثة والسادسة فيمكن للراهب أن يصليهما أثناء عمله إذ أن العمل بسيط وسهل ولا يحتاج لتركيز ذهنى كبير يمنع الراهب من الصلاة أثناء العمل .
أما إذا فضل الراهب أن يصلى هاتين الساعتين واقفاً ومتفرغاً للصلاة فيترك عمله حين يحين موعد الصلاة ليقف ويصلى حسبما علم الملاك الأنبا أنطونيوس " فقد رأى الأنبا أنطونيوس الملاك جالساً يضفر ثم توقف عن العمل وقام ليصلى وبعد ذلك جلس يضفر الخوص ثم قام مرة ثانية ليصلى ثم جلس ليشتغل فى الخوص وهكذا " وسمع صوتاً يقول له : " أفعل هكذا تستريح " .
أما أثناء العمل فيستطيع الراهب أن يردد صلوات قصيرة سهمية مثل صلاة يسوع أو أى صلاة أخرى وفى ذلك ينصح القديس أنطونيوس قائلاً " أن جلست فى خزانتك قم بعمل يديك ولا تخل أسم الرب يسوع بل امسكه بعقلك ورتل بلسانك وفى قلبك وقل : يا ربى يسوع المسيح أرحمنى ... ياربى يسوع المسح أعنى ... أسبحك يا ربى يسوع المسيح "
ينتهى العمل اليدوى فى الظهيرة حوإلى الساعة 12 وبعد ذلك مسموح للراهب أن يأخذ فترة راحة تتناسب مع طبيعته ، وقد ينام قليلاً أثناء حر القيلولة بعد التعب المضنى فى الصلاة والقراءة وعمل اليد ما يقرب من 12 ساعة متواصلة .
ويورد لنا بستان الرهبان القصة التالية عن القديس العظيم يوحنا القصير : " أتى إلى قلايته أحد الشيوخ فوجده نائماً فى حر النهار وملاكاً واقفاً عنده يروح عليه ، فأنعزل عنه منصرفاً فلما أستيقظ قال لتلميذه : أتى إلى هنا إنسان وأنا نائم ؟
فقال له نعم ، فلان الشيخ فعلم حينئذ أن ذلك الشيخ معادل له وأنه أبصر الملاك "
بعد الراحة القليلة يقوم الراهب ليجهز طعامه وإن كان محتاجاً إلى تجهيز .
بعد ذلك يصلى صلاة الساعة التاسعة التى تنتهى فى تمام الساعة التاسعة ( أى 3 بعد الظهر ) ويقرر بلاديوس أن فى الساعة التاسعة كانت تسمع الأبصلمودية بوضوح من كل القلإلى تتردد أصداؤها فى الجبل كله .
بعد ذلك أى عند حلول الساعة التاسعة (3بعد الظهر ) يضع الراهب طعامه أمامه ويصلى صلاة الشكر الخاصة بالمائدة ثم يأكل بنسك وشكر .
بعد ذلك يبدأ يقرأ فى الكتب الروحية أو كتب سير الآباء وأقوالهم مسموح أيضاً فى هذه الفترة أن يزور الراهب معلمه إذا كان فى حاجة شديدة وملحة اليه طلباً لكلمة منغعة أو إذا تعرض لحرب فكرى عنيف أو أى سبب قوى أخر .
عند الغروب أى حوإلى الساعة الخامسة يصلى الراهب صلاتى الغروب والنوم معاً ويستمر فيهما وقتاً طويلاً حتى ميعاد النوم .
مسموح للراهب أن ينام النصف الأول من الليل أى حوإلى 6 ساعات متصلة حتى ميعاد صلاة نصف الليل فيقوم ليبدأ بنعمة الله يومه الجديد فى مرضاة الله وخوفه ... وهكذا .
أما فى زماننا هذا فلا يوجد قانون رهبانى ملزم واضح يلتزم كل الرهبان يالسير بمقتضاه فى تدبير حياتهم وقضاء يومهم داخل القلاية .
