قصة حياة البابا شنودة.....
(حيـــــــــــاة البابا شنودة الثــــــــــالث)
نشــــــــــأتة
ولد البابا شنودة فى صعيد مصر فى قرية سلام محافظة اسيوط فى 3 أغسطس 1923 م بأسم نظير جيد روفائيل.
وبعد أنتهائة من درسته الثانوية , ألتحق بجامعة القاهرة ودرس فى كلية الآداب وتخرج منها حاصلاً على ليسانس الآداب قسم تاريخ 1947 م وفى نفس العام تخرج من مدرسة المشاة للضباط الإحتياط وكان أول دفعته فيها .
وعمل مدرساً للغة الإنجليزية .. وكان أثناء عمله مدرسا مواظباً على الدراسات المسائية بالكلية الإكليريكية بالقاهرة وحصل على دبلوم اللاهوت من الكلية الإكليريكية عام 1949 م , وبسبب تفوقة عمل مدرسا فيها.
خدمتــــــــة
وفى أثناء خدمته فى الكلية الإكليريكية كافح .. وناضل .. من أجل حقوق الإكليريكية وكانت النتيجة إنتقال الكلية الإكليريكية بإنتقال الكلية الإكليريكية إلى مكانها الحالى فى أرض الأنبا رويس حيث بنى لها مبانى مخصصة والإستعانة بالأماكن الكثيرة فى هذه المنطقة بعد أن كانت فى مبنى قديم متواضع فى مهمشة , ودعم هيئة التدريس بالخبرات العلمية من المدرسين الباحثين فى شتى المجالات , كما تم فى عهده زيادة الإعتماد المالى المخصص لصرف عليها من قبل المجلس الملى العام .
وبدأ نظير جيد خدمته فى مجال مدارس الحد عام 1939 م فى كنيسة السيدة العذراء بمهمشة والتى كانت كنيسة الكلية الإكليريكية فى ذلك الوقت وكانت فى فناء الكلية .
وفى عام 1940 - 1941 م أنشأ فرع لمدارس الأحد فى جمعية الإيمان بشبرا , ونظرا لنشاطه الكبير ضمه الإرشيدياكون حبيب جرجس للجنة العليا لمدارس الأحد .
أما شهرته فى الخدمة فقد توجت فى مجال الشباب بكنيسة الأنبا أنطونيوس بشبرا حيث كان متحدثاً لبقا وممتازاً فتجمع النشئ الجديد حول خدمته وجذبهم إلى الروحانيات التى تملأ الكتاب المقدس .
وكان أجتماع الشباب بهذه الكنيسة مساء كل أحد مكتظا بالشباب والخدام وشاع نجاح خدمته فلم يكن حضور إجتماع الشباب مقتصراً فقط على شباب الحى الذى تقع فيه الكنيسة ولكنه أجتذب أيضاً خدام وشباب من كنائس وأحياء مختلفة كانوا يحضرون من بعيد محتملين مشقة السفر ليستمعوا ويستفيدوا من موهبة الروح القدس المعطاه لهذا الشاب فملأ الخادم نظير جيد كل مكان تطأه قدماه من إرشاد وتعليم .
وكان التعليم وأرشاد النشئ موهبة خاصة يتمتع بها فقد وصل لأن يكون اميناً لمدارس الأحد فى كنيسة الأنبا أنطونيوس , وكان مهتماً بالأجيال الجديدة لأنها زرع الرب فى حقله .
وكان يذهب ليخدم فى فروع كثيرة يلقى فى أجتماعاتهم كلمات الروح القدس , فكان له فصل خاص للثانوية العامة فى مدارس الحد السيدة العذراء بروض الفرج .. وفصل آخر لطلبة الجامعة فى بيت مدارس الأحد .. وفصل للخدام فى كنيسة الأنبا أنطونيوس .. فكان يقوم بالتدريس فى أماكن مختلفة فى أوقات مختلفة من الأسبوع كما كان يحمل بعض مشاكل هؤلاء الشباب ويقوم بحلها معهم بإرشاد الروح , وإلى جوار هذه الأعباء كان كثيراً ما يدعى لإلقاء الدراسات فى إجتماعات الخدام , وأيضا المساهمة فى أعداد والقاء العظات والكلمات فى مؤتمرات مدارس الأحد فى الأقاليم .
ولم يكن نظير جيد لبقا فحسب ولكن ظهرت له موهبة أخرى وهى موهبة الكتابة وقرض الشعر وقام بنذر مواهبه كلها بل وحياته كلها لخدمة الرب يسوع الذى يحبه ففى مجــلة مدارس الأحد التى ظهرت فى 1947 م , فبدأ نظير جيد أنتاجه الغزير فى الكتابة بقصيدة رائعة كانت بعنوان " أبواب الجحيم " وفيها أظهر عظمة الكنيسة المسيحية التى راعبها المسيح وكم عانت من أضطهاد وألام من الداخل والخارج لأن لنا مواعيد من الرب أن أبواب الجحيم لن تقوى عليها .
