خطب المسيح الوداعية مت31:26-35 + مر27:14-31 + لو31:22-38
(مت31:26-35)
آية (31):
"حينئذ قال لهم يسوع كلكم تشكون فيّ في هذه الليلة لأنه مكتوب أني اضرب الراعي فتتبدد خراف الرعية."
في آية (30)
رأينا السيد وقد أخذ تلاميذه وذهب إلى جبل الزيتون، رأيناه ذاهباً للموت بإرادته،
وفي الطريق يحدثهم عن صلبه، ونرى في حديث السيد أن الشيطان أراد بضرب المسيح أن
يضرب تلاميذه ويشتتهم، والسيد يخبرهم حتى لا ينهاروا ويفاجئوا بما سيحدث، ويشجعهم
حتى لا يتبددوا. تشكون= لأنهم مازالوا يتصورونه ملكاً أرضياً ويشكون إذ يرونه مصلوباً.
آية (32):
"ولكن بعد قيامي أسبقكم إلى الجليل."
أسبقكم إلى
الجليل= قضى السيد معظم وقت خدمته مع تلاميذه في الجليل، وعرفوه كمعلم مقتدر، صانع
معجزات، عرفوه بحسب ما أبصرته عيونهم الجسدية، وكأن المسيح يريد أن يقول سنتقابل
في الجليل مرة أخرى لتعرفونني كإله ظهر في الجسد وإنتصر على الموت فتكمل رؤيتكم
(مت7:28) وهذا ما قاله الملاك.. هناك ترونه. أي هناك تعرفونه برؤية صحيحة تكمل
فيها معلوماتكم عنه والتي سبق وعرفتموها في الجليل سابقاً.
آية (33):
"فأجاب بطرس وقال له وإن شك فيك الجميع فأنا لا اشك أبداً."
من يثقون في
ذواتهم هم أسرع ناس للسقوط، ولذلك نرى بطرس وقد أنكر المسيح بعد هذا القول بساعات
قليلة. لقد كان بطرس واثقاً في ذاته بغير أساس. والعجيب أن بطرس يجادل المسيح، فهل
بعد ما رأى من المسيح 3سنوات وأنه يعلم كل شئ، هل يتصور بطرس أنه يعلم أكثر من
المسيح خالقه. ما أحوجنا أن نرتمي في حضن الله العارف بضعفنا فلا نثق بذواتنا بل
في نعمة الله القادرة أن تقيمنا من الضعف.
(مر27:14-31)
آية (27):
"وقال لهم يسوع أن كلكم تشكون فيّ في هذه الليلة لأنه مكتوب أني اضرب الراعي
فتتبدد الخراف."
الشك سيكون بسبب
نقص الشجاعة وهذه نالوها يوم الخمسين. والسيد حينما يقول مكتوب يذكرهم بنبوة زكريا
(7:13). وكأنه يؤكد أن كل شئ بتدبير إلهي، خاضع لسيطرة الله إذ قد سبق وأخبر عنه قديماً.
آية (28):
"ولكن بعد قيامي أسبقكم إلى الجليل."
زكريا سبق وتنبأ عن ضرب المسيح، والمسيح هنا يتنبأ بأنه سيقوم ويذهب للجليل.
آية (29):
"فقال له بطرس وان شك الجميع فأنا لا اشك."
لاشك في محبة
بطرس وغيرته، ولكن ما لا يعرفه بطرس عن نفسه يعرفه الرب عنه، والرب يعرف أنه ضعيف
إذ هو بشر، فكان كلام بطرس هذا فيه كبرياء وكان الأجدر به أن يعترف بضعفه أمام
الرب ويصدقه ويطلب معونته.
آية (30):
"فقال له يسوع الحق أقول لك انك اليوم في هذه الليلة قبل أن يصيح الديك مرتين
تنكرني ثلاث مرات."
لم يذكر متى عدد
مرات صياح الديك ولكن مرقس يذكر أنه يصيح مرتين ويقول كثير من الدارسين أن بطرس
أنكر مرة ثم صاح الديك (هذه كانت كإنذار لتذكره ولم يتذكر) ثم أنكر بطرس مرتين ثم
صاح الديك للمرة الثانية.
(لو31:22-38)
الآيات (31-33):
"وقال الرب سمعان سمعان هوذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة. ولكني طلبت
من أجلك لكي لا يفنى إيمانك وأنت متى رجعت ثبت اخوتك. فقال له يا رب أني مستعد أن
امضي معك حتى إلى السجن وإلى الموت."
سمعان سمعان=
المسيح يناديه بإسمه القديم (وليس بطرس الصخرة) ليظهر ضعفه بدون المسيح. إبليس ليس
له سلطان أن يجرب أحد إلاّ بسماح من الله، وإبليس كانت إرادته أن يتفرقوا ويتبددوا
كما حذرهم السيد المسيح بنبوة زكريا، ولكن الله سمح لإبليس بتجربتهم ليظهر الحنطة
من الزوان، وفعلاً لقد إنفصل الزوان الذي كان يهوذا، وبقيت الحنطة. ولنلاحظ أن
الله لم يجبر أحد على شئ، بل كان هناك فائدة لما حدث، وهي أن باقي التلاميذ أدركوا
ضعفهم، مثل بطرس الذي أنكر وباقي التلاميذ الذين هربوا، ولمّا أدركوا ضعفهم صرخوا طالبين
المعونة من الله، وما عادوا يثقوا في أنفسهم، وأدركوا أن سر قوتهم هو الله. وبهذا
نرى أن الله حين يسمح بأن يجرب إبليس أولاده فيكون هذا لصالحهم. إبليس يقصد من
تجاربه أن يجعلنا نترك يسوع والسيد يسمح بالتجارب إذ نكتشف بها ضعفاتنا فنلجأ إليه
للمعونة. ولكن قوله يغربلكم، فمن الغربلة يسقط القش أي من كان غير ثابت. والسيد
وجه حديثه لبطرس بالذات بسبب إندفاعه وشعوره بأنه قوي، والرب أراد أن يكشف فيه ضعف
الطبيعة البشرية بوجه عام. فيرى كل منا فيه ضعفه الشخصي. فإن كان يهوذا يمثل
الخيانة، لكن بطرس يمثل الضعف الذي يحتاج إلى عون إلهي فيقوم ليثبت ويثبت الآخرين
معه خلال النعمة الفياضة التي ينالها. طلبت من أجلك= المسيح يتكلم كإنسان مع أنه
الله، لنتعلم الصلاة لأجل الضعفاء. وليظهر إحتياجنا لعمله فينا أثناء التجارب حتى
لا نضعف. لا يفنى إيمانك= تيأس من أن تقوم ثانية. ونفس هذه الخبرة إكتسبها داود
النبي بعد سقطته الشهيرة إذ صلّى المزمور الخمسون قائلاً.. إرحمني يا الله كعظيم
رحمتك.. فأعلم الأثمة طرقك (آية13 مز51). فالتائب يشعر بالخطاة الذين مثله فيحنو
عليهم ويشجعهم.
الآيات (35-38):
"ثم قال لهم حين أرسلتكم بلا كيس ولا مزود ولا أحذية هل أعوزكم شيء فقالوا
لا. فقال لهم لكن الآن من له كيس فليأخذه ومزود كذلك ومن ليس له فليبع ثوبه ويشتر
سيفاً. لأني أقول لكم انه ينبغي ان يتم في أيضاً هذا المكتوب وأحصي مع آثمة لأن ما
هو من جهتي له انقضاء. فقالوا يا رب هوذا هنا سيفان فقال لهم يكفي."حين كان المسيح
معهم طيلة مدة خدمته كان يعزيهم ولم يدعهم معوزين لأي شئ. ولكن ستأتي ساعة حين
يفارقهم، عليهم فيها أن يواجهوا بعض الشدائد وعليهم أن يتعلموا كيف يواجهونها. هنا
السيد أشبه بمدرب السباحة الذي يضع يديه تحت جسم من يدربهم وهم في المياه فيشعروا
بثقة وراحة، ثم يسحب يديه قليلاً قليلاً فيجاهدوا ويتعلموا، وسيصيرون كمن في عوز،
لكي ينعموا بخبرات جديدة. ولكن في (مت20:28) قال لهم ها أنا معكم كل الأيام إلى
إنقضاء الدهر. وكأن المسيح هنا يريد أن يقول حين تأتي أيام الضيق وهي ستأتي تذكروا
أنني حينما كنت معكم لم يعوزكم شئ، وأنا مازلت معكم، ولكن ربما تنقضي فترة حتى
أتدخل لرفع الضيق. ويقول الأنبا أنطونيوس أن الله غالباً ما يعطي للتائبين في
بداية توبتهم تعزيات كثيرة ليرفعهم ويسندهم لكنه يسمح فينزع هذه التعزيات إلى حين
لكي يجاهدوا وسط الآلام فيتزكون وينالون أعظم من الأولى.
