الكتاب المقدس مفتاح العلم وأسرار الكون
THE Holy BIBLE KEY OF SCIENCE AND SECRETS OF THE UNIVERSE
الجزء الأول
باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين
الكتاب المقدس مفتاح العلم وأسرار الكون
The Holy Bible Key of Science and Secrets of The Universe
المـــــؤلف: مجـــدى صــادق
الطـــــبعة : الأولى أكتوبر سنة 1992 غربيـة
رقــم الإيداع : 4000 /1992
الترقيم الدولـى : I.S.B.N. 977 - 00 - 3277 - 8
الموقع على النت: www.thelogoscenter.8m.net
البريد الألكترونى: magdy2014@hotmail.com
الطـــــبعة : الثانية أغسطس سنة 2005 غربيـة
جميع حقوق الطبع والنشر والترجمة والتوزيع محفوظة للمؤلف
الكتاب المقدس مفتاح العلم وأسرار الكون
الفهرس الصفحة
الفهرس 5
تقديم 7
تقريز 9
مقدمة 11
القسم الأول
الصراع الظاهرى بين العلم والدين 13
تمهيد : نشأة الصراع الظاهرى بين العلم والدين 15
الفصل الأول : الصراع بين الكنيسة وعلماء المصريات 20
الفصل الثانى : الصراع بين الكنيسة والنظرية الداروينية 22
الفصل الثالث : الصراع بين الكنيسة وعلماء الماسـونية 30
القسم الثانى
أسرار الخلق والتكوين 33
الفصل الأول : العالم كون من نور 35
الفصل الثانى : العالم كون من مادة متحركة 36
المبحث الأول : المحرك الأول 36
المبحث الثانى: المجال الموحد 38
المبحث الثالث : الثقوب السوداء ونهاية العالم 40
الفصل الثالث : العالم كون من مادة غير منظورة 43
الفصل الرابـع : العالم كون من تكاثف أعفار ترابية 45
الفصل الخامس : مصادر أنوار اليوم الأول والرابع 49
المبحث الأول : مصدر نور اليوم الأول 49
المبحث الثانى : مصادر أنوار اليوم الرابع 54
القسم الثالث
السموات الثلاث ومواقعها فى الفلك 55
تمهيد 57
الفصـل الأول : السماء الأولى سماء الأرض 58
الفصـل الثانـى : السماء الثانية سماء السموات 59
الفصـل الثالـث : السماء الثالثة 61
موقع الفردوس 62
المقصود بأقاصى الشمال 66
أهـــم المراجــــع 67
صـــدر للمؤلـــف 69
تقديم
للأستاذ الدكتور زكى شنوده
مدير معهد الدراسات القبطية
لقد أثار إعجابي هذا البحث الذى قدمه الأستاذ مجدى صادق خريج معهد
الدراسات القبطية والحاصل علي ماجستير هذا المعهد وعلي دبلوم العلوم
اللاهوتية وموضوعه " الكتاب المقدس مفتاح العلم وأسرار الكون " وهو يتضمن
البرهان الكتابي والعلمي علي التوافق بين الكتاب المقدس والعلم. كما يتضمن
بحوثا أخرى تتناول حقيقة عملية الخلق وحقيقة جوهر الخالق, ومواضع السموات
من الكون, وهي أبحاث عويصة ظلت علي مدى التاريخ موضع اجتهاد العلماء
والفلاسفة ورجال الدين وكانت مثارا لكثير من الخلافات والمجادلات بين
أصحاب المذاهب المتباينة.
ولقد اعتدنا من الأستاذ مجدى صادق تصديه للموضوعات الصعبة العويصة
العسيرة التناول, ولكنه فاق في هذا البحث كل أبحاثه السابقة إذ وجد في
نفسه الجرأة علي اقتحام هذا الميدان الذى لا يجترىء علي خوضه إلا كل دارس
متمكن من كل فروع العلم واللاهوت.
والحقيقة أنني لمست فيه القدرة علي البحث والإخلاص في استيعاب كل
المراجع التي تعينه علي الوصول إلي نتائج يمكن الإطمئنان إليها. فمهما كان
الموضوع صعبا وعسيرا أستطاع الأستاذ مجدى صادق أن يتناوله بطريقة بارعة
مقنعة ترسم للقارىء علي الأقل بداية الطريق إلي المعرفة العميقة والإقتناع
الكامل.
فما من شك في أن القارىء لهذا البحث سيدرك مدى اتفاق الكتاب المقدس
مع آخر ما وصل إليه العلم, وسيدرك الكيفية التي خلق الله بها العالم بل
سيدرك حقيقة كنه هذا الخالق العظيم وسيدرك مكاننا نحن أبناء هذه الأرض من
الكون الشاسع المحيط بنا وأمكنة السماوات التي تحدث عنها الكتاب المقدس
والتي لا يفتأ العلماء يحاولون استقصاء ما تحويه من عوالم عديدة بعيدة
الغور ومن سماوات متفاوتة الدرجات لا تحدها أمام الناظر إليها حدود ولا
يدرك الباحث عنها نهاية.
ولا يسعني إلا أن أهنىء الأستاذ مجدى صادق علي هذه الأبحاث العميقة الدقيقة راجيا له كل توفيق في أبحاثه القادمة.
زكى شنوده
تقريز
للعالم الكبير الأستاذ ميشــيل تكلا
من مقال نشر بجريدة وطنى فى 21/11/1993
تحت عنوان "الحقائق العلمية فى الكتاب المقدس "
الكتاب المقدس زاهر بالحقائق العلمية النافعة الخاصة بخلق الكون وما
فيه من مجرات وكوكبات وسدم وأنظمة شمسية تدور حولها الكواكب ثم تدور حول
نفسها مكونة أياما وليالى وسنين تختلف عن بعضها البعض إختلافا كبيرا حسب
قربها أو بعدها عن نجم الشمس الذى تدور حوله. بجانب تلك الظواهر الطبيعية
التى يمتلىء بها الكون والتى حيرت العلماء على مر الأزمنة والعصور.
وفى عصرنا الحالى عصر العلوم والتكنولوجيا وبفضل وجود الكمبيوتر
أمكن تحقيق تطور سريع فى شتى مجالات العلوم الفلكية والفيزيائية والطبيعية
والإنسانية والبيولوجية والجيولوجية والأكلوجية وغيرها.
وقد صدرت عدة كتب فى السنوات الأخيرة تثبت بالدليل العلمى القاطع كل
مرحلة من مراحل الخلق الخاصة بالكون عامة وبكوكبنا الأرض خاصة بوصفه
الكوكب الوحيد الذى فى نظامنا الشمسى الذى ازدهرت فيه الحياة بينما انعدمت
فى الكواكب الأخرى.
