سلام ونعمة://
فأهتم أولا بخلاص نفسك ، لان تخليص الغير ليس سهلا "
الانسان الذي يريد أن يخلص نفسه لا يفكر أن يصير راعيا ، بل هو يهرب من الرعاية على قدر ما يستطيع. وأن أمسكه الله بالقوة وصار راعيا ، عند ذلك يطلب منه قوة يعمل بها ، لانه بنفسه لا يستطيع شيئا .. والذى يثق بقوته ومواهبه وقدرته على أن يخلص الاخرين. لابد أن يكون شخصا مغرورا..
فليبعد الانسان عن حب الرئاسة حتى ولو كان سببها رغبة خلاص الناس. ففى الحقيقة ان هذه سببها محبة المجد الباطل لا خلاص الناس.
5-الهروب آلي المتكأ الاخير :
الانسان المتضع يبعد عن الرئاسات والمناصب ، ويحب المتكأ الاخير لانه يشعر أن هذا هو استحقاقة اذ قال القديسون : " اعتبر نفسك أقل من الكل وآخر الكل لكى تستريح.. " قال القديس برصنوفيوس : " لا تحسب نفسك فى شىء من الامور ولا يحسبك أحد سيئا.. وأنت تتنيح (تستريح) ".
الانسان غير المحب للمديح والكرامة يهرب من المناصب والمتكآت الاولى ويشتهى أن يخدم غيره ولا يخدمه أحد.. يشتهى أن يتتلمذ على المرشدين ولا يكون مرشدا لاخرين : قال الشيخ الروحانى : " فى آي مكان وجدت فيه كن صغير اخوتك وخديمهم ". طلب من احد الاباء الكهنه بعد رسامته ان اقول له كلمة او نصيحة فقلت له : " كن ابنا وسط أخوتك واخا وسط أولادك " فالذى ينزل درجة يرتفع درجات.
وهذا هو الذي يستريح فى منصب من المناصب ، أما اذا كان يريد أن يتمتع بكل كرامة هذا المنصب ويملا كرسيه أو ينتفخ ، فهذا انسان مسكين. أما أنت فكن آخر الكل ، صغير اخوتك وخديمهم ، فى كل مكان تحل فيه. وان كان السيد المسيح قد غسل أرجل التلاميذ وهو المعلم والسيد ، فهل تبقى أنت رئيسا على أحد .
واذا كنت رئيسا :
وليس معنى هذا الكلام أن أرفض الرئاسة لوأتت آلي فى وضعها الطبيعى فليس الضرر هو الرئاسة أنما الضرر هو محبة الرئاسة ليس الضرر أن تبقى رئيسا ولكن الضررهو ان تتسلط على الناس.. هناك انسان يبقى رئيسا وصاحب المتكأ الاول وهو شخص متواضع يعامل الناس بمنتهى الرفق لانه واحد منهم. والرئيس ليس رئيسا على الافراد ، ولكنه رئيس على العمل فقط. والرئيس والمرؤوس سواء عند الله ، بل ربما تكون للمرؤوس منزلة أكبر. والرئيس الحقيقى هو الذي يشعر بأنه زميل يتفاهم مع مرؤسيه بالمحبة وبالبساطة ، لان الرئاسة والسلطة تعطى للناس من أجل ادارة العمل ، وليس من أجل كرامتهم الشخصية – كالذى يأخذ درجة عليا من الدرجات الكهنوتية – ان أعتبر ذلك تكبيرا لذاته ، يكون قد انحرف بالسلطة عن معناها الاصلى كوسيلة تمكن صاحب العمل من ادارة العمل.
يحكى عن القديس باخوميوس أب الرهبان أنه كان يسير مرة مع مجموعة منهم وكل يحمل حاجياته. فتقدم أحد الرهبان ليحمل حاجيات باخوميوس فرفض وقال له : " اذا كان المسيح له المجد دعا نفسه أخا للتلاميذ فهل استخدمكم أنا فى حاجياتى.. لا يصير هذا الامر أبدا. من أجل الاديرة الاخرى كائنة بانحلال لان كبارهم مستعبدون لصغارهم " .
وبولس الرسول يقول : " حاجاتى وحاجات الذين معى خدمتها هاتان اليدان " أع 34:20.
7- كن رئيسا على ذاتك أولا :
وقال الشيخ الروحانى وهو ينصح الرهبان الصغار الا يشتهوا رئاسة مجمع الرهبان : " ان حوربت بهذا الفكر فقل ان مجمعى هو مجمع افكارى التى اقامنى الله رئيسا عليها لكى أدبر أهل بيتى ". فكن رئيسا على أفكارك وأحكمها حسنا ، لئلا تطيش شرقا أو غربا. كن رئيسا على حواسك ونظراتك وعلى سمعك ، كن رئيسا على شهوات قلبك واضبطها. وان تمكنت من ان تكون رئيسا على نفسك وتضبطها ،
فأنت الشخص الذي تصلح أن تكون رئيسا. واذا كنت لم تعرف ان تحكم نفسك ولا لسانك ولا فكرك ولا قلبك من الداخل ، فكيف تصلح ان تكون رئيسا على غيرك ؟ .. ان لم تكن أمينا على القليل لا يمكن ان تكون أمينا عاى الكثير.