الكيس والمزود=
أي سيكونوا في إحتياج لتدبير أمورهم، وستمر عليهم ضيقات يحتاجون فيها للزاد الروحي
والإستعداد الروحي. وهذا يحتاج للجهاد المستمر بصلوات وأصوام بينما كان المسيح
فترة وجوده معهم على الأرض هو الذي يسندهم.
السيف= هو كلمة
الله (عب12:4) التي نتسلح بها ضد مكائد إبليس (أف11:6) والآلام التي يسمح بها
المسيح لتلاميذه بها يشتركون في صليبه وبالتالي في مجده. الكيس والمزود والسيف
تفهم بمعانيها الروحية وليست المادية، للإمتلاء الروحي حتى يستطيعوا الحرب ضد إبليس.
هوذا هنا سيفان= غالباً هما سكينتان كبيرتان يستخدمان لذبح خروف الفصح.
يكفي= هي ترجمة
للكلمة العبرية (دَيّير) التي كان معلمو اليهود يستخدمونها ليسكتوا بها جهالة بعض
تلاميذهم. وكأن السيد المسيح أراد أن يسكت تلاميذه الذين إنصرفت أفكارهم إلى السيف
المادي لا سيف الروح. ولا تعني يكفي بالمعنى المباشر فماذا يعمل سيفان في مقابل
جماهير اليهود وجنود الرومان الآتين للقبض عليه.
(آية 35): ما هو من جهتي له إنقضاء= أي سوف لا أبقى في وسطكم بعد، فسأتمم
الفداء وأصعد للسماء.
(آية37): المكتوب= (أش12:53).
فصول الباراقليط
وهي تتضمن الآيات
الأخيرة من (ص13) وحتى نهاية (ص17) وتنقسم بحسب كتاب ترتيب وقراءات أسبوع الآلام
إلى أربعة فصول:-
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
(يو33:13)(يو26:14)
(يو26:15) (يو17) كله - (يو25:14)- (يو25:15)- (يو33:16)}}
أحاديث الوداع، الخطاب الأخير العظيم.
صلاة الرب.
وهي تتضمن أحاديث
ما بعد العشاء ثم الصلاة الشفاعية (يو17) وتسمى فصول الباراقليط لما فيها من كلام
معزٍ ووعود بإرسال الروح القدس الباراقليط. وفي صلاة المسيح الشفاعية يسكب فيها
تضرعاته الحارة للآب من أجل تلاميذه ومن أجل الكنيسة كلها. وكل هذا من حديث المسيح
لأحبائه حديثاً خاصاً وداعياً. وصلاة للآب عنهم أرادهم أن يسمعوها، كانت بعد خروج
يهوذا فهو لا يستحق أن يكون صديقاً للمسيح يسمع كل هذا.
ونرى في هذه
الإصحاحات أعمق العلاقات بين الآب والإبن وعلاقة الآب والإبن مع الروح القدس
وعلاقة المسيح مع كنيسته. وعلاقة الكنيسة مع العالم. ونرى فيها فعاليات المحبة
الفائضة من قلب الله نحو الإنسان وملخصها:
· أنا في الآب والآب فيَّ.
· أنا في المؤمنين. والمؤمنين يشاركونني أمجادي.
· جئت من الآب من السماء لأتمم مشيئة الآب على الأرض وسأعود للآب.
· أرسل الروح القدس ليحفظ ويقدس ويبني الكنيسة.
· نرى هنا القصد الأساسي من تَجسد الرب وموته عن الكنيسة.
الإصحاح الثالث عشر:
آية (33):
"يا أولادي أنا معكم زماناً قليلاً بعد ستطلبونني وكما قلت لليهود حيث اذهب
أنا لا تقدرون انتم أن تأتوا أقول لكم انتم الآن."
في الآيبات
السابقة تكلم المسيح عن مجده العتيد، وهنا نجده ينتقل سريعاً إلى التفكير في
تلاميذه بكل حنو وعطف قائلاً يا أولادي= أصلها أولادي الصغار أو المحبوبون وتشير
لعنايته بهم ورعايته لهم ومعرفته بآلامهم. ولم نسمع المسيح يقول هذه الكلمة سوى
هنا لأنه شعر أن التلاميذ سيكونون مثل اليتامى حين يفارقهم وهذه لم يسمعها يهوذا
فهو لا يستحقها. أنا معكم زمناً قليلاً بعد= فبعد ساعات سيصلبه اليهود ويموت وكما
قلت لليهود..= سبق المسيح وقال نفس الشئ لليهود (34:7 + 21:8) لأن المسيح حين يترك
العالم لن يعود أحد يراه بالجسد سواء من اليهود أو من التلاميذ. ولكن هناك فارق
فاليهود لن يروا المسيح بسبب عدم إيمانهم، أمّا التلاميذ فسوف يروه بالروح. وحين
يذهب للصلب فسيذهب وحده فهذا عمله وحده لا يقدر عليه سواه (أش3:63) فالصليب معركة
مع إبليس والخطية والموت لا يقدر عليها أحد سوى المسيح. وحين يصعد إلى مجده لن
يستطيع الآن سواء اليهود أو التلاميذ أن يذهبوا. ستطلبونني= كان المسيح هو المحامي
عنهم وكان كأب لهم. وبعد أن يصعد وتبدأ الإضطهادات والضيق سيطلبونه في آلامهم
ولكنهم لن يستطيعوا الذهاب إليه في مجده، هم تعودوا أن يذهبوا إليه في ضيقاتهم وهو
معهم في الجسد ولكن الوضع سيتغير بعد القيامة. ولكن المسيح لن يتركهم يتامى بل
سيرسل لهم الروح المعزي بل سيكون معهم كل حين (مت20:28) يرونه بالإيمان وفي
الإفخارستيا.
الآيات (34-35):
"وصية جديدة أنا أعطيكم أن تحبوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم أنا تحبون انتم
أيضاً بعضكم بعضاً. بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي إن كان لكم حب بعض لبعض."
سمعنا عن وصية
المحبة في (لا18:19) فلماذا يسميها المسيح جديدة؟ هي جديدة لأنها على نفس نمط محبة
المسيح، محبة باذلة حتى الموت. وكان اليهود يعلمون أن يحب الإنسان قريبه ولكن
المسيح علمنا أن نحب أعداءنا، بل نحب الآخرين أكثر من ذواتنا، وهذا ما عمله المسيح
على الصليب. وصية المحبة وصية قديمة، لكن الصليب قدمها لنا بأعماق جديدة.
وهي وصية جديدة
لأن المسيح الذي فينا هو الذي يعطينا هذه المحبة حتى لأعدائنا فجوهر المسيح الذي
فينا هو المحبة، فالله محبة. صارت وصية المحبة ليست فرضاً يفرض على الإنسان من
خارج ، بل هي حياة وهي قوة محبة باذلة تعمل فيه بإمكانيات المسيح الذي فيه. وصارت
هذه المحبة دليل وجوده فينا. وصارت هذه المحبة التي فينا كرازة بها يستعلن المسيح
نفسه للعالم فعلينا أن لا نندهش إذ لا نجد المحبة في الآخرين، فهم لا يسكن الروح
القدس فيهم، والروح القدس يسكب فينا محبة الله (رو5:5). ومن ثمار الروح القدس، بل
أولها، المحبة (غل22:15،23). لذلك ظل يوحنا الحبيب يكرز بهذه الوصية عمره كله،
فهذه الكلمات ظلت ترن في أذنيه العمر كله. وبعد أن أصبح شيخاً كانوا يحملونه
للكنيسة فيقول يا أولادي أحبوا بعضكم بعضاً، ولما سألوه لماذا تكرر هذا الكلام قال
"أليست هذه تعاليم السيد المسيح وفيها كل الكفاية لو نفذتموها. تلاميذي= هي
تسمية تشير للعلاقة الخاصة بين المسيح وتلاميذه. هي علاقة سامية عاشروا المسيح
فيها فترة طويلة.