من أبرز الكتب التى صدرت فى هذا المجال كتابان الأول " الكتاب
المقدس مفتاح العلم وأسرار الكون " والثانى " المسيح الدجال الخطر القادم
" وهما للأستاذ العالم مجدى صادق قدم لهما المستشار زكى شنوده.
إن الدراسة المتأنية التى قام بها العالم الأستاذ مجدى صادق بالنسبة
لأيام الخلق لجديرة بكل تقدير وإعجاب لما أثبته من مقدرة فائقة على برهنة
الحقائق العلمية التى امتلاء بها الكتاب المقدس والتى تطابقت تماما مع
الأزمنة المختلفة فى بحوث العلماء فى الشرق والغرب .. وفسر بكل جلاء ووضوح
الرؤية لكل مرحلة من المراحل وحدد بالضبط تاريخ كل حقبة واسم العصر الذى
مرت به وأشار إلى الزمن الجيولوجى المطابق والذى يعد جوهر البحث.
من أبرز أبواب هذا الكتاب ذلك الخاص بأسرار الكون والتكوين وطبيعة
الكون ومادته المتحركة غير المنظورة التى كونت أصلا من أعفار ترابية
وغازات. كما أفرد المؤلف فصلا كاملا حلل فيه مصادر الأنوار فى اليومين
الأول والرابع للخلق متمشيا مع كل كلمة وآية جاءت فى سفر التكوين وشرح
بدقة العالم المتمكن التقسيم الكتابى للسموات وموقعها فى الفلك وحدد موقع
السموات الثلاث على أسس علمية مسترشدا فى ذلك بمفتاح أسرار الكون أى
الكتاب المقدس وكاشفا عن العديد من الأسرار الكونية وعن موقع أورشليم
السمائية.
فى كتابه الثانى يتحدث المؤلف عن حقيقة الأطباق الطائرة ومدى خطورتها على الجنس البشرى.
والحق يقال أن المؤلف تعمق فى دراسة الكتاب المقدس وجاءت جميع بحوثه
ونظرياته وآرائه صائبة تدعمها الحقائق العلمية الثابتة ويقبلها العقل من
أول وهلة.
ميشيل تكلا
مقدمة
إن الهدف الأساسى من إصدار هذا المؤلف هو الكشف عن بعض ما تضمنه
كتابنا المقدس من حقائق علمية متعلقة ببعض الظواهر الكونية التي لم يصل
العلم بعد إلي تحقيقها وأظهرها الكتاب لتكون شاهدا علي أنه وحده وبحق
الكتاب الذى لكل العصور كتاب الله الحقيقي الذى من خلاله يعلن عن ذاته
وملكوته وأسرار كونه ليكون شاهدا له في كل عصر.
ينقسم هذا المؤلف إلي ثلاثة أقسام رئيسية كالتالي :
في القسم الأول عالج المؤلف موضوع الصراع الظاهرى بين العلم والكتاب
المقدس متتبعا تطوره في معركتين من أهم تلك المعارك وأشرسها والتى أسفرت
كالعادة عن ثبوت خطأ النظريات التي استهدفت النيل من صحة ما تضمنه من
حقائق ولتقدم في ذات الوقت أقوى الأدلة والشهادات علي صحة الكتاب المقدس
وسلامته.
وفي القسم الثاني عالج المؤلف المسائل المتعلقة بأسرار الخلق
والتكوين وأصل العالم وجوهره وعن كيفية تكون الأرض والكواكب والنجوم وعن
ماهية نور اليوم الأول ومصدره وغير ذلك من الأسرار التي ما زالت مستغلقة
علي علماء هذا الدهر.
وفي القسم الثالث من هذا الكتاب استعرض المؤلف التقسيم الكتابي للسموات محددا مواقعها في الكون وذلك علي أسس علمية وكتابية.
الرب قادر أن يجعل من هذا الكتاب بركة تؤول لخلاص الكثيرين بالنعمة لمجد الله مخلصنا.
مجدى صادق
القسم الأول
الصراع الظاهرى
بين العلم والدين
تمهيد
نشأة الصراع الظاهرى بين العلم والدين
سعى أعداء الأيمان والمعادين لله والكنيسة إلى محاولة إثارة الشكوك
حول صحة وسلامة الكتاب المقدس من خلال دعايات مغرضة بأن الكتاب المقدس
يناقض العلم وأنه لا وفاق بين الدين والعلم.
إلا أن تلك الدعايات المغرضة مفندة فى ذاتها فالكتاب المقدس هو كتاب التحديات الذى تحطمت على صخرته كل سهام إبليس الملتهبة.
كما أن الكنيسة كما تثبت وقائع التاريخ هى التى حملت لواء المعارف الدينية والفلسفية والعلمية.
فالمحقق تاريخيا أن رجال الكنيسة هم الذين إضطلعوا بالأبحاث العلمية
والدينية والفلسفية من منطلق أن العلم والدين والفلسفة الحقة كل متكامل
والخلاف بينهم منهجى فى وسيلة المعرفة.
فالمنهج الدينى للمعرفة يبدأ بالإيقان بأمور لا ترى وصولا إلى يقين
العلم لأنـه بالإيمـان نفهم أن العالمين أتقنت بكلمة الله حتى لم يتكون ما
يرى مما هـو ظاهـر ( العبرانيين 11 : 3 ) .
أما المنهج الفلسفى والعلمى فإن كل منهما يبدأ من الظاهر ليصل إلى
غير الظاهر من خلال إدراك العلل والمسببات وصولا للعلة الأولى.
فالدين والفلسفة والعلم الصحيح كل متكامل فمن خلال الإيمان أو
الدين ندرك وجود الله ومن خلال الفلسفة نصل إلى يقينية وجـود محرك أول
وبالعلم نتوصل إلى حقيقة وجود دائـرة النـور الكونـى.
وهكذا نرى أن الدين والفلسفة والعلم مجمعين على وجود ذات عليا أو
علة أولى أو مصدر كونى هو العلة الذى به كان كل شىء وبغيره لم يكن شىء مما
كان وأن الكون به يدار وفق نظام غاية فى الدقة والإبداع.
فإذا كان ذلك كذلك فما منشأ الصراع الظاهرى بين العلم والدين؟
الواقع أن منشأ هذا الصراع هو ظهور ما يعرف بالتنظيم الماسونى السرى الوريث الشرعى للغنوسية الوثنية القديمة.
