كيف يقضى الراهب يومه(1)
هذا السؤال الهام والخطير كان منذ نشأة الرهبنةوحتى الآن ومازال يتردد على أفواه الكثيرين : كيف يقضى الراهب يومه أو كيف يجيز يومه ؟
يتردد هذا السؤال غالباً على ألسنة عدة فئات من الناس :
1 – الرهبان المبتدئون الداخلون إلى الرهبنةوحتى بأمانة قلبية وحمية روحية يريدون السلوك الرهبانى على أسلم الطرق وأصح التدابير .
2 – الشبان الذين يودون الدخول والإنتظام فى سلك الرهبنةوحتى حتى يقيسوا قدراتهم الروحية وهل عندهم الإمكانيات اللازمة لهذه الحياة العالية لئلا يزجوا بأنفسهم فيها دون دعوة الهية أو إستعداد نفسى فيكون الفشل وهذه كانت حالتى أنا شخصياً قبل الدخول فى الرهبنة، كنت اتشوق لقراءة الكتب الرهبانية والتهمتها التهاماً وعندما كان يقع فى يدى كتاب رهبانى أول ما يعنينى فيه وأول ما أقرأه فيه هو الفصل أو الفصول التى تتكلم أو تشير إلى كيف يقضى الراهب يومه فى قلايته أو داخل الدير خصوصاً أننى لم أكن قد زرت قبل ذلك الأديرة ولا أطلعت على حياة الرهبان على الطبيعة .
3 – الباحثون فى شئون الرهبنةوحتى من العلماء والمفكرين لكتابة أبحاثهم ودراستهم .
4 – عامة الشعب : كنوع من حب الإستطلاع حيث أن حياة الرهبنةوحتى رغم إنفتاح الأديرة على العالم وكثرة الزائرين من العالم للأديرة مازالت مجهولة من الكثيرين وغامضة او سرية على غالبية الناس .
وكان الآباء الشيوخ يجيبون على هذا السؤال الهام كل بطريقته الخاصة حسبما اختبر هو فى حياته الروحية أو حسبما أستلم من آباء الرهبنةالعظام المعتبرين أعمدة .
فنرى الأنبا بيمن مثلاً يقول : ثلاثة أعمال رأيناها لأنبا بيموا : صوم إلى المساء كل يوم وصمت دائم مع عمل اليدين .
ونحاول هنا أن نجمع بعض إجابات الأباء عن هذا السؤال حتى نستطيع بنعمة الله أن نكون فكرة ولو باهتة عن طريقة حياتهم وكيفية قضاء أوقاتهم فيما يرضى الله ، ثم بعد ذلك نحاول أن نقتفى آثارهم ونتلمس طريقهم حتى نسير فيه وفى ذلك يقول أرميا النبى :
" هكذا قال الرب : قفوا على الطرق وأنظروا وأسألوا عن السبل القديمة أين هو الطريق الصالح وسيروا فيه فتجدوا راحة لنفوسكم " ( أر 6 : 16 )
وإذا سرنا فى تلك الطرق القديمة الآبائية سنجدها طرقاً معبدة مضمونة واضحة توصلنا إلى الراحة الأبدية فى ملكوت ربنا .
فى الأمور العملبة يبحث الناس عادة عن أحدث النظريات العلمية وأخر الإختراعات والإنجازات فهى الأحسن دائماً ، أما فى الحياة الروحية والنسكية والكنسية عامة نحاول أن نبحث عن أقدم الأقوال وأقدم التدابير وأقدم النصوص وأقدم الطقوس فهى الأصح دائماً .
