قال المسيح إنه هو القيامة والحياة
فلقد قال لمرثا: «أنا هو القيامة والحياة، من آمن بي ولو مات فسيحيا، وكل من كان حيًا وآمن بي فلن يموت إلى الأبد» (يوحنا11: 24-26).
قيلت هذه العبارة عندما ذهب الرب يسوع إلى بيت عنيا ليقيم لعازر من
الأموات. ونحن نعلم أنه لم يقل كلمات مثل هذه أي نبي قبل المسيح، ولا أي
رسول بعده، مع أن بعضهم أقام موتى. إنها عبارة مملوءة بالجلال، بحيث لا
يمكن لشخص بشري أن يقول نظيرها، ما لم يكن مدعيًا. فالمسيح يوضح بتلك
الكلمات أنه ليس معلمًا بشريًا يتحدث عن القيامة، بل هو المصدر الإلهي لكل
قيامة، سواء كانت روحية الآن، أو حرفية في أوانها. كما أنه أصل وينبوع كل
حياة، طبيعية كانت أم روحية أم أبدية.
فهذه العبارة إذا هي عبارة فريدة وتعطي دلالات أكيدة على لاهوت المسيح.
فذاك الذي هو مصدر الحياة، والذي فيه كانت الحياة (يوحنا1: 4)، قَبِل أن
”يذوق بنعمة الله الموت“ (عبرانيين 2: 9)، ليمكنه أن يكون أيضًا القيامة
لمن يؤمن به. وحده وليس سواه – بموته وقيامته - أمكنه أن يبطل الموت،
وينير الحياة والخلود بواسطة الإنجيل (2تيموثاوس1: 10).
7- قال المسيح إنه يستجيب الدعاء
فلقد قال لتلاميذه في حديث العلية:
«ومهما سألتم باسمي فذلك أفعله ليتمجد الآب بالابن. إن سألتم شيئا باسمي فإني أفعله» (يوحنا14: 13، 14)
لا يوجد شخص ممكن أن يسمع كل دعوات الداعين، الصاعده له من كل العالم، إلا
الله وحده. وأي ادعاء بأن هناك مخلوق يمكن أن يستمع إلى نداءات البشر
الذين يتجهون إليه، هو ادعاء عار من الصحة. أسفي على الذين ألَّهوا البشر،
ونسبوا لهم سماع الصلوات واستجابتها. لقد قال إيليا النبي العظيم مرة
لأليشع: «ماذا أفعل لك، قبل أن أؤخذ منك؟» (2ملوك2: 9). لاحظ قوله: ”قبل
أن أؤخذ منك“، وأما المسيح فهو ما زال يفعل، وذلك بعد رحيله بألفي سنة.
إنه يسمع الصلوات ويستجيبها. هذا ما أكده المسيح هنا، وما اختبره كل
المؤمنين الأتقياء.
ونلاحظ أن المسيح لم يقل هنا: ”مهما سألتم باسمي فذلك يفعله الآب“، ولم
يقل ”إن سألتم شيئًا باسمي فإن الآب يفعله“، بل قال: «فذلك أفعله»، وأيضًا
«فإني أفعله».
8- قال المسيح إن تلاميذه بدونه لا يقدرون أن يفعلوا شيئًا.
فلقد قال في حديثه الأخير مع تلاميذه في العلية أيضًا:
«لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا» (يوحنا15: 5).
في هذه الأقوال ينسب الرب يسوع لنفسه القوة والقدرة على كل شيء. ونلاحظ أن
الرب قال هذا لتلاميذه، ليس في بداية تواجده معهم، بل في نهايته، وفي نفس
ليلة آلامه. فهو كان مزمعًا أن يتركهم، لكنه يؤكد لهم أنه بلاهوته باقٍ
معهم. وعليهم أن يدركوا أنهم لن يقدروا أن يعملوا أي شيء بدونه. وهذا
معناه أنه ليس مجرد إنسان، غيابُه عنهم ينهي عمله، بل إن لاهوته ظاهر في
أقواله هنا، وهم بدونه لن يقووا على عمل أي شيء.
والعكس أيضًا صحيح، فلقد قال الرسول بولس: «أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني» (فيلبي4: 13).
ونلاحظ أن المسيح لم يقل في المقابل: ”لأني بدونكم لا أقدر أن أفعل
شيئًا“. فكون المسيح يستخدمنا، فليس ذلك لأنه بدوننا عاجز، حاشا، بل إنه
يكرمنا بأن يقبل أن يستخدمنا في عمله، وهو وحده الكفؤ لهذا العمل، فمسرة
الرب بيده تنجح (إشعياء53: 10).
9. قال المسيح إنه صاحب المجد الأزلي
فلقد قال المسيح في صلاته لأبيه على مسمع من تلاميذه:
«والآن مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك، بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم» (يوحنا17: 4و5).