وبعد مضى سنتين على صدور مجلة مدارس الحد حمل مسئولية أدارتها وتحريرها وأستطاع من خلال مسئولياته فيها أن يعبر عن آماله وآمال الجيل الجديد من الشباب فى مستقبل الكنيسة القبطية القرن العشرين .. فبدأ يوجه الفكر القبطى ويؤثر فيه وتبنى الكثيرين آراءه وأفكاره , فكتب فى كافة نواحى المجتمع الكنسى القبطى ومشاكله .
وظل نظير جيد يكتب ويكتب فى مجلة مدارس الأحد منذ صدورها عشرات المقالات متنوعه فكتب عن الحياة الروحية ودراسات فى الكتاب المقدس وإصلاح الكنيسة وتاريخ الكنيسة ومشاكل الشباب , وكتب اربعة مقالات طويلة للرد على شهود يهوة .. صارت فيما بعد بحثا كبيراً عن لاهوت المسيح .. كما كتب أيضا الكثير من القصائد الشعرية التى صارت فيما بعد تراتيل روحية يتغنى بها الشعب القبطى .
أما أكثر مقالاته غرابه وروحانية فى نفس الوقت هو الموضوعات التى كتبها عن أنطلاق الروح , والتى كان فى العادة يكتبها عند عودته من خلوته بالدير .. فقد كان دائم التردد على دير السريان وكان يقضى فيه فترات طويلة للعبادة والصلاة , وكانت هذه المجموعة من المقالات هى آخر مقالات كتبها فى مجلة مدارس لم يستطع بعدها مقاومة الحب الكبير فى قلبه نحو الرب يسوع فترك كل شئ وتبعه وذهب إلى الدير وترهبن هناك .
أما آخر مقالاته بالتحديد التى كتبها فى مجلة مدارس الحد كانت بعنوان " تمنيت لو بقيت هناك " .. وأبيات أخرى بعنوان " يا سائح " وبعدها أنطلق إلى الدير حيث رسم راهباً فى 18 يوليو 1954 م بأسم الراهب أنطونيوس وكان قد بلغ من العمر 31 عاماً .
الراهــب أنطـــونيوس يرتقى فى سلم الفضائل الرهبانية
ذهب خادم الرب يسوع نظير جيد إلى دير السريان المكان الذى أحب الخلوة فيه ورسم هناك راهباً بأسم أنطونيوس فى 18 / 7 / 1954 م وكان قد بلغ من العمر 31 عاماً .
وكان قد عرفه الكثير من الأقباط من خلال خدمته فى الكنائس المختلفة ورئاسة تحرير مجلة مدارس الأحد وكان رهبنته خبراً تناقلته الألسن خاصة فى مجال مدارس الأحد فى طول البلاد وعرضها فقد كان له تلاميذ كثيرين فى بداية الطريق وإذا لم يكونوا قد تتلمذوا وجهاً لوجه فقد تتلمذوا عن طريق كتاباته , وبإعتزاله ورهبنته أثبت أن كلماته التى يتفوه بها أو يكتبها هى طريق لحياته أيضاً .
وأدى تركه كرئيس تحرير لمجلة مدارس الأحد بسبب رهبنته أنها فقدت مركز الحركة الروحية , وأتجهت المجلة إلى خط آخر فى التحرير والسياسة .. فلم ترق لكثيرين من قرائها فتخلوا عن متابعة ما يكتب فيها .