وقد تستر عمال الماسونية بثياب الفلاسفة والعلماء الذين أعادوا صياغة
ذات النظريات الغنوسية القديمة فى قوالب علمية ليضادوا بها الحق الكتابى.
وبسبب هؤلاء الأدعياء نشبت صراعات حامية بينهم وبين علماء الكنيسة.
وقد افتضح أمر هؤلاء العملاء وانتماءاتهم الماسونية عندما افتصح أمر
بروتوكولاتهم المعروفة ببروتوكولات حكماء صهيون وجاء فيها ما نصه :
" إن الطبقات المتعلمة .. ستأخذ بدون وعى فى مزاولة المعرفة التى
حصلت عليها من المعرفة التى قدمها إليهم عمالنا لتوجيه عقولهم صوب الإتجاه
الذى رسمناه. لا تظنوا أن أقوالنا غير مرتكزة على أساس أنظروا مذاهب
داروين وماركس ونيتشة هذه المذاهب جميعها من صنعنا ".
ولقد اعتقد أعداء الإيمان أن كتابنا المقدس لن يصمد في مواجهة ما
أسموه نقدا علميا فأنكروا الخلق وقالوا بالنشوء والإرتقاء والتطور تلك
النظرية المستمدة من عقيدة وحدة الوجود الهندوسية وأنكروا حداثة ظهور
الإنسان علي الأرض التي حددها الكتاب المقدس بأربعة آلاف سنه قبل الميلاد
المجيد وقالوا بقدمه وإستنكروا إمكانية وجود النور في اليوم الأول قبل أن
تضيء الشمس والنجوم في اليوم الرابع إلي أن كانت سنة 1910 عندما اكتشف
العلماء وجود أشعة من النور الكوني غير المرئي بينت الأبحاث العلمية
الحديثة أنها علة ما يعرف بظاهرة الأنوار القطبية أو الأورورا تلك الأنوار
التى يتم مشاهداتها فى المناطق القريبة من القطبين بسبب ما يحجزه مجال
الأرض المغناطيسى من الأشعة الكونية والتى تضىء السماء بأنوار خلابة تتدلى
كالستائر ذات الألوان العجيبة.
هذه الأنوار هى علة نور اليوم الأول التى أضاءت الأرض فى حقبة ما قبل اشتعال الشمس لتضىء على الأرض.
وقالوا بغير ذلك من الإعتراضـات والإنتقـادات التي فندت بالكامل لأن
الله أبدا لا يترك نفسه بلا شاهد وفي كل جيل يظهر نفسه بما يناسب العصر
حتى يزيل الشك ويهدى الأذهان إلي معرفته حتى يستد كل فم ويصير المعاندين
بلا عذر تحت دينونة الله العادلة.
فالكنيسة إذن لم تقاوم العلم والعلماء بل قاومت المخالفين من أدعياء
العلم والملحدين والمبتدعين من أصحاب الآراء الكفرية والنظريات الهدامة
التي تذرعت بالعلم لهدم الدين عن طريق إثارة الشكوك حول صحة ما جاء في
الكتاب المقدس.
فالصراع بين العلم والدين إذن هو صراع ظاهرى والبرهان علي ذلك هو أن
أكثر العلماء الذين وضعوا أوروبا علي مشارف العصر الحديث كانوا من طبقة
الرهبان ورجال الكنيسة ويكفي كمثال أن نذكر أن نيقولا كوبرنيكوس الفلكي
البولندى الشهير مؤلف كتاب " دوران الأجرام السماوية " الذى نشره سنة 1542
كان كاهنا لكاتدرائية فراونبرج وهو أول القائلين فى العصر الحديث بمركزية
الشمس وبدوران الأرض وسائر كواكب المجموعة الشمسية حولها وأن مجموعتنا
الشمسية واحدة من المجموعات النجمية التى تتشكل منها مجرتنا.
وهناك أيضا القس جريجور مندل قس برون بالنمسا هذا الذى جمع بين
رهبانية الأديرة ومعامل البحث العلمى التى قادته إلى التوصل والكشف عن
قوانين الوراثة سنة 1865 والتى جاءت مؤيدة للكتاب المقدس وداحضة لنظرية
داروين ودى فريز فى التطور وهى كما جاء فى البروتوكولات ذاتها لا يمكن أن
تكون صحيحة لكونها غير قائمة على أساس تجارب الماضى وغير مقترنة بملاحظات
الحاضر.
أما جاليليو وكان من علماء اللاهوت فقد زار روما وعرض منظاره علي
كبار رجال الكنيسة وأثبت أن الشمس هي مركز المجموعة الشمسية فتأيدت بذلك
نظرية كوبرنيكوس إلا أن أحد الأشخاص ويدعي كاسيتي سعي للإيقاع به متهما
إياه بمناقضة الكتاب المقدس وقدم للمحاكمة بهذه التهمة ولكن الكنيسة برأته
مما نسب إليه. ولما رجع جاليليو إلي فلورنسا أعد كتابه " حوار حول نظامين
أساسيين للعالم " جاعلا الحوار حول نظام بطليموس ونظام كوبرنيكوس بين
ثلاثة أشخاص وأوضح من خلال الحوار صحة نظام كوبرنيكوس ونشر الكتاب بالفعل
سنة 1632 للميلاد.
وتضاربت الأقوال حول موقف الكنيسة من جاليليو حيث أشاع عملاء
الماسونية ومن على دربهم أن جاليليو نشر كتابه " حوار " بموافقة البابا
علي أن يذكر أن نظرية كوبرنيكوس هي مجرد فروض إلا أن الكتاب نشر دون ذكر
تلك العبارة فأصدر البابا قرارا بإيقافه وتحديد إقامته في منزله.
والواقع أن جاليليو ربما بسبب تفحصه الشموس الكونية والظواهر
الفلكية كالخسوف والكسوف أصيب بالعمى فى أيامه الأخيرة مما الزمه البقاء
فى منزله, ومن هنا يرجح لدينا أن مقولة إيقافه وتحديد إقامته اعتمدت فى
انتشارها على جهل العوام بقوانين الكنيسة وحقيقة مصاب جاليليو.
ومما يثبت أيضا عدم محاربة الكنيسة للعلم والعلماء, أن إسحق نيوتن
وكان من علماء اللاهوت عندما جاء بقوانين الجاذبية في سنة 1696 أعلنت
الكنيسة قبولها لتلك القوانين وكذا الحقائق المتعلقة بها.
أما لماذا حاربت الكنيسة مذهب داروين في النشوء والارتقاء والتطور
فإن ما جاء في البروتوكول الثاني من بروتوكولات الماسونية المعروفة
ببروتوكولات صهيون ما يكفينا عناء الرد إذ جاء فيه تصريحيا أن مذهب داروين
كان من صنعهم وأنهم يهدفون به إلي إفساد عقول الأمم أى إيمانهم.