جاء أحد الرهبان آلي القديس تيموثاوس وقال له : " ياأبى انى أرى فكرى مع الله دائما " فأجابه :
" يابنى أفضل من هذا أن ترى فكرك تحت كل خليقة ".
أبعد عن الرئاسات والمتكآت الاولى .. أحترم الكل ، وعامل الكل بلباقة فأية محبة تكون للذين يعاملون من هم أقل منهم باحترام وتوقير .. انك تقدر أن تحترم الشخص الاكبر منك ، وهذا أمر لا فضل لك فيه لانك مرغم ومضطر أن تحترمه ، لكن من يحترم الاقل منه يكون متضعا .. الذي يحرم الاصغر منه فى المنصب أو العلم أو السن أو المقام ، ويحفظ حقوقهم ويشعرهم بشخصيتهم ، يكون هو الشخص الذي يستحق المحبة من الكل ، وليست كرامتك هى ان يخضع الناس لك بحكم القانون أو الاحترام ولكنها شعور توقير ينبع من القلب وليس من الظاهر فقط.
ثالثا : احتقار النفس والاتضاع :
ان الانسان الذي يبعد عن محبة المديح والكرامة ، يحتقر ذاته فلا يسمح لاحد أن يمدحه ، ولا يسمح لنفسه أيضا أن تمتدحه. والذى تمتدحه نفسه يجب أن يتذكر خطاياه ويقول كما يقول القديسون :
" أنا مازلت سائرا فى الطريق ولم أصل بعد للنهاية. ومن يدرى ربما أضل فى الطريق " من يظن أنه قائم فلينظر أن لا يسقط " 1كو12:10. أنا لم أصل بعد ".
انظر آلي المستويات التى هى أعلى منك. أما اذا نظرت آلي من هم أقل منك فانك تتكبر وتتعظم- لماذا كان اولاد الله متواضعين ؟ لانهم كانوا يعرفون الكمال المطلوب منهم. كانوا يصلون آلي درجات عظيمة فى النسك ، فى الصوم ، فى الصلاة ، فى أحتقار النفس ، فى كل شىء ، وكانوا قدام أنفسهم ضعفاء ومساكين ، لانهم يعرفون أن هناك درجات أعلى بكثير من حياتهم.
أن مدحتك نفسك قل لنفسك : " ماذا فعلت لكى تمدحنى نفسى ؟ ". هل لصومك وصلواتك وعمل الوصايا تمدحك نفسك ؟ اذا كانت صلاتك عادية فكثيرون يصلون بالمزامير. واذا كنت تصلى ببعض المزامير ، فهناك من يصلون بالمزامير كلها. واذا كنت تصلى ساعة أو أكثر ، فهناك من يسهرون الليل كله. واذا كنت تصلى الليل كله فهناك من يصلون النهار والليل فى صلوات دائمة. آلي آي درجة وصلت فى الصلاة ؟ كان القديس ارسانيوس يقف مصليا عند غروب الشمس وهو ناظر آلي الشرق والشمس وراءه ، ويظل قائما فى الصلاة آلي ان تطلع الشمس أمامه. هل علمت مثله ؟ - درب القديس الانبا مكاريوس الاسكندرى نفسه على ان يصلب عقله عدة أيام فلا يمكن أن يمر فى عقله أو فى فكره شىء غير الله. آلي آي مدى وصلت انت ؟ فهناك آباء كانوا يقضون أياما كثيرة فى الصوم بالاسابيع وانت ماذا فعلت ؟ .
آلي اى درجة وصلت فى الاحسان ؟ هل تدفع العشور ؟ وماذا تكون العشور ، انها مبدأ يهودى وليست مبدأ مسيحيا. طالب الرب اليهودى بدفع العشور ، أما عن المسيحيين فقال لهم " بع كل مالك وأعط للفقراء ".. فهل بعت كل مالك ؟ يقول الكتاب : " بيعوا أمتعتكم وأعطوا صدقة " .. هل علمت هكذا ؟ وأن بعت فعلا كل مالك هناك درجة أعظم من هذا : كان أحد القديسين متناهيا فى الرحمة فباع كل شىء وأعطاه للفقراء. وعندما لم يجد شيئا آخر ليعطيه ، باع نفسه عبدا واعطى تمن نفسه للفقراء .
قارن نفسك بهذه المستويات ، فتحتقر نفسك وتتضع من الداخل. أن نظرت لمن هم أقل منك تنتفخ. كالتلميذ الذي ينجح وينال مجموعا 50% ، أن قارن نفسه بالراسبين ينتفخ لانه ناجح ، وان قارن نفسه بالناجحين بمجموع أكبر يتضاءل فى عين نفسه. كذلك أنت ، قارن نفسك بالمستوى الاعلى ، فتشعر بأنك مازلت ضعيفا ومسكينا ولم تعمل شيئا بعد.
أعرف أيضا طبيعتك انك تراب ورماد وانك قابل للسقوط حاول أن تنكر ذاتك وأن تخفى فضائلك ، فلا تقبل مديح الناس ولا مديح نفسك.
