لماذا قبل السيد المسيح السجود ؟
أليس هو القائل (للرب الهلك تسجد وإياه وحده تعبد) ؟
هل قبوله للسجود انه هو الله المعني بالسجود والظاهر في الجسد ؟
(6 وقال له ابليس لك اعطي هذا السلطان كله ومجدهنّ لانه اليّ قد دٌفع وانا اعطيه لمن اريد.7 فان سجدت امامي يكون لك الجميع.8 فاجابه يسوع وقال اذهب يا شيطان انه مكتوب للرب الهك تسجد واياه وحده تعبد.) (لوقا 4: 6 - 8) راجع ايضا (متى 4: 8- 10)
عندما جاء الشيطان لتجربة السيد يسوع المسيح، كانت من احدى تجاربه التي حاول فيها اسقاط السيد المسيح في الخطيئة، انه طلب السجود من السيد المسيح، لكي يعطيه السلطان الذي اخذه بالحيلة من الانسان، فقد كان الانسان مخلوقا للسيادة والسلطان على كل الخليقة (تكوين 1: 26 - 28) ولكن بعد سقوطه في الخطية بطاعة الشيطان وعصيان الله ، اصبح الانسان بذلك عبدا للشيطان بالطاعة بعد ان سلمه كل مقاليد الرياسة والسلطان على الخليقة التي كانت له، ولهذا فقد حاول الشيطان غواية الرب يسوع بالسجود له واعطائه هذا السلطان، فما كان من الرب يسوع الا ان رفض السجود وكرر الاعلان الالهي الواضح منذ اعلان مجد الله لشعبه في العهد القديم ( للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد) (خروج 20: 1 - 5) وأيضا (التثنية 5: 6 - 10). فلماذا بعد هذا الاعلان الواضح، نجد ان الرب يسوع المسيح يقبل السجود من الناس مرة اخرى، هل بهذا قبل السيد المسيح سجود العبادة والاكرام ، ام هناك ما يسمى بسجود الاحترام في العهد الجديد ؟
هذا البحث المتواضع للاجابة على هذا السؤال
استكمالا للمقال الوارد بنفس المدونة
هل قال المسيح انا هو الله (الحلقة الرابعة)
طلب الشيطان من السيد المسيح سجود العبادة والتكريم ، وقد جائت في النص اليوناني :
(σὺ οὖν ἐὰν προσκυνήσῃς ἐνώπιον μοῦ, ἔσται σοῦ πάντα)
الكلمة من المصدرπροσκυνέω وتنطق براسكو-نيو proskyneō
(strong's G4352) (اضغط على الرابط للقراءة والاستماع)
وتقبل الترجمة الي :
1) to kiss the hand to (towards) one, in token of reverence
2) among the Orientals, esp. the Persians, to fall upon the knees and touch the ground with the forehead as an expression of profound reverence
3) in the NT by kneeling or prostration to do homage (to one) or make obeisance, whether in order to express respect or to make supplication
a) used of homage shown to men and beings of superior rank
1) to the Jewish high priests
2) to God
3) to Christ
4) to heavenly beings
5) to demons
وتعني الركوع او السجود على الركبة ولمس الارض بمقدمة الجبهة ، وهو يقدم من الانسان الى رئيس الكهنة، او الله ، او المسيح ، او الكائنات السمائية، او الشيطان.
وقد وردت الكلمة (60) مرة في اللغة الاصلية اليونانية للعهد الجديد، وبالفعل تم تقديم او طلب هذا النوع من السجود لكل من (الله، المسيح، الانسان، الملائكة واخيرا الشيطان)، وسوف نناقش سريعا كل من وردت اسمائهم وعلاقاتهم بسجود العبادة، ولماذا يريده الشيطان ، ويرفضه الانسان والملائكة، ويقبله السيد المسيح ؟؟
بحسب اعلان الكتاب المقدس فان الله خلقا كائنا روحانيا عالي المكانة والدرجة، (.12 كيف سقطت من السماء يا زهرة بنت الصبح.كيف قطعت الى الارض يا قاهر الامم.13 وانت قلت في قلبك اصعد الى السموات ارفع كرسيي فوق كواكب الله واجلس على جبل الاجتماع في اقاصي الشمال.14 اصعد فوق مرتفعات السحاب.اصير مثل العلي.15 لكنك انحدرت الى الهاوية الى اسافل الجب.) ( اشعياء 14: 12 - 15) كان اسمه (زهرة بنت الصبح) او (Lucifer son of morning) او بحسب الاصل العبري من المصدر H1966 (هيلل -הילל בן שחר) ومعناه (حامل النور - ابن - الصبح).