مما تقدم يتضح بجلاء تام أنه لا خلاف بين العلم الصحيح والكتاب
المقدس. لأنه كما يقول الفيلسوف باكون أن القليل من المعرفة قد يسوق إلي
الكفر والإلحاد, ولكن التعمق في الفلسفة الطبيعية يهدى العقول والإفهام
إلي الدين وإلي الله.
هذه الحقيقة يدعمها أن أكثر العلماء كلما تقدموا في العلم والمعرفة
كلما أعادوا النظر في الآراء والنظريات السـابقة بالتعديل والتطوير والترك
إن لزم الأمر, وكثيرا ما ترك العلماء النظريات المناقضة للكتاب المقدس بعد
ثبوت فسادها علميا.
وكثيرا ما صارت الأبحاث العلمية التي أريد بها التشكيك في صحة
الكتاب المقدس هي ذاتها التي تشهد له بعد أن يثبت لهم أن ما أريد إثارة
الشكوك حوله هو الحق وأن ما عداه هو الباطل.
ومن العلماء الذين ثابوا إلي رشدهم الدكتور آلفريد ولسن شريك داروين
الذى ألف كتابا دعاه " عالم الأحياء " ضمنه أقوى الأدلة القاطعة علي وجود
الله.
أما الصراع الظاهري بين العلم والدين فقد اشتد بصفة خاصة في القرنين
الثامن عشر والتاسع عشر بسبب إنتشار الكثير من النظريات المعارضة للكتاب
المقدس والتي فندت بالكامل وخرج منها الكتاب المقدس مكللا بأكاليل النصر.
وسنقدم فيما يلي الخطوط العريضة لتطور الصراع بين العلم والدين في
معركتين من أهم المعارك التي دارت بين علماء الكنيسة وأدعياء العلم وكان
منشأها أن البحث العلمي حينذاك كان في طور النشوء والنقص وكان من الطبيعي
أن يشوبه الخطأ فنشبت معركة حامية بين الكنيسة من جانب وبين النظريات
العلمية غير الصحيحة من جانب آخر.
الفصل الأول
الصراع بين الكنيسة وعلماء المصريات ؟
كان منشأ هذا النزاع الذى دار بين علماء الكنيسة وبعض علماء المصريات
في الفترة من سنة 1798 حتى سنة 1822 ميلادية هو أن العهد القديم أورد
نصوصا تحدد بالأزمنة والأوقات تسلسل الأجيال من خلق آدم إلي نوح ومن نوح
إلي إبراهيم ومن إبراهيم إلي موسى ومن موسى إلى داود ومن دواد إلى سبي
بابل ومن سبي بابل إلي المسيح, وكان من السهل علي الذين يجمعونها أن
يحددوا الزمن من خلق آدم إلي ميلاد السيد المسيح علي وجه الدقة ومنها يتضح
أن مجيء الرب فى الجسد كان بعد أربعة آلاف سنة من خلق آدم وفقا لحسابات
الكتاب المقدس حسب الأصل العبرى الذي هو الأصل والمرجع الوحيد عند الخلاف
بلا جدال.
أما الترجمة اليونانية للعهد القديم فهي ترجمة تركت تحت يد ملوك
البطالمة اليونانيين ويرجع لتحقيق نصوصها أو معانى كلماتها المترجمة إلي
الأصل العبرى الذى هو الفيصل عند الخلاف.
هذا التعليم الكتابي الذى يرجع بتاريخ خلق الإنسان علي الأرض إلي
أربعة آلاف سنة قبل الميلاد المجيد هو الذى بدأ يصطدم مع النتائج الأولية
غير الصحيحة التي خرج بها بعض علماء المصريات.
ففى سنة 1798 عندما غزا نابليون بونابرت مصر زار العلماء الذين
كانوا يرافقونه الوجه القبلي وشاهدوا أبراجا في سقف معبد دندرة تبدأ ببرج
الأسد فاستنتجوا من ذلك أنه بنى بينما كانت الشمس في برج الأسد منذ نحو
أربعة آلاف سنة قبل الميلاد. كما شاهدوا أبراجا أخرى في سقف معبد إسنا
تبدأ ببرج العذراء فاستنتج بعضهم من ذلك أنه بني حينما كانت الشمس في برج
العذراء منذ نحو سبعة آلاف سنة قبل الميلاد.
ونشرت جريدة المونيتور التي تصدرها الحملة الفرنسية في القاهرة في
عددها الصادر بتاريخ 18 أغسطس سنة 1800 أن معبدى دندرة وإسنا يعتبران مع
ذلك من أحدث المعابد المصرية.
ووصلت الجريدة إلي دوائر أوروبا الدينية والعلمية فأثارت ضجة في تلك
الدوائر وأنقسم العلماء فريقان فريق يقول أن خلق الإنسان أقدم من الزمن
الذى حددته الكتب المقدسة, وفريق يتمسك بما جاء في الكتب المقدسة لكونها
وحي الله المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم.
وكان العلماء الذين رافقوا حملة نابليون قد عادوا إلي فرنسا ونشروا
الرسوم والصور التي جلبوها معهم لكثير من الآثار والمعابد المصرية وكان
منها صور معبدي دندرة وإسـنا وكانوا قد نشـروا أيضـا أوصاف هذين المعبدين
في مؤلفهـم العلمي " وصف مصر " Description de l` Egypt .
وكان الأب تيستا سكرتير البابا فى روما يعاونه ليترون على رأس
الفريق المدافع عن صحة الزمن الذى حدده الكتاب المقدس لخلق الإنسان على
الأرض فتلاحظ لهما أن على جدران معبدى دندرة وإسنا كتابات يونانية فقام
ليترون بترجمتها فوجدها أسماء لأباطرة رومانيون فاستنتجوا من ذلك أن
المعبدين أقيما أثناء حكم الرومان لمصر.
ولكن ترجمة الأسماء اليونانية لم تقنع الفريق الآخر واستمرت
المعركة مستعرة بين الفريقين إلى سنة 1822 للميلاد عندما تمكن شامبليون من
فك طلاسم حروف الخط الهيروغليفى وأطلع على جميع نقوش ورسـوم معبدى دندرة
وإسنا فتبين له أن جزء من معبد دندرة بنى فى عهد كليوباترا وابنها قيصـرون
والجزء الأخر بنى فى عهد أغسطس قيصر وأن معبد إسنا بنى فى عهد الإمبراطور
الرومانى كومودوس ( 177 - 180 بعد الميلاد ).
