يقول البعض ان مريم هـى امرأة عادية أختيرت لغرض عظيم،
وأنـه إن كان يستلزم إختيار إمرأة ليتجسد فيها الله الكلمة وانه ما حدث هو فقط إختيار لـمريم،
فما هو الغريب والعجيب فى ذلك؟
الرد:
ان تجسد كلمة الله كان يمكن أن يحدث فى أي زمان عبر القرون منذ زمن حواء وحتى يومنا هذا، وأيضاً
كان يُـمكن أن يحدث فى أي مكان من العالـم،وكان يُـمكن أيضاً أن يكون من نسل أي
إمرأة بخلاف مريم العذراء سواء قبل الوقت أو بعد الوقت الذى كانت فيـه عذراء
الناصرة (لوقا26:1-27). فلـماذا ظهر الله فقط فى هذا الوقت أو كما ورد”فلما بلغ
الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من إمرأة مولوداً تحت الناموس”(غلاطية4:4) ولـماذا
أختيرت مريـم لتكون هذه الـمرأة التى يولد منها ابن الله؟، وما الذى تتصف بـه
عذراء الناصرة من الصفات أو الفضائل التى تجعلهـا أن تُصبح “ام الله”( لوقا43:1)؟
إن اختيار الله لإنسان ليقوم بدور ما يعتمد على ما يراه الله من صلاحية هذا الإنسان للقيام بدوره
وهكذا قال السيد الـمسيح عن شاول الطرسوسي “إن هذا لى إناءُ مختار ليحمل إسمي أمام
الأمم والملوك وبني إسرائيل” (أع 15:9). وأيضاً عندما إختار الله أول ملك على شعبه
وكان شاول بن قيس فيذكر عنه الكتاب الـمقدس انـه “مُنـتقى حسنُ لم يكن فى بني
اسرائيل رجل أحسن منه”(1ملوك 2:9). والقديس توما الأكويني يقول:” عندما الله يختار
بنفسه خليقة من خلائقه لـمهمّة خاصة، إنـه يهيئها مُسبقاً للقيام على أكـمل وجـه
بالخدمة التى يقّدرها له”،وعلى هذا النحو كانت العذراء مريم قد مُنحت ما تقتضيه
رسالة التجسد السري من نِعم ملائمة ليسند الله اليها دوراً كبيراً ومهما فى التجسد والفداء والخلاص.
لا يوجد سبب معيـن أو وحيد جعل الله يختار مريم عذراء الناصرة،
وما يلي بعض من تلك الأسباب:
1. تكريسهـا الكلي للـه منذ طفولتهـا
طبقاً للناموس اليهودي فإن “كل بِكر كل فاتح رَحم من بني إسرائيل” فهو مُقدس للرب (خروج2:13) ويجب
تقديـمه لهيكل الرب. وحسب روايـة انجيل يعقوب الغير قانونـي (Protoevangelium
of James) فلقد جاء أن يواقيم وحِنّـة والدا القديسة
مريـم قد قررا الوفاء بنذرهـما بتقديم طفلتهـما للرب فقدمـا إبنتهـما مريـم للهيكل
عندمـا كان عمرهـا ثلاث سنوات( وفى بعض الأقوال عندما كان عمرهـا سنتان وسبعة شهور
وسبعة أيام). وتقدمـة مريم للهيكل لم يكن أمراً مفروضاً فى الشريعة،فالشريعة ما
كانت تلزم إلاّ بتقدمـة الصبي بكر عائلتـه ولكن والدا مريم قدماها للرب وكرساها
لخدمة الهيكل منذ ميلادهـا. والرأى العام عند مؤرخي حياة العذراء مريم هو انها
مكثت سني صباها حتى سن الرابعة عشرعاما حيث سكنت مع رفيقاتها الـمكرّسات مثلها