ما أقوى هذه العبارة: «المجد الذي لي عندك قبل كون العالم»! إننا نتفق مع
أحد الشراح الذي قال لو لم يكن لدينا سوى هذه الآية، تحدثنا عن لاهوت
المسيح، لما أمكننا أن نطعن في لاهوته. فهي تقول لنا صراحة إن المسيح كان
من الأزل مع الآب، وليس ذلك فقط، بل تحدثنا أن له مجدًا أزليًا يتمتع به
مع الآب في الأزل! ونحن طبعًا لا يمكننا أن ندرك كنه هذا المجد الأزلي،
فهو من ناحية غير معلن، ومن ناحية أخرى يفوق عقولنا المحدودة. ولكن ما لا
نقدر أن نستوعبه ونفهمه، يمكننا أن نؤمن به ونسجد لأجله.
10- قال المسيح: إنه هو الرب الديان
فلقد قال في المسيح موعظته من فوق الجبل، وهي أول مواعظه المسجلة له في الأناجيل:
«كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم: ”يا رب يا رب: أ ليس باسمك تنبأنا؟
وباسمك أخرجنا شياطين؟ وباسمك صنعنا قوات كثيرة؟“ حينئذ أصرح لهم إني ما
أعرفكم» (متى7: 22).
تحتوي موعظة المسيح من فوق الجبل على العديد من البراهين على لاهوت
المسيح. فمثلا في بداية الموعظة قدم المسيح مجموعة من التطويبات، ختمها
بهذه التطويبة: «طوبى لكم إذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة
من أجلي كاذبين. افرحوا وتهللوا لأن أجركم عظيم في السماوات. فإنهم هكذا
طردوا الأنبياء الذين قبلكم» (متى5: 11، 12). والشيء اللافت هنا أن المسيح
يقارن بين تلاميذه الذين يتألمون لأجله، والأنبياء في العهد القديم. لقد
اضطهدوا الأنبياء في العهد القديم بسبب أمانتهم لله، والآن يقول المسيح
لتلاميذه إنهم، في اتباعهم له، سيتعرضون للاضطهاد بسبب أمانتهم له، ويعدهم
بأنه سيكون لهم ذات المكافأة التي للأنبياء. الدلالة واضحة هنا، فإن كان
تلاميذ المسيح يُشَبَّهون بأنبياء الله، فهذا معناه أنه هو يُشَبِّه نفسه
بالله. أو بكلمات أخرى، يعتبر نفسه أنه هو الله.
ثم في ختام العظة يقول المسيح: «من يسمع أقوالي هذه ويعمل بها أشبهه برجل
عاقل بنى بيته على الصخر» (متى7: 24). يوضِّح المسيح هنا أن أساس الأمن
والسلام في الحياة الحاضرة وفي الأبدية أيضًا هو الاستماع إلى كلامه. فمن
يكون هذا؟
ثم في الأقوال السابقة للآية التي نتحدث فيها قال المسيح: «ليس كل من يقول
لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السماوات، بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في
السماوات». وهذا معناه أن هناك حسابًا لمن يقول له: ”يا رب“ دون أن يعيها،
فكم بالحري لمن يرفض من الأساس أن يقولها!
وهذه الآية وردت في إنجيل لوقا هكذا: «ولماذا تدعونني يا رب يا رب، وأنتم
لا تفعلون ما أقوله لكم» (لوقا 6: 46). ومن هذا نفهم أن المسيح لا يعتبر
نفسه مجرد سيد يُقدَّر، بل إنه رب يُطاع.
وإن كانت الأقوال التي قالها المسيح في (ع21) تنطبق على الوقت الحاضر، فإن
كلماته في (ع 22) تنطبق على يوم قادم. إن ”ذلك اليوم“ الذي يتحدث عنه
المسيح في الآية السابقة، هو يوم الدينونة. إنهم سيقولون له، باعتبارهم
المدانون، وهو سيصرح لهم، باعتباره الديان. وكلامه هو، وليس كلامهم هم، هو
الفيصل في ذلك اليوم العصيب!
ثم نلاحظ أن هؤلاء الكثيرين من البشر سيقولون للمسيح الديان في ذلك اليوم:
«يا رب يا رب». فالمسيح إذًا بحسب كلامه هنا، هو ”الرب“ وهو ”الديان“.
وفي هذا الاتجاه قال المسيح في عظة جبل الزيتون، إنه متى جاء في مجده
وجميع الملائكة القديسون معه، سيجمع أمامه جميع الشعوب، ويقول للذين عن
يمينه: «تعالوا يا مباركي أبي، رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم ,
ثم يقول للذين عن اليسار اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة
لإبليس وملائكته. فيمضي هؤلاء إلى عذاب أبدي والأبرار إلى حياة أبدية»
(متى 25: 31- 46). هذه الآيات تؤكد لنا أيضا أن المسيح هو الديان. ومن هذه
الآيات نفهم أن مصائر جميع الشعوب سيحدده المسيح، وذلك عندما يأتي كالديان
في مجده، ومعه لا جمهور كبير من الملائكة، بل جميع الملائكة. ويومها
سيجتمع أمامه لا جنس واحد من البشر، ولا مجموعة محدودة، بل جميع الشعوب،
وسيقوم هو باعتباره الديان بمحاسبتهم.