وهكذا أثبت شامبليون حداثة بناء الأبراج وأنها بنيت فى وقت بناء
المعابد أثناء الحكم الرومانى لمصر فانهارت بذلك دعوى قدم الإنسان التى
تبناها بعض علماء المصريات.
الفصل الثانى
الصراع بين الكنيسة والحركة الداروينية
كان منشأ هذا النزاع الذى دار بين علماء الكنيسة وبعض علماء علم
الأحياء هو أن العهد القديم أورد نصوصا تثبت أن الله فى اليوم الثالث أى
فى الحقبة الزمنية الثالثة أنبت الأرض بكل أنواع الأعشاب والبقول التى
تحمل بزرا من جنسها والأشجار التى تعمل ثمرا بزره فيه كجنسه.
ثم فى اليوم الخامس أى فى الحقبة الزمنية الخامسة خلق الله جميع
ذوات الأنفس الحية التى فى المياه كجنسها الزحافات والأسماك والتنانين
كجنسها وخلق كل طير يطير على وجه الأرض كجنسه.
ثم فى اليوم السادس أى فى الحقبة الزمنية السادسة عمل الله جميع
ذوات الأنفس الحية التى تدب على الأرض كأجناسها البهائم كأجناسها
والدبابات كأجناسها وجميع وحوش الأرض كأجناسها وآخر الكل عمل الله الإنسان
على صورته كشبهه ونفخ فى أنفه نسمة حياة فصار آدم نفسا حية.
وهكذا أظهرت النصوص المقدسة أن جميع الأحياء وجدت منذ نشأتها كأجناسها وأن الله عمل الإنسان على صورته كشبهه.
فالإنسان وإن كان كسائر الأحياء من ذوات الأنفس الحية إلا أنه جنس
مختلف عن سائر الأجناس الحيوانية بكونه الحيوان الوحيد المفكر المخلوق على
صورة الله وشبهه.
وكانت تلك العقيدة هى السائدة المستقرة فى علم الأحياء إلى أن ظهر
داروين الذى سعى بنظريته الواهية عن التطور إلى رد الإنسان العاقل المخلوق
على صورة الله وشبهه إلى مجرد حيوان متطور عن قرد.
ففى سنة 1859 للميلاد أصدر تشارلز روبرت داروين مؤلفه أصل الأنواع
الذى قرر فيه أن الكائنات الحية جميعها بما فيها الإنسان تطورت من أصل
واحد أو أصول قليلة العدد فنشأ عن ذلك الأجناس المختلفة.
وعلل اختلاف الجنس البشرى عن سائر الأجناس الحيوانية واختلاف أجناس
الحيوانات عن بعضها البعض إلى أن نوعا من الأحياء الوسيطة التى تمثل حلقة
التطور بين الإنسان والقرد والأحياء وبعضها البعض قد انقرضت.
والواقع أن فكرة الحلقة المفقودة أو الأحياء الوسيطة المنقرضة
منافية للمنطق والعقل لأنه إذا كانت هناك أحياء منقرضة فإن انقراضها يكون
بسبب تطورها بمعنى أنه إذا كان الإنسان تطور عن قرد فلماذا نجد جنس القردة
موجودا إلى جانب الجنس البشرى أليس من المنطقى أن يكون قد انقرض بتطوره
إلى إنسان فإن وجد الجنسين معا فيصير محققا أنهم مختلفين جنسا وأن أحدهم
لم يتطور عن آخر.
ومع ذلك إذا افترضنا جدلا إمكانية وجود حيوان وسيط يمثل حلقة
التطور بين الإنسان الناطق والقرد غير الناطق فإن هذا المخلوق لا يمكن أن
يكون قردا ولا يمكن أن يكون إنسانا كما يستحيل عقلا أن يوجد كائن وسطى
بينهما يجمع بين العقل واللا عقل أو المنطق واللا منطق أوالنطق واللا نطق.
أما إن وجد كائن شبيه بالإنسان فإن الشبه لن يصيره إنسانا ولن يكون سوى
حيوان كسائر الأحياء غير الناطقة.
أما فيما يتعلق باختلاف الأجناس الحيوانية بعضها عن بعض فإن القول
بالحلقة الوسيطة لا معنى له إلا أن تكون هذه الأحياء أجناس أخرى.
إن نظرة واحدة على شجرة تطور الأحياء لداروين كفيلة بهدم نظريته حيث
يرى أن الإنسان هو نتاج تطور خلية أميبا تطورت فصارت سمكة ثم تمساح ثم أسد
ثم قرد تطور فأصبح إنسانا.
فالإنسان وفقا لداروين هو نتاج تطور من جرثومة وحيدة الخلية إرتقت
فصارت من الأحياء المائية ثم تطورت فصارت من جنس الزواحف التى تطورت
بدورها فصارت حيوان من جنس الوحوش الذى تطور بدوره فصار من جنس القردة
التى ارتقت فصارت من الجنس البشرى.
والسؤال هو أين الحلقات التى تربط بين هذه الأجناس وبعضها البعض ؟
وكيف يستساغ عقلا التسليم بمقولة أن الأحياء الوسيطة لجميع الأحياء هى
وحدها المنقرضة.
ومن هو الحكيم فى عين نفسه ذاك الذى يقبل مجرد فرضية وجود كائن وسيط بين الإنسان الناطق والقرد غير الناطق.
والواقع أنه رغم حمق النظرية فقد تشيع لها بعض العلماء اللذين سعوا
لإثباتها عن طريق التنقيب فى طبقات الأرض بحثا عن الحلقات المفقودة التى
تربط الأجناس الحيوانية وبعضها البعض وتلك التى تربط الإنسان بالقرد.
وبالتنقيب فى طبقات الأرض وجدوا فى بعض الطبقات مخلفات متحجرة
لحيوانات كاملة النمو لكنهم لم يجدوا فى الطبقات التى تحتها مخلفات من
الحيوانات التى تطورت عنها. فهوت النظرية إلى الحضيض لأنه إن كان ثمة تطور
فلماذا لم يثبت بحلقاته المختلفة.
وهكذا بدلا من أن تعطى الحفائر الموجودة فى طبقات الأرض الدليل على
صحة نظرية داروين هدمتها وأعطت الدليل على صحة قصة الخلق كما وردت فى
الكتاب المقدس. إذ أظهرت الحفريات أن النباتات بأنواعها وسائر الأجناس
الحيوانية وجدت كما هى فى جميع الحقب دون أدنى تطور بينما المفروض أنها
تطورت عبر العصور الجيولوجية وفقا لنظرية التطور الداروينية.