احدى الأبنية الـمتصلة بهيكل سليمان،وهى مثل دار للفتيات يربين فيه وفيها يعشن فى
نظام مشترك مشابه لنظام الرهبنات الحالي. وكانت الفتيات تتعلم فى الهيكل الصلاة
والـمزامير والأناشيد مع التأمل وتدرس التوراة وتاريخ بنى اسرائيل والشرائع
والعادات والنبؤات التى تعلن عن مجيئ الـمسيّا. ثم يأتـى بعد ذلك الأعمال اليدويـة
العاديتة من تطريز لثياب الكهنة وإعداد العطور والغزل والنسج. وكانت مريم العذراء
تفعل كل ذلك فى صمت ومناجاة مع اللـه فى تواضع وتصنع الخير وتحب الفضيلة وفى طاعـة
كاملة،وبالطبع كانت ترى كل يوم الذبائح التى تقدم فى الفجر وعند غروب الشمس. وكان
كل اليهود يحضرون هذه التقدمة، وكانت تحضر فى أيام الأعياد مثل أعياد الفصح
والـمظال،وفى الـمساء كانت تجتمع الفتيات للصلاة. ويذكر بعض الكتّاب عن معجزات
كانت تقوم بهـا مريم العذراء،وأنـه كانت تأتيهـا مأكولات مخصوصة من السماء،أو
انهـا كانت تحادث الـملائكة،وكل هذه الروايات لا يمكن قبولهـا أو رفضهـا لأنـه لم يذكرلنا
شيئاً مؤكداً. لكن ما يجب أن نعلـمه أن مريم كانت متعبدة للـه التى نذرت لـه كل
نفسها وقلبها وجسدها،وإستمر عـمل النعـمة فيهـا طيلة حياتهـا حتى ان ملاكاً من
السماء حياهـا فيما بعد قائلاً:”يا ممتلئـة نعـمة”.
2. لأنهـا جاءت فى سلسلة الأنساب تميما للنبؤات
فـمنذ الوعد بالخلاص كما جاء فى سفر التكوين: “سأجعل عداوة بينكِ (الحيّة) وبين الـمرأة وبين
نسلِك ونسلهـا،هو يسحق رأسِك وأنتِ ترصيدن عقِبـه”(تكوين15:3)، هذه النبؤة التى
قيلت بفم الله،فإختار الله من كل البشريـة عائلة سام،ومن كل عائلة سام إختار الله
ليكون من بذرة إبراهيم (تكوين1:12-3)، ومن كل عائلة ابراهيم اختار يعقوب اسرائيل (تكوين
3:26و4)، ومن كل عائلة اسرائيل اختار سبط يهوذا (تكوين9:49و10 و عبرانيين 14:7)،ومن
كل عائلة يهوذا يختار داود(1 اخبار الأيام 12:17-14)،ومن جميع عائلة داود تتركز
نبوات الـمسيا على اثنين هما سليمان الحكيم ومنه جاء يوسف خطيب مريم العذراء وهو
الأب الإسمي ليسوع الـمسيح(متى6:1و16) وناثان ومنه جاءت العذراء مريم الأم
الحقيقية ليسوع (لوقا31:3).
من أجل هذا لـم
يشأ الـمخلّص أن يأتـى من سبط لاوي الذى كان سِبط الكهنوت لأنـه لـم يأتـى كاهنـا
على غرار كهنوت لاوي،فجاء من سِبط لـم يلازم أحد منهم الـمذبح ولـم يتكلم عن هذا
السِبط (يهوذا) شيئـا من جهة الكهنوت(عبرانيين 13:7-14)، “وأما هذا فلكونـه يـبقى
إلـى الأبد له كهنوت لا يزول”(عبرانيين24:7).
وسِبط يهوذا هو
سِبط الـمُلك الذى قال عنـه يعقوب “لا يزول قضيب من يهوذا ولا مشترع من بين رجليـه
حتى يأتـى شيلون ولـه يكون خضوع الأمم”(تكوين11:49). ومن سِبط يهوذا هذا خرج بوعز
ويسّى وداود (راعوث 13:4-21)، ومن داود خرج الـمسيح (متى1:1-16).
