يقول القمص لوقا سيداروس فى كتابه " رائحة المسيح فى حياة أبرار معاصرين " :
القول الذى قاله الرب لحنانيا عن بولس الرسول إنه إناء مختار قول عجيب حقا
.. فالرب له آنية مختارة فى كل زمان و مكان ، و هذه الآنية قد تكون تعيش
قبلا ً فى غير طريق دعوتها التى دُعيت إليها ، أو تكون تائهة فى متاهات
العالم ، أو هى لا تدرك بعد دعوتها ، و لا تعرف ذاتها إنها مختارة إلى أن
يجىء ملء الزمان ، و تتحقق للنفس دعوتها ، فتسير فى طريق خلاصها و تكرس
ذاتها للذى دعاها .
من هذه النفوس المختارة ، شاب أمريكى جاء إلى من سان فرانسيسكو سنة 1979
فى صحبة أحد الأحباء .. قال لى " إن لهذا الشاب قصة عجيبة فى الإيمان
بالمسيح أود لو تسمعها ، و قد أحضرته ليتزود من المعرفة و الإيمان ، ليقبل
العماد المقدس . "
جلست مع هذا الشاب ، و كان شابا ً يافعا ً طويل القامة جدا ً ، رقيق
الملامح .. ظل يحكى تفاصيل قصته المثيرة ، قال لى إنه شاب يهودى من أسرة
متدينة ، محافظة جدا ً ، رغم إنهم يسكنون فى منطقة تكثر فيها الإغراءات و
الخطايا . و لكنه كان مواظبا ً على حضور المجمع اليهودى كل سبت ، و على
تنفيذ الأوامر و الوصايا و الشرعية الموسوية بقدر الإمكان .. كان يعمل
مديرا ً لأعمال سيدة ثرية جدا ً ، أوكلت إليه إدارة أعمالها و ثروتها
الطائلة . و كان أمينا ً فى عمله باذلا ً نفسه على قدر الطاقة بل و فوق
طاقته أحيانا ً .
كانت السيدة فى الأربعينات من عمرها ، تحيا حياة الترف المطلق ، تحيا فى
خلاعة .. و كان الشاب فى الثامنة و العشرين من عمره . و كان كلما زاد فى
إخلاصه و تفانيه فى عمله ، زادت فى تقديره و أغدقت عليه .. و كان هو سعيدا
ً فى عمله و كان تقديرها له يزيده أمانة ً و إخلاصا ً . ثم حدث ما لم يكن
فى حسبانه ، لقد تعلقت به و أحبته ، و بدأت تراوده عن نفسها .. لم يكن
يفكر مطلقا ً فى مثل هذا الأمر ، و كان هذا الشىء الذى تطلبه بثير فى نفسه
إشمئزازا ً عجيبا ً . فكان يتحين الفرص للهروب منها .. و يكثر الإنشغال ..
فكانت و كأن كبريائها قد جُرح ، كيف يجسر و هو مجرد موظف عندها أن يرفض
لها أمرا ً . فلما إزدادت فى الإلحاح و إزداد هو فى الرفض ، عزت عليها
كرامتها ، فإبتدأت سلسلة من المضايقات ، و كان يحتملها بهدوء .
و ذات يوم ، صار تهديدها واضحا ً لدرجة أن قالت له إن لم يخضع لرغبتها
فإنها سوف تنتقم منه ، لم تمض سوى أيام و بدون سابق إنذار ، حتى وجد
البوليس يقبض عليه و يلقيه فى السجن .. لقد لفقت له هى و محاميها تهمة
تبديد أموال و إهمال جسيم و كلها تهم باطلة لا أساس لها من الصحة . و لكن
السيدة صاحبة نفوذ و أموال .
دخل الشاب السجن تحت ضغوط نفسية شديدة و إحساس بالظلم ، و إنتظر يوما ً و
إثنين ريثما يكتمل التحقيق . و حدث أن مر على المساجين قس إنجليكانى ..