ترى من هو الديان الذي سيدين جميع البشر؟ قال إبراهيم في العهد القديم وهو
يكلم الرب والمولى: «أ ديان كل الأرض لا يصنع عدلاً؟» (تكوين 18: 22و25).
ويقول موسى النبي في العهد القديم: «الرب يدين شعبه» (تثنية32: 36)، وفي
العهد الجديد يقول كاتب العبرانيين: «أتيتم, إلى الله ديان الجميع»
(عبرانيين 12: 22و23).
وبحسب أقدم نبوة في الكتاب المقدس، وهي تلك التي نطق بها أخنوخ السابع من
آدم، فإن الذي سيدين الجميع هو الرب، فلقد قال أخنوخ: «هوذا قد جاء الرب
في ربوات قديسييه ليصنع دينونة على الجميع، ويعاقب جميع فجارهم، على جميع
أعمال فجورهم التي فجروا بها، وعلى جميع الكلمات الصعبة التي تكلم بها
عليه خطاة فجار» (يهوذا14).
ومن هذا نفهم أن الرب الديان كان في ذات يوم محتقرًا ومخذولاً من الناس،
ولذلك فقد تكلموا عليه الكلمات الصعبة. إنه هو الرب يسوع المسيح الذي رُفض
لما كان هنا على الأرض، وما زال مرفوضًا من عدد كبير من البشر، لكنه مع
ذلك سيأتي عن قريب باعتباره الرب الديَّان، وسيدين جميع البشر!
12 - قال المسيح إنه موجود في كل مكان.
فلقد قال المسيح لتلاميذه:
«لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم» (متى 18: 20).
كيف يمكن للمسيح أن يوجد في وسط كل اجتماع يوجد فيه اثنان أو ثلاثة
مجتمعون إلى اسمه؟ أ ليس هذا دليلاً على أنه الرب الذي يملأ الكل؟ وفي ما
بعد أوضح الرسول بولس أن المسيح «يملأ الكل في الكل» (أفسس1: 23؛ 4: 10).
وهناك عبارة نطق بها المسيح توضح كيف أنه يملأ الكل، فلقد قال لنيقوديموس:
«وليس أحد صعد إلى السماء، إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو
في السماء» (يوحنا3: 13). لقد كان المسيح يتكلم مع نيقوديموس في أورشليم،
لكنه يعلن أن السماء لا تخلو منه. فهو موجود على الأرض وموجود أيضًا في
السماء. وهذه واحدة من الخصائص الإلهية، فالله وحده يملأ السماء والأرض،
كقول الرب لإرميا: «أ ما أملأ أنا السماوات والأرض يقول الرب؟» (إرميا23:
24).
ونلاحظ أن المسيح الذي كان يتكلم مع نيقوديموس، كان بناسوته في أورشليم،
وبلاهوته هو يملأ السماء والأرض. واتحاد الطبيعتين - اللاهوتية والناسوتية
- في شخص المسيح، هو فوق المدارك البشرية.
13. قال المسيح إنه هو الذي يرسل الأنبياء.
فلقد قال في عظة الويلات:
«لِذَلِكَ هَا أَنَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ أَنْبِيَاءَ وَحُكَمَاءَ
وَكَتَبَةً فَمِنْهُمْ تَقْتُلُونَ وَتَصْلِبُونَ وَمِنْهُمْ تَجْلِدُونَ
فِي مَجَامِعِكُمْ وَتَطْرُدُونَ مِنْ مَدِينَةٍ إِلَى مَدِينَةٍ» (متى
23: 34)
لقد قال المسيح هذه الكلمات لليهود، قبيل صلبه بأيام أو ساعات معدودة، قال
إنه سيرسل إليهم أنبياء وحكماء وكتبة. فمتى أرسلهم؟ يقينًا أرسلهم بعد
قيامته من الأموات، وصعوده فوق جميع السماوات.
هذه الأقوال تؤكد أن المسيح ليس مجرد نبي ولا مجرد رسول، بل إنه هو الذي
يرسل الرسل والأنبياء. وعليه فإن من يظن أن المسيح مجرد رسول أو نبي، يكون
قد فاته مدلول هذه العبارة العظمى. فمن الذي يرسل الأنبياء والحكماء؟ أليس
هو الله؟ (ارجع إلى إشعياء 6: 8؛ يوحنا1: 6). إذًا قول المسيح هنا يتضمن
أنه هو بنفسه الرب ”إله الأنبياء القديسين“ (رؤيا22: 6). ولقد تمم المسيح
كلامه هنا بعد قيامته من الأموات وصعوده إلى السماوات، حيث أرسل إلى تلك
الأمة العاصية أنبياء وحكماء وكتبة.
وفي هذا الصدد يقول المسيح أيضًا في موعظة جبل الزيتون هذا القول المبارك
والمحمل بالمعاني «تظهر علامة ابن الإنسان ,. فيبصرون ابن الإنسان ,.
فيرسل ملائكته ببوق عظيم الصوت فيجمعون مختاريه» (متى 24: 31). هذا معناه
أن الملائكة هم ملائكة ابن الإنسان، وأنه يملك السلطان على إرسالهم، وكذلك
فإن المختارين هم مختاروه. فهذا الذي اتضع وافتقر لم يكن، كما نفهم من
الأصحاح الأول في هذه البشارة سوى ”عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا“ (1:
23).