3. لأن فيهـا وجد الله ما جاء فى العهد القديم من رموز أو شخصيات أو أحداث تعكس صورة عن أم الـمسيّا الـمنتظر
إن الـمـسيح،كـلـمـة الله،هـو هـو أمـس واليوم والـى الأبد. لـقد كـلـّم الرب الأباء
فـى القديم وكـلّم الأنبياء عن الـمسيح الـمخلّص،ويـمـتلئ العهد القديم بالرموز عن
العذراء الأم الـمختارة لتكون أم الـمسيح الـفادي. ويلّخص لنـا القديس يوحنا
الدمشقي هذه الرموز فى عظة ألقاها “لقد أصبحتِ يـا مـريـم جنة عدن الروحية أقدس
وأرفع من القديـمة، ففى الأولـى كان يسكن آدم الأرضي أمـا فيكِ فيحلّ الرب الأتـي
من السمـاء. لقد مـثـلتكِ سفينة نوح التى أنقذت الخليقة الثانية لأنكِ ولدتِ
الـمسيح خلاص العالـم الذى غّرق الخطيئة وسكن أمواجها. أنتِ التى رمزت اليكِ
ثصورتكِ العليقة ورسمتكِ الألواح التى خطتها يد الله وأخبر عنكِ تابوت العهد
ومـثلتكِ مـجمـرة الذهب والـمنارة ولوحا العهد وعصا هارون التى افرخت (عبرانيين 4:9
وعدد 7و23) ، وُلد منكِ من هو شعلة الألوهية الـمن السمـاوي العذب، الإسم الذى
يسمو على كل اسم، النور الأزلي الذى لا يداني، خبز الحياة النازل من السماء. ألستِ
أنتِ التى سبق ودل عليكِ الأتون الذى إمتزجت ناره بالندى (دانيال 49:3-50) “ها أنا
أنظر أربعة رجال يتمشون وسط النار وما بهم ضرر ومنظر الرابع شبيه بإبن الألهة”،رمز
النار الإلهية التى جاءت فحلّت فيكِ. أكاد أغفل عن سلم يعقوب، ماذا؟ ألا يتضح لكل
أحد انه كان صورة عنكِ؟، فكما ان يعقوب رأى السماء متصلة بالأرض بطرفي السلم وعليه
ينزل الـملائكة ويصعدون وقد اشتبك معه فى صراع رمزي القوي الذى لايغلب هكذا أصبحتِ
أنتِ الوسيطة والسلم الذى نزل عليها الله نحونا وحمل ضعف طبيعتنا وإمتزج بها وجعل
من الإنسان روحا يرى الله. ومـا قولي فى أيات الأنبياء ألا يجب أن تعود اليكِ إذا
شئنا أن نثبت صحتها؟.
من هى العذراء التى قال عنها أشعيا انها تحبل وتلد إبناً يدعى الله معنا، أي انه يظل إلها ولو
صار إنساناً.؟.من هو جبل دانيال الذى قطع منه بغير يد بشرية حجر الزاوية التى هى
الـمسيح؟ أليس أنتِ التى حبلت بلا زواج ومازلت دائما عذراء؟.من هى تلك التى تكلّم
عنها داود والتى جُعلت عن يمين الملك بذهب أوفير؟”.
4. لأنهـا كانت مختارة منذ الأزل حسب علم الله الـمُسبق
عندما نقول عن مريم انهـا مـختـارةمن الله منذ الأزل،فمـاذا نعني بهذا الإختيار؟
جاء فى انجيل متى عن الإختيار ما يلي: “هكذا يكون الأخرون أولون و الأولون آخرين لأن كثيرين يُدعون
وقليلين يُنتخبون”(متى 16:20)، وكذلك نجد فى إنجيل يوحنا هذه الآيـة “لا يقدر أحد
أن يقبل إلـي إن لـم يجتذبـه الأب الذى أرسلني وأنا أقيمه فى اليوم الأخير” (يوحنا44:9).
إن هذا الإختيار هو شخصي من الله..وبحسب قصد الله.
“كـما إختارنا فيه قبل تأسيس العالـم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه فى
الـمحبة” (أفسس 4:1)، “ولكي يـبين غِنى مـجده على آنية رحمة قد سبق فأعدّها للـمجد” (رومية 23:9).
ابراهيم واسحق وموسى كان إختيارهم من الله والكثيرين غيرهم. ويذكر
الكتاب بعض النسوة اللواتي نلن حظوة فى عيني الله والناس مثل سارة التى ولدت إبنها اسحق
بطريقة عجيبة، ورفقة زوجة اسحق التى تم إختيارها من الله ، وراحيل التى أحبها
يعقوب والتى أعطاها الله إبن الـموعد يوسف بعد أن ظلّت عاقراً، ويهوديت مخلّصة شعب
الله، واستير الـملكة ولكن أين هؤلاء من مريم العذراء ، إنـما هن إلا رموزاً عن
عظمة مريم التى فاقت جميع الناس والـملائكة مجداً وعظمة.