وهاهى بعض أقوال الآباء القدامى فى هذا الموضوع :
v فحينما أجتمع الآباء العظام فى مجلس خلاصى ليضعوا القوانين الازمة ليسير عليها الرهبان ويلتزموا بها تحدث الأنبا بفنوتيوس وقال :
" يجب على الأخوة أن يتبعوا النظام الذى سأمليه الآن فى أعمالهم اليومية فيتفرغون للأعمال التقوية من الساعة التاسعة ( 3 بعد الظهر ) يقومون بعمل ما يأمرهم به الرئيس ، ويؤدونه بخضوع ودون تملل كما يوصى القديس بولس الرسول " أفعلوا كل شىء بلا دمدمة ولا مجادلة "
إذ يجب أن يخافوا ذلك التهديد المخيف لهذا الرسول الذى يقول " لا تتذمروا أيضاً كما تذمر أناس منهم فأهلكهم المهلك "
v وللقديس العظيم برصنوفيوس إجابات مفيدة عن هذا السؤال :
س : كيف ينبغى أن أقضى يومى ؟
جـ : أقرأ فى المزامير قليلاً ، وأحفظ منها قليلاً وفتش أفكارك قليلاً ولا تجعل ذاتك تحت رباط قانون ، ولكن أعمل بقدر ما قواك الله على عمله ، ولا تترك تلاوة المزامير والقراءة قليلاً قليلاً وهكذا يمكنك أن تقضى يومك برضاة الله لأن آبائنا لم يكن لهم قوانين ساعات بل كانوا يجتازون اليوم كله فى القراءة وقتاً وفى تلاوة المزامير وقتاً وفى تعلم حاجات طعماهم وقتاً اخر ... وهكذا
v وأعطى هذا القديس أيضاً نموذجاً آخر لقضاء يوم الراهب فى قلايته فقال : " أقض بعض الوقت فى الأبصلمودية وبعض الوقت فى تلاوة المزامير وبعض الوقت فى فحص وحراسة الأفكار ولا تضع لنفسك حداً فى الأبصلمودية والصلوات الأرتجالية بل أعمل بقدر ما يعطيك الله من قوة لا تهمل القراءة والصلاة الداخلية . أفعل قليلاً من ذلك وهكذا أقض يومك بطريقة ترضى الله .
أباؤنا الذين كانوا كاملين لم يكن لهم قانون قاطع جاف ، بل كانوا يقضون كل اليوم بأتباع قوانينهم . قليل ابصلمودية ، وقليل تلاوة صلوات بصوت عإلى ، قليل فحص افكار ، وقليل إهتمام بالطعام وكانوا يعملون كل هذا فى خوف الله لأنه قيل " فإذا كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئاً فأفعلوا كل شىء لمجد الله " ( 1 كو 10 : 31 )
س : إذا سكن الأنسان ( عاش فى السكون ) فما هى الحال التى ينبغى أن يكون عليها فى القلاية ؟
أجاب القديس برصنوفيوس : " الجلوس فى القلاية هو أن يتذكر الراهب خطاياه وينوح ويبكى من أجلها ويتحرز أن لا يسبى عقله وإن سبى فليجاهد أن يرده "
v أما القديس فيلوكسينوس فيحدد تدابير القلاية بالوقت والساعة زيادة فى الإيضاح فيقول :
إذا جاء الصباح فليغسل الراهب يديه ويصنع سجدة أمام الصليب ليجمع أفكاره من الطياشة ويحمى قلبه بنار محبة ربنا ويتخشع لربنا بدموع وحرقة ( ثم يصلى صلاة قصيرة قبل قراءة الكتاب المقدس ) قائلاً يا الله أجعلنى مستحقاً أن يتنعم ذهنى بإفهام اسرار ابنك الحبيب الوحيد يا ربنا أكشف غطاء الأوجاع المسدول على وجه عقلى وأشرق نورك الطاهر فى قلبى ليدخل ذهنى لأنظر بعين نفسى النيرة الأسرار الطاهرة المخيفة فى بشارتك . أعطنى نعمتك واجعلنى مستحقاً برحمتك أن لا يذهب ذكرك من قلبى ليلاً أو نهاراً بعد ذلك يأخذ الإنجيل ويقرأ منه .
فإذا قرأت فى الأنجيل ايها الأخ النشيط وتأخذ منه تلك البركة التى تطهر نفسك . أقرأ فى رسائل بولس الرسول وأعمال الرسل حتى تأتى الساعة الثالثة .
v إذا جاءت الساعة الثالثة قف أمام الصليب و أجمع أفكارك من فهم القراءة التى قرأت وأصنع مطانية وتخشع لربنا بوجع ودموع ليعطيك فهم تزمير الطوبانى داود ، وإذا ابتدأت بصلاة المزامير فلا تتعجل على كثرة المزامير بل على فحص الفهم المخفى فيها إذ ليس فى ذلك خسارة إذا أشتغل العقل بكلمة واحدة سبعة أيام وسبع ليال لأنه قد قيل لآبائنا القديسين " أن كلمة واحدة فى القرب أخير من ألف كلمة فى البعد " فى خدمتك وصلاتك أجعل عقلك يرتل بفهم المزامير وفمك ينطق حسياً ( بالكلمات ) .
v إذا أكملت صلاة الساعة الثالثة مثل القانون والعادة التى وضعها آباؤنا خذ كتاب الآباء وأقرأ فيه إلى الساعة السادسة وأياك أن تبطل ذهنك عن هذيذ الإفهام المعقولة للقراءة .
v من الساعة السادسة إلى الساعة التاسعة أمل عمل يديك ولا تترك قانون المطانيات وإياك أن تتشره على عمل اليدين وتترك ذاك . ولكن كمل قانون المطانيات مع العمل لأن آباءنا الروحانيين يحسبون عمل اليدين الذى يعمله الأخ بمخافة الله فى القلاية كمثل أحد الفضائل بحيث لا يتشره عليها تلك التى هى أم جميع الشرور .