14- قال المسيح أن كلامه لا يزول
فلقد قال المسيح في موعظة جبل الزيتون:
«السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول» (متى 24: 35).
ونحن نعرف أنه بعض الدكتاتوريين كانوا يفرضون على الناس أقوالهم، وربما
قال مغرور من هؤلاء إن كلامه لا يزول. ولكن ماذا بعد موت هؤلاء؟ يقول
المرنم: «تخرج روحه فيعود إلى ترابه. في ذلك اليوم نفسه تهلك أفكاره»
(مزمور146: 4). نعم ليس الإنسان - كائنًا من كان - هو الذي كلامه لا يزول،
بل الله، كقول المرنم: «إلى الأبد يا رب كلمتك مثبتة في السماوات» (مز119:
89).
ولقد كان الأنبياء دائمًا يبدأون نبواتهم بالقول: «هكذا قال الرب». ولكن المسيح ليس كذلك، بل إنه يقول هنا: «كلامي لا يزول»!
ومن الجميل أن نذكر أن المسيح قال هذا الكلام قبيل آلامه وموته بساعات
معدودة. وكانت الأيام التالية ستحمل الكثير من المفاجآت غير السارة
لتلاميذه، ومع ذلك فقد ثبت أن كل ما قاله المسيح تم، وتم حرفيًا.
إن طريقة موته تمت كما قال، فمات فوق الصليب (قارن يوحنا18: 32، مع يوحنا
12: 33). لقد كان قصد قادة اليهود الأشرار أنه بموته فوق الصليب، وهي ميتة
اللعنة والعار، ستنتهي إلى الأبد شعبيته (ارجع إلى مزمور41: 5)، ولكن
العجيب أن العكس هو ما حصل، وبعد نحو خمسين يومًا بدأت الكرازة به، وآمن
في عظة واحدة ثلاثة آلاف نفس، وما زال هذا يحدث يوميًا في كل بقاع العالم.
هناك ملايين لم تكن لهم به أية علاقة، والبعض كان ينكره ويبغضه، لكن
الصليب غيرهم فأحبوه وعبدوه، وذلك إتمامًا لقوله: «وأنا إن ارتفعت عن
الأرض أجذب إلي الجميع» (يوحنا12: 32). ولقد قال أيضًا إنه سيقوم في اليوم
الثالث. وهو ما حدث فعلا، فعندما ذهبت المرأتان إلى القبر في فجر أول
الأسبوع، وجدن الحجر مدحرجا عن باب القبر، وسمعن صوت ملاك السماء يقول
لهما: «إني أعلم أنكما تطلبان يسوع المصلوب، ليس هو ههنا لأنه قد قام كما
قال» (متى 28: 5، 6). ولقد ظهر لتلاميذه في الجليل كما قال أيضًا (متى 26:
32؛ 28: 7). وقال إن الهيكل سيدمر تمامًا، بحيث لا يترك حجر على حجر فيه
إلا وينقض، وحدد المدة قائلاً: «الحق أقول لكم: لا يمضي هذا الجيل حتى
يكون هذا كله» (متى 24: 2، 34). وهو ما تم فعلاً، ويخبرنا التاريخ أنه رغم
تعليمات تيطس القائد الروماني بعدم المساس بمبنى الهيكل، والإبقاء عليه
كأثر تاريخي، إلا أن كلام المسيح، وليس كلام تيطس، هو الذي تم.
وقبل ذلك كان قد قال: «على هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى
عليها» (متى 16: 18) وهو ما تشهد به القرون العشرون الماضية. فكم حاولت
معاول الهدم أن تهدم كنيسة المسيح، ولكن طاش سهمهم! واتضح أن كلام المسيح
هو أشد ثباتًا من السماوات بقوانينها الثابتة، وأكثر رسوخا من الأرض
بجبالها الراسخة.
إذا فكلام المسيح أبدي وإلهي، معصوم وصادق. إن كلامه له ذات صفات كلام الله، لأنه هو الله.
15- قال إنه صاحب كل سلطان في السماء وعلى الأرض:
فلقد قال المسيح لتلاميذه بعد القيامة:
«دفع إلي كل سلطان في السماء وعلى الأرض» (مت28: 18).
من هو هذا الذي له كل السلطان في السماء وعلى الأرض؟ أ يمكن أن يكون مجرد
مخلوق محدود، ويُسَلم له كل السلطان لا في الأرض فقط، بل في السماء أيضًا،
حيث مسكن الله؟
أ يمكن أن يكون هذا الشخص صاحب السلطان المطلق في الأرض وفي السماء شخص آخر غير الله؟
قال أحد المفسرين: ”أن يُعطى مجرد مخلوق، مهما سما، كل السلطان في السماء
وعلى الأرض، هو تعليم أكثر صعوبة بما لا يقاس، من التقرير بأن المسيح هو
الله. فإن العبارة الأولى تتضمن فكرين متنافرين ولا يمكن جمعهما معًا على
الإطلاق“.