قيل عن اثنين من الشبان الرهبان انهما دخلا آلي مائدة الدير وكانت فى ذلك الحين مقسمة آلي موائد للشيوخ وأخرى للشبان – فدعا الشيوخ واحدا منهما فجلس معهم ، أما الاخر فذهب آلي مائدة الشبان. وبعدما خرجوا قال الذي ذهب آلي مائدة الشبان لزميله " كيف تجرأت وانت شاب تجلس مع الشيوخ ؟ " فأجابه قائلا : أنني فضلت هذا لاننى لو كنت قد جلست عل مائدة الشبان لكانوا يمتدحوننى لانى أكبرهم وربما قدمونى فى كل شىء ودعونى لقراءة البركة والصلاة. ولكننى عندما كنت جالسا على مائدة الشيوخ ، كنت أحس بضعفى ، وبأنى لا أستحق الكلام وجلست خجولا مطرقا طول الوقت .
هذا هو الفهم الحقيقى للنفس والمتكأ الاخير : أن يشعر الانسان فى نفسه من الداخل أنه هو فعلا فى المتكأ الاخير. فهناك شخص من اجل اسم الاتضاع قد يختار المتكأ الاخير ، والمجد الباطل يقتله. فاذا كنت تريد المتكأ الاخير فعلا ، اجعل قلبك من الداخل فى هذا المتكأ ، شاعرا فى عمق أعماقك أنك فى المتكأ الاخير ، حتى ولو أجلسوك فى المتكأ الاول ، قائلا لنفسك : ان كل هؤلاء الناس أفضل منى.
ان وقفت تدرس الاطفال فى مدارس الاحد ، أنظر اليهم أنهم ملائكة أفضل منك ، وأطلب من الله أن تكون فى بساطتهم ونقاوتهم وفى كرامتهم عند الله. كان أحد المدرسين فى مدارس الاحد عندما يقع فى مشكلة يطلب آلي أطفال فصله ان يصلوا من أجله فى ضيقته. وكان يقول انى جربت صلاتهم فى مشاكل حياتى ، وكنت أشعر انها قوية ولها مفعول كبير أكثر من صلاتى الخاصة.
رابعا : احتقار مديح الناس والزهد فيه :
الانسان الزاهد فى المديح ، يزهد فى كل ما يعرفه عنه الناس من خير. فهو لا يريد أن يكون ممدوحا منهم لانه يعتبر أن مديح الناس اياه والكرامة التى يقدمونها له هى خسارة. بل هو يريد أن تكون الكرامة الوحيدة التى له عند الله مرددا قول السيد المسيح " مجدا من الناس لست أقبل " (يو41:5). وقوله
" مجدنى أنت أيها الاب عند ذاتك بالمجد الذي كان لى عندك قبل كون العالم " (يو5:17). مريدا أن يمجد من الله وليس من الناس. فما هو المجد الذي كان لك أيها الاخ عند الاب قبل كون العالم ؟ مجدك الحقيقى هو أنك صورة الله ومثاله. مجدك الحقيقى هو فى علو شخصيتك من الداخل ، وفى نقاوة قلبك ، وفى فكرة الله عنك.
أما المجد الذي تأخذه من الناس فهو زائف وربما يكون عن جهل ، لان الذين يمدحونك لا يعرفون حقيقتك وهم يحكمون حسب الظاهر ، لا يقرأون أفكارك ، ولا يعرفون مشاعرك واحساساتك الداخلية ولا خطاياك الخفية.. ومديح الناس لا يوصلك آلي ملكوت الله لان الله فاحص القلوب والكلى ولا يعتمد فى حكمه على أفكار الناس.
وبعض الناس يمدحون بسبب المجاملة ، والبعض بسبب التشجيع ، والبعض بسبب أدبه الخاص ، والبعض يمدح لغرض معين فى نفسه ، والبعض يمدح بسبب التملق. والمسكين الذي يحب المديح يهمه أن يمدح كيفما كان الامر ، ويلذ له أن يصدق كل ما يقال فيه من خير سواء عن حق أو عن باطل.
ومديح الناس يضر الكثيرين ويضللهم. لذلك ينبغى لك أن تصادق من يوبخك ويوجهك. أما اذا مدحك الناس ، فتذكر خطاياك ونقائصك ، واعترافاتك المتعبة لك ، والاخطاء البشعة التى وقعت فيها فى حياتك. فعند ذلك يخف ألم المديح.
أخطر نوع من أنواع المديح هو أن تمدحك نفسك من الداخل :
عندما تظن فى نفسك أنك كبير وعظيم وحكيم وصالح. تلك هى الكبرياء الموجودة فى الداخل ، فلابد أن تعرف أنك انسان ضعيف ، وأن كل مالك من قوة – ان كنت سائرا فى طريق الله – راجع آلي أن النعمة تسندك فى حياتك. ولو تخلت عنك النعمة قليلا ، لسقطت فى الخطايا التى كنت تنتقد الناس عليها ، والتى تظن أنك أقوى منها وأنك تقع فيها فى يوم من الايام.
للتخلص من المديح :
من يريد أن يتخلص من محبة المديح لابد أن يشعر بأهمية المستقبل الابدى ، ويهتم به ويجعله الهدف الاساسى لحياته. فلا يبنى مجده على الارض ، بل يرفض الكرامة العالمية ، ويهتم بالكرامة التى منحها له الله عندما وضع اكليل البر ، ويكنز خيراته فى السماء. لذلك فان الابرار كانوا يرفضون كل أنواع الكرامة .