والذى يحدث الآن فعلاً هو أن يتدرب كل راهب فى قضاء يومه وممارسته الروحية بالأتفاق مع أب أعترافه وفقاً لظروفه الخاصة مثل العمل الذى يقوم به فى الدير وظروفه الصحية والنفسية ونحاول هنا بقدر الإمكان أن نصف يوماً كاملاً لراهب داخل الدير ملتزم بعمل المجمع وصلواته وكل ممارساته .
يقوم الراهب من نومه فى حوإلى الرابعة صباحاً على دقات جرس نصف الليل فيذهب إلى الكنيسة حيث يصلى مع أخوته الرهبان صلاة نصف الليل بخدماتها الثلاث ، ثم يشترك بعد ذلك فى التسبحة التى تعقب مزامير نصف الليل وتنتهى التسبحة عادة فى حوإلى الخامسة والنصف صباحاً تقريباً إذا كان يعقبها قداس فتنتهى عادة فى الساعة السادسة والنصف حيث يصلى بعدها صلوات باكر والثالثة والسادسة فى أيام الإفطار وتزاد التاسعة فى أيام الأصوام .
بعد إنتهاء التسبحة إذا كان على الراهب دور صلاة القداس سواء أكان كاهناً أو شماساً أو يريد أن يتناول فى ذلك اليوم من الأسرار المقدسة يبقى فى الكنيسة حتى إنتهاء خدمة القداس والتناول من الأسرار المقدسة وينتهى القداس عادة ما بين الثامنة والتاسعة صباحاً . أما إذا كان دور الخدمة ليس على الراهب ولا رغب هو فى حضور القداس للصلاة والتناول ، فى هذه الحالة يرجع إلى قلايته بعد أنتهاء التسبحة ليصلى قوانينه الخاصة فيصلى صلاة باكر والثالثة والسادسة ويجتهد دائماً وبصفة عامة أن تكون صلواته متقدمة عن ميعادها ولو قليلاً حسب نصيحة مار أسحق القائلة : " كن متقدماً على الدوام فى صلواتك قبل وقتها لكى تكون خفيفة عليك ، لأنه ليس لك عمل أخر ضرورى لتفعله أفضل من الصلاة " .
يعمل مطانياته فى جو الصباح الباكر المناسب .
يقرأ فى الكتاب المقدس قانونه اليومى من القراءة فى العهدين القديم والجديد مع التأمل ومحاولة كتابة أو حفظ بعض الأيات المختارة للهذيذ فيها كلما أمكن ذلك .
ينتهى الراهب من تناول هذه الوجبة الروحية الدسمة المركزة فى حوإلى التاسعة مثلاً حيث يكون القداس قد انتهى ،وبدأت الأعمال فى الدير حيث أن الأعمال لاتبدأ فى الدير عادة إلا بعد انتهاء القداس يومياً .
الراهب الذى حضر القداس وتناول من الأسرار المقدسة يرجع بعد انتهاء القداس إلى القلاية حيث يصلى صلاة شكر قصيرة بعد التناول . يحاول أن يتلامس فيها مع الضيف الإلهى الذى حل فى داخله ويرحب به طالباً منه أن يجعل التناول من جسده ودمه الأقدسين لا للدينونة ولا للوقوع فى دينونة لكن لنوال المجد وطهارة النفس والجسد والروح وللإتحاد به والثبات فيه .
بعد ذلك يغير ملابسه فيلبس الملابس الخاصة بالعمل وينزل إلى محل عمله .
الراهب الذى يقضى فترة الصباح فى القلاية ينزل أيضاً فى مثل هذا الوقت لتأدية عمله المنوط به فى الدير ، وأحياناً يحتاج الراهب لفترة راحة قصيرة إذا أحس بالتعب والأرهاق بسبب قيامه المبكر جداً من النوم فيستريح قليلاً ثم يقوم ليكمل قوانينه فيتأخر قليلاً فى الأنتهاء منها والنزول إلى عمله مع العلم بأن هذه الراحة تغنيه عن راحة أو نوم فترة الظهيرة .