آية (36):
"قال له سمعان بطرس يا سيد إلى أين تذهب أجابه يسوع حيث اذهب لا تقدر الآن أن
تتبعني ولكنك ستتبعني أخيراً."
فهم بطرس من كلام
الرب أنه سيغادرهم وأنه أي بطرس لا يقدر أن يتبعه ولماذا لا يستطيع بطرس أن يتبعه؟
1. لأن بطرس لم يتمم بعد
عمله الذي إختاره له الله، فهو له رسالة عليه أن يتممها. نحن مخلوقين لنتمم أعمال
صالحة سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها (أف10:2) ولن نموت قبل أن نتممها.
2. هو الآن غير مستعد
للصليب والدليل أنه أنكر بعد دقائق بل إن الصليب والفداء هو عمل المسيح وحده.
3. كان الفداء لم يتم.
لذلك فإن مكان بطرس في المجد غير معد، كما أن بطرس كان غير معد لهذا المجد. بل إن
بطرس لم يدرك من كلام السيد أنه ذاهب للصلب والمسيح سبق وأنبأ تلاميذه بأنه سيسلم
للموت ويهان ويموت ويقوم في اليوم الثالث إلاّ أنهم لم يفهموا هذا تماماً (راجع
مت21:16-28 + 18:20،19 + مر31:8 + 31:9+ لو44:9 + 25:17 + 31:18-33) وربما كان
سؤال بطرس هنا للرب كيف تذهب بعيداً وأنت سوف تملك على أورشليم.
آية (37):
"قال له بطرس يا سيد لماذا لا اقدر أن اتبعك الآن أني أضع نفسي عنك."نرى هنا بطرس في
غرور يتصوًّر نفسه فادياً للفادي. ولكن ليس بالحماس وحده فقط نضع أنفسنا عن المسيح
بل بالنضج الروحي ونمو المحبة.
آية (38):
"أجابه يسوع أتضع نفسك عني الحق الحق أقول لك لا يصيح الديك حتى تنكرني ثلاث مرات."
عتاب مسبق من
المسيح لبطرس. وبطرس وضع نفسه في هذا الموقف المحرج لأنه لم يقبل كلمات السيد
المسيح "لا تقدر الآن أن تتبعني" إذاً الأليق بنا أن نقبل كلمات السيد
المسيح ووصاياه دون مناقشة.
نرى في الإصحاح
الثالث عشر غسل الأرجل الذي سبق التناول ثم نرى وصية المحبة الباذلة. وهكذا بعد كل
قداس نتناول وتغفر خطايانا ونخرج من الكنيسة لنعيش وسط الناس نخدمهم بمحبة باذلة
في حياة خدمة متواضعة.
ملحوظة:
كلام السيد المسيح للتلاميذ هنا مشابه لكلامه لليهود.
قارن آيات (33،36) هنا مع (يو34:7) ولكن هناك فروق:-
1) "ستطلبونني ولا
تجدونني" هذه قيلت لليهود فهم لن يروه بسبب عدم إيمانهم. أما للتلاميذ،
"ستطلبونني ولا تقدرون أنتم أن تأتوا أقول لكم أنتم الآن" فهذا وضع مؤقت.
2) كان وضع مؤقت
وسينتهي ويذهب التلاميذ للمجد " ولكنك ستتبعني أخيراً" وهذا لم يقوله
الرب لليهود.
3) يعطي الرب وصية
المحبة لتلاميذه بعد قوله "لا تقدرون أنتم أن تأتوا أقول لكم أنتم الآن"
(آية33) مباشرة في (آية34) والسبب أنه بدون محبة لن يدخل أحد إلى المجد.
الإصحاح الرابع عشر:
آية (1):
"لا تضطرب قلوبكم انتم تؤمنون بالله فآمنوا بي."
لا تضطرب=
الإضطراب ينشأ من الخوف من المجهول أو بسبب شدة الحزن. وهنا التلاميذ نجدهم فعلاً
في حالة إضطراب بسبب ما سمعوه من أن أحد التلاميذ ينكره وآخر يسلمه وأنه سيفارقهم،
بل سمعوا أنه سيموت، بل إحساسهم بخيبة أمل في مملكة توقعوا قيامها وها هي أمالهم
تنهار. والمسيح هنا يطمئن تلاميذه بأنه هو القائد الذي سيحميهم وسط الضيقات
الرهيبة القادمة المجهولة، فالضيقات ينبغي أن تأتي على كل مؤمن. والمسيح يطمئنهم
حتى لا يتزعزع إيمانهم (راجع مت16:10-22). والمسيح يطلب أن يضعوا رجاءهم في الله
وفيه. قلوبكم= القلب هو مصدر الشعور والعواطف، ومصدر الخوف هو فقدان الصلة بالله،
والصلة تأتي بالتمسك بالله بالإيمان، فالإضطراب والخوف هو الداء والإيمان بالله هو
الدواء. فإذا ركز الإنسان فكره في الواقع المفزع أمامه يغرق في الحال، وهذا ما حدث
مع بطرس إذ رأى الريح شديدة ولم يضع ثقته في الرب بل ركز رؤيته في الريح. فآمنوا
بي= ثقوا بي. هنا نرى أن علاج الإضطراب هو الإيمان بشخصه المبارك ومعنى الآية،
أنتم تؤمنون بالله وهذا حسن، ولكنكم حتى الآن لا تفهمون أنني واحد مع الآب. ولكنكم
ستفهمون فيما بعد. وأنا أفعل ما أفعله حتى إذا جاءكم الموت وهو حتماً سيجيء فأنا
سآتي وآخذكم إلىّ، فلماذا الخوف آمنوا أنني لن أترككم. وآمنوا أن كل ما أفعله يفتح
لكم طريق الخلاص. ونلاحظ أن الثقة في المسيح تلاشي من النفس أي إضطراب.
آية (2):
"في بيت أبى منازل كثيرة وإلاّ فإني كنت قد قلت لكم أنا امضي لأعد لكم مكاناً."
منازل= تناظر
أروقة وغرف الهيكل. وكلمة منازل تعني إقامة دائمة. ونحن سننال مكاناً في السماء
بحسب وعده هذا. منازل كثيرة= إذاً الملكوت لن يضيق بمن هو أهل له. وكلمة منازل لا
تشير لدرجات مجد.. لكن هناك درجات مجد (هي درجات إضاءة مت43:13) وهكذا قال بولس
الرسول أن نجماً يمتاز عن نجم في المجد (1كو22:15،23،41).
منازل= أصلها
بيوت نسكن فيها بصفة دائمة، هي مساكن دائمة وإقامة مستمرة (في اليونانية)، أماكن
راحة. ونحن نقيم في الأرض هنا في خيمة (إقامة مؤقتة) نخلعها بالموت، إستعداداً لكي
نحصل على بناء (جسد ممجد) في السماء لنقيم فيه نهائياً بعد طول تغرب (2كو1:5).
المسيح قال هنا على الأرض ضيق لكن هناك لنا مكان مجد في السماء. هذا هو الحق الذي
ليس فيه خداع. هنا سيخرجوننا من المجامع (2:16) لكن هناك راحة للجميع وأبدية.
وإلاّ فإني قد
قلت لكم= هذه تعني "إذا لم يكن في بيت أبي منازل كثيرة لكم جميعاً هل كنت قلت
لكم إني أمضي لأعد لكم مكاناً= توطين الإنسان عند الله مرة أخرى، فبعد أن دخل
المسيح بجسد بشريته للسماء صار الحضن الأبوي يسع الإنسان الجديد المتبنى. المسيح
هنا يطمئنهم بأن لهم كلهم أماكن في السماء، وأنهم لن ينفصلوا عنه، فهذا الإنفصال
هو ما كانوا يخشونه.
آية (3):
"وإن مضيت وأعددت لكم مكانا آتى أيضاً وأخذكم إلىّ حتى حيث أكون أنا تكونون
أنتم أيضاً."
المسيح هنا يلطف
من صدمة الفراق بل يجعلها ضرورة حتمية لنرث الملكوت ولا نظل في غربة هذا العالم
فهي فرقة وقتية الآن لحساب إتحاد أبدي آتٍ. الآية تشير للسحابة التي كانت تتقدم
الشعب فهو يتقدمهم إلى السماء. وفي هذه الآية إشارة للمجيء الثاني فهو جزئياً عاد لهم
بعد قيامته وظل معهم 40 يوماً وهو الآن وسط كنيسته (رؤ13:1،1:2) نراه بالإيمان.