تكلم مع الشاب ، ثم ترك له إنجيلا ً .. و لكنه يهودى لا يؤمن بالإنجيل ،
لا يعرفه و لا يقرأه ، ثم هو متدين و متعصب ليهوديته .. وضع الإنجيل جانبا
ً . و لكن الوقت فى السجن يتحرك ببطء شديد ، و الملل قاتل .. مد يده و
أمسك بالإنجيل ، يقرأه لعله يقطع شيئا ً من الوقت ، فكر فى نفسه قائلا ً "
إنه لا ضرر إذا قرأ " و فعلا بدأ يقرأ .. و كانت معجزة إشباع الجموع ثم
محنة التلاميذ فى السفينة التى كادت تغرق ثم يسوع يأتى إليهم ماشيا ً على
الماء و ينتهر الرياح فتسكت الأمواج بسلطان عجيب .. تأثر قلبه تأثرا ً
عجيبا ً لم يعرفه من قل .. و وجد نفسه يصلى صلاة غير معتادة ، وجد نفسه
يقول للرب ، أحقا ً هذا الكلام ؟ أهى قدرتك العجيبة و سلطانك على الطبيعة
و قوتك على دفع الخطر عن تلاميذك ؟ إن أخرجتنى من هذا الظلم اليوم ، صرت
لك عبدا ً كل الأيام .. و لم تمض ساعة واحدة حتى طُلب ليقف أمام النائب
العام .. و الذى إستجوبه سائلا ً إياه أسئلة دقيقة ، و إذ أجابه بصدق أمر
للحال بالإفراج عنه و بلا كفالة ... لم يصدق نفسه من الفرح ، بل فاض فى
قلبه نور إيمان المسيح .. إشراق كأنه الشمس فى وضح النهار .. حب قلبى فاض
فى داخله .
سجد على الأرض ، يشكر المسيح الإله القادر على كل شىء ، ثم ذهب إلى بيته
متهللا ً و ما أن إلتقى بالأخ ، و كان يسكن بجواره ، حتى طلب منه أن يقوده
إلى كاهن لكى يعتمد .. و ما أن أتيحت لهما فرصة حتى حضرا .. كان قد قرأ
كثيرا ً فى الإنجيل بتأثر بالغ ، و كان الأخ يعلمه الإيمان الأرثوذكسى و
يحكى له من تاريخ الكنيسة على قدر ما يسمح به الوقت .
كم فرحت بهذا الشاب الطاهر ، و إستبقيته عندى أياما ً أعلمه و أشرح له
العهد القديم الذى يعرفه تماما ً ، و لكن إذ عرفه على نور المسيح ، تحقق
أنه كان رمزا و ظلا ً .. و بعد قليل نال نعمة الروح المعزى ، إذ قبل
المعمودية المقدسة ، و صار فى المسيح يسوع خليقة جديدة ، إذ أن الأشياء
العتيقة قد مضت .
القول الذى قاله الرب لحنانيا عن بولس الرسول إنه إناء مختار قول عجيب حقا
.. فالرب له آنية مختارة فى كل زمان و مكان ، و هذه الآنية قد تكون تعيش
قبلا ً فى غير طريق دعوتها التى دُعيت إليها ، أو تكون تائهة فى متاهات
العالم ، أو هى لا تدرك بعد دعوتها ، و لا تعرف ذاتها إنها مختارة إلى أن
يجىء ملء الزمان ، و تتحقق للنفس دعوتها ، فتسير فى طريق خلاصها و تكرس
ذاتها للذى دعاها .
من هذه النفوس المختارة ، شاب أمريكى جاء إلى من سان فرانسيسكو سنة 1979
فى صحبة أحد الأحباء .. قال لى " إن لهذا الشاب قصة عجيبة فى الإيمان
بالمسيح أود لو تسمعها ، و قد أحضرته ليتزود من المعرفة و الإيمان ، ليقبل
العماد المقدس . "
جلست مع هذا الشاب ، و كان شابا ً يافعا ً طويل القامة جدا ً ، رقيق
الملامح .. ظل يحكى تفاصيل قصته المثيرة ، قال لى إنه شاب يهودى من أسرة
متدينة ، محافظة جدا ً ، رغم إنهم يسكنون فى منطقة تكثر فيها الإغراءات و
الخطايا . و لكنه كان مواظبا ً على حضور المجمع اليهودى كل سبت ، و على
تنفيذ الأوامر و الوصايا و الشرعية الموسوية بقدر الإمكان .. كان يعمل
مديرا ً لأعمال سيدة ثرية جدا ً ، أوكلت إليه إدارة أعمالها و ثروتها
الطائلة . و كان أمينا ً فى عمله باذلا ً نفسه على قدر الطاقة بل و فوق
طاقته أحيانا ً .