الأستراحة من عمل اليديــــــن ::::::
المعروف عند الأباء الرهبان أن شغل اليد ينتهى ظهراً أى بحلول الساعة السادسة (12ظهراً) فنقرأ فى سيرة أرسانيوس "وكان عادة أرسانيوس أن يستمر فى الضفيرة وخياطتها حتى الساعة السادسة من كل يوم ، وبعد ذلك يترك للراهب أن يأخذ لنفسه راحة تتناسب مع طبيعته .
وجبة الغذاء وفترة الصوم الإنقطاعى اليومـــى :
وقد أجمع الآباء جميعاً على تحديد موعد الوجبة الأولى والوحيدة التى يصرح للراهب أن يأكلها كل 24 ساعة أن تكون الساعة التاسعة من النهار ( الساعة 3 بعد الظهر ) وكان هذا التحديد نتيجة خبرة عملية إنتهى إليها جميع الآباء النساك العمالين بالروح . لذلك لم يكن يسمح للراهب العادى أن يتجاوزها فى التبكير أو التأخير .
صلاة الساعة التاســــــعة :::::
يقرر بالليديوس أن فى الساعة التاسعة كانت تسمع الأبصلمودية بوضوح من كل القلإلى تتردد أصداؤها فى الجبل كله ، ويؤكد كاسيان هذه الحقيقة . إذن فصلاة الساعة التاسعة كان يسبح بها الرهبان قبل ميعاد الأفطار .
النـــــــو م :
بعد صلاة الغروب يخلد الراهب إلى النوم وينام الراهب العادى من الغروب مباشرة حتى ميعاد صلاة الليل فيقوم للخدمة داخل قلايته .
وعن أهمية القلاية للراهب يقول مؤلف كتاب " أصول الحياة الروحية " ص 109 :
القلاية حسب تحديد الآباء هى بمثابة أتون الثلاثة فتية حيث كانوا وهم فى وسط النار يحدثون الله ويرتلون ( ويتمتعون بحضوره فى وسطهم فى وسط النار ينديهم نسيم النعمة . نار الجهاد وندى الروح .
( سميت قلاية لأنها تقلى الراهب أى تحمصه وتزيل مافيه من طراوة ورخاوة )
ليست القلاية موضع أسترخائنا بل هى موضع ألامنا وأفراحنا وصراخنا إلى الله ، هى موضع حضور الله عندنا وزيارته إلينا لأن الله هكذا يسلك معنا .
القلاية هى علامة الحياة النسكية والزهد وإعتزال العالم علامة الصعود الدائم نحو الله لأنه مكتوب عن الرب يسوع أنه " أنفرد عنهم وأصعد إلى السماء " (لو24 : 51 ) فالانفراد عن الناس يؤهلنا إلى الصعود إلى السماء والتدرج فى سلم الفضائل .
سر كيان الراهب ليس منظوراً ظاهراً بل كائن داخل قلبه وقلايته وهدفه دائماً هو " أنسان القلب الخفى فى (النفس) العديمة الفساد زينة الروح الوديع الهادىء الذى هو قدام الله كثير الثمن " (1بط3 : 4 ) ، حسب قول المرنم " كل مجد أبنة الملك من داخل مشتملة بأطراف موشاة بالذهب مزينة بأشكال كثيرة " ( مز 45 : 13، 14 ) .
الدير دير ( والقلاية قلاية ) إذا كان الراهب يعيش فيها كراهب وليس كأى أمرىء فى أى بيت .
حياة القلاية وحياة الشركة (المجمع) هما مثل جناحين إذا حركهما الراهب بتوافق وأستخدمهما معاً رفعاه سريعاً إلى قمم القداسة . وحسب قول أحد الآباء المعاصرين : القلاية تغذى المجمع والمجمع يغذى القلاية .