عندما وقف الـملاك ليحي القديسة مريم قائلا لها “السلام عليك يا ممتلئة
نعمة” (لوقا 28:1) والـملاك يحييها هذه التحية قبل أن يحل عليها الروح القدس
وقبل أن يتجسد الكلمة فى أحشائها الطاهرة، فمتى بدأت تحظى بهذا الإمتلاء؟
أن مريم مختارة منذ الأزل لتكون أما لإبن العلي ولذا منذ أول لحظة من وجودها ملأها الثالوث الأقدس
بالنعمة الـمقدسة وكما قال لها الـملاك “إنكِ قد نلتِ نِعـمة عند الله”(لوقا30:1).
قال القديس غريوريوس العجائبي ” ان الله قد جعل فيها كل كنوز النعمة فهي السفينة التى حملت
جميع كنوز القداسة”. والكنيسة ترتـل “الغير الزمني أيتها العذراء إختارك من قبل
الزمان لتكون له كرسيا” والله لا يجلس إلا على كرسي الـملوكية الذى كله قداسة
ونعمة. “قولوا لإبنة صهيون هوذا مـخلّصك آت ها أجرته معه وجزاؤه أمامه ويسمونهم
شعباً مقدسا مفديي الرب وأنتِ تُسّمين الـمطّوبة غير الـمهجورة” (أشعيا 11:62-12).
ويقول القديس افرام السريانـي: “راحيل صرخت برجلها قائلة أعطني بني ، هنيئا لـمريم وقد حللت فى
حشاها بقداسة على غير مطلبة منها، يا للموهبة التى ألقت بنفسها على آخذيها. حنة
طلبت ولداً بدموع حارة، وسارة ورفقة بنذور ووعود وأليصابات بالصلاة وبعد أن طال عذابهن تعزين “.
إنها إبنة صهيون،مسكن الله،الإبنة الـمختارة، مريم الـملكة والأم.
وأنـه إن كان يستلزم إختيار إمرأة ليتجسد فيها الله الكلمة وانه ما حدث هو فقط إختيار لـمريم،
فما هو الغريب والعجيب فى ذلك؟
الرد:
ان تجسد كلمة الله كان يمكن أن يحدث فى أي زمان عبر القرون منذ زمن حواء وحتى يومنا هذا، وأيضاً
كان يُـمكن أن يحدث فى أي مكان من العالـم،وكان يُـمكن أيضاً أن يكون من نسل أي
إمرأة بخلاف مريم العذراء سواء قبل الوقت أو بعد الوقت الذى كانت فيـه عذراء
الناصرة (لوقا26:1-27). فلـماذا ظهر الله فقط فى هذا الوقت أو كما ورد”فلما بلغ
الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من إمرأة مولوداً تحت الناموس”(غلاطية4:4) ولـماذا
أختيرت مريـم لتكون هذه الـمرأة التى يولد منها ابن الله؟، وما الذى تتصف بـه
عذراء الناصرة من الصفات أو الفضائل التى تجعلهـا أن تُصبح “ام الله”( لوقا43:1)؟
إن اختيار الله لإنسان ليقوم بدور ما يعتمد على ما يراه الله من صلاحية هذا الإنسان للقيام بدوره
وهكذا قال السيد الـمسيح عن شاول الطرسوسي “إن هذا لى إناءُ مختار ليحمل إسمي أمام
الأمم والملوك وبني إسرائيل” (أع 15:9). وأيضاً عندما إختار الله أول ملك على شعبه
وكان شاول بن قيس فيذكر عنه الكتاب الـمقدس انـه “مُنـتقى حسنُ لم يكن فى بني
اسرائيل رجل أحسن منه”(1ملوك 2:9). والقديس توما الأكويني يقول:” عندما الله يختار
بنفسه خليقة من خلائقه لـمهمّة خاصة، إنـه يهيئها مُسبقاً للقيام على أكـمل وجـه
بالخدمة التى يقّدرها له”،وعلى هذا النحو كانت العذراء مريم قد مُنحت ما تقتضيه
رسالة التجسد السري من نِعم ملائمة ليسند الله اليها دوراً كبيراً ومهما فى التجسد والفداء والخلاص.