ومن يحتقر المديح يهرب من محبة الرؤى والمناظر. فكثير من الاباء الذين سقطوا برؤى خاطئة من الشياطين ، كان سبب سقوطهم هو محبة الكرامة والمديح ، واشتهاء الرؤى والمعجزات والعجائب والمناظر الالهية. ان بامكان الشياطين أن يظهروا فى هيئة ملائكة نور ، بل وفى هيئة المسيح نفسه. فينبغى لمن يحبون الله الا يهتموا بالمناظر ولا ينخدعوا بها.
ظهر الشيطان مرة لقديس وقال له : أنا جبرائيل جئت إليك. فرد القديس عليه قائلا : لعلك أتيت لاخر لانى لا أستحق أن يرسل الرب جبرائيل آلي. فان ظهرت لك أمثال هذه الرؤى والمناظر فارفضها.
كلما كان القديسون يرتفعون فى حياتهم الروحية كلما كانت هذه المناظر تتضائل جدا فى نظرهم. ويروى عن أحد الاباء الكبار الجبابرة فى حياة الروح ، أنه كان سائرا فى الطريق يصلى وقلبه ممتلىء بمجد الله ونفسه ملتصقة التصاقا كاملا به. وفيما هو يصلى وجد ملاكين عن يمينه وعن يساره ، فلم يسمح لنفسه أن يلتفت آلي آي منهما ، واستمر فى صلاته كما هو مرددا فى فكره " من يفصلنى عن محبة المسيح ؟.. لا ملاك ولا رئيس ملائكة " رو 38:8 لذلك يقول القديس باخوميوس ومار اسحق " ان من يرى خطاياه أفضل من الذي يرى ملائكة ". فلا تطلب أنت هذه الرؤى بل أشعر بأنك لا تستحق. فى احدى المرات سألوا القديس أنبا باخوميوس وقالوا له : قل لنا عن منظر حسن رأيته فأجابهم " من كان مثلى خاطئا لا يعطى مناظر. أما ان اردتم منظرا حسنا ترونه ، فانظروا آلي شخص وديع متواضع فأنكم تبصرون الله فيه. وعن أفصل من هذا المنظر لا تبحثوا.
الانسان المتكبر المحب للكرامة يشتهى رؤية الملائكة ، لكن المتضع يشتهى رؤية خطاياه. ان الرؤى لاتخلص نفسك فى اليوم الاخير ، لكن معرفتك بجهالاتك وبنقائصك تجعلك تخلص.
ولكى ترفض المديح ينبغى أن تخفى الاعمال الفاضلة وحكمتك عن الناس ، وأجعلها تظهر أمام الله فقط. ان كنت تعمل الخير من أجل الله لا من أجل الناس ، فماذا يهمك ان كان الناس يرون هذا الخير أو لا يرونه ؟
فى احدى المرات أتى جماعة من الرهبان آلي الاب زينون بسوريا وكشفوا له أخطاء ونقائص لهم. فنظر اليهم وقال : " هكذا حال الرهبان المصريين : ان كانت لهم فضيلة يخفونها ، وما ليس فيهم من الرذائل ينسبونه آلي أنفسهم ".
فى مرة أخرى كان يعيش فى برية شيهيت راهب سورى الاصل فهذا جاء آلي القديس مكاريوس وقال له : " لى سؤال يا أبى : عندما كنت فى سوريا كنت أستطيع أن أصوم كثيرا وأطوى الايام صوما. أما ألان فى مصر فلا أستطيع أن أكمل اليوم صوما. فلماذا ؟ " وحيث أن الاديرة فى سوريا كانت فى المدن فى وسط الناس ، رد عليه القديس مكاريوس وقال له : " لقد كنت تطوى الايام صوما لانك كنت تتغذى على المجد الباطل ، الذي هو مديح الناس لك أثناء الصيام والانقطاع عن الطعام. أما فى البرية فلا يراك أحد ، فلذلك تجوع بسرعة ". لذلك قال القديسون " ان الفضائل اذا عرفت تبيد وتنتهى ". لذلك كانوا يخفون فضائلهم وحكمتهم ومعرفتهم.
فى مرة زار ثلاثة أشخاص القديس الانبا أنطونيوس الكبير وهم القديس العظيم الانبا يوسف واثنان من الرهبان المبتدئين. فسألهم عن أحدى الايات : سأل الاول فقال له لا أعرف. وسأل الثانى فقال له أيضا لا أعرف. وبعد ذلك سأل القديس الانبا يوسف ، ففكر قليلا وقال له لا أعرف. فنظر اليه الانبا انطونيوس وقال له : طوباك يا أبنا يوسف لانك عرفت الطريق آلي كلمة لا أعرف.
الانسان الذي يحب المديح يشتهى أن لا يعرف الجميع الاجابة لكى يجيب هو وحده. ولكن " المحبة لا تفرح بالاثم بل تفرح بالحق " (1كو6:13). أن كنت تحب أن تظهر للناس معرفتك بهذه الطريقة ، فأنت تبنى مجدك على ضياع الاخرين وجهل الناس. لذلك قال القديسون : "اذا وجدت وسط الحكماء فانصت ولا تتكلم ، وان سألوك عن شىء فقل لا أعرف". واجتهد باستمرار أن تظهر عيوبك وتخفى فضائلك. فاذا أراد الله أن يظهرها فلتكن مشيئته ، أما أنت فلا تظهرها على الاطلاق لئلا تأخذ أجرك من الناس.
ولربنا كل مجد وكرامة آمين..