القلاية هى خير معلم للتدبير الرهبانى السليم فقد جاء أخ إلى الأنبا موسى الأسود وطلب منه كلمة منفعة فقال له الشيخ : " أمض وأجلس فى قلايتك وسوف تعلمك هى كل شىء "
وأخ أخر نصحه الأنبا أرسانيوس بنفس النصيحة فأطاع . ولما أستمر ثلاثة أيام كما أمره الشيخ ضجر فأخذ قليلاً من الخوص وشققه وبدأ يضفر ولما جاع قال فكره : " لنفرغ من هذا الخوص القليل ثم نأكل ، فلما فرغ من الخوص قال : لنقرأ فى الأنجيل ثم بعد ذلك نأكل ، فلما قرأ قال : لأصلى مزاميرى ثم بعد ذلك أكل بلا هم .
وهكذا قليلاُ قليلاُ بمعونة الله كان يفعل حتى رجع إلى سيرته الأولى وأخذ سلطاناً على الأفكار وكان يغلبها .
وبعد كل ماتقدم بما فيه من إختلافات بين تدابير بعض الأباء وبعضهم أستطيع أن أضع تصورى الخاص عن كيفية قضاء الراهب يومه فى قلايته فى عصور الرهبنة الأولى فأقول :
كان اليوم يبدأ عند الأباء الرهبان من بعد نصف الليل مباسرة أما تحديد الساعة بالضبط فهى متغيرة فى الصيف عنها فى الشتاء ، ويحددها كاسيان عموماً بصياح الديك الأول (حوإلى الساعة 12 ) وهكذا يهب الرهبان من نومهم فى هذا الوقت من الليل وكان لسان حالهم يردد مع الرسول " لسنا من ليل ولا ظلمة فلا ننم إذاً كالباقين بل نسهر ونصح " ( 1تس 5 : 5 ، 6 )
وكان الرسول ينفذ قوله هذا عملياً فبينما كان مسجوناً مع زميله فى الخدمة الرسولية سيلا الرسول فى سجن فيلبى وقد ألقاهماالسجان فى السجن الداخلى وضبط أرجلهما فى المقطرة " ونحو نصف الليل كان بولس وسيلا يصليان ويسبحان الله والمسجونون يسمعونهما "
(أع 16 : 25 ) وكان من نتيجة هذه الصلاة القوية أن " فحدث بغتة زلزلة عظيمة حتى تزعزعت أساسات السجن فأنفتحت فى الحال الأبواب كلها وأنفكت قيود الجميع " ( أع 16 : 26 ) .
يبدأ الراهب يومه بصلاة نصف الليل حسب قول المرنم " فى منتصف الليل أقوم لأحمدك على أحكام برك " ( مز 119 : 62 )
يتبعها بصلاة السحر التى سميت بعد ذلك بصلاة باكر بحيث ينتهى من صلاة باكر حوإلى الساعة 6 صباحاً .
بعد ذلك يعمل قانون مطنياته بأنسحاق وتذلل .
يقرأ فى الكتاب المقدس قانونه اليومى من العهدين العتيق والحديث بأنتباه وتأمل وكان يخصص يوم الأحد للقراءة فى العهد الجديد فقط .
بعد ذلك يبدأ فى عمل داخل القلاية ويستمر فيه حتى الساعة السادسة ( 12 ظهراً )
وللرسول بولس وصية هامة فى هذا المجال فيقول " أن تحرصوا على أن تكونوا هادئين وتمارسوا أموركم الخاصة وتشتغلوا بأيديكم أنتم كما أوصيناكم لكى تسلكوا بلياقة عند الذين هم من خارج ولا تكون لكم حاجة إلى أحد " ( 1 تس 4 : 11 ، 12 ) .
خلال هذا الوقت يحين موعد صلاتى الثالثة والسادسة فيمكن للراهب أن يصليهما أثناء عمله إذ أن العمل بسيط وسهل ولا يحتاج لتركيز ذهنى كبير يمنع الراهب من الصلاة أثناء العمل .