لا يوجد سبب معيـن أو وحيد جعل الله يختار مريم عذراء الناصرة،
وما يلي بعض من تلك الأسباب:
1. تكريسهـا الكلي للـه منذ طفولتهـا
طبقاً للناموس اليهودي فإن “كل بِكر كل فاتح رَحم من بني إسرائيل” فهو مُقدس للرب (خروج2:13) ويجب
تقديـمه لهيكل الرب. وحسب روايـة انجيل يعقوب الغير قانونـي (Protoevangelium
of James) فلقد جاء أن يواقيم وحِنّـة والدا القديسة
مريـم قد قررا الوفاء بنذرهـما بتقديم طفلتهـما للرب فقدمـا إبنتهـما مريـم للهيكل
عندمـا كان عمرهـا ثلاث سنوات( وفى بعض الأقوال عندما كان عمرهـا سنتان وسبعة شهور
وسبعة أيام). وتقدمـة مريم للهيكل لم يكن أمراً مفروضاً فى الشريعة،فالشريعة ما
كانت تلزم إلاّ بتقدمـة الصبي بكر عائلتـه ولكن والدا مريم قدماها للرب وكرساها
لخدمة الهيكل منذ ميلادهـا. والرأى العام عند مؤرخي حياة العذراء مريم هو انها
مكثت سني صباها حتى سن الرابعة عشرعاما حيث سكنت مع رفيقاتها الـمكرّسات مثلها
احدى الأبنية الـمتصلة بهيكل سليمان،وهى مثل دار للفتيات يربين فيه وفيها يعشن فى
نظام مشترك مشابه لنظام الرهبنات الحالي. وكانت الفتيات تتعلم فى الهيكل الصلاة
والـمزامير والأناشيد مع التأمل وتدرس التوراة وتاريخ بنى اسرائيل والشرائع
والعادات والنبؤات التى تعلن عن مجيئ الـمسيّا. ثم يأتـى بعد ذلك الأعمال اليدويـة
العاديتة من تطريز لثياب الكهنة وإعداد العطور والغزل والنسج. وكانت مريم العذراء
تفعل كل ذلك فى صمت ومناجاة مع اللـه فى تواضع وتصنع الخير وتحب الفضيلة وفى طاعـة
كاملة،وبالطبع كانت ترى كل يوم الذبائح التى تقدم فى الفجر وعند غروب الشمس. وكان
كل اليهود يحضرون هذه التقدمة، وكانت تحضر فى أيام الأعياد مثل أعياد الفصح
والـمظال،وفى الـمساء كانت تجتمع الفتيات للصلاة. ويذكر بعض الكتّاب عن معجزات
كانت تقوم بهـا مريم العذراء،وأنـه كانت تأتيهـا مأكولات مخصوصة من السماء،أو
انهـا كانت تحادث الـملائكة،وكل هذه الروايات لا يمكن قبولهـا أو رفضهـا لأنـه لم يذكرلنا
شيئاً مؤكداً. لكن ما يجب أن نعلـمه أن مريم كانت متعبدة للـه التى نذرت لـه كل
نفسها وقلبها وجسدها،وإستمر عـمل النعـمة فيهـا طيلة حياتهـا حتى ان ملاكاً من
السماء حياهـا فيما بعد قائلاً:”يا ممتلئـة نعـمة”.
2. لأنهـا جاءت فى سلسلة الأنساب تميما للنبؤات
فـمنذ الوعد بالخلاص كما جاء فى سفر التكوين: “سأجعل عداوة بينكِ (الحيّة) وبين الـمرأة وبين
نسلِك ونسلهـا،هو يسحق رأسِك وأنتِ ترصيدن عقِبـه”(تكوين15:3)، هذه النبؤة التى
قيلت بفم الله،فإختار الله من كل البشريـة عائلة سام،ومن كل عائلة سام إختار الله
ليكون من بذرة إبراهيم (تكوين1:12-3)، ومن كل عائلة ابراهيم اختار يعقوب اسرائيل (تكوين
3:26و4)، ومن كل عائلة اسرائيل اختار سبط يهوذا (تكوين9:49و10 و عبرانيين 14:7)،ومن
كل عائلة يهوذا يختار داود(1 اخبار الأيام 12:17-14)،ومن جميع عائلة داود تتركز
نبوات الـمسيا على اثنين هما سليمان الحكيم ومنه جاء يوسف خطيب مريم العذراء وهو
الأب الإسمي ليسوع الـمسيح(متى6:1و16) وناثان ومنه جاءت العذراء مريم الأم
الحقيقية ليسوع (لوقا31:3).