[img(345,347):a93e]http://onewayg.com/vb/images/jesuscome[1].gif[/img:a93e]
فأهتم أولا بخلاص نفسك ، لان تخليص الغير ليس سهلا "
الانسان الذي يريد أن يخلص نفسه لا يفكر أن يصير راعيا ، بل هو يهرب من الرعاية على قدر ما يستطيع. وأن أمسكه الله بالقوة وصار راعيا ، عند ذلك يطلب منه قوة يعمل بها ، لانه بنفسه لا يستطيع شيئا .. والذى يثق بقوته ومواهبه وقدرته على أن يخلص الاخرين. لابد أن يكون شخصا مغرورا..
فليبعد الانسان عن حب الرئاسة حتى ولو كان سببها رغبة خلاص الناس. ففى الحقيقة ان هذه سببها محبة المجد الباطل لا خلاص الناس.
5-الهروب آلي المتكأ الاخير :
الانسان المتضع يبعد عن الرئاسات والمناصب ، ويحب المتكأ الاخير لانه يشعر أن هذا هو استحقاقة اذ قال القديسون : " اعتبر نفسك أقل من الكل وآخر الكل لكى تستريح.. " قال القديس برصنوفيوس : " لا تحسب نفسك فى شىء من الامور ولا يحسبك أحد سيئا.. وأنت تتنيح (تستريح) ".
الانسان غير المحب للمديح والكرامة يهرب من المناصب والمتكآت الاولى ويشتهى أن يخدم غيره ولا يخدمه أحد.. يشتهى أن يتتلمذ على المرشدين ولا يكون مرشدا لاخرين : قال الشيخ الروحانى : " فى آي مكان وجدت فيه كن صغير اخوتك وخديمهم ". طلب من احد الاباء الكهنه بعد رسامته ان اقول له كلمة او نصيحة فقلت له : " كن ابنا وسط أخوتك واخا وسط أولادك " فالذى ينزل درجة يرتفع درجات.
وهذا هو الذي يستريح فى منصب من المناصب ، أما اذا كان يريد أن يتمتع بكل كرامة هذا المنصب ويملا كرسيه أو ينتفخ ، فهذا انسان مسكين. أما أنت فكن آخر الكل ، صغير اخوتك وخديمهم ، فى كل مكان تحل فيه. وان كان السيد المسيح قد غسل أرجل التلاميذ وهو المعلم والسيد ، فهل تبقى أنت رئيسا على أحد .
واذا كنت رئيسا :
وليس معنى هذا الكلام أن أرفض الرئاسة لوأتت آلي فى وضعها الطبيعى فليس الضرر هو الرئاسة أنما الضرر هو محبة الرئاسة ليس الضرر أن تبقى رئيسا ولكن الضررهو ان تتسلط على الناس.. هناك انسان يبقى رئيسا وصاحب المتكأ الاول وهو شخص متواضع يعامل الناس بمنتهى الرفق لانه واحد منهم. والرئيس ليس رئيسا على الافراد ، ولكنه رئيس على العمل فقط. والرئيس والمرؤوس سواء عند الله ، بل ربما تكون للمرؤوس منزلة أكبر. والرئيس الحقيقى هو الذي يشعر بأنه زميل يتفاهم مع مرؤسيه بالمحبة وبالبساطة ، لان الرئاسة والسلطة تعطى للناس من أجل ادارة العمل ، وليس من أجل كرامتهم الشخصية – كالذى يأخذ درجة عليا من الدرجات الكهنوتية – ان أعتبر ذلك تكبيرا لذاته ، يكون قد انحرف بالسلطة عن معناها الاصلى كوسيلة تمكن صاحب العمل من ادارة العمل.
يحكى عن القديس باخوميوس أب الرهبان أنه كان يسير مرة مع مجموعة منهم وكل يحمل حاجياته. فتقدم أحد الرهبان ليحمل حاجيات باخوميوس فرفض وقال له : " اذا كان المسيح له المجد دعا نفسه أخا للتلاميذ فهل استخدمكم أنا فى حاجياتى.. لا يصير هذا الامر أبدا. من أجل الاديرة الاخرى كائنة بانحلال لان كبارهم مستعبدون لصغارهم " .
وبولس الرسول يقول : " حاجاتى وحاجات الذين معى خدمتها هاتان اليدان " أع 34:20.
7- كن رئيسا على ذاتك أولا :
وقال الشيخ الروحانى وهو ينصح الرهبان الصغار الا يشتهوا رئاسة مجمع الرهبان : " ان حوربت بهذا الفكر فقل ان مجمعى هو مجمع افكارى التى اقامنى الله رئيسا عليها لكى أدبر أهل بيتى ". فكن رئيسا على أفكارك وأحكمها حسنا ، لئلا تطيش شرقا أو غربا. كن رئيسا على حواسك ونظراتك وعلى سمعك ، كن رئيسا على شهوات قلبك واضبطها. وان تمكنت من ان تكون رئيسا على نفسك وتضبطها ،
فأنت الشخص الذي تصلح أن تكون رئيسا. واذا كنت لم تعرف ان تحكم نفسك ولا لسانك ولا فكرك ولا قلبك من الداخل ، فكيف تصلح ان تكون رئيسا على غيرك ؟ .. ان لم تكن أمينا على القليل لا يمكن ان تكون أمينا عاى الكثير.
جاء أحد الرهبان آلي القديس تيموثاوس وقال له : " ياأبى انى أرى فكرى مع الله دائما " فأجابه :
" يابنى أفضل من هذا أن ترى فكرك تحت كل خليقة ".