وأكثر من ذلك وجهت الحفريات الضربة القاصمة للنظرية الداروينية إذ
عوضا عن أن تثبت صحتها أثبتت أن جميع الأحياء ليس لها سجل حفرى أى أنها لم
تتطور بعضها من بعض بل أن الأجناس جميعا وجدت فجأة دون أدنى تطور وفقا
لتسلسل وجودها المثبت فى الكتاب المقدس.
وهكذا أصبح التقسيم الكتابى لتطور نشأة الحياة على الأرض هو المعتمد
لدى الجيولوجيين فى العصر الحديث حيث قسموا العصور الجيولوجية إلى خمسة
أقسام كالتالى :
1 - عصر ما قبل الحياة ( مـا قبـل الكمبرى ) Pre – Cambrian
2 - عصر الحياة النباتية ( الحيـاة القديمــة ) Palaeozoic
3 - عصر الزواحــف ( الحياة المتوسـطة ) Mesozoic
4 - عصر الثـدييــات ( فجر الحياة الحديثة ) Eocene
5 - عصر الإنســـان ( الحياة الحديثة كليا ) Holocene
ويقول الجيولوجيون أن العصر الحديث كليا أو عصر الإنسان بدأ بإنتهاء العصر الجليدى منذ نحو ثمانية آلاف سنة قبل الميلاد .
وهكذا انقلب الهدف لأنه بدلا من أن تثبت الحفائر صحة نظرية التطور
أثبتت بطلانها وأثبتت قصة الخلق وتسلسل نشأة الحياة على الأرض وفقا لرواية
الكتاب المقدس.
ورغم ثبوت بطلان نظرية داروين وفسادها منطقيا وعلميا فإن المتشيعين
لداروين ما زالوا ينقبون عن ما أسموه حلقة مفقودة فى سلسلة التطور بين
الإنسان والقرد.
وكان قد عثر فى سنة 1856على حفرية عبارة عن جمجمة مع بضع عظام فى
وادى نيندرتال بألمانيا , وبعد أن فحصها العلامة رودلف فيرشوا وهو من أشهر
علماء التشريح حينذاك قرر أنها لإنسان حديث عانى من مرض التشوه التضخمى
الذى يسببه نمو العظام الزائد الناتج عن خلل فى إفراز هرمونات النمو.
هذه الحفرية التى اكتشفت قبل ثلاث سنوات من صدور مؤلف داروين " أصل
الأنواع " أتخذ منها المتشيعون لداروين برهانا على قدم الإنسان وادعوا أن
تلك الحفرية الشبيهة بجمجمة الإنسان وإن كانت لا تمت للجنس البشرى بصلة
إلا انها هى الحلقة المفقودة وقدروا عمرها عندئذ بنحو ربع مليون سنة ثم
هبطوا بعمرها إلى مائة ألف سنة وأخيرا قدرت العالمة الفرنسية هيلين فلادس
عمرها بنحو خمسون ألف سنة.
أما الجيولوجيون فأختلفوا حولها هل هى لقرد أم لإنسان لوجود تشوه تضخمى بعظام الفك.
وأيا كان الأمر أى سواء كانت الحفرية لإنسان حديث عانى من مرض التشوه
التضخمى أو كانت لقرد أو كانت لحيوان شبيه بالإنسان فإن المشابهة لا تقوم
دليلا على أنها لكائن وسيط.
لأنه ما هى مواصفات الكائن الوسيط أو الحلقة بين الإنسان الناطق والحيوان غير الناطق ؟
الجواب لا توجد ولا يمكن أن توجد فلا وسطية بين العقل واللا عقل بين المنطق واللا منطق بين المفكر واللا مفكر.
ثم فى سنة 1891 عثر فى جزيرة جاوة على قطعة من جمجمة وثلاثة ضروس
فهلل لها المتشيعون لداروين أنها بقايا الحلقة المفقودة بين الإنسان
والقرد فقام العلماء بفحص الحفرية فتبين أنها لحيوان الجيبون المنقرض من
فصيلة الشمبانزى.
وهكذا سقطت أسطورة إنسان جاوة.
ثم عثر على حفرية أخرى فى عام 1907 فى هيدلبرج بألمانيا عبارة عن فك
سفلى قيل أنها الحلقة المفقودة وبعد فحصها بمعرفة المختصين تبين أنها
لإنسان متخلف عقليا.
وهكذا سقطت أسطورة إنسان هيدلبرج.
ورغم أن الحفائر أظهرت عدم وجود ما يسمى بالحلقة المفقودة بين
الإنسان والقرد أو بين الحيوانات وبعضها البعض فما زال هناك من يتمسك بها
جهلا أو تضليلا.
ففى عام 1912 أعلن أحد المنقبين أنه عثر فى بيلتدون فى ساكس على
جمجمة وفك تخص الحلقة المفقودة بين الإنسان والقرد. فقام المختصين حينذاك
بفحصها وقرروا أن عمرها نحو نصف مليون ثم أعيد فحصها سنة 1950 فقالوا أن
عمرها خمسين ألف سنة فقط .ثم أعيد فحصها سنة 1953 فاكتشف العلماء أنهم
تعرضوا لخدعة ماهرة فالجمجمة كانت لإنسان وعولجت بأملاح الحديد لتبدو
قديمة أما اسنان الفك وهى لقرد حديث فقد بردت ضروسها لتبدو كأنها أسنان
إنسان.
وهكذا تهاوت أسطورة إنسان بيلتدون.
أما حفرية إنسان جنوب أفريقيا " أوسترالوبيثكس " المكتشفة سنة 1924
التى زعم مكتشفوها أنها تمثل الحلقة المفقودة فقد تبين بعد توافر قدر من
الأدلة على أنها لقزم من الجنس البشرى.
أما أقطاب الداروينية فكانوا متحيرين فى تفسير كيفية حدوث التطور
التدريجى للكائنات بعد أن أثبتت الحفريات وأعمال التنقيب عدم وجود كائنات
وسيطة أو حلقات منقرضة تثبت التطور التدريجى للكائنات بدرجاته المختلفة.
فلمـا كانت سنة 1905 أخرج هيجو دى فريز نظرية التطـور بالطفرة
بقولـه " لا توجد حلقات مفقودة تربط بين الأنواع الرئيسية لأن الثغرات
الموجودة فى سلسلة التطور هى طبيعية نتيجة تحول فجائى أو طفرة ".