آخذكم إلىّ= المسيح هنا يستقبل أولاده ويضمهم إلى حضنه، وهو الذي يحدد ميعاد
إنتقالهم ليستقروا عنده بل هو يجذبهم إليه بحسب شدة قوة حبه الفائق. لذلك كانت
شهوة القديسين أن ينطلقوا ويتخلصوا من سجن الجسد (في23:1،24). أتى أيضاً= كل مرة
أتقابل مع المسيح في صلاة أو قداس نتقابل معه ثم أخيراً يأتي ليجذبنا للسماء معه.
والملكوت هو حيث يكون المسيح سنكون نحن، بعد مجيئه الثاني.
آية (4): "وتعلمون حيث أنا اذهب وتعلمون الطريق."
المسيح يفترض أن
تلاميذه قد فهموا الطريق الذي سيسلك فيه من خلال تعاليمه السابقة أي أنه سيصلب
ويموت ويقوم ويصعد للسماء ليفتح الطريق للإنسان.
آية (5): "قال له توما يا سيد لسنا نعلم أين تذهب فكيف نقدر أن نعرف الطريق."
هنا نرى العجز
البشري عن الفهم. هم ربما تصوروا أنه يصعد للسماء كإيليا فلا يروه. فهم لم يفهموا
موضوع الجسد المكسور والدم المسفوك الذي قدَّمه لهم منذ دقائق. ولم يفهموا قصة
تسليمه بواسطة يهوذا. وحتى إن فهموا إن المسيح سيسلم ويموت فكيف يكون هذا الموت
طريقاً لحياتهم هم ورجاءً في القيامة. ولم يفهموا أن بتمسكنا بالمسيح وبثباتنا فيه
نسلك نفس الطريق. وليس من الخطأ أن نسأل. فالإعلان القادم أعلنه المسيح لمن تساءل
بأمانة لأنه يريد أن يعرف.
آية (6):
"قال له يسوع أنا هو الطريق والحق والحياة ليس أحد يأتي إلى الآب إلاّ بي."
أنا هو الطريق=
هذا جواب المسيح على من يتساءل أين الطريق. فهو كإبن حمل جسد بشريتنا ثم صعد للآب
من حيث جاء وذلك من خلال قوة قيامته وبواسطة روح الحياة الأبدية التي فيه ليرفع
البشرية التي فيه للآب السماوي ويصير هو الطريق الوحيد (وليس سواه فهو لم يقل طرق)
الموصِّل للآب بإستعلان شخص الآب في نفسه وبالوصول إلى الآب وهو حامل جسد بشريتنا
وبذلك لا يستطيع أحد أن يأتي إلى الآب إلاّ به. هو طريقنا في حياتنا اليومية
وآلامنا وبدونه نضل ونهلك، فهو سبق وإختبر نفس الآلام بل وأكثر منها بما لا يوصف
وعَرِف كيف يواجهها، وإختبر الموت وقام وصعد للأقداس السماوية إلى الآب السماوي فمن
يثبت فيه يقدر أن يواجه آلام العالم مهما كانت صعوبتها ويواجه الموت ويكون المسيح
طريقه للأقداس السماوية.
مثال: إنسان تائه
في جو مطير ورعد ورياح وظلمة وهو خائف. ظهرت له سيارة حملته لمكان آمن. هذا
الإنسان هو أنا وسط آلام هذا العالم وتجاربه. والسيارة رمز للمسيح الذي يحملني فيه
لأعبر آلام هذا العالم في سلام وإطمئنان إلى السماء.. إلى أحضان الآب، بعد أن كان
الإنسان قد فقد علاقته بالآب بسبب الخطية. هو صالحنا مع الآب. الله نزل لنا
ليحملنا فيه ويرفعنا لله" "لا أحد يأتي للآب إلاّ بي". فكرد على
توما لسنا نعلم أين تذهب= يرد السيد أنا ذاهب للآب لآخذكم فيّ للآب. فلا أحد يصل
لله إلاّ بالمسيح. المسيح لم يعطنا طريقة ووصفة ووصايا نصل بها للآب. بل قدم نفسه
طريقاً إلى الآب، ندخل به للآب دون أن نخرج من الإبن لأن الإبن في الآب. هكذا
بإتحادنا به نتحد بالآب. لذلك يقول المسيح إثبتوا فيّ (يو4:15). إذاً كل ما على
المؤمن أن يثبت في المسيح وبهذا يكون في طريقه للأقداس السماوية دائساً آلام هذا العالم.
والحق= الكلمة
تعني الشئ الثابت، الذي لا يتغير، وتعني ذات الله. ورسالة المسيح كانت أنه يستعلن
الآب (يو18:1) فالإنسان بسبب الخطية فقد معرفة الله أما المسيح فهو الوحيد الذي
يعرفه ويدُركه ونحن لا ندركه (وإذ لم يدرك الإنسان الله عبد الشمس..الخ). [الآب
كلمة سريانية تعني المصدر فَضَلّت اللغة العربية إستخدامها تمييزاً للآب عن أي أب
آخر]. والمسيح لا يُعَلِّمْ الحق عن الله، بل هو الحق الإلهي نفسه، الحق الكامل
المطلق ليس فيه ذرة بطلان ولاشك بل هو يبدد كل ما هو باطل وما هو خطأ. فالمسيح هو
الذي أعلن الحق، أعلن الله وأدخله إلى العالم في شخصه فهو "بهاء مجده"
إذ هو حامل لملء اللاهوت (كو9:2،10). هو الله الإبن وهو إستعلان الآب. هو الوحيد
الذي يشهد للحق (يو37:18) وبه نعرف الحق (1يو20:5 + يو14:1). فالذي يدرك المسيح
يدرك الله الآب. المسيح هو الحق لأنه كلمة الله، وهو يعلن لنا كل ما يلزمنا معرفته
عن الله وعن أنفسنا. والمسيح هو الحق معلناً في قداسته ومحبته. المسيح هو الحق
والعالم هو الباطل. المسيح هو الحق الذي ينبغي أن نؤمن به ونشهد له حتى الموت. هو
أظهر الحق بأقواله وأعماله. المسيح هو الدائم للأبد والذي يعطي فرحاً حقيقياً لكن
العالم عاش وخادع بلذاته وزائل (سراب) ويبلى وينتهي فهو ليس حق بل كذب. فالحق
الوحيد الذي لا يتغير هو الله.
والحياة= المسيح
كانت فيه الحياة (يو4:1 +24:5 +57:6،63 + 10:10+31:20). إذاً المسيح لا يمنح حياة
غير حياته بل حياته هو ذاته. وهو مات ليفتدينا ويعطينا حياته فهو إشترى لنا الحياة
بموته ووهبنا إياها بروحه بعد أن فقدناها بالخطية. "أنا إختطفت لي قضية
الموت" لكن المسيح الحي المحيي، بل الحياة ذاتها أتى ليعطيني حياة فلا أظل
ميتاً للأبد. الموت هو إنفصال عن الله. والمسيح أتى ليتمجد بي فتعود لي الحياة
"لي الحياة هي المسيح" (في23:1) وهو حياة أبدية "من يأكلني يحيا
بي". (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات
و التفاسير الأخرى). إذاً المسيح هو الطريق الذي نثبت فيه لنصل به إلى الحياة
ويكون معنا كحق نشهد له في جهادنا. كل طريق غيره ضلال وكل حق سواه باطل وكل حياة
عداه موت. بدون الطريق لا تقدم ولا مسير وبدون الحق فلا معرفة وبدون الحياة فهناك
موت. هو الطريق الذي علينا أن نتبعه والحق الذي علينا أن نؤمن به والحياة التي
نسعى لنوالها. هو الطريق الوحيد للحياة الأبدية. هو حياة الله المعطاة للإنسان.
وهو الطريق الذي به نشعر بأبوة الله لنا.
أنا هو= تشير للكيان الحي الإلهي. وأنا هو هي ترجمة يهوه العبرية.
ليس أحد يأتي للآب إلاّ بي= هدف التجسد هو وصول الله للإنسان ووصول الإنسان إلى الله الآب. وهذا
تم بالتجسد (الطريق) ثم إستعلان الآب في الإبن (الحق) ثم موت المسيح لنقبل حياته المنسكبة بالموت (الحياة).