أبعد عن الرئاسات والمتكآت الاولى .. أحترم الكل ، وعامل الكل بلباقة فأية محبة تكون للذين يعاملون من هم أقل منهم باحترام وتوقير .. انك تقدر أن تحترم الشخص الاكبر منك ، وهذا أمر لا فضل لك فيه لانك مرغم ومضطر أن تحترمه ، لكن من يحترم الاقل منه يكون متضعا .. الذي يحرم الاصغر منه فى المنصب أو العلم أو السن أو المقام ، ويحفظ حقوقهم ويشعرهم بشخصيتهم ، يكون هو الشخص الذي يستحق المحبة من الكل ، وليست كرامتك هى ان يخضع الناس لك بحكم القانون أو الاحترام ولكنها شعور توقير ينبع من القلب وليس من الظاهر فقط.
ثالثا : احتقار النفس والاتضاع :
ان الانسان الذي يبعد عن محبة المديح والكرامة ، يحتقر ذاته فلا يسمح لاحد أن يمدحه ، ولا يسمح لنفسه أيضا أن تمتدحه. والذى تمتدحه نفسه يجب أن يتذكر خطاياه ويقول كما يقول القديسون :
" أنا مازلت سائرا فى الطريق ولم أصل بعد للنهاية. ومن يدرى ربما أضل فى الطريق " من يظن أنه قائم فلينظر أن لا يسقط " 1كو12:10. أنا لم أصل بعد ".
انظر آلي المستويات التى هى أعلى منك. أما اذا نظرت آلي من هم أقل منك فانك تتكبر وتتعظم- لماذا كان اولاد الله متواضعين ؟ لانهم كانوا يعرفون الكمال المطلوب منهم. كانوا يصلون آلي درجات عظيمة فى النسك ، فى الصوم ، فى الصلاة ، فى أحتقار النفس ، فى كل شىء ، وكانوا قدام أنفسهم ضعفاء ومساكين ، لانهم يعرفون أن هناك درجات أعلى بكثير من حياتهم.
أن مدحتك نفسك قل لنفسك : " ماذا فعلت لكى تمدحنى نفسى ؟ ". هل لصومك وصلواتك وعمل الوصايا تمدحك نفسك ؟ اذا كانت صلاتك عادية فكثيرون يصلون بالمزامير. واذا كنت تصلى ببعض المزامير ، فهناك من يصلون بالمزامير كلها. واذا كنت تصلى ساعة أو أكثر ، فهناك من يسهرون الليل كله. واذا كنت تصلى الليل كله فهناك من يصلون النهار والليل فى صلوات دائمة. آلي آي درجة وصلت فى الصلاة ؟ كان القديس ارسانيوس يقف مصليا عند غروب الشمس وهو ناظر آلي الشرق والشمس وراءه ، ويظل قائما فى الصلاة آلي ان تطلع الشمس أمامه. هل علمت مثله ؟ - درب القديس الانبا مكاريوس الاسكندرى نفسه على ان يصلب عقله عدة أيام فلا يمكن أن يمر فى عقله أو فى فكره شىء غير الله. آلي آي مدى وصلت انت ؟ فهناك آباء كانوا يقضون أياما كثيرة فى الصوم بالاسابيع وانت ماذا فعلت ؟ .
آلي اى درجة وصلت فى الاحسان ؟ هل تدفع العشور ؟ وماذا تكون العشور ، انها مبدأ يهودى وليست مبدأ مسيحيا. طالب الرب اليهودى بدفع العشور ، أما عن المسيحيين فقال لهم " بع كل مالك وأعط للفقراء ".. فهل بعت كل مالك ؟ يقول الكتاب : " بيعوا أمتعتكم وأعطوا صدقة " .. هل علمت هكذا ؟ وأن بعت فعلا كل مالك هناك درجة أعظم من هذا : كان أحد القديسين متناهيا فى الرحمة فباع كل شىء وأعطاه للفقراء. وعندما لم يجد شيئا آخر ليعطيه ، باع نفسه عبدا واعطى تمن نفسه للفقراء .
قارن نفسك بهذه المستويات ، فتحتقر نفسك وتتضع من الداخل. أن نظرت لمن هم أقل منك تنتفخ. كالتلميذ الذي ينجح وينال مجموعا 50% ، أن قارن نفسه بالراسبين ينتفخ لانه ناجح ، وان قارن نفسه بالناجحين بمجموع أكبر يتضاءل فى عين نفسه. كذلك أنت ، قارن نفسك بالمستوى الاعلى ، فتشعر بأنك مازلت ضعيفا ومسكينا ولم تعمل شيئا بعد.
أعرف أيضا طبيعتك انك تراب ورماد وانك قابل للسقوط حاول أن تنكر ذاتك وأن تخفى فضائلك ، فلا تقبل مديح الناس ولا مديح نفسك.