إلا أن الكثير من العلماء رفضوا نظرية داروين ودى فريز لأن ما يسمى
بشجرة عائلة الكائنات الحية قد بنيت ليس على أساس حقائق مكتشفة كالأسلاف
المتوسطين أى الحلقات المفقودة بل بنيت على أساس الإعتقاد بأن الكائنات
الحية يجب أن تتطور بعضها من بعض بالطريقة التى تصورها داروين سواء كان
التطور تدريجيا أو بالطفرة دون سند أو برهان.
وواقع الأمر أن نظرية الطفرة لهيجو دى فريز لم تصمد أمام قوانين
الوراثة المندلية التى أثبتت صحة ما جاء فى الكتاب المقدس من أن الأحياء
تنتمى إلى أنواع مختلفة تتكاثر كأجناسها . فالإنسان لا يلد إلا إنسان
والحيوان لا يلد إلا حيوان كجنسه.
وقد أثبتت قوانين الوراثة أنه على فرض حدوث طفرة داخل الأحياء من
الجنس الواحد فإن هذه الطفرة لا تحول القرد إلى إنسان أو السمكة إلى
تمساح. فالطفرة وفقا لقوانين الوراثة المندلية ما هى إلا صفات وراثية
معطلة داخل الجنس الواحد وهى تظهر متى ظهر الأبوان الصحيحان.
أما نظرية دى فريز عن التطور بالطفرة فتعنى أن القرد بالطفرة يتحول
إلى إنسان والأسد بالطفرة يتحول إلى قرد والتمساح بالطفرة يتحول إلى أسد
والسمكة بالطفرة تتحول إلى تمساح ولا حاجة لوجود الحلقة المفقودة.
من ذلك يتضح أن نظرية الطفرة لدى فريز هدفها الإفلات من سقطة الحلقة
المفقودة التى تهدم نظرية التطور من أساسها بعد أن أثبتت أعمال التنقيب
عدم وجودها.
ومع ذلك لم تكن نظرية الطفرة بأوفر حظا من نظرية الحلقة المفقودة
لأن كليهما لم تزد قيمته العملية عن مجرد نظرية غير قائمة على الملاحظة
والتجريب كذبهم الواقع وفندتهما قوانين الوراثة المندلية.
وجدير بالذكر أن الله بعلمه السابق يتحدى التطوريين فنراه يضغط على كلمة كأجناسها بقوله :
فعمل الله وحوش الأرض كأجناسها والبهائم كأجناسها وجميع دبابات الأرض
كأجناسها .. وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا ( تكوين 1 : 25 -
26 ).
يتضح من هذه الآيات الكتابية الحيوانات صنعت كأجناسها وأن الإنسان
صنع على صورة الله وشبهه مما يدل على أنه جنس مختلف عن سائر الأجناس
الحيوانية.
والعجيب أنه لم تمض ست سنوات على إصدار داروين لمؤلفه " أصل
الأنواع " إلا ونشر القس جريجور مندل قس برون بالنمسا سنة 1856 مؤلفه عن
قوانين الوراثة التى أيدت رواية الكتاب المقدس وقوضت أركان نظريـة داروين
ودى فريز إلا أن قوانين الوراثة لمندل لم تلق الإنتشار اللازم فى حينه.
ومن خلال تلك القوانين تأيدت رواية السفر المقدس فى أن الأحياء
تتكاثر كأجناسها حيث أثبتت قوانين الوراثة أن الخصائص الوراثية التى تميز
نوعا معينا تنتقل عند التوالد إلي ذريته وبمعني آخر ترثها ذريته.
وقد أظهرت أبحاث علم الوراثة أن نوعية الخصائص الطبيعية فى كل كائن
على حدة تتحدد بعدد ونوع وحدات الكروموسوم التى تحتوى عليها كل خلية من
خلايا ذلك الكائن وهى ثابتة فى كل نوع من أنواع الأحياء وتختلف باختلاف
الأجناس والأنواع, وبهذا الكشف ثبت استحالة تغير الأجناس والأنواع أو
تطورها من بعضها البعض.
فالإنسان لا يلد إلا إنسانا مثله والحيوان لا يلد إلا حيوانا كجنسه
.وهكذا أيدت قوانين الوراثة المندلية رواية السفر المقدس في أن الله خلق
ذوات الأنفس الحية كأجناسها وأنه خلق الإنسان علي صورته كشبهه ليتسلط علي
الأرض ويخضعها لإرادته.
فالإنسان إذن لم يتطور عن قرد وفقا لنظرية التطور التى تهدف إلى انكار الخلق والسقوط والوعد بالفداء.
فتنوع الأحياء إذن لم يكن أبدا نتيجة تطور أو إرتقاء بل لأن الأجناس
جميعا كما أثبتت قوانين الوراثة المندلية تتكاثر منذ وجدت كأجناسها.
وهكذا تأيدت مصداقية رواية السفر المقدس علميا, وتبرهن خطأ نظرية
التطور لداروين بعد أن ثبت وفقا لقوانين الوراثة والعلوم التجريبية
الحديثة أن الأنواع تتكاثر منذ وجدت كأجناسها وأنها لم تتفرع أو ترتقي من
أصل واحد. بل أن الطفرة التي تظهر فجأة داخل النوع الواحد هي في الحقيقة
صفات وراثية معطلة. وهي تتم داخل النوع الواحد دون أن تحوله إلي نوع آخر
كما تخيل دي فريز.
وهكذا وجهت قوانين الوراثة لمندل والعلوم التجريبية الحديثة ضربة قاتلة لنظريتي داروين ودى فريز.
الفصل الثالث
الصراع بين الكنيسة وعلماء الماسونية
فى حوار مع أحد علماء الروزيكروشان التى تعد أحد أذرع الحركة
الماسونية عمد إلى تكذيب رواية السفر المقدس فيما يتعلق بمدة الأربعة آلاف
سنة قبل الميلاد التي حددتها حسابات الكتاب المقدس لبدء التاريخ البشرى
علي الأرض بخلق آدم. زاعما أن الحسابات الخاصة بمدد الآباء التي تضمنتها
تلك الحسابات هى مدد تقريبية. منكرا بذلك رواية الكتاب المقدس زاعما بأنه
لا تعارض بين العلم والدين لأن الله خلق الإنسان حقا ولكن ليس منذ أربعة
آلاف سنة قبل الميلاد بل منذ عدة ملايين من السنين, ودليله على ذلك أن
أعمال التنقيب كشفت منذ سنوات عديدة عن حفريات بشرية كثيرة جميعها تثبت
نظرية قدم الإنسان مثل حفرية إنسان بكين التي ترجع إلي نصف مليون سنة
وحفرية إنسان جاوة المسمي "بيذيكان ثروبوس إيركتوس " وغير ذلك الكثير.