وآباؤنا الروحانيون جعلوا عمل اليدين مثل قانون محدود وحسبوه كأحد الفضائل
لسببين :
الأول : لأنه يخفف عن الأخ الثقل ( الضجر والملل ) إذا جاء عليه مثلما حدث للطوبانى انطونيوس فى البرية ...
الثانى : من عمل يديه يعد قوته ويعطى أيضاً منه صدقة لآخرين لئلا يجد مجالاً للخروج من قلايته من أجل العوز فيسبب له ذلك إقتناء الدالة مع العلمانيين فيحرم من الجلوس فى هدوء القلاية فيكون من ذلك سقطة ليس لها قيام .
v من الساعة التاسعة إلى المساء فليهتم الراهب بقوته كما قال آباؤنا الروحانيون بذكر الله من كل القلب مع قانون المطانيات .
v إذا بلغ المساء فقم بأهتمام قلب ويقظة أفكار تامة وارفع الشكر لله على حسن إنعامه لك طول النهار وليكن لك تحفظ بأفكارك فى هذه الساعة أكثر من كل الساعات الأخرى لأن محرقة المساء التامة كانت مقبولة عند الله أكثر من كل ذبائح الناموس ، كما أن داود الطوبانى قال رفع يدى ليقبل أمامك مثل ذبيحة مسائية .
v إذا خدمت خدمة المساء مثل العادة فضع المائدة أمام الصليب وأرفع الشكر لله وليأخذ جسدك قوتاً محسوساً ولتتقوت نفسك قوتاً روحانياً وأنظر لئلا تمنع نفسك من قوت الروح بسبب القوت المحسوس وليكن قوتك متضعاً غير مصنوع بأطعمة كثيرة ولا تعطى جسدك قوتاً زائداً بسبب أعداء الليل .
v إذا أخذت القوت مثل العادة فكمل القانون الذى بعد المائدة مثلما وضع الآباء القديسون .
v أجز الليل كله بسهر ويقظة الجسد والنفس ولتقسمه ثلاثة أجزاء :
واحد : للمزامير . والثانى : للقراءة
الثالث : للتسبيحات الشجية الحلوة الموضوعة بالروح القدس لتكون لك تعزية طول الليل .
فالراهب الذى يسهر من العشاء إلى الصباح بيقظة الضمير يشبه ملائكة النور الذين يقدسون دائماً بسر التقديس المثلث الذى للعالم الجديد .
أنظر ايها الأخ العمال لا تبطل من تلك السبع صلوات الموضوعة بواسطة آبائنا القديسين من أجل حفظ حياتنا إلا بسبب المرض لئلا تسلم لأيدى الشياطين لأن ملازمة جلوس القلاية يتطلب منك إكمال تلك الساعات لأن من يتهاون بخدمة الساعات فباطل جلوسه فى القلاية .
v ويقول القديس نيلس السينائى :
قسم النهار قليل عمل يد ، قليل صلاة ، قليل درس ، وعقلك يهذ ويتأمل . كما يقول فى نصيحة أخرى : ليكن لك هدوء بمعرفة قليل عمل ، وقليل صلاة ، وقليل قراءة مع الصوم إلى المساء كل يوم . وخدمة النهار والليل بخوف الله .
v ويقول القديس أشعياء الإسقيطى فى نصائحه للمبتدئين :
إلزم نفسك بأن تصلى فى الليل صلوات كثيرة لأن الصلاة هى ضوء النفس وفى نصيحة مماثلة يقول : " قبل ان تنام أسهر ساعتين مصلياً ومزمراً "
v لا تتوان فى صلوات الساعات لئلا تقع فى أيدى أعدائك أجهد نفسك فى تلاوة المزامير فإن ذلك يحفظك من خطية الدنس .
v أدرس فى مزاميرك وصل لله بفكرك .
v كل مرة واحدة فى النهار وأعط جسدك حاجته بقدر . كذلك سهرك يكون بقدر . أسهر نصف الليل فى الصلاة والنصف الآخر لراحة جسدك . وأصنع قانونك بحرص وإجتهاد .
v إذا كنت ساكناً فى قلاية فأجعل طعامك مقدار معيناً ووقتاً معروفاً لا تتعداه لأن خراب النفس هو حب البطن .
v إذا قمت باكر كل يوم فقبل أن تقوم بأى عمل أقرأ كلام الله وبعد ذلك إن كان لك عمل فى القلاية فأعمله بهمة ونشاط وإذا جلست فى قلايتك فأهتم بهذه الثلاثة أمور :
1 – أبدأ عمل يديك .