قيل عن اثنين من الشبان الرهبان انهما دخلا آلي مائدة الدير وكانت فى ذلك الحين مقسمة آلي موائد للشيوخ وأخرى للشبان – فدعا الشيوخ واحدا منهما فجلس معهم ، أما الاخر فذهب آلي مائدة الشبان. وبعدما خرجوا قال الذي ذهب آلي مائدة الشبان لزميله " كيف تجرأت وانت شاب تجلس مع الشيوخ ؟ " فأجابه قائلا : أنني فضلت هذا لاننى لو كنت قد جلست عل مائدة الشبان لكانوا يمتدحوننى لانى أكبرهم وربما قدمونى فى كل شىء ودعونى لقراءة البركة والصلاة. ولكننى عندما كنت جالسا على مائدة الشيوخ ، كنت أحس بضعفى ، وبأنى لا أستحق الكلام وجلست خجولا مطرقا طول الوقت .
هذا هو الفهم الحقيقى للنفس والمتكأ الاخير : أن يشعر الانسان فى نفسه من الداخل أنه هو فعلا فى المتكأ الاخير. فهناك شخص من اجل اسم الاتضاع قد يختار المتكأ الاخير ، والمجد الباطل يقتله. فاذا كنت تريد المتكأ الاخير فعلا ، اجعل قلبك من الداخل فى هذا المتكأ ، شاعرا فى عمق أعماقك أنك فى المتكأ الاخير ، حتى ولو أجلسوك فى المتكأ الاول ، قائلا لنفسك : ان كل هؤلاء الناس أفضل منى.
ان وقفت تدرس الاطفال فى مدارس الاحد ، أنظر اليهم أنهم ملائكة أفضل منك ، وأطلب من الله أن تكون فى بساطتهم ونقاوتهم وفى كرامتهم عند الله. كان أحد المدرسين فى مدارس الاحد عندما يقع فى مشكلة يطلب آلي أطفال فصله ان يصلوا من أجله فى ضيقته. وكان يقول انى جربت صلاتهم فى مشاكل حياتى ، وكنت أشعر انها قوية ولها مفعول كبير أكثر من صلاتى الخاصة.
رابعا : احتقار مديح الناس والزهد فيه :
الانسان الزاهد فى المديح ، يزهد فى كل ما يعرفه عنه الناس من خير. فهو لا يريد أن يكون ممدوحا منهم لانه يعتبر أن مديح الناس اياه والكرامة التى يقدمونها له هى خسارة. بل هو يريد أن تكون الكرامة الوحيدة التى له عند الله مرددا قول السيد المسيح " مجدا من الناس لست أقبل " (يو41:5). وقوله
" مجدنى أنت أيها الاب عند ذاتك بالمجد الذي كان لى عندك قبل كون العالم " (يو5:17). مريدا أن يمجد من الله وليس من الناس. فما هو المجد الذي كان لك أيها الاخ عند الاب قبل كون العالم ؟ مجدك الحقيقى هو أنك صورة الله ومثاله. مجدك الحقيقى هو فى علو شخصيتك من الداخل ، وفى نقاوة قلبك ، وفى فكرة الله عنك.
أما المجد الذي تأخذه من الناس فهو زائف وربما يكون عن جهل ، لان الذين يمدحونك لا يعرفون حقيقتك وهم يحكمون حسب الظاهر ، لا يقرأون أفكارك ، ولا يعرفون مشاعرك واحساساتك الداخلية ولا خطاياك الخفية.. ومديح الناس لا يوصلك آلي ملكوت الله لان الله فاحص القلوب والكلى ولا يعتمد فى حكمه على أفكار الناس.
وبعض الناس يمدحون بسبب المجاملة ، والبعض بسبب التشجيع ، والبعض بسبب أدبه الخاص ، والبعض يمدح لغرض معين فى نفسه ، والبعض يمدح بسبب التملق. والمسكين الذي يحب المديح يهمه أن يمدح كيفما كان الامر ، ويلذ له أن يصدق كل ما يقال فيه من خير سواء عن حق أو عن باطل.
ومديح الناس يضر الكثيرين ويضللهم. لذلك ينبغى لك أن تصادق من يوبخك ويوجهك. أما اذا مدحك الناس ، فتذكر خطاياك ونقائصك ، واعترافاتك المتعبة لك ، والاخطاء البشعة التى وقعت فيها فى حياتك. فعند ذلك يخف ألم المديح.
أخطر نوع من أنواع المديح هو أن تمدحك نفسك من الداخل :
عندما تظن فى نفسك أنك كبير وعظيم وحكيم وصالح. تلك هى الكبرياء الموجودة فى الداخل ، فلابد أن تعرف أنك انسان ضعيف ، وأن كل مالك من قوة – ان كنت سائرا فى طريق الله – راجع آلي أن النعمة تسندك فى حياتك. ولو تخلت عنك النعمة قليلا ، لسقطت فى الخطايا التى كنت تنتقد الناس عليها ، والتى تظن أنك أقوى منها وأنك تقع فيها فى يوم من الايام.
للتخلص من المديح :
من يريد أن يتخلص من محبة المديح لابد أن يشعر بأهمية المستقبل الابدى ، ويهتم به ويجعله الهدف الاساسى لحياته. فلا يبنى مجده على الارض ، بل يرفض الكرامة العالمية ، ويهتم بالكرامة التى منحها له الله عندما وضع اكليل البر ، ويكنز خيراته فى السماء. لذلك فان الابرار كانوا يرفضون كل أنواع الكرامة .