وكما هو واضح من النص الكتابي ، فان هذا الملاك سقط في خطيئته واصبح (الشيطان) بعد ان تملكه الكبرياء الذي جعله يريد ان يرفع كرسيه فوق كرسي الله، وكان غرضه ان ينال المجد الالهي نفسه فينال التكريم والعبادة والسجود من باقي الخلائق، وقد نجح الشيطان في ان يأخذ هذا بالفعل من بعض البشر، وهذا هو سبب محاولته الفاشلة مع الرب يسوع، والتي انتهت بتذكيره ان السجود والعبادة بهذا المعنى لا تقدم الا الى الله وحده الذي قال عن نفسه في الكتاب المقدس (انا الرب هذا اسمي ومجدي لا اعطيه لآخر ولا تسبيحي للمنحوتات.) (اشعياء 42: 8).
والان نعود الى الانسان مرة اخرى، وخلال العهد القديم نجد ان هناك حالات للسجود كان بالفعل يقدمه الانسان بغرض تقديم الاحترام والتقدير لمن هم في سلطة او مكانة اكبر كسجود يوسف امام ابيه يعقوب (تكوين 48: 11 - 12)، او سجود موسى لحميه (خروج 18: 7) او سجود احد افراد الشعب للملك، والحقيقة اننا لا نستطيع الحكم على التفريق بين سجود الاحترام وسجود العبادة قبل نزول الشريعة لموسى ، ففيها قال الله (لا تسجد سجود العبادة لآلهة اخرى)، وقد استمر بعض اليهود يقدمون سجود الاحترام لبعض الملوك ومن هم في سلطة، حتى اختلط الامر مرة اخرى بالتهاون في السجود لآلهة الامم، الامر الذي قاومه الله بشدة واوقع العقوبة على الشعب اليهودي بالسبي الى شعوب اخرى بسبب هذا التهاون الذي ادي الى الوقوع في الخطية التي تم التحذير منها (ملوك الاول 16: 31) وايضا (ملوك الاول 22: 51 - 53) وايضا (ملوك الثاني 21: 1 - 3) وايضا (اخبار ايام الثاني 25: 14 - 15) وايضا (اخبار ايام الثاني 33: 1 - 5)
ولهذا حكم الله عليهم (عقابا وتأديبا) بالسبي الى ملوك شعوب اخرى (ارميا 13: 8 - 10) وراجع ايضا (ارميا 25 : 4 - 9)، وقد فهم ووعي الشعب اليهودي هذا الدرس القاسي فهما جيدا، فأبطل الشعب كل طقوس السجود للاحترام واصبح السجود المعروف لديهم هو فقط سجود العبادة ، واليك بعض الامثلة :
المثال الاول: (راجع دانيال الاصحاح 3) بعد السبي، صنع الملك نبوخذنصر تمثالا من الذهب وطلب من الجميع السجود له عندما يتم الضرب على الآلات الموسيقية، وقد احتج على الامر دانيال والفتية الثلاثة (شدرخ ومشيخ وعبدنغو) وقد اعلنوا سبب عدم سجودهم لتمثال الذهب انه يتعارض مع عهدهم مع الههم لعدم السجود لغيره، وقد كانوا مستعدين لدفع الثمن كاملا لهذا القرار وهو القائهم في أتون النار، الذي انقذهم منه الله بمعجزة الهية. (راجع ايضا دانيال الاصحاح 6 ) والتي تشير الى موقف دانيال من الاصرار للسجود فقط امام اله آبائه لتقديم الصلوات والطلبات، برغم حيلة الآخرين لايقاعه في الخطأ لرفضه تقديم الطلبات امام الملك، وقد قاده هذا القرار الى الزج به الى (جب الاسود) لينقذه الله مرة اخرى بمعجزة آلهية.
المثال الثاني:(في سفر استير 3: 1 - 4) ، نقرأ : (1 بعد هذه الأمور عظّم الملك احشويروش هامان بن همداثا الاجاجي ورقّاه وجعل كرسيه فوق جميع الرؤساء الذين معه.2 فكان كل عبيد الملك الذين بباب الملك يجثون ويسجدون لهامان لانه هكذا اوصى به الملك.واما مردخاي فلم يجث ولم يسجد.3 فقال عبيد الملك الذين بباب الملك لمردخاي لماذا تتعدّى امر الملك.4 واذ كانوا يكلمونه يوما فيوما ولم يكن يسمع لهم اخبروا هامان ليروا هل يقوم كلام مردخاي لانه اخبرهم بانه يهودي.)