2 – أدرس مزاميرك وصلواتك .
3 – فكر فى نفسك أنه ليس لك شىء فى هذه الدنيا سوى اليوم الذى أنت فيه بذلك لن تخطىء .
يقول مؤلف كتاب"دراسات فى تاريخ الرهبنةوحتى والديرية المصرية " ص153 حرص الرهبان على أن يكملوا الصلوات السبع . أما الصلوات الليلية فشملت صلاة الغروب ونصف الليل وباكر .
وأدى الرهبان صلاة الغروب وقت مغرب الشمس كما أدوا صلاة النوم قبل أن يركنوا إلى فترة قليلة من النعاس فى النصف الأول من الليل حتى إذا ما أنتصف الليل أستيقظ من نام من الرهبان لتأدية صلاة نصف الليل فكانت صلاة نصف الليل لها أهمية خاصة لأستنادها على قول داوود النبى " فى منتصف الليل أقوم لأحمدك على أحكام برك " (مز119 : 62 ) ومن قصر فيها أعتبر مقصراُ فى شكر الله وحمده
v عند الفجر يصلى الراهب صلاة باكر ، وحرم على الرهبان النوم بعد صلاة باكر
( كانت تقضى مدة ثلاث ساعات تقريباً فى قراءة الكتاب المقدس والتأمل ) .
v الصلوات النهارية : أولهما صلاة الساعة الثالثة وقام بها الراهب بعد مرور ثلاث ساعات من النهار ( 9 صباحاً ) وفيها يتأمل الراهب فى كيفية تألم المسيح ومحاكمته قبل صدور حكم بيلاطس عليه بالموت فى هذه الساعة .
v صلاة الساعة السادسة وكان يؤديها الراهب فى منتصف النهار بأعتبار أن هذه الساعة صلب فيها المسيح وشرب كأس الخل وتألم لمرارته .
v يختم الراهب صلواته النهارية فى الساعة التاسعة (3بعد الظهر) لأن فى هذه الساعة أسلم المسيح روحه ومات على الصليب من أجل خلاص جنسنا .
ويقول مؤلف كتاب " الرهبنةوحتى القبطية فى عصر القديس أنبا مقار " ص362 : " اليوم عند الآباء الرهبان كان يبدأ من بعد منتصف الليل مباشرة وهو يبدأ بخدمة تسبيح صلاة نصف الليل "
فإذا انتهت تسبحة نصف الليل وهى يتحتم أن تنتهى قبل ظهور ضياء الفجر فإن الراهب لا يعود إلى النوم بل يتبع الصلاة بالهذيذ فى الكتاب المقدس حتى يبزغ نور الفجر ( حسب قول المرنم ) " سبق عيناى وقت السحر لألهج فى أقوالك " وذلك تتميماً لوصية الأنبا أنطونيوس الأولى والعظمى "أن تصلى دائماً وترنم بالمزامير قبل النوم وبعد اليقظة من النوم وأن تهذ فى قلبك مقولات الأسفار المقدسة ،فإذا أشرق نور النهار يهب الراهب نشيطاً ليبدأ عملاً من أعماله اليدوية (وهكذا بواسطة ترديد مزمور أو فصل من الكتاب المقدس فى هذه الساعة بمنع الفرصة عن الأفكار الشريرة ) ، أما العمل اليدوى فكان دائماً داخل القلاية ويقوم به الراهب بلا إنقطاع (طول السنة) مع الهذيذ بالمزامير وقطع من الكتاب المقدس بصفة مستمرة أثناء العمل .
فكان الآباء يضعون أمامهم القراية وعليها الكتاب المقدس أو كتاب المزامير وكانت عيونهم طول الوقت لا تكف عن القراءة أثناء عمل الأصابع (لأن صناعة المقاطف سهلة ولا تحتاج كثيراُ من الأنتباه) فكانوا بهذه الطريقة يحفظون كميات هائلة من الأسفار المقدسة بدون أى جهد .