في الآيات السابقة نجد المسيح يعزي تلاميذه ويرسم لهم طريق السلام. [1] الإيمان والثقة به
[2] هم لهم مكان في بيت أبيه وسيأتي ويأخذهم إليه [3] هو الطريق والحق والحياة
يتبع
(مت31:26-35)
آية (31):
"حينئذ قال لهم يسوع كلكم تشكون فيّ في هذه الليلة لأنه مكتوب أني اضرب الراعي فتتبدد خراف الرعية."
في آية (30)
رأينا السيد وقد أخذ تلاميذه وذهب إلى جبل الزيتون، رأيناه ذاهباً للموت بإرادته،
وفي الطريق يحدثهم عن صلبه، ونرى في حديث السيد أن الشيطان أراد بضرب المسيح أن
يضرب تلاميذه ويشتتهم، والسيد يخبرهم حتى لا ينهاروا ويفاجئوا بما سيحدث، ويشجعهم
حتى لا يتبددوا. تشكون= لأنهم مازالوا يتصورونه ملكاً أرضياً ويشكون إذ يرونه مصلوباً.
آية (32):
"ولكن بعد قيامي أسبقكم إلى الجليل."
أسبقكم إلى
الجليل= قضى السيد معظم وقت خدمته مع تلاميذه في الجليل، وعرفوه كمعلم مقتدر، صانع
معجزات، عرفوه بحسب ما أبصرته عيونهم الجسدية، وكأن المسيح يريد أن يقول سنتقابل
في الجليل مرة أخرى لتعرفونني كإله ظهر في الجسد وإنتصر على الموت فتكمل رؤيتكم
(مت7:28) وهذا ما قاله الملاك.. هناك ترونه. أي هناك تعرفونه برؤية صحيحة تكمل
فيها معلوماتكم عنه والتي سبق وعرفتموها في الجليل سابقاً.
آية (33):
"فأجاب بطرس وقال له وإن شك فيك الجميع فأنا لا اشك أبداً."
من يثقون في
ذواتهم هم أسرع ناس للسقوط، ولذلك نرى بطرس وقد أنكر المسيح بعد هذا القول بساعات
قليلة. لقد كان بطرس واثقاً في ذاته بغير أساس. والعجيب أن بطرس يجادل المسيح، فهل
بعد ما رأى من المسيح 3سنوات وأنه يعلم كل شئ، هل يتصور بطرس أنه يعلم أكثر من
المسيح خالقه. ما أحوجنا أن نرتمي في حضن الله العارف بضعفنا فلا نثق بذواتنا بل
في نعمة الله القادرة أن تقيمنا من الضعف.
(مر27:14-31)
آية (27):
"وقال لهم يسوع أن كلكم تشكون فيّ في هذه الليلة لأنه مكتوب أني اضرب الراعي
فتتبدد الخراف."
الشك سيكون بسبب
نقص الشجاعة وهذه نالوها يوم الخمسين. والسيد حينما يقول مكتوب يذكرهم بنبوة زكريا
(7:13). وكأنه يؤكد أن كل شئ بتدبير إلهي، خاضع لسيطرة الله إذ قد سبق وأخبر عنه قديماً.
آية (28):
"ولكن بعد قيامي أسبقكم إلى الجليل."
زكريا سبق وتنبأ عن ضرب المسيح، والمسيح هنا يتنبأ بأنه سيقوم ويذهب للجليل.
آية (29):
"فقال له بطرس وان شك الجميع فأنا لا اشك."
لاشك في محبة
بطرس وغيرته، ولكن ما لا يعرفه بطرس عن نفسه يعرفه الرب عنه، والرب يعرف أنه ضعيف
إذ هو بشر، فكان كلام بطرس هذا فيه كبرياء وكان الأجدر به أن يعترف بضعفه أمام
الرب ويصدقه ويطلب معونته.
آية (30):
"فقال له يسوع الحق أقول لك انك اليوم في هذه الليلة قبل أن يصيح الديك مرتين
تنكرني ثلاث مرات."
لم يذكر متى عدد
مرات صياح الديك ولكن مرقس يذكر أنه يصيح مرتين ويقول كثير من الدارسين أن بطرس
أنكر مرة ثم صاح الديك (هذه كانت كإنذار لتذكره ولم يتذكر) ثم أنكر بطرس مرتين ثم
صاح الديك للمرة الثانية.
(لو31:22-38)
الآيات (31-33):
"وقال الرب سمعان سمعان هوذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة. ولكني طلبت
من أجلك لكي لا يفنى إيمانك وأنت متى رجعت ثبت اخوتك. فقال له يا رب أني مستعد أن
امضي معك حتى إلى السجن وإلى الموت."
سمعان سمعان=
المسيح يناديه بإسمه القديم (وليس بطرس الصخرة) ليظهر ضعفه بدون المسيح. إبليس ليس
له سلطان أن يجرب أحد إلاّ بسماح من الله، وإبليس كانت إرادته أن يتفرقوا ويتبددوا
كما حذرهم السيد المسيح بنبوة زكريا، ولكن الله سمح لإبليس بتجربتهم ليظهر الحنطة
من الزوان، وفعلاً لقد إنفصل الزوان الذي كان يهوذا، وبقيت الحنطة. ولنلاحظ أن
الله لم يجبر أحد على شئ، بل كان هناك فائدة لما حدث، وهي أن باقي التلاميذ أدركوا
ضعفهم، مثل بطرس الذي أنكر وباقي التلاميذ الذين هربوا، ولمّا أدركوا ضعفهم صرخوا طالبين
المعونة من الله، وما عادوا يثقوا في أنفسهم، وأدركوا أن سر قوتهم هو الله. وبهذا
نرى أن الله حين يسمح بأن يجرب إبليس أولاده فيكون هذا لصالحهم. إبليس يقصد من
تجاربه أن يجعلنا نترك يسوع والسيد يسمح بالتجارب إذ نكتشف بها ضعفاتنا فنلجأ إليه
للمعونة. ولكن قوله يغربلكم، فمن الغربلة يسقط القش أي من كان غير ثابت. والسيد
وجه حديثه لبطرس بالذات بسبب إندفاعه وشعوره بأنه قوي، والرب أراد أن يكشف فيه ضعف
الطبيعة البشرية بوجه عام. فيرى كل منا فيه ضعفه الشخصي. فإن كان يهوذا يمثل
الخيانة، لكن بطرس يمثل الضعف الذي يحتاج إلى عون إلهي فيقوم ليثبت ويثبت الآخرين
معه خلال النعمة الفياضة التي ينالها. طلبت من أجلك= المسيح يتكلم كإنسان مع أنه
الله، لنتعلم الصلاة لأجل الضعفاء. وليظهر إحتياجنا لعمله فينا أثناء التجارب حتى
لا نضعف. لا يفنى إيمانك= تيأس من أن تقوم ثانية. ونفس هذه الخبرة إكتسبها داود
النبي بعد سقطته الشهيرة إذ صلّى المزمور الخمسون قائلاً.. إرحمني يا الله كعظيم
رحمتك.. فأعلم الأثمة طرقك (آية13 مز51). فالتائب يشعر بالخطاة الذين مثله فيحنو
عليهم ويشجعهم.
الآيات (35-38):
"ثم قال لهم حين أرسلتكم بلا كيس ولا مزود ولا أحذية هل أعوزكم شيء فقالوا
لا. فقال لهم لكن الآن من له كيس فليأخذه ومزود كذلك ومن ليس له فليبع ثوبه ويشتر
سيفاً. لأني أقول لكم انه ينبغي ان يتم في أيضاً هذا المكتوب وأحصي مع آثمة لأن ما
هو من جهتي له انقضاء. فقالوا يا رب هوذا هنا سيفان فقال لهم يكفي."حين كان المسيح
معهم طيلة مدة خدمته كان يعزيهم ولم يدعهم معوزين لأي شئ. ولكن ستأتي ساعة حين
يفارقهم، عليهم فيها أن يواجهوا بعض الشدائد وعليهم أن يتعلموا كيف يواجهونها. هنا
السيد أشبه بمدرب السباحة الذي يضع يديه تحت جسم من يدربهم وهم في المياه فيشعروا
بثقة وراحة، ثم يسحب يديه قليلاً قليلاً فيجاهدوا ويتعلموا، وسيصيرون كمن في عوز،
لكي ينعموا بخبرات جديدة. ولكن في (مت20:28) قال لهم ها أنا معكم كل الأيام إلى
إنقضاء الدهر. وكأن المسيح هنا يريد أن يقول حين تأتي أيام الضيق وهي ستأتي تذكروا
أنني حينما كنت معكم لم يعوزكم شئ، وأنا مازلت معكم، ولكن ربما تنقضي فترة حتى
أتدخل لرفع الضيق. ويقول الأنبا أنطونيوس أن الله غالباً ما يعطي للتائبين في
بداية توبتهم تعزيات كثيرة ليرفعهم ويسندهم لكنه يسمح فينزع هذه التعزيات إلى حين
لكي يجاهدوا وسط الآلام فيتزكون وينالون أعظم من الأولى.