أما إذا فضل الراهب أن يصلى هاتين الساعتين واقفاً ومتفرغاً للصلاة فيترك عمله حين يحين موعد الصلاة ليقف ويصلى حسبما علم الملاك الأنبا أنطونيوس " فقد رأى الأنبا أنطونيوس الملاك جالساً يضفر ثم توقف عن العمل وقام ليصلى وبعد ذلك جلس يضفر الخوص ثم قام مرة ثانية ليصلى ثم جلس ليشتغل فى الخوص وهكذا " وسمع صوتاً يقول له : " أفعل هكذا تستريح " .
أما أثناء العمل فيستطيع الراهب أن يردد صلوات قصيرة سهمية مثل صلاة يسوع أو أى صلاة أخرى وفى ذلك ينصح القديس أنطونيوس قائلاً " أن جلست فى خزانتك قم بعمل يديك ولا تخل أسم الرب يسوع بل امسكه بعقلك ورتل بلسانك وفى قلبك وقل : يا ربى يسوع المسيح أرحمنى ... ياربى يسوع المسح أعنى ... أسبحك يا ربى يسوع المسيح "
ينتهى العمل اليدوى فى الظهيرة حوإلى الساعة 12 وبعد ذلك مسموح للراهب أن يأخذ فترة راحة تتناسب مع طبيعته ، وقد ينام قليلاً أثناء حر القيلولة بعد التعب المضنى فى الصلاة والقراءة وعمل اليد ما يقرب من 12 ساعة متواصلة .
ويورد لنا بستان الرهبان القصة التالية عن القديس العظيم يوحنا القصير : " أتى إلى قلايته أحد الشيوخ فوجده نائماً فى حر النهار وملاكاً واقفاً عنده يروح عليه ، فأنعزل عنه منصرفاً فلما أستيقظ قال لتلميذه : أتى إلى هنا إنسان وأنا نائم ؟
فقال له نعم ، فلان الشيخ فعلم حينئذ أن ذلك الشيخ معادل له وأنه أبصر الملاك "
بعد الراحة القليلة يقوم الراهب ليجهز طعامه وإن كان محتاجاً إلى تجهيز .
بعد ذلك يصلى صلاة الساعة التاسعة التى تنتهى فى تمام الساعة التاسعة ( أى 3 بعد الظهر ) ويقرر بلاديوس أن فى الساعة التاسعة كانت تسمع الأبصلمودية بوضوح من كل القلإلى تتردد أصداؤها فى الجبل كله .
بعد ذلك أى عند حلول الساعة التاسعة (3بعد الظهر ) يضع الراهب طعامه أمامه ويصلى صلاة الشكر الخاصة بالمائدة ثم يأكل بنسك وشكر .
بعد ذلك يبدأ يقرأ فى الكتب الروحية أو كتب سير الآباء وأقوالهم مسموح أيضاً فى هذه الفترة أن يزور الراهب معلمه إذا كان فى حاجة شديدة وملحة اليه طلباً لكلمة منغعة أو إذا تعرض لحرب فكرى عنيف أو أى سبب قوى أخر .
عند الغروب أى حوإلى الساعة الخامسة يصلى الراهب صلاتى الغروب والنوم معاً ويستمر فيهما وقتاً طويلاً حتى ميعاد النوم .
مسموح للراهب أن ينام النصف الأول من الليل أى حوإلى 6 ساعات متصلة حتى ميعاد صلاة نصف الليل فيقوم ليبدأ بنعمة الله يومه الجديد فى مرضاة الله وخوفه ... وهكذا .
أما فى زماننا هذا فلا يوجد قانون رهبانى ملزم واضح يلتزم كل الرهبان يالسير بمقتضاه فى تدبير حياتهم وقضاء يومهم داخل القلاية .