[
مدونة ام النور اضغط ع الصورة
[
مدونة الشهيدة دميانه اضغط علي الصورة
[
اضغط علي الصورة لتتعرف اهم واخر الاخبار
قناتي ع اليوتيوب
https://www.youtube.com/user/demiana2
هذا السؤال الهام والخطير كان منذ نشأة الرهبنةوحتى الآن ومازال يتردد على أفواه الكثيرين : كيف يقضى الراهب يومه أو كيف يجيز يومه ؟
يتردد هذا السؤال غالباً على ألسنة عدة فئات من الناس :
1 – الرهبان المبتدئون الداخلون إلى الرهبنةوحتى بأمانة قلبية وحمية روحية يريدون السلوك الرهبانى على أسلم الطرق وأصح التدابير .
2 – الشبان الذين يودون الدخول والإنتظام فى سلك الرهبنةوحتى حتى يقيسوا قدراتهم الروحية وهل عندهم الإمكانيات اللازمة لهذه الحياة العالية لئلا يزجوا بأنفسهم فيها دون دعوة الهية أو إستعداد نفسى فيكون الفشل وهذه كانت حالتى أنا شخصياً قبل الدخول فى الرهبنة، كنت اتشوق لقراءة الكتب الرهبانية والتهمتها التهاماً وعندما كان يقع فى يدى كتاب رهبانى أول ما يعنينى فيه وأول ما أقرأه فيه هو الفصل أو الفصول التى تتكلم أو تشير إلى كيف يقضى الراهب يومه فى قلايته أو داخل الدير خصوصاً أننى لم أكن قد زرت قبل ذلك الأديرة ولا أطلعت على حياة الرهبان على الطبيعة .
3 – الباحثون فى شئون الرهبنةوحتى من العلماء والمفكرين لكتابة أبحاثهم ودراستهم .
4 – عامة الشعب : كنوع من حب الإستطلاع حيث أن حياة الرهبنةوحتى رغم إنفتاح الأديرة على العالم وكثرة الزائرين من العالم للأديرة مازالت مجهولة من الكثيرين وغامضة او سرية على غالبية الناس .
وكان الآباء الشيوخ يجيبون على هذا السؤال الهام كل بطريقته الخاصة حسبما اختبر هو فى حياته الروحية أو حسبما أستلم من آباء الرهبنةالعظام المعتبرين أعمدة .
فنرى الأنبا بيمن مثلاً يقول : ثلاثة أعمال رأيناها لأنبا بيموا : صوم إلى المساء كل يوم وصمت دائم مع عمل اليدين .
ونحاول هنا أن نجمع بعض إجابات الأباء عن هذا السؤال حتى نستطيع بنعمة الله أن نكون فكرة ولو باهتة عن طريقة حياتهم وكيفية قضاء أوقاتهم فيما يرضى الله ، ثم بعد ذلك نحاول أن نقتفى آثارهم ونتلمس طريقهم حتى نسير فيه وفى ذلك يقول أرميا النبى :
" هكذا قال الرب : قفوا على الطرق وأنظروا وأسألوا عن السبل القديمة أين هو الطريق الصالح وسيروا فيه فتجدوا راحة لنفوسكم " ( أر 6 : 16 )
وإذا سرنا فى تلك الطرق القديمة الآبائية سنجدها طرقاً معبدة مضمونة واضحة توصلنا إلى الراحة الأبدية فى ملكوت ربنا .
فى الأمور العملبة يبحث الناس عادة عن أحدث النظريات العلمية وأخر الإختراعات والإنجازات فهى الأحسن دائماً ، أما فى الحياة الروحية والنسكية والكنسية عامة نحاول أن نبحث عن أقدم الأقوال وأقدم التدابير وأقدم النصوص وأقدم الطقوس فهى الأصح دائماً .