ومن يحتقر المديح يهرب من محبة الرؤى والمناظر. فكثير من الاباء الذين سقطوا برؤى خاطئة من الشياطين ، كان سبب سقوطهم هو محبة الكرامة والمديح ، واشتهاء الرؤى والمعجزات والعجائب والمناظر الالهية. ان بامكان الشياطين أن يظهروا فى هيئة ملائكة نور ، بل وفى هيئة المسيح نفسه. فينبغى لمن يحبون الله الا يهتموا بالمناظر ولا ينخدعوا بها.
ظهر الشيطان مرة لقديس وقال له : أنا جبرائيل جئت إليك. فرد القديس عليه قائلا : لعلك أتيت لاخر لانى لا أستحق أن يرسل الرب جبرائيل آلي. فان ظهرت لك أمثال هذه الرؤى والمناظر فارفضها.
كلما كان القديسون يرتفعون فى حياتهم الروحية كلما كانت هذه المناظر تتضائل جدا فى نظرهم. ويروى عن أحد الاباء الكبار الجبابرة فى حياة الروح ، أنه كان سائرا فى الطريق يصلى وقلبه ممتلىء بمجد الله ونفسه ملتصقة التصاقا كاملا به. وفيما هو يصلى وجد ملاكين عن يمينه وعن يساره ، فلم يسمح لنفسه أن يلتفت آلي آي منهما ، واستمر فى صلاته كما هو مرددا فى فكره " من يفصلنى عن محبة المسيح ؟.. لا ملاك ولا رئيس ملائكة " رو 38:8 لذلك يقول القديس باخوميوس ومار اسحق " ان من يرى خطاياه أفضل من الذي يرى ملائكة ". فلا تطلب أنت هذه الرؤى بل أشعر بأنك لا تستحق. فى احدى المرات سألوا القديس أنبا باخوميوس وقالوا له : قل لنا عن منظر حسن رأيته فأجابهم " من كان مثلى خاطئا لا يعطى مناظر. أما ان اردتم منظرا حسنا ترونه ، فانظروا آلي شخص وديع متواضع فأنكم تبصرون الله فيه. وعن أفصل من هذا المنظر لا تبحثوا.
الانسان المتكبر المحب للكرامة يشتهى رؤية الملائكة ، لكن المتضع يشتهى رؤية خطاياه. ان الرؤى لاتخلص نفسك فى اليوم الاخير ، لكن معرفتك بجهالاتك وبنقائصك تجعلك تخلص.
ولكى ترفض المديح ينبغى أن تخفى الاعمال الفاضلة وحكمتك عن الناس ، وأجعلها تظهر أمام الله فقط. ان كنت تعمل الخير من أجل الله لا من أجل الناس ، فماذا يهمك ان كان الناس يرون هذا الخير أو لا يرونه ؟
فى احدى المرات أتى جماعة من الرهبان آلي الاب زينون بسوريا وكشفوا له أخطاء ونقائص لهم. فنظر اليهم وقال : " هكذا حال الرهبان المصريين : ان كانت لهم فضيلة يخفونها ، وما ليس فيهم من الرذائل ينسبونه آلي أنفسهم ".
فى مرة أخرى كان يعيش فى برية شيهيت راهب سورى الاصل فهذا جاء آلي القديس مكاريوس وقال له : " لى سؤال يا أبى : عندما كنت فى سوريا كنت أستطيع أن أصوم كثيرا وأطوى الايام صوما. أما ألان فى مصر فلا أستطيع أن أكمل اليوم صوما. فلماذا ؟ " وحيث أن الاديرة فى سوريا كانت فى المدن فى وسط الناس ، رد عليه القديس مكاريوس وقال له : " لقد كنت تطوى الايام صوما لانك كنت تتغذى على المجد الباطل ، الذي هو مديح الناس لك أثناء الصيام والانقطاع عن الطعام. أما فى البرية فلا يراك أحد ، فلذلك تجوع بسرعة ". لذلك قال القديسون " ان الفضائل اذا عرفت تبيد وتنتهى ". لذلك كانوا يخفون فضائلهم وحكمتهم ومعرفتهم.
فى مرة زار ثلاثة أشخاص القديس الانبا أنطونيوس الكبير وهم القديس العظيم الانبا يوسف واثنان من الرهبان المبتدئين. فسألهم عن أحدى الايات : سأل الاول فقال له لا أعرف. وسأل الثانى فقال له أيضا لا أعرف. وبعد ذلك سأل القديس الانبا يوسف ، ففكر قليلا وقال له لا أعرف. فنظر اليه الانبا انطونيوس وقال له : طوباك يا أبنا يوسف لانك عرفت الطريق آلي كلمة لا أعرف.
الانسان الذي يحب المديح يشتهى أن لا يعرف الجميع الاجابة لكى يجيب هو وحده. ولكن " المحبة لا تفرح بالاثم بل تفرح بالحق " (1كو6:13). أن كنت تحب أن تظهر للناس معرفتك بهذه الطريقة ، فأنت تبنى مجدك على ضياع الاخرين وجهل الناس. لذلك قال القديسون : "اذا وجدت وسط الحكماء فانصت ولا تتكلم ، وان سألوك عن شىء فقل لا أعرف". واجتهد باستمرار أن تظهر عيوبك وتخفى فضائلك. فاذا أراد الله أن يظهرها فلتكن مشيئته ، أما أنت فلا تظهرها على الاطلاق لئلا تأخذ أجرك من الناس.
ولربنا كل مجد وكرامة آمين..
[img(345,347):a93e]http://onewayg.com/vb/images/jesuscome[1].gif[/img:a93e]