والنص واضح ولا يحتاج الى مزيد من الشرح، فمردخاي ولانه يهودي يرفض السجود لهامان، فاذا كان سجود الاحترام مقبولا لدي اليهودي بعد السبي ، فلماذا يرفض اليهودي تقديمه لدرجة الوصول الى قبول عقوبة القتل على عدم تقديم (سجود الاحترام) اذا كان هناك ما يسمي بسجود الاحترام في العرف اليهودي بعد درس السبي؟؟
*************
الى هنا واصبحت الان الصورة واضحة، اليهودي لا يقدم سجود الاحترام لانسان بعد درس السبي القاسي، ولهذا فاي سجود في العهد الجديد هو سجود العبادة، وكما قلنا فان الكلمة وردت (60 مرة) لتقديم سجود العبادة.
طلبه الشيطان كما ناقشنا في بداية المقال، ولكن رفضه الانسان المؤمن واعلن ان السجود هو لله فقط واليك الحالات التي وردت في العهد الجديد :
الحالة الاولى : بطرس يرفض السجود الذي يقدمه له كرنيليوس لانه انسان (25 ولما دخل بطرس استقبله كرنيليوس وسجد واقعا على قدميه.26 فاقامه بطرس قائلا قم انا ايضا انسان) (اعمال الرسل 10 : 25 - 26)
الحالة الثانية: بولس وبرنابا يشفيان باسم المسيح رجلا عاجز الرجلين، وعندما هم كهنة الآلهة الوثنية زفس وروفس بتقديم الذبائح صرخا قائلين (لماذا تفعلون هذا.نحن ايضا بشر تحت آلام مثلكم نبشركم ان ترجعوا من هذه الاباطيل الى الاله الحي الذي خلق السماء والارض والبحر وكل ما فيها) (اعمال الرسل 14: 8 - 15)
الملائكة ايضا ترفض قبول السجود وتعلن ان السجود هو لله فقط :
الحالة الاولى: عندما ظهر الملاك ليوحنا في الرؤيا، ولارتباك يوحنا الشديد من المشهد المهيب والكلام الفائق العقل فقد حاول السجود له فرفض الملاك (فخررت امام رجليه لاسجد له. فقال لي انظر لا تفعل. انا عبد معك ومع اخوتك الذين عندهم شهادة يسوع. اسجد للّه. فان شهادة يسوع هي روح النبوة)
(رؤيا 19: 10)
الحالة الثانية: ايضا ليوحنا في الرؤيا وحاول فيها السجود مرة اخرى للملاك ولكن الملاك يرفض قبول السجود، ويعلن انه لله فقط (وانا يوحنا الذي كان ينظر ويسمع هذا.وحين سمعت ونظرت خررت لاسجد امام رجلي الملاك الذي كان يريني هذا.9 فقال لي انظر لا تفعل.لاني عبد معك ومع اخوتك الانبياء والذين يحفظون اقوال هذا الكتاب.اسجد للّه.)
(رؤيا 22: 8 - 9)
***************
الآن، بعد استعراض تطور تاريخ معنى السجود بالنسبة للشعب اليهودي، حتى وصلوا في العهد الجديد بنتيجة الدرس الواضح ان السجود يقدم فقط لله وحده، ورأينا كيف يرفض الانسان والملاك قبول السجود واعلان ان الواجب تقديمه لله فقط ، وبالعودة الى كل مواضع كلمة السجود في العهد الجديد، وعددها (60) مرة، وباستثناء ما كان يطلبه الشيطان من سجود البشر له ، أو حالات السجود لله الآب في السماء ، او حتى الحالات التي قدم فيها الرب يسوع المسيح (بناسوته نائبا عن البشر) السجود الى الله ابيه في الصلاة، فسنقف امام عدد كبير من مرات تقديم السجود للسيد الرب يسوع المسيح ، مثل قبول السجود من المولد اعمي الذي شفاه (يوحنا 9: 35 - 38)، وقبول السجود من الابرص الذي شفاه بارادته في الشفاء (متى 8: 1 - 4)، وبعض تطهيره لعشرة من البرص ورجوع واحدا منهم لتقديم السجود والشكر، قبله المسيح بل وسأل عن التسعة الباقين لماذا لم يأتوا ايضا لتقديم السجود والشكر، (لوقا 17: 11 - 19)، ولماذا قبل السجود من الشاب السائل عن الحياة الابدية (مرقس 10: 17)، بل وقبل السجود من انسان يسكنه روح نجس فشفاه واخرج الشياطين عنه (مرقس 5: 1 - 8) ، وبعد اجرى المعجزة التي اعلن فيها سلطان على الطبيعة، ليأمر العاصفة بالهدوء فتطيعه، قبل السجود من جميع من كان بالسفينة واقرارهم (حقا انت ابن الله) (متى 14: 22 - 33)، بل سجد له رئيس المجمع يايرس والذي يعرف جيدا التوراة والتعليم وقبل السيد المسيح سجوده (متى 9: 18) وقبوله لسجود تلاميذه عند الصعود واعلانه الاستحواذ على كل سلطان في السماء وعلى الارض وانه الموجود في كل وقت وكل مكان (متى 28: 16 - 20) فلماذا يقبل السجود بعد اقراره (السجود فقط لله) اذا لم يكن هو الله الظاهر في الجسد والمعنيّ بهذا النوع من السجود؟
يقول الكتاب المقدس ان السيد المسيح له السجود والاكرام، وان كان في مجيئه الاول متواضعا متسربلا بصورة العبد، الا انه سيأتي مرة ثانية في المجد لكي ينال الاكرام والسجود اللائق به .