وموهبته فى الكتابة زادت بالقراءات الكثيرة عندما أطلع الكتب الموجودة فى مكتبة الدير وكان كثيرا ما يخرج كراسة أشعاره ليدون تأملاته الروحية فى نظم شعرية وخرجت بلا شك مختلفة تماما عن أشعاره السابقة عندما كان فى العالم , وهذا طبيعى فأشعاره قبل الرهبنه كانت للنشر صالحة لتعليم الآخرين وخدمتهم أما أشعاره بعد رهبنته فى الدير فكانت لمنفعته الشخصية سجل فيه شعوره وروحانياته وخرجت فى فلسفه لما وراء الحياه ومعناها وكانت تائهٌ في غربة
(من قصائد البابا شنودة الثالث - المغارة - 1961)
قمة أبياتها تقول :
1. يا صديقي لست أدري ما أنا ** أو تدري أنت ما أنت هنا
أنت مثلي تائه في غربة** و جميع الناس أيضاً مثلنا
نحن ضيفان نقضيَ فترة ** ثم نمضي حين يأتي يومنا
عاش آباؤنا قبلاً حقبة ** ثم ولى بعدها آباؤنا
قد دخلت الكون عرياناً ** فلا قنية أملك فيه أو غنى
و سأمضي عارياً عن كل ما ** جمع العقل بجهل واقتنى
عجباً هل بعد هذا نشتهي ** مسكناً في الأرض أو مستوطنا
غرنا الوهم ومن أحلامه ** قد سكرنا وأضعنا أمسنا
ليتنا نصحو ويصفو قلبنا ** قبلما نمضي وتبقى ليتنا
2. لست أدري كيف نمضي أو متى ** كل ما أدريه إنا سوف نمضي
في طريق الموت نجري كلنا ** في سباق بعضنا في إثر بعض
كبخار مضمحل عمرنا ** مثل برق سوف يمضي مثل ومض
يا صديقي كن كما شئت إذاً ** و اجر في الآفاق من طول لعرض
إرض آمالك في الألقاب أو ** إرضها في المال أو في المجد ارض
و اغمض العين وحلق حالما ** ضيع الأيام في الأحلام واقض
آخر الأمر ستهوى مجهداً ** راقداً في بعض أشبارٍ بأرض
يهدأ القلبُ وتبقى صامتاً ** لم يعد في القلب من خفق ونبض
ما ضجيج الأمس في القلب إذاً ** أين بركانه من حب وبغض
3. قل لمن يبني بيوتاً ههنا ** أيها الضيف لماذا أنت تبني
قل لمن يزرع أشواكاً كفى ** هو نفس الشوك أيضاً سوف تجني
قل لمن غنى على الأهواء هل ** في مجيء الموت أيضاً ستغني
قل لمن يرفع رأساً شامخاً ** في إعتزاز في إفتخار في تجني
خفض الرأس وسر في خشيةٍ ** مثلما ترفع رأساً سوف تحني
قل لمن يعلو ويجري سابقاً ** يا صديقي قف قليلاً وانتظرني
نحن صنوان يسيران معاً ** أنا في حضنك مل أيضاً لحضني
قل لمن يعتز بالألقاب إن ** صاح في فخره من أعظم مني
نحن في الأصل تراب تافه ** هل سينسى أصله من قال أني
وعندما أصبح راهبا وكان يخدم فى الدير أيضاً وأعطيت له مسئولية أمانة مكتبة الدير ومسئولاً عن مطبعة الدير ونشر المخطوطات .
وأسند إليه أيضاً المسئولية عن الزائرن من الضيوف الجانب الذين يزورون الدير من حين لآخر . وأحيانا أعطى مسئولية عن الزراعة والمبانى .
الدخول إلى الصحراء الداخليــــه
أنتفل الراهب انطونيوس إلى مرحلة أخرى من مراحل الرهبنة وهى الأنعزال عن حياة الشركة بــ الدير والعيش فى حياة الوحده ووجد الراهب أنطونيوس كهفاً .. يصلح لوحدته .. ولا يزيدعرضه عن متر واحد وطوله ثلاثة أمتار ونصف , وكانت المغارة على بعد 3ر5 كيلومتر من الدير , وتركها لمغاره أخرى تبعد عن الدير 12 كيلوميتر ووضع فى مدخله مكتبه وبدأ يعد قاموساً للغة القبطية .. ووجد مكانا محفوراً فى الصخر أستعمله كرف وضع فيه المجموعة الكاملة لكتابات الاباء , وبحفرة اخرى كتب خاصة بالرهبان كتبها رهبان قدامى تشرح لهم حروب الشرير وحروب الفكر وطريقة معيشتهم وغيرها من الكتب التى تهم راهب متوحد معتكف بعيداً حتى عن ديره .
وكانت تمر عليه أسابيع لا يرى فيها وجه أنسان وكانت فرصة للخلوة مع الرب يسوع والتأمل والدراسة وتتبع القديسين فى أعمالهم وأقولهم من قرائته لكتبهم .
ولم يخرج أبونا انطونيوس من ديره إلا لسوى حاجة شديدة وبإلحاح شديد عليه وذلك ليكون سكرتيراً للبابا كيرلس السادس .
وذكر جرجس حلمي عازر المستشار الصحفي للبابا شنودة وكانت رهبنة الأنبا شنودة "نظير جيد روفائيل" في 17 يوليو عام 1954 وشغل الراهب الجديد نفسه بإعادة كتابة مخطوطات الأديرة القديمة. وقام بطبعها ولما استدعاه البابا "كيرلس السادس" للانضمام إلي سكرتاريته والإقامة معه في الطابق السادس في المقر البابوي بالدرب الواسع ب "كلوت بك" اصطدم هذا الراهب بالدكتور كمال رمزي استينو نائب رئيس الوزراء وقتها بسبب كتاب أصدره الدكتور نظمي لوقا وأمر كمال الدين حسين وزير التعليم وقتها بطبع الكتاب وتوزيعه في مدارس مصر وسوريا وترك موقعه وعاد إلي الدير وأذكر أنه قال لي وكنت أجالسه في مسكنه بالدور السادس بأنني أشتهي أن أعود إلي صحراء مصر علي رمالها وفي أحضانها ولكن بعد فترة عاودة حنين الصحراء.