فلقد قال لمرثا: «أنا هو القيامة والحياة، من آمن بي ولو مات فسيحيا، وكل من كان حيًا وآمن بي فلن يموت إلى الأبد» (يوحنا11: 24-26).
قيلت هذه العبارة عندما ذهب الرب يسوع إلى بيت عنيا ليقيم لعازر من
الأموات. ونحن نعلم أنه لم يقل كلمات مثل هذه أي نبي قبل المسيح، ولا أي
رسول بعده، مع أن بعضهم أقام موتى. إنها عبارة مملوءة بالجلال، بحيث لا
يمكن لشخص بشري أن يقول نظيرها، ما لم يكن مدعيًا. فالمسيح يوضح بتلك
الكلمات أنه ليس معلمًا بشريًا يتحدث عن القيامة، بل هو المصدر الإلهي لكل
قيامة، سواء كانت روحية الآن، أو حرفية في أوانها. كما أنه أصل وينبوع كل
حياة، طبيعية كانت أم روحية أم أبدية.
فهذه العبارة إذا هي عبارة فريدة وتعطي دلالات أكيدة على لاهوت المسيح.
فذاك الذي هو مصدر الحياة، والذي فيه كانت الحياة (يوحنا1: 4)، قَبِل أن
”يذوق بنعمة الله الموت“ (عبرانيين 2: 9)، ليمكنه أن يكون أيضًا القيامة
لمن يؤمن به. وحده وليس سواه – بموته وقيامته - أمكنه أن يبطل الموت،
وينير الحياة والخلود بواسطة الإنجيل (2تيموثاوس1: 10).
7- قال المسيح إنه يستجيب الدعاء
فلقد قال لتلاميذه في حديث العلية:
«ومهما سألتم باسمي فذلك أفعله ليتمجد الآب بالابن. إن سألتم شيئا باسمي فإني أفعله» (يوحنا14: 13، 14)
لا يوجد شخص ممكن أن يسمع كل دعوات الداعين، الصاعده له من كل العالم، إلا
الله وحده. وأي ادعاء بأن هناك مخلوق يمكن أن يستمع إلى نداءات البشر
الذين يتجهون إليه، هو ادعاء عار من الصحة. أسفي على الذين ألَّهوا البشر،
ونسبوا لهم سماع الصلوات واستجابتها. لقد قال إيليا النبي العظيم مرة
لأليشع: «ماذا أفعل لك، قبل أن أؤخذ منك؟» (2ملوك2: 9). لاحظ قوله: ”قبل
أن أؤخذ منك“، وأما المسيح فهو ما زال يفعل، وذلك بعد رحيله بألفي سنة.
إنه يسمع الصلوات ويستجيبها. هذا ما أكده المسيح هنا، وما اختبره كل
المؤمنين الأتقياء.
ونلاحظ أن المسيح لم يقل هنا: ”مهما سألتم باسمي فذلك يفعله الآب“، ولم
يقل ”إن سألتم شيئًا باسمي فإن الآب يفعله“، بل قال: «فذلك أفعله»، وأيضًا
«فإني أفعله».
8- قال المسيح إن تلاميذه بدونه لا يقدرون أن يفعلوا شيئًا.
فلقد قال في حديثه الأخير مع تلاميذه في العلية أيضًا:
«لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا» (يوحنا15: 5).
في هذه الأقوال ينسب الرب يسوع لنفسه القوة والقدرة على كل شيء. ونلاحظ أن
الرب قال هذا لتلاميذه، ليس في بداية تواجده معهم، بل في نهايته، وفي نفس
ليلة آلامه. فهو كان مزمعًا أن يتركهم، لكنه يؤكد لهم أنه بلاهوته باقٍ
معهم. وعليهم أن يدركوا أنهم لن يقدروا أن يعملوا أي شيء بدونه. وهذا
معناه أنه ليس مجرد إنسان، غيابُه عنهم ينهي عمله، بل إن لاهوته ظاهر في
أقواله هنا، وهم بدونه لن يقووا على عمل أي شيء.
والعكس أيضًا صحيح، فلقد قال الرسول بولس: «أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني» (فيلبي4: 13).
ونلاحظ أن المسيح لم يقل في المقابل: ”لأني بدونكم لا أقدر أن أفعل
شيئًا“. فكون المسيح يستخدمنا، فليس ذلك لأنه بدوننا عاجز، حاشا، بل إنه
يكرمنا بأن يقبل أن يستخدمنا في عمله، وهو وحده الكفؤ لهذا العمل، فمسرة
الرب بيده تنجح (إشعياء53: 10).
9. قال المسيح إنه صاحب المجد الأزلي
فلقد قال المسيح في صلاته لأبيه على مسمع من تلاميذه:
«والآن مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك، بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم» (يوحنا17: 4و5).