(5 فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع ايضا 6 الذي اذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة ان يكون معادلا للّه7 لكنه اخلى نفسه آخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس.8 واذ وجد في الهيئة كانسان وضع نفسه واطاع حتى الموت موت الصليب.9 لذلك رفعه الله ايضا واعطاه اسما فوق كل اسم10 لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الارض ومن تحت الارض11 ويعترف كل لسان ان يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب) (فيليبي 2: 5 - 11)
( وايضا متى ادخل البكر الى العالم يقول ولتسجد له كل ملائكة الله.)
(عبرانيين 1: 6)
اذا كان الله (يهوه) يجعل كل ملائكة الله تسجد للمسيح عند دخوله الى العالم، فاذا عرفنا ان (يهوه) لا يعطي مجده لآخر، أليس هذا معناه ان المسيح هو (يهوه الظاهر في الجسد نفسه) ؟؟
(لانه لمن من الملائكة قال قط انت ابني انا اليوم ولدتك.وايضا انا اكون له ابا وهو يكون لي ابنا.6 وايضا متى ادخل البكر الى العالم يقول ولتسجد له كل ملائكة الله. 7 وعن الملائكة يقول الصانع ملائكته رياحا وخدامه لهيب نار. 8 واما عن الابن كرسيك يا الله الى دهر الدهور. قضيب استقامة قضيب ملكك. 9 احببت البر وابغضت الاثم من اجل ذلك مسحك الله الهك بزيت الابتهاج اكثر من شركائك. 10 وانت يا رب في البدء اسست الارض والسموات هي عمل يديك. 11 هي تبيد ولكن انت تبقى وكلها كثوب تبلى 12 وكرداء تطويها فتتغيّر ولكن انت انت وسنوك لن تفنى)
(عبرانيين 1: 6)
ليس هناك أدني شك، ان المسيح بقبوله السجود، فهذا اعلان واضح انه (يهوه) الله الظاهر في الجسد، وهو الذي اعلن عن نفسه في (سفر الرؤيا الاصحاح 4) بأنه الجالس العرش المستحق أن يسجد له كل المخلوقات والكائنات السمائية، واذ نعرف من (سفر الرؤيا الاصحاح 5) أن الجالس على العرش ليس الا الرب يسوع المسيح في صورة الفادي الذي مات على الصليب كذبيحة سمائية مقبولة من الله، يقبل السجود من كل المخلوقات والكائنات السمائية. فهو (يهوه) القدير نفسه الذي لا يعطي مجده لآخر.
قارن (اشعياء 45 : 18 - 25) وايضا (زكريا 12: 10) مع (رؤيا 1: 7- 8 ) وايضا مع (رؤيا 21: 5 - 6) وايضا مع (رؤيا 22: 12 - 13)، الرب يهوه (الله وليس آخر) له المجد وحده، مستحق السجود والكرامة، يقول انه هو الذي طعنوه، والرب يسوع المسيح يحقق النبؤات ويقول انه هو نفسه (يهوه) المطعون، الجالس على العرش مستحق السجود والكرامة، والرب يفتح بصائر اعين العميان ويطلق المأسورين أحرى في المسيح يسوع.