الكيس والمزود=
أي سيكونوا في إحتياج لتدبير أمورهم، وستمر عليهم ضيقات يحتاجون فيها للزاد الروحي
والإستعداد الروحي. وهذا يحتاج للجهاد المستمر بصلوات وأصوام بينما كان المسيح
فترة وجوده معهم على الأرض هو الذي يسندهم.
السيف= هو كلمة
الله (عب12:4) التي نتسلح بها ضد مكائد إبليس (أف11:6) والآلام التي يسمح بها
المسيح لتلاميذه بها يشتركون في صليبه وبالتالي في مجده. الكيس والمزود والسيف
تفهم بمعانيها الروحية وليست المادية، للإمتلاء الروحي حتى يستطيعوا الحرب ضد إبليس.
هوذا هنا سيفان= غالباً هما سكينتان كبيرتان يستخدمان لذبح خروف الفصح.
يكفي= هي ترجمة
للكلمة العبرية (دَيّير) التي كان معلمو اليهود يستخدمونها ليسكتوا بها جهالة بعض
تلاميذهم. وكأن السيد المسيح أراد أن يسكت تلاميذه الذين إنصرفت أفكارهم إلى السيف
المادي لا سيف الروح. ولا تعني يكفي بالمعنى المباشر فماذا يعمل سيفان في مقابل
جماهير اليهود وجنود الرومان الآتين للقبض عليه.
(آية 35): ما هو من جهتي له إنقضاء= أي سوف لا أبقى في وسطكم بعد، فسأتمم
الفداء وأصعد للسماء.
(آية37): المكتوب= (أش12:53).
فصول الباراقليط
وهي تتضمن الآيات
الأخيرة من (ص13) وحتى نهاية (ص17) وتنقسم بحسب كتاب ترتيب وقراءات أسبوع الآلام
إلى أربعة فصول:-
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
(يو33:13)(يو26:14)
(يو26:15) (يو17) كله - (يو25:14)- (يو25:15)- (يو33:16)}}
أحاديث الوداع، الخطاب الأخير العظيم.
صلاة الرب.
وهي تتضمن أحاديث
ما بعد العشاء ثم الصلاة الشفاعية (يو17) وتسمى فصول الباراقليط لما فيها من كلام
معزٍ ووعود بإرسال الروح القدس الباراقليط. وفي صلاة المسيح الشفاعية يسكب فيها
تضرعاته الحارة للآب من أجل تلاميذه ومن أجل الكنيسة كلها. وكل هذا من حديث المسيح
لأحبائه حديثاً خاصاً وداعياً. وصلاة للآب عنهم أرادهم أن يسمعوها، كانت بعد خروج
يهوذا فهو لا يستحق أن يكون صديقاً للمسيح يسمع كل هذا.
ونرى في هذه
الإصحاحات أعمق العلاقات بين الآب والإبن وعلاقة الآب والإبن مع الروح القدس
وعلاقة المسيح مع كنيسته. وعلاقة الكنيسة مع العالم. ونرى فيها فعاليات المحبة
الفائضة من قلب الله نحو الإنسان وملخصها:
· أنا في الآب والآب فيَّ.
· أنا في المؤمنين. والمؤمنين يشاركونني أمجادي.
· جئت من الآب من السماء لأتمم مشيئة الآب على الأرض وسأعود للآب.
· أرسل الروح القدس ليحفظ ويقدس ويبني الكنيسة.
· نرى هنا القصد الأساسي من تَجسد الرب وموته عن الكنيسة.
الإصحاح الثالث عشر:
آية (33):
"يا أولادي أنا معكم زماناً قليلاً بعد ستطلبونني وكما قلت لليهود حيث اذهب
أنا لا تقدرون انتم أن تأتوا أقول لكم انتم الآن."
في الآيبات
السابقة تكلم المسيح عن مجده العتيد، وهنا نجده ينتقل سريعاً إلى التفكير في
تلاميذه بكل حنو وعطف قائلاً يا أولادي= أصلها أولادي الصغار أو المحبوبون وتشير
لعنايته بهم ورعايته لهم ومعرفته بآلامهم. ولم نسمع المسيح يقول هذه الكلمة سوى
هنا لأنه شعر أن التلاميذ سيكونون مثل اليتامى حين يفارقهم وهذه لم يسمعها يهوذا
فهو لا يستحقها. أنا معكم زمناً قليلاً بعد= فبعد ساعات سيصلبه اليهود ويموت وكما
قلت لليهود..= سبق المسيح وقال نفس الشئ لليهود (34:7 + 21:8) لأن المسيح حين يترك
العالم لن يعود أحد يراه بالجسد سواء من اليهود أو من التلاميذ. ولكن هناك فارق
فاليهود لن يروا المسيح بسبب عدم إيمانهم، أمّا التلاميذ فسوف يروه بالروح. وحين
يذهب للصلب فسيذهب وحده فهذا عمله وحده لا يقدر عليه سواه (أش3:63) فالصليب معركة
مع إبليس والخطية والموت لا يقدر عليها أحد سوى المسيح. وحين يصعد إلى مجده لن
يستطيع الآن سواء اليهود أو التلاميذ أن يذهبوا. ستطلبونني= كان المسيح هو المحامي
عنهم وكان كأب لهم. وبعد أن يصعد وتبدأ الإضطهادات والضيق سيطلبونه في آلامهم
ولكنهم لن يستطيعوا الذهاب إليه في مجده، هم تعودوا أن يذهبوا إليه في ضيقاتهم وهو
معهم في الجسد ولكن الوضع سيتغير بعد القيامة. ولكن المسيح لن يتركهم يتامى بل
سيرسل لهم الروح المعزي بل سيكون معهم كل حين (مت20:28) يرونه بالإيمان وفي
الإفخارستيا.
الآيات (34-35):
"وصية جديدة أنا أعطيكم أن تحبوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم أنا تحبون انتم
أيضاً بعضكم بعضاً. بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي إن كان لكم حب بعض لبعض."
سمعنا عن وصية
المحبة في (لا18:19) فلماذا يسميها المسيح جديدة؟ هي جديدة لأنها على نفس نمط محبة
المسيح، محبة باذلة حتى الموت. وكان اليهود يعلمون أن يحب الإنسان قريبه ولكن
المسيح علمنا أن نحب أعداءنا، بل نحب الآخرين أكثر من ذواتنا، وهذا ما عمله المسيح
على الصليب. وصية المحبة وصية قديمة، لكن الصليب قدمها لنا بأعماق جديدة.
وهي وصية جديدة
لأن المسيح الذي فينا هو الذي يعطينا هذه المحبة حتى لأعدائنا فجوهر المسيح الذي
فينا هو المحبة، فالله محبة. صارت وصية المحبة ليست فرضاً يفرض على الإنسان من
خارج ، بل هي حياة وهي قوة محبة باذلة تعمل فيه بإمكانيات المسيح الذي فيه. وصارت
هذه المحبة دليل وجوده فينا. وصارت هذه المحبة التي فينا كرازة بها يستعلن المسيح
نفسه للعالم فعلينا أن لا نندهش إذ لا نجد المحبة في الآخرين، فهم لا يسكن الروح
القدس فيهم، والروح القدس يسكب فينا محبة الله (رو5:5). ومن ثمار الروح القدس، بل
أولها، المحبة (غل22:15،23). لذلك ظل يوحنا الحبيب يكرز بهذه الوصية عمره كله،
فهذه الكلمات ظلت ترن في أذنيه العمر كله. وبعد أن أصبح شيخاً كانوا يحملونه
للكنيسة فيقول يا أولادي أحبوا بعضكم بعضاً، ولما سألوه لماذا تكرر هذا الكلام قال
"أليست هذه تعاليم السيد المسيح وفيها كل الكفاية لو نفذتموها. تلاميذي= هي
تسمية تشير للعلاقة الخاصة بين المسيح وتلاميذه. هي علاقة سامية عاشروا المسيح
فيها فترة طويلة.
آية (36):
"قال له سمعان بطرس يا سيد إلى أين تذهب أجابه يسوع حيث اذهب لا تقدر الآن أن
تتبعني ولكنك ستتبعني أخيراً."