ما أقوى هذه العبارة: «المجد الذي لي عندك قبل كون العالم»! إننا نتفق مع
أحد الشراح الذي قال لو لم يكن لدينا سوى هذه الآية، تحدثنا عن لاهوت
المسيح، لما أمكننا أن نطعن في لاهوته. فهي تقول لنا صراحة إن المسيح كان
من الأزل مع الآب، وليس ذلك فقط، بل تحدثنا أن له مجدًا أزليًا يتمتع به
مع الآب في الأزل! ونحن طبعًا لا يمكننا أن ندرك كنه هذا المجد الأزلي،
فهو من ناحية غير معلن، ومن ناحية أخرى يفوق عقولنا المحدودة. ولكن ما لا
نقدر أن نستوعبه ونفهمه، يمكننا أن نؤمن به ونسجد لأجله.
10- قال المسيح: إنه هو الرب الديان
فلقد قال في المسيح موعظته من فوق الجبل، وهي أول مواعظه المسجلة له في الأناجيل:
«كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم: ”يا رب يا رب: أ ليس باسمك تنبأنا؟
وباسمك أخرجنا شياطين؟ وباسمك صنعنا قوات كثيرة؟“ حينئذ أصرح لهم إني ما
أعرفكم» (متى7: 22).
تحتوي موعظة المسيح من فوق الجبل على العديد من البراهين على لاهوت
المسيح. فمثلا في بداية الموعظة قدم المسيح مجموعة من التطويبات، ختمها
بهذه التطويبة: «طوبى لكم إذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة
من أجلي كاذبين. افرحوا وتهللوا لأن أجركم عظيم في السماوات. فإنهم هكذا
طردوا الأنبياء الذين قبلكم» (متى5: 11، 12). والشيء اللافت هنا أن المسيح
يقارن بين تلاميذه الذين يتألمون لأجله، والأنبياء في العهد القديم. لقد
اضطهدوا الأنبياء في العهد القديم بسبب أمانتهم لله، والآن يقول المسيح
لتلاميذه إنهم، في اتباعهم له، سيتعرضون للاضطهاد بسبب أمانتهم له، ويعدهم
بأنه سيكون لهم ذات المكافأة التي للأنبياء. الدلالة واضحة هنا، فإن كان
تلاميذ المسيح يُشَبَّهون بأنبياء الله، فهذا معناه أنه هو يُشَبِّه نفسه
بالله. أو بكلمات أخرى، يعتبر نفسه أنه هو الله.
ثم في ختام العظة يقول المسيح: «من يسمع أقوالي هذه ويعمل بها أشبهه برجل
عاقل بنى بيته على الصخر» (متى7: 24). يوضِّح المسيح هنا أن أساس الأمن
والسلام في الحياة الحاضرة وفي الأبدية أيضًا هو الاستماع إلى كلامه. فمن
يكون هذا؟
ثم في الأقوال السابقة للآية التي نتحدث فيها قال المسيح: «ليس كل من يقول
لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السماوات، بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في
السماوات». وهذا معناه أن هناك حسابًا لمن يقول له: ”يا رب“ دون أن يعيها،
فكم بالحري لمن يرفض من الأساس أن يقولها!
وهذه الآية وردت في إنجيل لوقا هكذا: «ولماذا تدعونني يا رب يا رب، وأنتم
لا تفعلون ما أقوله لكم» (لوقا 6: 46). ومن هذا نفهم أن المسيح لا يعتبر
نفسه مجرد سيد يُقدَّر، بل إنه رب يُطاع.
وإن كانت الأقوال التي قالها المسيح في (ع21) تنطبق على الوقت الحاضر، فإن
كلماته في (ع 22) تنطبق على يوم قادم. إن ”ذلك اليوم“ الذي يتحدث عنه
المسيح في الآية السابقة، هو يوم الدينونة. إنهم سيقولون له، باعتبارهم
المدانون، وهو سيصرح لهم، باعتباره الديان. وكلامه هو، وليس كلامهم هم، هو
الفيصل في ذلك اليوم العصيب!
ثم نلاحظ أن هؤلاء الكثيرين من البشر سيقولون للمسيح الديان في ذلك اليوم:
«يا رب يا رب». فالمسيح إذًا بحسب كلامه هنا، هو ”الرب“ وهو ”الديان“.
وفي هذا الاتجاه قال المسيح في عظة جبل الزيتون، إنه متى جاء في مجده
وجميع الملائكة القديسون معه، سيجمع أمامه جميع الشعوب، ويقول للذين عن
يمينه: «تعالوا يا مباركي أبي، رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم ,
ثم يقول للذين عن اليسار اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة
لإبليس وملائكته. فيمضي هؤلاء إلى عذاب أبدي والأبرار إلى حياة أبدية»
(متى 25: 31- 46). هذه الآيات تؤكد لنا أيضا أن المسيح هو الديان. ومن هذه
الآيات نفهم أن مصائر جميع الشعوب سيحدده المسيح، وذلك عندما يأتي كالديان
في مجده، ومعه لا جمهور كبير من الملائكة، بل جميع الملائكة. ويومها
سيجتمع أمامه لا جنس واحد من البشر، ولا مجموعة محدودة، بل جميع الشعوب،
وسيقوم هو باعتباره الديان بمحاسبتهم.