أليس هو القائل (للرب الهلك تسجد وإياه وحده تعبد) ؟
هل قبوله للسجود انه هو الله المعني بالسجود والظاهر في الجسد ؟
(6 وقال له ابليس لك اعطي هذا السلطان كله ومجدهنّ لانه اليّ قد دٌفع وانا اعطيه لمن اريد.7 فان سجدت امامي يكون لك الجميع.8 فاجابه يسوع وقال اذهب يا شيطان انه مكتوب للرب الهك تسجد واياه وحده تعبد.) (لوقا 4: 6 - 8) راجع ايضا (متى 4: 8- 10)
عندما جاء الشيطان لتجربة السيد يسوع المسيح، كانت من احدى تجاربه التي حاول فيها اسقاط السيد المسيح في الخطيئة، انه طلب السجود من السيد المسيح، لكي يعطيه السلطان الذي اخذه بالحيلة من الانسان، فقد كان الانسان مخلوقا للسيادة والسلطان على كل الخليقة (تكوين 1: 26 - 28) ولكن بعد سقوطه في الخطية بطاعة الشيطان وعصيان الله ، اصبح الانسان بذلك عبدا للشيطان بالطاعة بعد ان سلمه كل مقاليد الرياسة والسلطان على الخليقة التي كانت له، ولهذا فقد حاول الشيطان غواية الرب يسوع بالسجود له واعطائه هذا السلطان، فما كان من الرب يسوع الا ان رفض السجود وكرر الاعلان الالهي الواضح منذ اعلان مجد الله لشعبه في العهد القديم ( للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد) (خروج 20: 1 - 5) وأيضا (التثنية 5: 6 - 10). فلماذا بعد هذا الاعلان الواضح، نجد ان الرب يسوع المسيح يقبل السجود من الناس مرة اخرى، هل بهذا قبل السيد المسيح سجود العبادة والاكرام ، ام هناك ما يسمى بسجود الاحترام في العهد الجديد ؟
هذا البحث المتواضع للاجابة على هذا السؤال
استكمالا للمقال الوارد بنفس المدونة
هل قال المسيح انا هو الله (الحلقة الرابعة)
طلب الشيطان من السيد المسيح سجود العبادة والتكريم ، وقد جائت في النص اليوناني :
(σὺ οὖν ἐὰν προσκυνήσῃς ἐνώπιον μοῦ, ἔσται σοῦ πάντα)
الكلمة من المصدرπροσκυνέω وتنطق براسكو-نيو proskyneō
(strong's G4352) (اضغط على الرابط للقراءة والاستماع)
وتقبل الترجمة الي :
1) to kiss the hand to (towards) one, in token of reverence
2) among the Orientals, esp. the Persians, to fall upon the knees and touch the ground with the forehead as an expression of profound reverence
3) in the NT by kneeling or prostration to do homage (to one) or make obeisance, whether in order to express respect or to make supplication
a) used of homage shown to men and beings of superior rank
1) to the Jewish high priests
2) to God
3) to Christ
4) to heavenly beings
5) to demons
وتعني الركوع او السجود على الركبة ولمس الارض بمقدمة الجبهة ، وهو يقدم من الانسان الى رئيس الكهنة، او الله ، او المسيح ، او الكائنات السمائية، او الشيطان.
وقد وردت الكلمة (60) مرة في اللغة الاصلية اليونانية للعهد الجديد، وبالفعل تم تقديم او طلب هذا النوع من السجود لكل من (الله، المسيح، الانسان، الملائكة واخيرا الشيطان)، وسوف نناقش سريعا كل من وردت اسمائهم وعلاقاتهم بسجود العبادة، ولماذا يريده الشيطان ، ويرفضه الانسان والملائكة، ويقبله السيد المسيح ؟؟
بحسب اعلان الكتاب المقدس فان الله خلقا كائنا روحانيا عالي المكانة والدرجة، (.12 كيف سقطت من السماء يا زهرة بنت الصبح.كيف قطعت الى الارض يا قاهر الامم.13 وانت قلت في قلبك اصعد الى السموات ارفع كرسيي فوق كواكب الله واجلس على جبل الاجتماع في اقاصي الشمال.14 اصعد فوق مرتفعات السحاب.اصير مثل العلي.15 لكنك انحدرت الى الهاوية الى اسافل الجب.) ( اشعياء 14: 12 - 15) كان اسمه (زهرة بنت الصبح) او (Lucifer son of morning) او بحسب الاصل العبري من المصدر H1966 (هيلل -הילל בן שחר) ومعناه (حامل النور - ابن - الصبح).