فهم بطرس من كلام
الرب أنه سيغادرهم وأنه أي بطرس لا يقدر أن يتبعه ولماذا لا يستطيع بطرس أن يتبعه؟
1. لأن بطرس لم يتمم بعد
عمله الذي إختاره له الله، فهو له رسالة عليه أن يتممها. نحن مخلوقين لنتمم أعمال
صالحة سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها (أف10:2) ولن نموت قبل أن نتممها.
2. هو الآن غير مستعد
للصليب والدليل أنه أنكر بعد دقائق بل إن الصليب والفداء هو عمل المسيح وحده.
3. كان الفداء لم يتم.
لذلك فإن مكان بطرس في المجد غير معد، كما أن بطرس كان غير معد لهذا المجد. بل إن
بطرس لم يدرك من كلام السيد أنه ذاهب للصلب والمسيح سبق وأنبأ تلاميذه بأنه سيسلم
للموت ويهان ويموت ويقوم في اليوم الثالث إلاّ أنهم لم يفهموا هذا تماماً (راجع
مت21:16-28 + 18:20،19 + مر31:8 + 31:9+ لو44:9 + 25:17 + 31:18-33) وربما كان
سؤال بطرس هنا للرب كيف تذهب بعيداً وأنت سوف تملك على أورشليم.
آية (37):
"قال له بطرس يا سيد لماذا لا اقدر أن اتبعك الآن أني أضع نفسي عنك."نرى هنا بطرس في
غرور يتصوًّر نفسه فادياً للفادي. ولكن ليس بالحماس وحده فقط نضع أنفسنا عن المسيح
بل بالنضج الروحي ونمو المحبة.
آية (38):
"أجابه يسوع أتضع نفسك عني الحق الحق أقول لك لا يصيح الديك حتى تنكرني ثلاث مرات."
عتاب مسبق من
المسيح لبطرس. وبطرس وضع نفسه في هذا الموقف المحرج لأنه لم يقبل كلمات السيد
المسيح "لا تقدر الآن أن تتبعني" إذاً الأليق بنا أن نقبل كلمات السيد
المسيح ووصاياه دون مناقشة.
نرى في الإصحاح
الثالث عشر غسل الأرجل الذي سبق التناول ثم نرى وصية المحبة الباذلة. وهكذا بعد كل
قداس نتناول وتغفر خطايانا ونخرج من الكنيسة لنعيش وسط الناس نخدمهم بمحبة باذلة
في حياة خدمة متواضعة.
ملحوظة:
كلام السيد المسيح للتلاميذ هنا مشابه لكلامه لليهود.
قارن آيات (33،36) هنا مع (يو34:7) ولكن هناك فروق:-
1) "ستطلبونني ولا
تجدونني" هذه قيلت لليهود فهم لن يروه بسبب عدم إيمانهم. أما للتلاميذ،
"ستطلبونني ولا تقدرون أنتم أن تأتوا أقول لكم أنتم الآن" فهذا وضع مؤقت.
2) كان وضع مؤقت
وسينتهي ويذهب التلاميذ للمجد " ولكنك ستتبعني أخيراً" وهذا لم يقوله
الرب لليهود.
3) يعطي الرب وصية
المحبة لتلاميذه بعد قوله "لا تقدرون أنتم أن تأتوا أقول لكم أنتم الآن"
(آية33) مباشرة في (آية34) والسبب أنه بدون محبة لن يدخل أحد إلى المجد.
الإصحاح الرابع عشر:
آية (1):
"لا تضطرب قلوبكم انتم تؤمنون بالله فآمنوا بي."
لا تضطرب=
الإضطراب ينشأ من الخوف من المجهول أو بسبب شدة الحزن. وهنا التلاميذ نجدهم فعلاً
في حالة إضطراب بسبب ما سمعوه من أن أحد التلاميذ ينكره وآخر يسلمه وأنه سيفارقهم،
بل سمعوا أنه سيموت، بل إحساسهم بخيبة أمل في مملكة توقعوا قيامها وها هي أمالهم
تنهار. والمسيح هنا يطمئن تلاميذه بأنه هو القائد الذي سيحميهم وسط الضيقات
الرهيبة القادمة المجهولة، فالضيقات ينبغي أن تأتي على كل مؤمن. والمسيح يطمئنهم
حتى لا يتزعزع إيمانهم (راجع مت16:10-22). والمسيح يطلب أن يضعوا رجاءهم في الله
وفيه. قلوبكم= القلب هو مصدر الشعور والعواطف، ومصدر الخوف هو فقدان الصلة بالله،
والصلة تأتي بالتمسك بالله بالإيمان، فالإضطراب والخوف هو الداء والإيمان بالله هو
الدواء. فإذا ركز الإنسان فكره في الواقع المفزع أمامه يغرق في الحال، وهذا ما حدث
مع بطرس إذ رأى الريح شديدة ولم يضع ثقته في الرب بل ركز رؤيته في الريح. فآمنوا
بي= ثقوا بي. هنا نرى أن علاج الإضطراب هو الإيمان بشخصه المبارك ومعنى الآية،
أنتم تؤمنون بالله وهذا حسن، ولكنكم حتى الآن لا تفهمون أنني واحد مع الآب. ولكنكم
ستفهمون فيما بعد. وأنا أفعل ما أفعله حتى إذا جاءكم الموت وهو حتماً سيجيء فأنا
سآتي وآخذكم إلىّ، فلماذا الخوف آمنوا أنني لن أترككم. وآمنوا أن كل ما أفعله يفتح
لكم طريق الخلاص. ونلاحظ أن الثقة في المسيح تلاشي من النفس أي إضطراب.
آية (2):
"في بيت أبى منازل كثيرة وإلاّ فإني كنت قد قلت لكم أنا امضي لأعد لكم مكاناً."
منازل= تناظر
أروقة وغرف الهيكل. وكلمة منازل تعني إقامة دائمة. ونحن سننال مكاناً في السماء
بحسب وعده هذا. منازل كثيرة= إذاً الملكوت لن يضيق بمن هو أهل له. وكلمة منازل لا
تشير لدرجات مجد.. لكن هناك درجات مجد (هي درجات إضاءة مت43:13) وهكذا قال بولس
الرسول أن نجماً يمتاز عن نجم في المجد (1كو22:15،23،41).
منازل= أصلها
بيوت نسكن فيها بصفة دائمة، هي مساكن دائمة وإقامة مستمرة (في اليونانية)، أماكن
راحة. ونحن نقيم في الأرض هنا في خيمة (إقامة مؤقتة) نخلعها بالموت، إستعداداً لكي
نحصل على بناء (جسد ممجد) في السماء لنقيم فيه نهائياً بعد طول تغرب (2كو1:5).
المسيح قال هنا على الأرض ضيق لكن هناك لنا مكان مجد في السماء. هذا هو الحق الذي
ليس فيه خداع. هنا سيخرجوننا من المجامع (2:16) لكن هناك راحة للجميع وأبدية.
وإلاّ فإني قد
قلت لكم= هذه تعني "إذا لم يكن في بيت أبي منازل كثيرة لكم جميعاً هل كنت قلت
لكم إني أمضي لأعد لكم مكاناً= توطين الإنسان عند الله مرة أخرى، فبعد أن دخل
المسيح بجسد بشريته للسماء صار الحضن الأبوي يسع الإنسان الجديد المتبنى. المسيح
هنا يطمئنهم بأن لهم كلهم أماكن في السماء، وأنهم لن ينفصلوا عنه، فهذا الإنفصال
هو ما كانوا يخشونه.
آية (3):
"وإن مضيت وأعددت لكم مكانا آتى أيضاً وأخذكم إلىّ حتى حيث أكون أنا تكونون
أنتم أيضاً."
المسيح هنا يلطف
من صدمة الفراق بل يجعلها ضرورة حتمية لنرث الملكوت ولا نظل في غربة هذا العالم
فهي فرقة وقتية الآن لحساب إتحاد أبدي آتٍ. الآية تشير للسحابة التي كانت تتقدم
الشعب فهو يتقدمهم إلى السماء. وفي هذه الآية إشارة للمجيء الثاني فهو جزئياً عاد لهم
بعد قيامته وظل معهم 40 يوماً وهو الآن وسط كنيسته (رؤ13:1،1:2) نراه بالإيمان.