وهاهى بعض أقوال الآباء القدامى فى هذا الموضوع :
v فحينما أجتمع الآباء العظام فى مجلس خلاصى ليضعوا القوانين الازمة ليسير عليها الرهبان ويلتزموا بها تحدث الأنبا بفنوتيوس وقال :
" يجب على الأخوة أن يتبعوا النظام الذى سأمليه الآن فى أعمالهم اليومية فيتفرغون للأعمال التقوية من الساعة التاسعة ( 3 بعد الظهر ) يقومون بعمل ما يأمرهم به الرئيس ، ويؤدونه بخضوع ودون تملل كما يوصى القديس بولس الرسول " أفعلوا كل شىء بلا دمدمة ولا مجادلة "
إذ يجب أن يخافوا ذلك التهديد المخيف لهذا الرسول الذى يقول " لا تتذمروا أيضاً كما تذمر أناس منهم فأهلكهم المهلك "
v وللقديس العظيم برصنوفيوس إجابات مفيدة عن هذا السؤال :
س : كيف ينبغى أن أقضى يومى ؟
جـ : أقرأ فى المزامير قليلاً ، وأحفظ منها قليلاً وفتش أفكارك قليلاً ولا تجعل ذاتك تحت رباط قانون ، ولكن أعمل بقدر ما قواك الله على عمله ، ولا تترك تلاوة المزامير والقراءة قليلاً قليلاً وهكذا يمكنك أن تقضى يومك برضاة الله لأن آبائنا لم يكن لهم قوانين ساعات بل كانوا يجتازون اليوم كله فى القراءة وقتاً وفى تلاوة المزامير وقتاً وفى تعلم حاجات طعماهم وقتاً اخر ... وهكذا
v وأعطى هذا القديس أيضاً نموذجاً آخر لقضاء يوم الراهب فى قلايته فقال : " أقض بعض الوقت فى الأبصلمودية وبعض الوقت فى تلاوة المزامير وبعض الوقت فى فحص وحراسة الأفكار ولا تضع لنفسك حداً فى الأبصلمودية والصلوات الأرتجالية بل أعمل بقدر ما يعطيك الله من قوة لا تهمل القراءة والصلاة الداخلية . أفعل قليلاً من ذلك وهكذا أقض يومك بطريقة ترضى الله .
أباؤنا الذين كانوا كاملين لم يكن لهم قانون قاطع جاف ، بل كانوا يقضون كل اليوم بأتباع قوانينهم . قليل ابصلمودية ، وقليل تلاوة صلوات بصوت عإلى ، قليل فحص افكار ، وقليل إهتمام بالطعام وكانوا يعملون كل هذا فى خوف الله لأنه قيل " فإذا كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئاً فأفعلوا كل شىء لمجد الله " ( 1 كو 10 : 31 )
س : إذا سكن الأنسان ( عاش فى السكون ) فما هى الحال التى ينبغى أن يكون عليها فى القلاية ؟
أجاب القديس برصنوفيوس : " الجلوس فى القلاية هو أن يتذكر الراهب خطاياه وينوح ويبكى من أجلها ويتحرز أن لا يسبى عقله وإن سبى فليجاهد أن يرده "
v أما القديس فيلوكسينوس فيحدد تدابير القلاية بالوقت والساعة زيادة فى الإيضاح فيقول :
إذا جاء الصباح فليغسل الراهب يديه ويصنع سجدة أمام الصليب ليجمع أفكاره من الطياشة ويحمى قلبه بنار محبة ربنا ويتخشع لربنا بدموع وحرقة ( ثم يصلى صلاة قصيرة قبل قراءة الكتاب المقدس ) قائلاً يا الله أجعلنى مستحقاً أن يتنعم ذهنى بإفهام اسرار ابنك الحبيب الوحيد يا ربنا أكشف غطاء الأوجاع المسدول على وجه عقلى وأشرق نورك الطاهر فى قلبى ليدخل ذهنى لأنظر بعين نفسى النيرة الأسرار الطاهرة المخيفة فى بشارتك . أعطنى نعمتك واجعلنى مستحقاً برحمتك أن لا يذهب ذكرك من قلبى ليلاً أو نهاراً بعد ذلك يأخذ الإنجيل ويقرأ منه .
فإذا قرأت فى الأنجيل ايها الأخ النشيط وتأخذ منه تلك البركة التى تطهر نفسك . أقرأ فى رسائل بولس الرسول وأعمال الرسل حتى تأتى الساعة الثالثة .
v إذا جاءت الساعة الثالثة قف أمام الصليب و أجمع أفكارك من فهم القراءة التى قرأت وأصنع مطانية وتخشع لربنا بوجع ودموع ليعطيك فهم تزمير الطوبانى داود ، وإذا ابتدأت بصلاة المزامير فلا تتعجل على كثرة المزامير بل على فحص الفهم المخفى فيها إذ ليس فى ذلك خسارة إذا أشتغل العقل بكلمة واحدة سبعة أيام وسبع ليال لأنه قد قيل لآبائنا القديسين " أن كلمة واحدة فى القرب أخير من ألف كلمة فى البعد " فى خدمتك وصلاتك أجعل عقلك يرتل بفهم المزامير وفمك ينطق حسياً ( بالكلمات ) .
v إذا أكملت صلاة الساعة الثالثة مثل القانون والعادة التى وضعها آباؤنا خذ كتاب الآباء وأقرأ فيه إلى الساعة السادسة وأياك أن تبطل ذهنك عن هذيذ الإفهام المعقولة للقراءة .
v من الساعة السادسة إلى الساعة التاسعة أمل عمل يديك ولا تترك قانون المطانيات وإياك أن تتشره على عمل اليدين وتترك ذاك . ولكن كمل قانون المطانيات مع العمل لأن آباءنا الروحانيين يحسبون عمل اليدين الذى يعمله الأخ بمخافة الله فى القلاية كمثل أحد الفضائل بحيث لا يتشره عليها تلك التى هى أم جميع الشرور .