وكما هو واضح من النص الكتابي ، فان هذا الملاك سقط في خطيئته واصبح (الشيطان) بعد ان تملكه الكبرياء الذي جعله يريد ان يرفع كرسيه فوق كرسي الله، وكان غرضه ان ينال المجد الالهي نفسه فينال التكريم والعبادة والسجود من باقي الخلائق، وقد نجح الشيطان في ان يأخذ هذا بالفعل من بعض البشر، وهذا هو سبب محاولته الفاشلة مع الرب يسوع، والتي انتهت بتذكيره ان السجود والعبادة بهذا المعنى لا تقدم الا الى الله وحده الذي قال عن نفسه في الكتاب المقدس (انا الرب هذا اسمي ومجدي لا اعطيه لآخر ولا تسبيحي للمنحوتات.) (اشعياء 42: 8).
والان نعود الى الانسان مرة اخرى، وخلال العهد القديم نجد ان هناك حالات للسجود كان بالفعل يقدمه الانسان بغرض تقديم الاحترام والتقدير لمن هم في سلطة او مكانة اكبر كسجود يوسف امام ابيه يعقوب (تكوين 48: 11 - 12)، او سجود موسى لحميه (خروج 18: 7) او سجود احد افراد الشعب للملك، والحقيقة اننا لا نستطيع الحكم على التفريق بين سجود الاحترام وسجود العبادة قبل نزول الشريعة لموسى ، ففيها قال الله (لا تسجد سجود العبادة لآلهة اخرى)، وقد استمر بعض اليهود يقدمون سجود الاحترام لبعض الملوك ومن هم في سلطة، حتى اختلط الامر مرة اخرى بالتهاون في السجود لآلهة الامم، الامر الذي قاومه الله بشدة واوقع العقوبة على الشعب اليهودي بالسبي الى شعوب اخرى بسبب هذا التهاون الذي ادي الى الوقوع في الخطية التي تم التحذير منها (ملوك الاول 16: 31) وايضا (ملوك الاول 22: 51 - 53) وايضا (ملوك الثاني 21: 1 - 3) وايضا (اخبار ايام الثاني 25: 14 - 15) وايضا (اخبار ايام الثاني 33: 1 - 5)
ولهذا حكم الله عليهم (عقابا وتأديبا) بالسبي الى ملوك شعوب اخرى (ارميا 13: 8 - 10) وراجع ايضا (ارميا 25 : 4 - 9)، وقد فهم ووعي الشعب اليهودي هذا الدرس القاسي فهما جيدا، فأبطل الشعب كل طقوس السجود للاحترام واصبح السجود المعروف لديهم هو فقط سجود العبادة ، واليك بعض الامثلة :
المثال الاول: (راجع دانيال الاصحاح 3) بعد السبي، صنع الملك نبوخذنصر تمثالا من الذهب وطلب من الجميع السجود له عندما يتم الضرب على الآلات الموسيقية، وقد احتج على الامر دانيال والفتية الثلاثة (شدرخ ومشيخ وعبدنغو) وقد اعلنوا سبب عدم سجودهم لتمثال الذهب انه يتعارض مع عهدهم مع الههم لعدم السجود لغيره، وقد كانوا مستعدين لدفع الثمن كاملا لهذا القرار وهو القائهم في أتون النار، الذي انقذهم منه الله بمعجزة الهية. (راجع ايضا دانيال الاصحاح 6 ) والتي تشير الى موقف دانيال من الاصرار للسجود فقط امام اله آبائه لتقديم الصلوات والطلبات، برغم حيلة الآخرين لايقاعه في الخطأ لرفضه تقديم الطلبات امام الملك، وقد قاده هذا القرار الى الزج به الى (جب الاسود) لينقذه الله مرة اخرى بمعجزة آلهية.
المثال الثاني:(في سفر استير 3: 1 - 4) ، نقرأ : (1 بعد هذه الأمور عظّم الملك احشويروش هامان بن همداثا الاجاجي ورقّاه وجعل كرسيه فوق جميع الرؤساء الذين معه.2 فكان كل عبيد الملك الذين بباب الملك يجثون ويسجدون لهامان لانه هكذا اوصى به الملك.واما مردخاي فلم يجث ولم يسجد.3 فقال عبيد الملك الذين بباب الملك لمردخاي لماذا تتعدّى امر الملك.4 واذ كانوا يكلمونه يوما فيوما ولم يكن يسمع لهم اخبروا هامان ليروا هل يقوم كلام مردخاي لانه اخبرهم بانه يهودي.)