ترى من هو الديان الذي سيدين جميع البشر؟ قال إبراهيم في العهد القديم وهو
يكلم الرب والمولى: «أ ديان كل الأرض لا يصنع عدلاً؟» (تكوين 18: 22و25).
ويقول موسى النبي في العهد القديم: «الرب يدين شعبه» (تثنية32: 36)، وفي
العهد الجديد يقول كاتب العبرانيين: «أتيتم, إلى الله ديان الجميع»
(عبرانيين 12: 22و23).
وبحسب أقدم نبوة في الكتاب المقدس، وهي تلك التي نطق بها أخنوخ السابع من
آدم، فإن الذي سيدين الجميع هو الرب، فلقد قال أخنوخ: «هوذا قد جاء الرب
في ربوات قديسييه ليصنع دينونة على الجميع، ويعاقب جميع فجارهم، على جميع
أعمال فجورهم التي فجروا بها، وعلى جميع الكلمات الصعبة التي تكلم بها
عليه خطاة فجار» (يهوذا14).
ومن هذا نفهم أن الرب الديان كان في ذات يوم محتقرًا ومخذولاً من الناس،
ولذلك فقد تكلموا عليه الكلمات الصعبة. إنه هو الرب يسوع المسيح الذي رُفض
لما كان هنا على الأرض، وما زال مرفوضًا من عدد كبير من البشر، لكنه مع
ذلك سيأتي عن قريب باعتباره الرب الديَّان، وسيدين جميع البشر!
12 - قال المسيح إنه موجود في كل مكان.
فلقد قال المسيح لتلاميذه:
«لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم» (متى 18: 20).
كيف يمكن للمسيح أن يوجد في وسط كل اجتماع يوجد فيه اثنان أو ثلاثة
مجتمعون إلى اسمه؟ أ ليس هذا دليلاً على أنه الرب الذي يملأ الكل؟ وفي ما
بعد أوضح الرسول بولس أن المسيح «يملأ الكل في الكل» (أفسس1: 23؛ 4: 10).
وهناك عبارة نطق بها المسيح توضح كيف أنه يملأ الكل، فلقد قال لنيقوديموس:
«وليس أحد صعد إلى السماء، إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو
في السماء» (يوحنا3: 13). لقد كان المسيح يتكلم مع نيقوديموس في أورشليم،
لكنه يعلن أن السماء لا تخلو منه. فهو موجود على الأرض وموجود أيضًا في
السماء. وهذه واحدة من الخصائص الإلهية، فالله وحده يملأ السماء والأرض،
كقول الرب لإرميا: «أ ما أملأ أنا السماوات والأرض يقول الرب؟» (إرميا23:
24).
ونلاحظ أن المسيح الذي كان يتكلم مع نيقوديموس، كان بناسوته في أورشليم،
وبلاهوته هو يملأ السماء والأرض. واتحاد الطبيعتين - اللاهوتية والناسوتية
- في شخص المسيح، هو فوق المدارك البشرية.
13. قال المسيح إنه هو الذي يرسل الأنبياء.
فلقد قال في عظة الويلات:
«لِذَلِكَ هَا أَنَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ أَنْبِيَاءَ وَحُكَمَاءَ
وَكَتَبَةً فَمِنْهُمْ تَقْتُلُونَ وَتَصْلِبُونَ وَمِنْهُمْ تَجْلِدُونَ
فِي مَجَامِعِكُمْ وَتَطْرُدُونَ مِنْ مَدِينَةٍ إِلَى مَدِينَةٍ» (متى
23: 34)
لقد قال المسيح هذه الكلمات لليهود، قبيل صلبه بأيام أو ساعات معدودة، قال
إنه سيرسل إليهم أنبياء وحكماء وكتبة. فمتى أرسلهم؟ يقينًا أرسلهم بعد
قيامته من الأموات، وصعوده فوق جميع السماوات.
هذه الأقوال تؤكد أن المسيح ليس مجرد نبي ولا مجرد رسول، بل إنه هو الذي
يرسل الرسل والأنبياء. وعليه فإن من يظن أن المسيح مجرد رسول أو نبي، يكون
قد فاته مدلول هذه العبارة العظمى. فمن الذي يرسل الأنبياء والحكماء؟ أليس
هو الله؟ (ارجع إلى إشعياء 6: 8؛ يوحنا1: 6). إذًا قول المسيح هنا يتضمن
أنه هو بنفسه الرب ”إله الأنبياء القديسين“ (رؤيا22: 6). ولقد تمم المسيح
كلامه هنا بعد قيامته من الأموات وصعوده إلى السماوات، حيث أرسل إلى تلك
الأمة العاصية أنبياء وحكماء وكتبة.
وفي هذا الصدد يقول المسيح أيضًا في موعظة جبل الزيتون هذا القول المبارك
والمحمل بالمعاني «تظهر علامة ابن الإنسان ,. فيبصرون ابن الإنسان ,.
فيرسل ملائكته ببوق عظيم الصوت فيجمعون مختاريه» (متى 24: 31). هذا معناه
أن الملائكة هم ملائكة ابن الإنسان، وأنه يملك السلطان على إرسالهم، وكذلك
فإن المختارين هم مختاروه. فهذا الذي اتضع وافتقر لم يكن، كما نفهم من
الأصحاح الأول في هذه البشارة سوى ”عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا“ (1:
23).