من أجل هذا لـم
يشأ الـمخلّص أن يأتـى من سبط لاوي الذى كان سِبط الكهنوت لأنـه لـم يأتـى كاهنـا
على غرار كهنوت لاوي،فجاء من سِبط لـم يلازم أحد منهم الـمذبح ولـم يتكلم عن هذا
السِبط (يهوذا) شيئـا من جهة الكهنوت(عبرانيين 13:7-14)، “وأما هذا فلكونـه يـبقى
إلـى الأبد له كهنوت لا يزول”(عبرانيين24:7).
وسِبط يهوذا هو
سِبط الـمُلك الذى قال عنـه يعقوب “لا يزول قضيب من يهوذا ولا مشترع من بين رجليـه
حتى يأتـى شيلون ولـه يكون خضوع الأمم”(تكوين11:49). ومن سِبط يهوذا هذا خرج بوعز
ويسّى وداود (راعوث 13:4-21)، ومن داود خرج الـمسيح (متى1:1-16).
3. لأن فيهـا وجد الله ما جاء فى العهد القديم من رموز أو شخصيات أو أحداث تعكس صورة عن أم الـمسيّا الـمنتظر
إن الـمـسيح،كـلـمـة الله،هـو هـو أمـس واليوم والـى الأبد. لـقد كـلـّم الرب الأباء
فـى القديم وكـلّم الأنبياء عن الـمسيح الـمخلّص،ويـمـتلئ العهد القديم بالرموز عن
العذراء الأم الـمختارة لتكون أم الـمسيح الـفادي. ويلّخص لنـا القديس يوحنا
الدمشقي هذه الرموز فى عظة ألقاها “لقد أصبحتِ يـا مـريـم جنة عدن الروحية أقدس
وأرفع من القديـمة، ففى الأولـى كان يسكن آدم الأرضي أمـا فيكِ فيحلّ الرب الأتـي
من السمـاء. لقد مـثـلتكِ سفينة نوح التى أنقذت الخليقة الثانية لأنكِ ولدتِ
الـمسيح خلاص العالـم الذى غّرق الخطيئة وسكن أمواجها. أنتِ التى رمزت اليكِ
ثصورتكِ العليقة ورسمتكِ الألواح التى خطتها يد الله وأخبر عنكِ تابوت العهد
ومـثلتكِ مـجمـرة الذهب والـمنارة ولوحا العهد وعصا هارون التى افرخت (عبرانيين 4:9
وعدد 7و23) ، وُلد منكِ من هو شعلة الألوهية الـمن السمـاوي العذب، الإسم الذى
يسمو على كل اسم، النور الأزلي الذى لا يداني، خبز الحياة النازل من السماء. ألستِ
أنتِ التى سبق ودل عليكِ الأتون الذى إمتزجت ناره بالندى (دانيال 49:3-50) “ها أنا
أنظر أربعة رجال يتمشون وسط النار وما بهم ضرر ومنظر الرابع شبيه بإبن الألهة”،رمز
النار الإلهية التى جاءت فحلّت فيكِ. أكاد أغفل عن سلم يعقوب، ماذا؟ ألا يتضح لكل
أحد انه كان صورة عنكِ؟، فكما ان يعقوب رأى السماء متصلة بالأرض بطرفي السلم وعليه
ينزل الـملائكة ويصعدون وقد اشتبك معه فى صراع رمزي القوي الذى لايغلب هكذا أصبحتِ
أنتِ الوسيطة والسلم الذى نزل عليها الله نحونا وحمل ضعف طبيعتنا وإمتزج بها وجعل
من الإنسان روحا يرى الله. ومـا قولي فى أيات الأنبياء ألا يجب أن تعود اليكِ إذا
شئنا أن نثبت صحتها؟.