آخذكم إلىّ= المسيح هنا يستقبل أولاده ويضمهم إلى حضنه، وهو الذي يحدد ميعاد
إنتقالهم ليستقروا عنده بل هو يجذبهم إليه بحسب شدة قوة حبه الفائق. لذلك كانت
شهوة القديسين أن ينطلقوا ويتخلصوا من سجن الجسد (في23:1،24). أتى أيضاً= كل مرة
أتقابل مع المسيح في صلاة أو قداس نتقابل معه ثم أخيراً يأتي ليجذبنا للسماء معه.
والملكوت هو حيث يكون المسيح سنكون نحن، بعد مجيئه الثاني.
آية (4): "وتعلمون حيث أنا اذهب وتعلمون الطريق."
المسيح يفترض أن
تلاميذه قد فهموا الطريق الذي سيسلك فيه من خلال تعاليمه السابقة أي أنه سيصلب
ويموت ويقوم ويصعد للسماء ليفتح الطريق للإنسان.
آية (5): "قال له توما يا سيد لسنا نعلم أين تذهب فكيف نقدر أن نعرف الطريق."
هنا نرى العجز
البشري عن الفهم. هم ربما تصوروا أنه يصعد للسماء كإيليا فلا يروه. فهم لم يفهموا
موضوع الجسد المكسور والدم المسفوك الذي قدَّمه لهم منذ دقائق. ولم يفهموا قصة
تسليمه بواسطة يهوذا. وحتى إن فهموا إن المسيح سيسلم ويموت فكيف يكون هذا الموت
طريقاً لحياتهم هم ورجاءً في القيامة. ولم يفهموا أن بتمسكنا بالمسيح وبثباتنا فيه
نسلك نفس الطريق. وليس من الخطأ أن نسأل. فالإعلان القادم أعلنه المسيح لمن تساءل
بأمانة لأنه يريد أن يعرف.
آية (6):
"قال له يسوع أنا هو الطريق والحق والحياة ليس أحد يأتي إلى الآب إلاّ بي."
أنا هو الطريق=
هذا جواب المسيح على من يتساءل أين الطريق. فهو كإبن حمل جسد بشريتنا ثم صعد للآب
من حيث جاء وذلك من خلال قوة قيامته وبواسطة روح الحياة الأبدية التي فيه ليرفع
البشرية التي فيه للآب السماوي ويصير هو الطريق الوحيد (وليس سواه فهو لم يقل طرق)
الموصِّل للآب بإستعلان شخص الآب في نفسه وبالوصول إلى الآب وهو حامل جسد بشريتنا
وبذلك لا يستطيع أحد أن يأتي إلى الآب إلاّ به. هو طريقنا في حياتنا اليومية
وآلامنا وبدونه نضل ونهلك، فهو سبق وإختبر نفس الآلام بل وأكثر منها بما لا يوصف
وعَرِف كيف يواجهها، وإختبر الموت وقام وصعد للأقداس السماوية إلى الآب السماوي فمن
يثبت فيه يقدر أن يواجه آلام العالم مهما كانت صعوبتها ويواجه الموت ويكون المسيح
طريقه للأقداس السماوية.
مثال: إنسان تائه
في جو مطير ورعد ورياح وظلمة وهو خائف. ظهرت له سيارة حملته لمكان آمن. هذا
الإنسان هو أنا وسط آلام هذا العالم وتجاربه. والسيارة رمز للمسيح الذي يحملني فيه
لأعبر آلام هذا العالم في سلام وإطمئنان إلى السماء.. إلى أحضان الآب، بعد أن كان
الإنسان قد فقد علاقته بالآب بسبب الخطية. هو صالحنا مع الآب. الله نزل لنا
ليحملنا فيه ويرفعنا لله" "لا أحد يأتي للآب إلاّ بي". فكرد على
توما لسنا نعلم أين تذهب= يرد السيد أنا ذاهب للآب لآخذكم فيّ للآب. فلا أحد يصل
لله إلاّ بالمسيح. المسيح لم يعطنا طريقة ووصفة ووصايا نصل بها للآب. بل قدم نفسه
طريقاً إلى الآب، ندخل به للآب دون أن نخرج من الإبن لأن الإبن في الآب. هكذا
بإتحادنا به نتحد بالآب. لذلك يقول المسيح إثبتوا فيّ (يو4:15). إذاً كل ما على
المؤمن أن يثبت في المسيح وبهذا يكون في طريقه للأقداس السماوية دائساً آلام هذا العالم.
والحق= الكلمة
تعني الشئ الثابت، الذي لا يتغير، وتعني ذات الله. ورسالة المسيح كانت أنه يستعلن
الآب (يو18:1) فالإنسان بسبب الخطية فقد معرفة الله أما المسيح فهو الوحيد الذي
يعرفه ويدُركه ونحن لا ندركه (وإذ لم يدرك الإنسان الله عبد الشمس..الخ). [الآب
كلمة سريانية تعني المصدر فَضَلّت اللغة العربية إستخدامها تمييزاً للآب عن أي أب
آخر]. والمسيح لا يُعَلِّمْ الحق عن الله، بل هو الحق الإلهي نفسه، الحق الكامل
المطلق ليس فيه ذرة بطلان ولاشك بل هو يبدد كل ما هو باطل وما هو خطأ. فالمسيح هو
الذي أعلن الحق، أعلن الله وأدخله إلى العالم في شخصه فهو "بهاء مجده"
إذ هو حامل لملء اللاهوت (كو9:2،10). هو الله الإبن وهو إستعلان الآب. هو الوحيد
الذي يشهد للحق (يو37:18) وبه نعرف الحق (1يو20:5 + يو14:1). فالذي يدرك المسيح
يدرك الله الآب. المسيح هو الحق لأنه كلمة الله، وهو يعلن لنا كل ما يلزمنا معرفته
عن الله وعن أنفسنا. والمسيح هو الحق معلناً في قداسته ومحبته. المسيح هو الحق
والعالم هو الباطل. المسيح هو الحق الذي ينبغي أن نؤمن به ونشهد له حتى الموت. هو
أظهر الحق بأقواله وأعماله. المسيح هو الدائم للأبد والذي يعطي فرحاً حقيقياً لكن
العالم عاش وخادع بلذاته وزائل (سراب) ويبلى وينتهي فهو ليس حق بل كذب. فالحق
الوحيد الذي لا يتغير هو الله.
والحياة= المسيح
كانت فيه الحياة (يو4:1 +24:5 +57:6،63 + 10:10+31:20). إذاً المسيح لا يمنح حياة
غير حياته بل حياته هو ذاته. وهو مات ليفتدينا ويعطينا حياته فهو إشترى لنا الحياة
بموته ووهبنا إياها بروحه بعد أن فقدناها بالخطية. "أنا إختطفت لي قضية
الموت" لكن المسيح الحي المحيي، بل الحياة ذاتها أتى ليعطيني حياة فلا أظل
ميتاً للأبد. الموت هو إنفصال عن الله. والمسيح أتى ليتمجد بي فتعود لي الحياة
"لي الحياة هي المسيح" (في23:1) وهو حياة أبدية "من يأكلني يحيا
بي". (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات
و التفاسير الأخرى). إذاً المسيح هو الطريق الذي نثبت فيه لنصل به إلى الحياة
ويكون معنا كحق نشهد له في جهادنا. كل طريق غيره ضلال وكل حق سواه باطل وكل حياة
عداه موت. بدون الطريق لا تقدم ولا مسير وبدون الحق فلا معرفة وبدون الحياة فهناك
موت. هو الطريق الذي علينا أن نتبعه والحق الذي علينا أن نؤمن به والحياة التي
نسعى لنوالها. هو الطريق الوحيد للحياة الأبدية. هو حياة الله المعطاة للإنسان.
وهو الطريق الذي به نشعر بأبوة الله لنا.
أنا هو= تشير للكيان الحي الإلهي. وأنا هو هي ترجمة يهوه العبرية.
ليس أحد يأتي للآب إلاّ بي= هدف التجسد هو وصول الله للإنسان ووصول الإنسان إلى الله الآب. وهذا
تم بالتجسد (الطريق) ثم إستعلان الآب في الإبن (الحق) ثم موت المسيح لنقبل حياته المنسكبة بالموت (الحياة).
في الآيات السابقة نجد المسيح يعزي تلاميذه ويرسم لهم طريق السلام. [1] الإيمان والثقة به
[2] هم لهم مكان في بيت أبيه وسيأتي ويأخذهم إليه [3] هو الطريق والحق والحياة
يتبع