كانت السيدة فى الأربعينات من عمرها ، تحيا حياة الترف المطلق ، تحيا فى
خلاعة .. و كان الشاب فى الثامنة و العشرين من عمره . و كان كلما زاد فى
إخلاصه و تفانيه فى عمله ، زادت فى تقديره و أغدقت عليه .. و كان هو سعيدا
ً فى عمله و كان تقديرها له يزيده أمانة ً و إخلاصا ً . ثم حدث ما لم يكن
فى حسبانه ، لقد تعلقت به و أحبته ، و بدأت تراوده عن نفسها .. لم يكن
يفكر مطلقا ً فى مثل هذا الأمر ، و كان هذا الشىء الذى تطلبه بثير فى نفسه
إشمئزازا ً عجيبا ً . فكان يتحين الفرص للهروب منها .. و يكثر الإنشغال ..
فكانت و كأن كبريائها قد جُرح ، كيف يجسر و هو مجرد موظف عندها أن يرفض
لها أمرا ً . فلما إزدادت فى الإلحاح و إزداد هو فى الرفض ، عزت عليها
كرامتها ، فإبتدأت سلسلة من المضايقات ، و كان يحتملها بهدوء .
و ذات يوم ، صار تهديدها واضحا ً لدرجة أن قالت له إن لم يخضع لرغبتها
فإنها سوف تنتقم منه ، لم تمض سوى أيام و بدون سابق إنذار ، حتى وجد
البوليس يقبض عليه و يلقيه فى السجن .. لقد لفقت له هى و محاميها تهمة
تبديد أموال و إهمال جسيم و كلها تهم باطلة لا أساس لها من الصحة . و لكن
السيدة صاحبة نفوذ و أموال .
دخل الشاب السجن تحت ضغوط نفسية شديدة و إحساس بالظلم ، و إنتظر يوما ً و
إثنين ريثما يكتمل التحقيق . و حدث أن مر على المساجين قس إنجليكانى ..
تكلم مع الشاب ، ثم ترك له إنجيلا ً .. و لكنه يهودى لا يؤمن بالإنجيل ،
لا يعرفه و لا يقرأه ، ثم هو متدين و متعصب ليهوديته .. وضع الإنجيل جانبا
ً . و لكن الوقت فى السجن يتحرك ببطء شديد ، و الملل قاتل .. مد يده و
أمسك بالإنجيل ، يقرأه لعله يقطع شيئا ً من الوقت ، فكر فى نفسه قائلا ً "
إنه لا ضرر إذا قرأ " و فعلا بدأ يقرأ .. و كانت معجزة إشباع الجموع ثم
محنة التلاميذ فى السفينة التى كادت تغرق ثم يسوع يأتى إليهم ماشيا ً على
الماء و ينتهر الرياح فتسكت الأمواج بسلطان عجيب .. تأثر قلبه تأثرا ً
عجيبا ً لم يعرفه من قل .. و وجد نفسه يصلى صلاة غير معتادة ، وجد نفسه
يقول للرب ، أحقا ً هذا الكلام ؟ أهى قدرتك العجيبة و سلطانك على الطبيعة
و قوتك على دفع الخطر عن تلاميذك ؟ إن أخرجتنى من هذا الظلم اليوم ، صرت
لك عبدا ً كل الأيام .. و لم تمض ساعة واحدة حتى طُلب ليقف أمام النائب
العام .. و الذى إستجوبه سائلا ً إياه أسئلة دقيقة ، و إذ أجابه بصدق أمر
للحال بالإفراج عنه و بلا كفالة ... لم يصدق نفسه من الفرح ، بل فاض فى
قلبه نور إيمان المسيح .. إشراق كأنه الشمس فى وضح النهار .. حب قلبى فاض
فى داخله .
سجد على الأرض ، يشكر المسيح الإله القادر على كل شىء ، ثم ذهب إلى بيته
متهللا ً و ما أن إلتقى بالأخ ، و كان يسكن بجواره ، حتى طلب منه أن يقوده
إلى كاهن لكى يعتمد .. و ما أن أتيحت لهما فرصة حتى حضرا .. كان قد قرأ
كثيرا ً فى الإنجيل بتأثر بالغ ، و كان الأخ يعلمه الإيمان الأرثوذكسى و
يحكى له من تاريخ الكنيسة على قدر ما يسمح به الوقت .
كم فرحت بهذا الشاب الطاهر ، و إستبقيته عندى أياما ً أعلمه و أشرح له
العهد القديم الذى يعرفه تماما ً ، و لكن إذ عرفه على نور المسيح ، تحقق
أنه كان رمزا و ظلا ً .. و بعد قليل نال نعمة الروح المعزى ، إذ قبل
المعمودية المقدسة ، و صار فى المسيح يسوع خليقة جديدة ، إذ أن الأشياء
العتيقة قد مضت .