والنص واضح ولا يحتاج الى مزيد من الشرح، فمردخاي ولانه يهودي يرفض السجود لهامان، فاذا كان سجود الاحترام مقبولا لدي اليهودي بعد السبي ، فلماذا يرفض اليهودي تقديمه لدرجة الوصول الى قبول عقوبة القتل على عدم تقديم (سجود الاحترام) اذا كان هناك ما يسمي بسجود الاحترام في العرف اليهودي بعد درس السبي؟؟
*************
الى هنا واصبحت الان الصورة واضحة، اليهودي لا يقدم سجود الاحترام لانسان بعد درس السبي القاسي، ولهذا فاي سجود في العهد الجديد هو سجود العبادة، وكما قلنا فان الكلمة وردت (60 مرة) لتقديم سجود العبادة.
طلبه الشيطان كما ناقشنا في بداية المقال، ولكن رفضه الانسان المؤمن واعلن ان السجود هو لله فقط واليك الحالات التي وردت في العهد الجديد :
الحالة الاولى : بطرس يرفض السجود الذي يقدمه له كرنيليوس لانه انسان (25 ولما دخل بطرس استقبله كرنيليوس وسجد واقعا على قدميه.26 فاقامه بطرس قائلا قم انا ايضا انسان) (اعمال الرسل 10 : 25 - 26)
الحالة الثانية: بولس وبرنابا يشفيان باسم المسيح رجلا عاجز الرجلين، وعندما هم كهنة الآلهة الوثنية زفس وروفس بتقديم الذبائح صرخا قائلين (لماذا تفعلون هذا.نحن ايضا بشر تحت آلام مثلكم نبشركم ان ترجعوا من هذه الاباطيل الى الاله الحي الذي خلق السماء والارض والبحر وكل ما فيها) (اعمال الرسل 14: 8 - 15)
الملائكة ايضا ترفض قبول السجود وتعلن ان السجود هو لله فقط :
الحالة الاولى: عندما ظهر الملاك ليوحنا في الرؤيا، ولارتباك يوحنا الشديد من المشهد المهيب والكلام الفائق العقل فقد حاول السجود له فرفض الملاك (فخررت امام رجليه لاسجد له. فقال لي انظر لا تفعل. انا عبد معك ومع اخوتك الذين عندهم شهادة يسوع. اسجد للّه. فان شهادة يسوع هي روح النبوة)
(رؤيا 19: 10)
الحالة الثانية: ايضا ليوحنا في الرؤيا وحاول فيها السجود مرة اخرى للملاك ولكن الملاك يرفض قبول السجود، ويعلن انه لله فقط (وانا يوحنا الذي كان ينظر ويسمع هذا.وحين سمعت ونظرت خررت لاسجد امام رجلي الملاك الذي كان يريني هذا.9 فقال لي انظر لا تفعل.لاني عبد معك ومع اخوتك الانبياء والذين يحفظون اقوال هذا الكتاب.اسجد للّه.)
(رؤيا 22: 8 - 9)
***************
الآن، بعد استعراض تطور تاريخ معنى السجود بالنسبة للشعب اليهودي، حتى وصلوا في العهد الجديد بنتيجة الدرس الواضح ان السجود يقدم فقط لله وحده، ورأينا كيف يرفض الانسان والملاك قبول السجود واعلان ان الواجب تقديمه لله فقط ، وبالعودة الى كل مواضع كلمة السجود في العهد الجديد، وعددها (60) مرة، وباستثناء ما كان يطلبه الشيطان من سجود البشر له ، أو حالات السجود لله الآب في السماء ، او حتى الحالات التي قدم فيها الرب يسوع المسيح (بناسوته نائبا عن البشر) السجود الى الله ابيه في الصلاة، فسنقف امام عدد كبير من مرات تقديم السجود للسيد الرب يسوع المسيح ، مثل قبول السجود من المولد اعمي الذي شفاه (يوحنا 9: 35 - 38)، وقبول السجود من الابرص الذي شفاه بارادته في الشفاء (متى 8: 1 - 4)، وبعض تطهيره لعشرة من البرص ورجوع واحدا منهم لتقديم السجود والشكر، قبله المسيح بل وسأل عن التسعة الباقين لماذا لم يأتوا ايضا لتقديم السجود والشكر، (لوقا 17: 11 - 19)، ولماذا قبل السجود من الشاب السائل عن الحياة الابدية (مرقس 10: 17)، بل وقبل السجود من انسان يسكنه روح نجس فشفاه واخرج الشياطين عنه (مرقس 5: 1 - 8) ، وبعد اجرى المعجزة التي اعلن فيها سلطان على الطبيعة، ليأمر العاصفة بالهدوء فتطيعه، قبل السجود من جميع من كان بالسفينة واقرارهم (حقا انت ابن الله) (متى 14: 22 - 33)، بل سجد له رئيس المجمع يايرس والذي يعرف جيدا التوراة والتعليم وقبل السيد المسيح سجوده (متى 9: 18) وقبوله لسجود تلاميذه عند الصعود واعلانه الاستحواذ على كل سلطان في السماء وعلى الارض وانه الموجود في كل وقت وكل مكان (متى 28: 16 - 20) فلماذا يقبل السجود بعد اقراره (السجود فقط لله) اذا لم يكن هو الله الظاهر في الجسد والمعنيّ بهذا النوع من السجود؟
يقول الكتاب المقدس ان السيد المسيح له السجود والاكرام، وان كان في مجيئه الاول متواضعا متسربلا بصورة العبد، الا انه سيأتي مرة ثانية في المجد لكي ينال الاكرام والسجود اللائق به .