من هى العذراء التى قال عنها أشعيا انها تحبل وتلد إبناً يدعى الله معنا، أي انه يظل إلها ولو
صار إنساناً.؟.من هو جبل دانيال الذى قطع منه بغير يد بشرية حجر الزاوية التى هى
الـمسيح؟ أليس أنتِ التى حبلت بلا زواج ومازلت دائما عذراء؟.من هى تلك التى تكلّم
عنها داود والتى جُعلت عن يمين الملك بذهب أوفير؟”.
4. لأنهـا كانت مختارة منذ الأزل حسب علم الله الـمُسبق
عندما نقول عن مريم انهـا مـختـارةمن الله منذ الأزل،فمـاذا نعني بهذا الإختيار؟
جاء فى انجيل متى عن الإختيار ما يلي: “هكذا يكون الأخرون أولون و الأولون آخرين لأن كثيرين يُدعون
وقليلين يُنتخبون”(متى 16:20)، وكذلك نجد فى إنجيل يوحنا هذه الآيـة “لا يقدر أحد
أن يقبل إلـي إن لـم يجتذبـه الأب الذى أرسلني وأنا أقيمه فى اليوم الأخير” (يوحنا44:9).
إن هذا الإختيار هو شخصي من الله..وبحسب قصد الله.
“كـما إختارنا فيه قبل تأسيس العالـم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه فى
الـمحبة” (أفسس 4:1)، “ولكي يـبين غِنى مـجده على آنية رحمة قد سبق فأعدّها للـمجد” (رومية 23:9).
ابراهيم واسحق وموسى كان إختيارهم من الله والكثيرين غيرهم. ويذكر
الكتاب بعض النسوة اللواتي نلن حظوة فى عيني الله والناس مثل سارة التى ولدت إبنها اسحق
بطريقة عجيبة، ورفقة زوجة اسحق التى تم إختيارها من الله ، وراحيل التى أحبها
يعقوب والتى أعطاها الله إبن الـموعد يوسف بعد أن ظلّت عاقراً، ويهوديت مخلّصة شعب
الله، واستير الـملكة ولكن أين هؤلاء من مريم العذراء ، إنـما هن إلا رموزاً عن
عظمة مريم التى فاقت جميع الناس والـملائكة مجداً وعظمة.
عندما وقف الـملاك ليحي القديسة مريم قائلا لها “السلام عليك يا ممتلئة
نعمة” (لوقا 28:1) والـملاك يحييها هذه التحية قبل أن يحل عليها الروح القدس
وقبل أن يتجسد الكلمة فى أحشائها الطاهرة، فمتى بدأت تحظى بهذا الإمتلاء؟
أن مريم مختارة منذ الأزل لتكون أما لإبن العلي ولذا منذ أول لحظة من وجودها ملأها الثالوث الأقدس
بالنعمة الـمقدسة وكما قال لها الـملاك “إنكِ قد نلتِ نِعـمة عند الله”(لوقا30:1).
قال القديس غريوريوس العجائبي ” ان الله قد جعل فيها كل كنوز النعمة فهي السفينة التى حملت
جميع كنوز القداسة”. والكنيسة ترتـل “الغير الزمني أيتها العذراء إختارك من قبل
الزمان لتكون له كرسيا” والله لا يجلس إلا على كرسي الـملوكية الذى كله قداسة
ونعمة. “قولوا لإبنة صهيون هوذا مـخلّصك آت ها أجرته معه وجزاؤه أمامه ويسمونهم
شعباً مقدسا مفديي الرب وأنتِ تُسّمين الـمطّوبة غير الـمهجورة” (أشعيا 11:62-12).
ويقول القديس افرام السريانـي: “راحيل صرخت برجلها قائلة أعطني بني ، هنيئا لـمريم وقد حللت فى
حشاها بقداسة على غير مطلبة منها، يا للموهبة التى ألقت بنفسها على آخذيها. حنة
طلبت ولداً بدموع حارة، وسارة ورفقة بنذور ووعود وأليصابات بالصلاة وبعد أن طال عذابهن تعزين “.
إنها إبنة صهيون،مسكن الله،الإبنة الـمختارة، مريم الـملكة والأم.