14- قال المسيح أن كلامه لا يزول
فلقد قال المسيح في موعظة جبل الزيتون:
«السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول» (متى 24: 35).
ونحن نعرف أنه بعض الدكتاتوريين كانوا يفرضون على الناس أقوالهم، وربما
قال مغرور من هؤلاء إن كلامه لا يزول. ولكن ماذا بعد موت هؤلاء؟ يقول
المرنم: «تخرج روحه فيعود إلى ترابه. في ذلك اليوم نفسه تهلك أفكاره»
(مزمور146: 4). نعم ليس الإنسان - كائنًا من كان - هو الذي كلامه لا يزول،
بل الله، كقول المرنم: «إلى الأبد يا رب كلمتك مثبتة في السماوات» (مز119:
89).
ولقد كان الأنبياء دائمًا يبدأون نبواتهم بالقول: «هكذا قال الرب». ولكن المسيح ليس كذلك، بل إنه يقول هنا: «كلامي لا يزول»!
ومن الجميل أن نذكر أن المسيح قال هذا الكلام قبيل آلامه وموته بساعات
معدودة. وكانت الأيام التالية ستحمل الكثير من المفاجآت غير السارة
لتلاميذه، ومع ذلك فقد ثبت أن كل ما قاله المسيح تم، وتم حرفيًا.
إن طريقة موته تمت كما قال، فمات فوق الصليب (قارن يوحنا18: 32، مع يوحنا
12: 33). لقد كان قصد قادة اليهود الأشرار أنه بموته فوق الصليب، وهي ميتة
اللعنة والعار، ستنتهي إلى الأبد شعبيته (ارجع إلى مزمور41: 5)، ولكن
العجيب أن العكس هو ما حصل، وبعد نحو خمسين يومًا بدأت الكرازة به، وآمن
في عظة واحدة ثلاثة آلاف نفس، وما زال هذا يحدث يوميًا في كل بقاع العالم.
هناك ملايين لم تكن لهم به أية علاقة، والبعض كان ينكره ويبغضه، لكن
الصليب غيرهم فأحبوه وعبدوه، وذلك إتمامًا لقوله: «وأنا إن ارتفعت عن
الأرض أجذب إلي الجميع» (يوحنا12: 32). ولقد قال أيضًا إنه سيقوم في اليوم
الثالث. وهو ما حدث فعلا، فعندما ذهبت المرأتان إلى القبر في فجر أول
الأسبوع، وجدن الحجر مدحرجا عن باب القبر، وسمعن صوت ملاك السماء يقول
لهما: «إني أعلم أنكما تطلبان يسوع المصلوب، ليس هو ههنا لأنه قد قام كما
قال» (متى 28: 5، 6). ولقد ظهر لتلاميذه في الجليل كما قال أيضًا (متى 26:
32؛ 28: 7). وقال إن الهيكل سيدمر تمامًا، بحيث لا يترك حجر على حجر فيه
إلا وينقض، وحدد المدة قائلاً: «الحق أقول لكم: لا يمضي هذا الجيل حتى
يكون هذا كله» (متى 24: 2، 34). وهو ما تم فعلاً، ويخبرنا التاريخ أنه رغم
تعليمات تيطس القائد الروماني بعدم المساس بمبنى الهيكل، والإبقاء عليه
كأثر تاريخي، إلا أن كلام المسيح، وليس كلام تيطس، هو الذي تم.
وقبل ذلك كان قد قال: «على هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى
عليها» (متى 16: 18) وهو ما تشهد به القرون العشرون الماضية. فكم حاولت
معاول الهدم أن تهدم كنيسة المسيح، ولكن طاش سهمهم! واتضح أن كلام المسيح
هو أشد ثباتًا من السماوات بقوانينها الثابتة، وأكثر رسوخا من الأرض
بجبالها الراسخة.
إذا فكلام المسيح أبدي وإلهي، معصوم وصادق. إن كلامه له ذات صفات كلام الله، لأنه هو الله.
15- قال إنه صاحب كل سلطان في السماء وعلى الأرض:
فلقد قال المسيح لتلاميذه بعد القيامة:
«دفع إلي كل سلطان في السماء وعلى الأرض» (مت28: 18).
من هو هذا الذي له كل السلطان في السماء وعلى الأرض؟ أ يمكن أن يكون مجرد
مخلوق محدود، ويُسَلم له كل السلطان لا في الأرض فقط، بل في السماء أيضًا،
حيث مسكن الله؟
أ يمكن أن يكون هذا الشخص صاحب السلطان المطلق في الأرض وفي السماء شخص آخر غير الله؟
قال أحد المفسرين: ”أن يُعطى مجرد مخلوق، مهما سما، كل السلطان في السماء
وعلى الأرض، هو تعليم أكثر صعوبة بما لا يقاس، من التقرير بأن المسيح هو
الله. فإن العبارة الأولى تتضمن فكرين متنافرين ولا يمكن جمعهما معًا على
الإطلاق“.