وآباؤنا الروحانيون جعلوا عمل اليدين مثل قانون محدود وحسبوه كأحد الفضائل
لسببين :
الأول : لأنه يخفف عن الأخ الثقل ( الضجر والملل ) إذا جاء عليه مثلما حدث للطوبانى انطونيوس فى البرية ...
الثانى : من عمل يديه يعد قوته ويعطى أيضاً منه صدقة لآخرين لئلا يجد مجالاً للخروج من قلايته من أجل العوز فيسبب له ذلك إقتناء الدالة مع العلمانيين فيحرم من الجلوس فى هدوء القلاية فيكون من ذلك سقطة ليس لها قيام .
v من الساعة التاسعة إلى المساء فليهتم الراهب بقوته كما قال آباؤنا الروحانيون بذكر الله من كل القلب مع قانون المطانيات .
v إذا بلغ المساء فقم بأهتمام قلب ويقظة أفكار تامة وارفع الشكر لله على حسن إنعامه لك طول النهار وليكن لك تحفظ بأفكارك فى هذه الساعة أكثر من كل الساعات الأخرى لأن محرقة المساء التامة كانت مقبولة عند الله أكثر من كل ذبائح الناموس ، كما أن داود الطوبانى قال رفع يدى ليقبل أمامك مثل ذبيحة مسائية .
v إذا خدمت خدمة المساء مثل العادة فضع المائدة أمام الصليب وأرفع الشكر لله وليأخذ جسدك قوتاً محسوساً ولتتقوت نفسك قوتاً روحانياً وأنظر لئلا تمنع نفسك من قوت الروح بسبب القوت المحسوس وليكن قوتك متضعاً غير مصنوع بأطعمة كثيرة ولا تعطى جسدك قوتاً زائداً بسبب أعداء الليل .
v إذا أخذت القوت مثل العادة فكمل القانون الذى بعد المائدة مثلما وضع الآباء القديسون .
v أجز الليل كله بسهر ويقظة الجسد والنفس ولتقسمه ثلاثة أجزاء :
واحد : للمزامير . والثانى : للقراءة
الثالث : للتسبيحات الشجية الحلوة الموضوعة بالروح القدس لتكون لك تعزية طول الليل .
فالراهب الذى يسهر من العشاء إلى الصباح بيقظة الضمير يشبه ملائكة النور الذين يقدسون دائماً بسر التقديس المثلث الذى للعالم الجديد .
أنظر ايها الأخ العمال لا تبطل من تلك السبع صلوات الموضوعة بواسطة آبائنا القديسين من أجل حفظ حياتنا إلا بسبب المرض لئلا تسلم لأيدى الشياطين لأن ملازمة جلوس القلاية يتطلب منك إكمال تلك الساعات لأن من يتهاون بخدمة الساعات فباطل جلوسه فى القلاية .
v ويقول القديس نيلس السينائى :
قسم النهار قليل عمل يد ، قليل صلاة ، قليل درس ، وعقلك يهذ ويتأمل . كما يقول فى نصيحة أخرى : ليكن لك هدوء بمعرفة قليل عمل ، وقليل صلاة ، وقليل قراءة مع الصوم إلى المساء كل يوم . وخدمة النهار والليل بخوف الله .
v ويقول القديس أشعياء الإسقيطى فى نصائحه للمبتدئين :
إلزم نفسك بأن تصلى فى الليل صلوات كثيرة لأن الصلاة هى ضوء النفس وفى نصيحة مماثلة يقول : " قبل ان تنام أسهر ساعتين مصلياً ومزمراً "
v لا تتوان فى صلوات الساعات لئلا تقع فى أيدى أعدائك أجهد نفسك فى تلاوة المزامير فإن ذلك يحفظك من خطية الدنس .
v أدرس فى مزاميرك وصل لله بفكرك .
v كل مرة واحدة فى النهار وأعط جسدك حاجته بقدر . كذلك سهرك يكون بقدر . أسهر نصف الليل فى الصلاة والنصف الآخر لراحة جسدك . وأصنع قانونك بحرص وإجتهاد .
v إذا كنت ساكناً فى قلاية فأجعل طعامك مقدار معيناً ووقتاً معروفاً لا تتعداه لأن خراب النفس هو حب البطن .
v إذا قمت باكر كل يوم فقبل أن تقوم بأى عمل أقرأ كلام الله وبعد ذلك إن كان لك عمل فى القلاية فأعمله بهمة ونشاط وإذا جلست فى قلايتك فأهتم بهذه الثلاثة أمور :
1 – أبدأ عمل يديك .