(5 فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع ايضا 6 الذي اذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة ان يكون معادلا للّه7 لكنه اخلى نفسه آخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس.8 واذ وجد في الهيئة كانسان وضع نفسه واطاع حتى الموت موت الصليب.9 لذلك رفعه الله ايضا واعطاه اسما فوق كل اسم10 لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الارض ومن تحت الارض11 ويعترف كل لسان ان يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب) (فيليبي 2: 5 - 11)
( وايضا متى ادخل البكر الى العالم يقول ولتسجد له كل ملائكة الله.)
(عبرانيين 1: 6)
اذا كان الله (يهوه) يجعل كل ملائكة الله تسجد للمسيح عند دخوله الى العالم، فاذا عرفنا ان (يهوه) لا يعطي مجده لآخر، أليس هذا معناه ان المسيح هو (يهوه الظاهر في الجسد نفسه) ؟؟
(لانه لمن من الملائكة قال قط انت ابني انا اليوم ولدتك.وايضا انا اكون له ابا وهو يكون لي ابنا.6 وايضا متى ادخل البكر الى العالم يقول ولتسجد له كل ملائكة الله. 7 وعن الملائكة يقول الصانع ملائكته رياحا وخدامه لهيب نار. 8 واما عن الابن كرسيك يا الله الى دهر الدهور. قضيب استقامة قضيب ملكك. 9 احببت البر وابغضت الاثم من اجل ذلك مسحك الله الهك بزيت الابتهاج اكثر من شركائك. 10 وانت يا رب في البدء اسست الارض والسموات هي عمل يديك. 11 هي تبيد ولكن انت تبقى وكلها كثوب تبلى 12 وكرداء تطويها فتتغيّر ولكن انت انت وسنوك لن تفنى)
(عبرانيين 1: 6)
ليس هناك أدني شك، ان المسيح بقبوله السجود، فهذا اعلان واضح انه (يهوه) الله الظاهر في الجسد، وهو الذي اعلن عن نفسه في (سفر الرؤيا الاصحاح 4) بأنه الجالس العرش المستحق أن يسجد له كل المخلوقات والكائنات السمائية، واذ نعرف من (سفر الرؤيا الاصحاح 5) أن الجالس على العرش ليس الا الرب يسوع المسيح في صورة الفادي الذي مات على الصليب كذبيحة سمائية مقبولة من الله، يقبل السجود من كل المخلوقات والكائنات السمائية. فهو (يهوه) القدير نفسه الذي لا يعطي مجده لآخر.
قارن (اشعياء 45 : 18 - 25) وايضا (زكريا 12: 10) مع (رؤيا 1: 7- 8 ) وايضا مع (رؤيا 21: 5 - 6) وايضا مع (رؤيا 22: 12 - 13)، الرب يهوه (الله وليس آخر) له المجد وحده، مستحق السجود والكرامة، يقول انه هو الذي طعنوه، والرب يسوع المسيح يحقق النبؤات ويقول انه هو نفسه (يهوه) المطعون، الجالس على العرش مستحق السجود والكرامة، والرب يفتح بصائر اعين العميان ويطلق المأسورين أحرى في المسيح يسوع.