ونظرا لخطورة أقواله التى ظنها البعض أدلة علمية رأيت حتمية التصدى
له فسألته عن برهانه على أن تلك الحفريات هى لكائنات بشرية ؟
فأجاب بأن برهانه علي ذلك هو أن حجم المخ بهذه الحفريات شبيه بحجم مخ الإنسان.
فقلت له أن المشابهة ليست برهانا يمكن الإطمئنان إليه سيما ونحن
نتحدث بلغة العلم لإثبات نظرية خطيرة تنقض رواية السفر المقدس. سيما وأن
حفرية إنسان جاوة المسمي " بيذيكان ثروبوس إيركتوس " المكتشفة سنة 1926
التى استشهدت بها لإثبات نظرية قدم الإنسان قد ثبت أنها عظام ركبة فيل.
وأيضا فإن حفرية إنسان نبراسكا المسمى " هيبروبيثكس " المكتشفة سنة
1922 والتى اتخذ منها التطوريون دليل قاطع وشهادة مؤكدة لا يرقى إليها
الشك على قدم الإنسان عثر بعد ثلاث سنوات من اكتشافها على الهيكل الكامل
لها فتبين أنها لخنزير منقرض.
من ذلك يتضح أن الأخطاء التى وقع فيها التطوريون على طول الخط سببها
أنها تأسست على عنصر المشابهة بين تلك الحفائر الحيوانية ومخ الإنسان.
كما أن علماء الآثار والجيولوجيون والداروينيين متفقون على أن إنسان
جاوة وإنسان بكين وإنسان صولو وإنسان روديسيا وإنسان جالى هيل وإنسان
سوانسكوب وإنسان ستاينهيم وإنسان جبل الكرمل جميعهم لا ينتمون إلى الجنس
البشرى مطلقا.
والسؤال الذى يحتاج إلى تفسير هو كيف يسمى إنسانا من لا ينتمى إلى الجنس البشرى مطلقا فالحفرية إما أن تكون حيوانية أو بشرية.
وقد أجمع علماء الآثار والجيولوجيون على أن الإنسان لم يوجد إلا فى
العصر الحديث كلية الذى بدأ منذ ما يقرب من ثمانية آلاف سنة قبل الميلاد
وأنه وجد فجأة على مسرح التاريخ دون أن يكون له سجل حفرى أو أسلاف متوسطين
أو ما يسمى بالحلقة المفقودة أو المنقرضة.
ويقول الجيولوجيون أنه لم تظهر قط آثار الإنسان فى أراض العصر
الجليدى ولم توجد فيه قط عظام بشرية. فالإنسان لم يوجد قط إلا فى العصر
الحديث الذى يقدره العلماء المعاصرين بنحو ثمانية آلاف سنة قبل الميلاد.
أما العصر الجليدى الذى سبق العصر الحديث فيقدره العالم الجيولوجى برستويتش بنحو خمسة وعشرون ألف سنة قبل العصر الحديث.
والواقع أن إجماع علماء الآثار والجيولوجيون على أن منطقة ما بين
النهرين هى أقدم تجمع بشرى على الأرض وأنها مهد الحضارة الإنسانية لهو خير
برهان على حداثة الإنسان على الأرض وعلى صحة رواية الكتاب المقدس بأن الله
خلق آدم وجعله فى منطقة ما بين النهرين بالعراق منذ أربعة الآف سنة قبل
الميلاد.
كما أثبتت الحفائر حدوث الطوفان, وأثبت علم الآثار أن أقدم تجمع
بشرى نشأ على الأرض كان فى منطقة ما بين النهرين وكان لجميع سكان هذه
المنطقة لغة واحدة هى السومرية ثم بعد الطوفان تفرقت شعوب الأرض بألسنتها
أى لغاتها.
ويقول العلامة هرلدبرون " لا يمكن أن نعين بسهولة كل الألسنة
السامية لسلالات سام والآرية لسلالات يافث والتورانية لسلالات حام ولكن مع
ذلك فإن علم مقابلة اللغات يرد كل اللغات إلي ثلاثة أصول رئيسية ".
ويقول العلامة مكسلمر في خطابه في علم اللغات ما موجزه " أن تيبو
وبليني كشفوا بنية داخلية في لغات العالم تظهر في أن التباين بينها لا
يمكن أن يكون قد نتج عن انتقال تدريجي أو تغيير خاص بل بقوة فعالة غير
اعتيادية شديدة خافية أن تعلل حالا عن المشابهات والاختلافات بينها ".
وقد أكدت الأبحاث التاريخية أن السومريين ليسوا من نسل سام أو حام
أو يافث كما أن لغتهم المكتوبة تختلف عن اللغات المألوفة بعد الطوفان,
ولوحظ من جهة أخرى أن أسماء المعالم الرئيسية في منطقة ما بين النهرين
والتي تضمنتها النصوص السومرية نفسها تختلف عن مسميات تلك المعالم في
اللغة السامية مما يوحي باختلاف الساميين في النسل واللغة عمن سبقوهم من
السومريين الذين هلكوا بالطوفان وورث الساميين موطنهم.
من ذلك يتضح أن جميع الحضـارات الإنسانية بلغاتها المختلقة وأسماء
مؤسسيها لم تنشأ على الأرض إلا بعد أن بلبل الله ألسـنة البشـر عند برج
بابل وشتتهم على وجه كل الأرض ( تكوين 10 , 11 ) فصارت الأرض تسمى باسم
أول من استوطنها وتتكلم بلسانه أى لغته.
فالحضارة المصرية واللغة المصرية لم يكن لهم وجود قبل نزوح مصرايم
إلى أرض وادى النيل ومنذ هذا التاريخ عرفت أرض الوادى باسم أرض مصر نسبة
إلى مصرايم بن حام بن نوح أول من استوطنها من بنى البشر سنة 2248 قبل
الميلاد وتكلمت بلسانه.
هل ننكر رواية الكتاب المقدس لمجرد أن بعض المخالفين يكابرون
بالتمسك بنظريات غير علمية فندت بالكامل علميا وتاريخيا وحفريا ولا تجد
لها سند اللهم إلا ما يردده بعض الجهال من أدعياء العلم, وبينما هم يزعمون
أنهم حكماء صاروا جهلاء واستبدلوا حق الله بالكذب.
نختم ردنا بوصية رسول الأمم العظيم لتلميذه تيموثاوس احفظ الوديعة
معرضا عن الكلام الباطل الدنس ومخالفات العلم الكاذب الإسم الذى إذا تظاهر
به قوم زاغوا من جهة الإيمان النعمة معك آمين ( تيموثاوس الأولى 6 : 20 -
22 ).