2 – أدرس مزاميرك وصلواتك .
3 – فكر فى نفسك أنه ليس لك شىء فى هذه الدنيا سوى اليوم الذى أنت فيه بذلك لن تخطىء .
يقول مؤلف كتاب"دراسات فى تاريخ الرهبنةوحتى والديرية المصرية " ص153 حرص الرهبان على أن يكملوا الصلوات السبع . أما الصلوات الليلية فشملت صلاة الغروب ونصف الليل وباكر .
وأدى الرهبان صلاة الغروب وقت مغرب الشمس كما أدوا صلاة النوم قبل أن يركنوا إلى فترة قليلة من النعاس فى النصف الأول من الليل حتى إذا ما أنتصف الليل أستيقظ من نام من الرهبان لتأدية صلاة نصف الليل فكانت صلاة نصف الليل لها أهمية خاصة لأستنادها على قول داوود النبى " فى منتصف الليل أقوم لأحمدك على أحكام برك " (مز119 : 62 ) ومن قصر فيها أعتبر مقصراُ فى شكر الله وحمده
v عند الفجر يصلى الراهب صلاة باكر ، وحرم على الرهبان النوم بعد صلاة باكر
( كانت تقضى مدة ثلاث ساعات تقريباً فى قراءة الكتاب المقدس والتأمل ) .
v الصلوات النهارية : أولهما صلاة الساعة الثالثة وقام بها الراهب بعد مرور ثلاث ساعات من النهار ( 9 صباحاً ) وفيها يتأمل الراهب فى كيفية تألم المسيح ومحاكمته قبل صدور حكم بيلاطس عليه بالموت فى هذه الساعة .
v صلاة الساعة السادسة وكان يؤديها الراهب فى منتصف النهار بأعتبار أن هذه الساعة صلب فيها المسيح وشرب كأس الخل وتألم لمرارته .
v يختم الراهب صلواته النهارية فى الساعة التاسعة (3بعد الظهر) لأن فى هذه الساعة أسلم المسيح روحه ومات على الصليب من أجل خلاص جنسنا .
ويقول مؤلف كتاب " الرهبنةوحتى القبطية فى عصر القديس أنبا مقار " ص362 : " اليوم عند الآباء الرهبان كان يبدأ من بعد منتصف الليل مباشرة وهو يبدأ بخدمة تسبيح صلاة نصف الليل "
فإذا انتهت تسبحة نصف الليل وهى يتحتم أن تنتهى قبل ظهور ضياء الفجر فإن الراهب لا يعود إلى النوم بل يتبع الصلاة بالهذيذ فى الكتاب المقدس حتى يبزغ نور الفجر ( حسب قول المرنم ) " سبق عيناى وقت السحر لألهج فى أقوالك " وذلك تتميماً لوصية الأنبا أنطونيوس الأولى والعظمى "أن تصلى دائماً وترنم بالمزامير قبل النوم وبعد اليقظة من النوم وأن تهذ فى قلبك مقولات الأسفار المقدسة ،فإذا أشرق نور النهار يهب الراهب نشيطاً ليبدأ عملاً من أعماله اليدوية (وهكذا بواسطة ترديد مزمور أو فصل من الكتاب المقدس فى هذه الساعة بمنع الفرصة عن الأفكار الشريرة ) ، أما العمل اليدوى فكان دائماً داخل القلاية ويقوم به الراهب بلا إنقطاع (طول السنة) مع الهذيذ بالمزامير وقطع من الكتاب المقدس بصفة مستمرة أثناء العمل .
فكان الآباء يضعون أمامهم القراية وعليها الكتاب المقدس أو كتاب المزامير وكانت عيونهم طول الوقت لا تكف عن القراءة أثناء عمل الأصابع (لأن صناعة المقاطف سهلة ولا تحتاج كثيراُ من الأنتباه) فكانوا بهذه الطريقة يحفظون كميات هائلة من الأسفار المقدسة بدون أى جهد .
[
مدونة ام النور اضغط ع الصورة
[
مدونة الشهيدة دميانه اضغط علي الصورة
[
اضغط علي الصورة لتتعرف اهم واخر الاخبار
قناتي ع اليوتيوب
https://www.youtube.com/user/demiana2