والذى يحدث الآن فعلاً هو أن يتدرب كل راهب فى قضاء يومه وممارسته الروحية بالأتفاق مع أب أعترافه وفقاً لظروفه الخاصة مثل العمل الذى يقوم به فى الدير وظروفه الصحية والنفسية ونحاول هنا بقدر الإمكان أن نصف يوماً كاملاً لراهب داخل الدير ملتزم بعمل المجمع وصلواته وكل ممارساته .
يقوم الراهب من نومه فى حوإلى الرابعة صباحاً على دقات جرس نصف الليل فيذهب إلى الكنيسة حيث يصلى مع أخوته الرهبان صلاة نصف الليل بخدماتها الثلاث ، ثم يشترك بعد ذلك فى التسبحة التى تعقب مزامير نصف الليل وتنتهى التسبحة عادة فى حوإلى الخامسة والنصف صباحاً تقريباً إذا كان يعقبها قداس فتنتهى عادة فى الساعة السادسة والنصف حيث يصلى بعدها صلوات باكر والثالثة والسادسة فى أيام الإفطار وتزاد التاسعة فى أيام الأصوام .
بعد إنتهاء التسبحة إذا كان على الراهب دور صلاة القداس سواء أكان كاهناً أو شماساً أو يريد أن يتناول فى ذلك اليوم من الأسرار المقدسة يبقى فى الكنيسة حتى إنتهاء خدمة القداس والتناول من الأسرار المقدسة وينتهى القداس عادة ما بين الثامنة والتاسعة صباحاً . أما إذا كان دور الخدمة ليس على الراهب ولا رغب هو فى حضور القداس للصلاة والتناول ، فى هذه الحالة يرجع إلى قلايته بعد أنتهاء التسبحة ليصلى قوانينه الخاصة فيصلى صلاة باكر والثالثة والسادسة ويجتهد دائماً وبصفة عامة أن تكون صلواته متقدمة عن ميعادها ولو قليلاً حسب نصيحة مار أسحق القائلة : " كن متقدماً على الدوام فى صلواتك قبل وقتها لكى تكون خفيفة عليك ، لأنه ليس لك عمل أخر ضرورى لتفعله أفضل من الصلاة " .
يعمل مطانياته فى جو الصباح الباكر المناسب .
يقرأ فى الكتاب المقدس قانونه اليومى من القراءة فى العهدين القديم والجديد مع التأمل ومحاولة كتابة أو حفظ بعض الأيات المختارة للهذيذ فيها كلما أمكن ذلك .
ينتهى الراهب من تناول هذه الوجبة الروحية الدسمة المركزة فى حوإلى التاسعة مثلاً حيث يكون القداس قد انتهى ،وبدأت الأعمال فى الدير حيث أن الأعمال لاتبدأ فى الدير عادة إلا بعد انتهاء القداس يومياً .
الراهب الذى حضر القداس وتناول من الأسرار المقدسة يرجع بعد انتهاء القداس إلى القلاية حيث يصلى صلاة شكر قصيرة بعد التناول . يحاول أن يتلامس فيها مع الضيف الإلهى الذى حل فى داخله ويرحب به طالباً منه أن يجعل التناول من جسده ودمه الأقدسين لا للدينونة ولا للوقوع فى دينونة لكن لنوال المجد وطهارة النفس والجسد والروح وللإتحاد به والثبات فيه .
بعد ذلك يغير ملابسه فيلبس الملابس الخاصة بالعمل وينزل إلى محل عمله .
الراهب الذى يقضى فترة الصباح فى القلاية ينزل أيضاً فى مثل هذا الوقت لتأدية عمله المنوط به فى الدير ، وأحياناً يحتاج الراهب لفترة راحة قصيرة إذا أحس بالتعب والأرهاق بسبب قيامه المبكر جداً من النوم فيستريح قليلاً ثم يقوم ليكمل قوانينه فيتأخر قليلاً فى الأنتهاء منها والنزول إلى عمله مع العلم بأن هذه الراحة تغنيه عن راحة أو نوم فترة الظهيرة .